وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3778 - 2012 / 7 / 4 - 15:00
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
طرح غرامشي ( 1891- 1937 ) مفهوم (الكتلة التاريخية ) كاقتراح لقيام تحالف بين قوى الماركسية والليبرالية في شمال ايطاليا المتقدم صناعيا والقوى المسيحية المسيطرة على جنوب ايطاليا المتخلف اقتصاديا ,سعيا لنهضة ايطاليا .
وتعد الجبهة الساندينية ,التي حكمت نيكاراغوا (1979 – 1990 ) من الامثلة المعاصرة للكتلة التاريخية ,اذ انشات في تسعينات القرن الماضي من تحالف قوى اليسار الماركسي مع المسيحيين المدعومين من الكنيسة بما بات يعرف ب ( لاهوت التحرير ) الذي يستند الى تعاليم السيد المسيح ذات المحتوى الطبقي ,حسب الانجيل .ودعوته الى تحرير الانسان والمراة .وقد نجحت هذه الجبهة في اسقاظ نظام سوموزا عام 1979 المدعوم من قبل المخابرات الاميركية .
وقد طرح الاستاذ فارس كمال نظمي في كتابه ( الاسلمة السياسية في العراق – رؤية – نفسية ) مفهوم الكتلة التاريخية بين الشيوعيين والماركسيين في العراق وانصارهم وبين التيار الصدري ! .
وقد اعطى الاستاذ فارس كمال نظمي عدة تساؤلات حول الموضوع,منها 1 – هل اصبح الصدريون في فعلهم الاجتماعي والطبقي شيوعيي اليوم ؟
2 – هل ثمة تقارب في السمات والنزعات بين الشخصية الشيوعية والشخصية الصدرية ؟
3 – ولو قرر الشيوعيون تبني مرجعية الصدر الى جانب عقيدتهم الحالية , ولو قرر التيار الصدري ان يتبنى الماركسية الى جانب عقيدته الحالية , فهل سيتبقى اي اختلاف جوهري بينهما ؟
وينطلق الاستاذ فارس كمال نظميي في تحليله من جانب نفسي باعتباره حاصلا على شهادة الدكتوراه في علم النفس . يقول ان الايديولوجيات المتضاربة لاتنبع بالضرورة من سيكولوجيات متضاربة .فالمحروم المتدين لايختلف عن المحروم غير المتدين في بنائه الانفعالي المتضرر جراء الفقر والتهميش , لكنهما قد يختلفان في كيفية تسبيبهما لحالتهما .
ويقول ايضا : ( وعلى الرغم من حقيقة هذا التباعد الفكري ,فسيخسر الشيوعيون اكثر مما خسروا اذا ظلوا بعيدين عن الجذوة الصدرية الشعبية الحالية . وسيخسر الصدريون بالتدريج اذا ظلوا بعيدين عن العقلانية الشيوعية .فالاصلاح الاجتماعي الفاعل في التاريخ الحديث كان على الدوام نتاجا لتلاقح الاتجاهات الاصلاحية الدينية الجريئة بالقيم التنويرية العلمانية , وصولا لانتاج نمط ارقى من الدولة العاقلة ) .
وذكر السيد نظمي ان الكتلة التاريخية عليها التركيز على حقوق الانسان العراقي المسحوق واعادة التوازن للعلاقة بين النزعتين العلمانية والدينية في الحياة العراقية بفعل تسييس الدين . ومعالجة اثار العنف السياسي الدموي (الفاشية والاحتلال والطائفية والارهاب ) التي يعاني منها الشعب العراقي . وقد اقترح الكاتب المغربي محمد عابد الجابري الى تشكيل كتل تاريخية مماثلة في البلدان العربية في دراسته :
(الكتلة التاريخية .. باي معنى ؟ ) قائلا : ( ان اي حركة تغيير في المجتمع العربي الراهن لايمكن ان تضمن لنفسها اسباب النجاح الا اذا انطلقت من الواقع العربي كما هو ,اخذة بعين الاعتبار الكامل جميع مكوناته , العصرية منها والتقليدية ,النخب وعموم الناس ,الاقليات والاغلبيات , صفوف العمال وصفوف الطلاب , وقبل ذلك وبعده صفوف المساجد ... صفوف المصلين ) .
تبدو رؤية الاستاذ فارس كمال نظمي رؤية تبسيطية وخيالية وغيرقابلة للتطبيق .ولكن يبرز هنا سؤال فجاة .. كيف الجمع بين النقيضين ؟
بين الديني والشيوعي العقلاني ؟
في بحثي عن اجابات عن هذا السؤال , وجدت بصيصا من نور قد يوصلنا الى هذه الكتلة التاريخية , والى هذا الصلح والتصالح ,والذي سيغير الخارطة السياسية والثقافية للعراق .
ولكن ماهي المعوقات في انشاء هذه الكتلة التاريخية ؟ . لاشك ان الاشكال لايتعلق بالتيار الصدري وبالمتدينيين انفسهم فلا يجب ان نتوقع منهم مبادرة فورية لمشروع كهذا .ان المبادرة هي بيد الشيوعيين والماركسيين واحزابهم وتنظيماتهم .ان الخطوة الاولى يجب ان تبدا من قبل الشيوعيين وانصارهم .وهذا لايتم في ظل وجود انقسام في صفوف الحركة الشيوعية .
على الشيوعيين توحيد صفوفهم وعملهم وتضامنهم في تيار يساري بمعزل عن موقفهم من العملية السياسية . فما يجمعهم اكثر بكثير مما يفرقهم .يقوم هذا البرنامج على النقاط التالية :
1- الاعتراف المتبادل لهذه الاحزاب بعضها ببعض , واحترام استقلالها الفكري والتنظيمي والسياسي .
2- نبذ سياسات الاقصاء والتخوين تجاه بعضهم بعضا .
3- ان هذا التقارب بين الشيوعيين يستدعي احالة القيادات المعمرة والتي تشبثت بالكراسي الى التقاعد ,وان يتم تحويل معظم اللجان المركزية والمكاتب السياسية الى قيادات شيوعية شابة .
4- ايجاد مصادر تمويل ودعم من داخل الاحزاب الشيوعية لينتفي العامل الخارجي المؤثر في سياسات الحزب .
5- على الاحزاب الشيوعية مراجعة سياساتها من خلال مؤتمراتها والعمل على تفعيل النقدالذاتي . لايمكن تطوير عمل الاحزاب الشيوعية هي ترفض النقد الذاتي والاعتراف باخطائها وممارسة سياسة تقويم الاخطاء .
6- الغاء البناء الحزبي الهرمي الديكتاتوري القائم على المباديء اللينينية – الستالينية في التنظيم واستبداله ببناء قائم على المباديء الديمقراطية والليبرالية .
7- التخلي عن الجمود العقائدي والنظرية لصالح منهج نقدي ماركسي يستوعب كل العلوم الانسانية وتراث الشعب العراقي بما فيه التراث الديني .
8- تحويل الاحزاب الشيوعية لاحزاب شبابية وليست احزاب متوسط عمر الرفيق قد تجاوز الستين عاما .
9- التصالح مع الذات والمجتمع والتاريخ ومع الدين , ويبدا هذا التصالح ,بالتصالح مع الذات والعودة الى الشعب وتقاليده والتكلم بلغته لا بلغة النخبة .
10- ان الاحزاب الشيوعية في العراق قد تربت على نمط المدرسة الماركسية السوفيتية المعادية للدين وللتراث .لذلك استبعد الشيوعيون الدين والتراث واصبحوا يغردون خارج السرب .
ان بقاء الشيوعيين على انعزالهم معناه مزيدا من الخسائر والتراجعات , ومزيدا من العزلة والتاكل والاضمحلال ,وتحويل الحزب الى ديكور ومجموعة دكاكين لاغير .
11-التركيز على الجانب العملي ,والعمل بين اوساط جماهير الشعب الكادح والتقليل من الكلام النظري .
12 – التركيز على العمل في نقابات العمال ومنظمات المجتمع المدني عموما , على شرط الابتعاد غن التحزب . اي ان تكون هذه المنظمات غير خاضعة لاي حزب وايديولوجيا ,وتكون مفتوحة للجميع .
ان تنفيذ هذا البرنامج سيعمل على توحيد الشيوعيين في نضالات مشتركة ويؤدي الى ازالة الموانع الفكرية وتوحيد عملهم وواظهار قوتهم في الشارع .
العودة الى الاستفادة من التراث الديني ومن اوساط المصلين ,وهو يعني حضور الشيوعيين في المساجد بغض النظر عن ايمانهم او الحادهم .واحترام تقاليد الشعب ,وهذا سيجعلهم يتعلمون اساليب حديدة في العمل وفي الفعاليات الجماهيرية . وهذا يستلزم وضع شعارات واقعية لاشعارات طوباوية .بعد ازالة العوائق الايديولوجية بين الاحزاب الشيوعية , وازالة ترسبات المرحلة السوفيبتية ,سوف لايتبقى مشكلة امام الشيوعي في العمل مع الاسلامي , ومن ضمنهم التيار الصدري .
هذا العمل الميداني والتقارب الفكري هو الذي سيجذب اتباع التيار الصدري الى الشيوعيين وليس العكس ولي تجربة شخصية في ذلك , وسيوحد نضالاتهم في لاهوت تحرير طبقي استنادا الى التشيع العلوي الثوري للدفاع عم المظلومين والفقراء والمهمشين , ومن اجل تحرير العراق والمواطن العراقي من القمع والاستبداد السياسي والعنف.
اما دعوة السيد نظمي الى ان يتبنى الشيوعيون مرجعية السيد الصدر وان يتبنى الصدريون بالمقابل الماركسية فهي نظرة خيالية , لان الحزب الشيوعي سيتحول انذاك الى حزب شيعي
بانتظار الشيوعيين عمل كبير عليهم انجازه . ونجاح هذه الكتلة يتوقف على نشاط الشيوعيين الذين يستطيعون ان يضموا الى هذه الكتلة جماعات ليبرالية وقومية معتدلة واسلاميون مثقفون ومتنورون وطلاب ووهم اعمدة التنوير في بلدنا وسيكون لهذه الكتلة التاريخية التمويل والاعلام والقدرة الفائقة على تحريك الشارع بعيدا عن السلاح والميليشيات .
على المودة نلتقيكم ....
المصدر
( الاسلمة السياسية في العراق – رؤية نفسية )- للدكتور فارس كمنال نظمي – ط1 – 2012-الناشر مكتبة عدنان – بغداد-شارع المتنبي .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟