وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3773 - 2012 / 6 / 29 - 14:26
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
القسم الخاص بالسرقة والذهب
لقد كان حجم الغرامة يتوقف على المكانة الاجتماعية للجهة المسروقة . وخير مثال على ذلك منطوق المادة الثامنة من مواد الشريعة :
( اذا سرق رجل ثورا او شاة او حمارا او خنزيرا او قاربا , فاذا الشيء المسروق يعود للاله ( اي للمعبد ) او للقصر , فعليه ان يدفع غرامة ثلاثين ضعفا , واذا كان يعود الى مولى ,فعليه ان يدفع عشرة اضعاف ,فاذا لايملك السارق ما يجب دفعه يعدم . ) .
ان المواد المسروقة لايتوفر فيها سبق الاصرار .لان الثور والشاة والحمار والخنزير والقارب تتواجد عادة خارج المعبد او القصر او البيت . ولذلك قد يصادفها الناس في اماكن لاتساعدهم على معرفة عائديتها بصورة مضبوطة . فتغريهم على السرقة , ولذلك فان عقوبتها الغرامة , ومع ذلك فاذا عجز السارق عن دفع الغرامة فعقوبته الموت .
ان هذه العقوبات الصارمة بحق السراق قد ساعدت على توفير الامان اللازم .ولهذا كان الناس مؤمنين عند الدولة على ارواحهم واموالهم ضد السرقة والقتل الذي يحصل جرائها .
وخير شاهد على ذلك منطوق المادتين التاليتين :
المادة 23
(اذا لم يقبض على السارق, فعلى الرجل المسروق ان يعرض امام الاله عما فقده, وعلى المدينة والحاكم الذي حصلت في ارضه ومنطقته السرقة ان يعوض ما سرق منه . ) .
المادة 24
(فاذا كانت نفس قد فقدت اثناء السرقة ,فعلى المدينة والحاكم ان يدفع منا واحدا ( 505 ) غم من الفضة لاهله .
والحقيقة ان تامين الدولة للناس على اموالهم وارواحهم من جراء السرقة ناحية لم نجد ما يماثلها في مواد جميع القوانين التي سبقت شريعة حمورابي .ولهذا يمكننا ان ننسب هذا الاجراء الامني للناس ضد اعمال السرقة , للملك حمورابي دون غيره من بقية الملوك الذين سبقوه .وان دل هذا الاجراء الامني على شيء فانما يدل على متانة الجهاز المسؤول عن حفظ الامن . ويدل كذلك على قلة جرائم السرقة , والا لما تمكنت الدولة من تعويض الناس ما يصيبهم من خسائر .
القسم الخاص بشؤون الجيش
وفيما يخص رواتب العسكريين المسلحين منهم وغير المسلحين , فقد عالجها الملك حمورابي بنفس الاسلوب الذي كان متبعا من قبل وذلك باعطاء الضباط والجنود بعض المواشي مع ارض زراعية يزرعونها ويستفيدون من محصولها .وهذه المواشي والاراضي الزراعية المعطاة للجنود كانت غير قابلة للبيع او التملك .واي عسكري مهما كانت رتبته, اذا امتنع عن استغلال ارضه ومواشيه لاي سبب كان مدة ثلاث سنوات , تعطى ارضه ومواشيه الى شخص اخر ,لان ترك الارض والمواشي من دون استثمار لمدة ثلاث سنوات فاكثر يعتبر ذلك ضررا في الانتاج الزراعي والحيواني .
ومن النواحي الجديدة التي ادخلها حمورابي على انظمة الجيش هو ما يتعلق بالاسرى . حيث المعلومات المتوفرة تؤكد ان الجنود الذين كانوا يؤسرون قبل فترة الملك حمورابي كانوا يحولون الى عبيد في البلد الذي يؤسرون فيه , والدولة ليست مسؤولة عن عتقهم وارجاعهم الى بلدهم .
ولكن الملك حمورابي قد خول التجار عتق الاسرى الذين يصادفونهم اثناء ممارسة مهامهم التجارية في البلدان الاجنبية , والفدية التي يدفعها التاجر ياخذها من اموال الشخص الذي قام بعتقه ان كان ذلك الاسير ميسور الحال . واذا كان فقيرا ففديته تؤخذ من واردات المعبد ان كان المعبد غني الموارد ,واذا عجز المعبد عن دفع الفدية فيقوم القصر بدفعها . ولايجوز على الاطلاق اخذ مواشيه او ارضه الزراعية التي اعطتها له الدولة , مقابل فدية ) .
القسم الخاص بالقروض ونسبة الفائدة
ان نشاط الاعمال التجارية والزراعية يعتمد بالدرجة الاساس على نسبة الفائدة المفروضة على الاموال المقرضة .فاذا كانت النسبة ملائمة وتتناسب مع الارباح سوف تنشط تلك الاعمال . واذا كانت تفوق الحد المقبول فتتقلص الاعمال التجارية والزراعية .
لقد كان هناك نوعين من القروض , الاول القروض بفائدة والثاني القروض بدون فائدة .
والقروض ذات الفائدة كانت تاخذ نسبة 33 بالمئة على قروض الشعير ونسبة 20 بالمئة على قروض الفضة . والسبب هو ان التاجر الذي يتعامل مع الشعير يحتاج الى مخازن كبيرة لحفظه لحين اقراضه الى صغار المزارعين , بينما الحصول على الفضة وحفظها واقراضها لاتحتاج الى نفس الكلفة والجهد .والسبب الذي جعل الشعير دون الحنطة ليكون اساسا للمقايضة يعود الى انتشار الملوحة التدريجي في القسم الجنوبي من العراق . وانتشار الملوحة دفع الناس الى الغاء زراعة الحنطة والتوجه نحو زراعة الشعير .
وفيما يخص القروض التي كانت من دون فائدة فقد اقرها المجتمع وثبتتها شريعة حمورابي لما فيها من جانب انساني , حيث يحدث ان يقرض قريب قريبه او صديق لصديقه بلا فائدة . ولكن التجربة العملية قد بينت ان القروض التي كانت من دون فائدة قد اصبحت الاساس الذي يعتمده السوق السوداء ومرابيها .لان الاشخاص الذين يبغون الحصول على فائدة اعلى من نسبة الفائدة الرسمية لايستطيعون تثبيت مطلبهم ضمن القروض ذات الفائدة , لانهم ان سجلوا في العقد فائدة بنسبة اعلى من النسبة المقررة فسوف يخسرون حتى المال الذي اقرضوه , ولذلك لجا تجار السوق السوداء الى القروض العديمة الفائدة , حيث يستطيعون في مثل هذه القروض ان يضيفوا الفائدة المطلوبة الى اصل المبلغ المقترض ويعتبرون العقد من دون فائدة .
فاذا اقرض تاجر السوق السوداء على سبيل المثال مئة شيقل من الفضة الى رجل بفائدة قدرها مئة بالمئة ,يسجل في العقد ان المبلغ المقترض هو مئتي شيقل من الفضة , اي انه يعتبر الفائدة من ضمن المال المقترض , وبهذا لايضطرون الى ذكر نسبة الفائدة الحقيقية ويذكرون بدلا عنها ان العقد دون فائدة .
وعلى الرغم من علم الملك حمورابي ان السوق السوداء قد استغلت لصالحها القروض عديمة الفائدة , لكنه لم يقدم على الغائها , لان هذا النوع من القروض قداستفاد منه ايضا من لديهم الرغبة الحقيقية في مساعدة الناس من دون عوض .
على المودة نلتقيكم ...
المصدر
(الملك حمورابي , مجدد وحدة البلاد ) د . فوزي رشيد –ط1 – 1991 – الناشر وزارة الثقافة والاعلام – دارثقافة الاطفال – بغداد – العراق .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟