عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .
الحوار المتمدن-العدد: 3762 - 2012 / 6 / 18 - 01:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إعداد : عبد الله عنتار بتاريخ : 30/04/2012
يعتبر الجنس واحدا من التيمات المغيبة في المجتمع المغربي، و بالرغم من حضوره في اليومي، و المعيشي، فإنه يطمر، و ينفى من طرف الخطابات السائدة ؛ الشيء الذي جعل العديد من الباحثين يفتحون هذا الموضوع، و يخوضون فيه، و على رأسهم عبد الصمد الديالمي الذي ساهم في عدة أبحاث، و دراسات جعلته مكسرا للعديد من الخطابات، ففي هذا الحوار المنتقى ؛ يبرز الديالمي الكيفية التي يطرح بها الجنس مبينا التناقض الحاصل بين الخطاب، و الممارسة، و في نفس الوقت يجيب عن العوامل التي تؤدي إلى طرحه كطابو، و محرم ، كما ينقب في العوامل العميقة وراء ذلك التناقض ؛ إنها مفارقة حب الجنس، و في الوقت عينه تأثيمه ؛ أي جعله مبخسا من طرف جميع الأفراد، و القوى الإجتماعية ؛ حتى لو كانت تدعو إلى الليبرالية، و التقدمية ؛ ثم ينتقل للحديث عن موقع التربية الجنسية في الأسلاك التعليمية مبرزا المضامين التي تحويها، و الأخرى التي تغيبها.
ينتهي هذا الحوار بسؤالين : يتركز الأول حول تصور الشباب للجنس، و يرى أنهم أمام مفترقات، فإما السقوط في خطاب إسلامي متشدد، أو خطاب ليبرالي متوحش، أما الثاني، فإنه يتمحور حول مكانة الجنس في الجرائد المغربية مبينا دورها الفكري، و التجاري.
1 – الكيفية التي يطرح بها الجنس.
يبرز الديالمي وجود مفارقة في المجتمع المغربي بين الحديث عن الجنس، و الممارسات الجنسية، و تكمن هذه المفارقة في تعطيل الحديث عنه، و يقصد على المستوى الرسمي، و العلني، فالدولة لا تعترف به كحق في المدرسة، و البرلمان، و المحكمة، و كذلك الأسرة، بينما تأتي الدولة، و تتناقض مع ذاتها، و تتركه في إطار السياحة الجنسية، كما يتجلى هذا التناقض على مستوى الممارسة، فالشباب أصبح يمارس الجنس بشكل عادي ؛ غير أن هذه الممارسة تقف عند حدود البكارة، فلم تعد توجد البكارة القرآنية-النصية التي تعني إنعدام تجربة جنسية قبل الزواج، بقدر ما يوجد هو البكارة التوافقية ؛ أي تلك البكارة التي تخوض تجارب جنسية دون إفتضاضها، و هذه الطريقة أصبحت الأسرة المغربية تقبلها، و هي في تكاثر مستمر رغم شدة التحريم الديني المنافي للواقع ؛ بيد أن الديالمي يستطرد قائلا : أن الكثير من التجارب الجنسية أدت إلى الإفتضاض ؛ الشيء الذي يؤدي إلى إعادة البكارة بشكل إصطناعي نتيجة تواطىء الأطباء، و يرى أن هذا التواطؤ يعد بمثابة نفاق خفي، كما أنه مدر للأرباح لا يعكس ثقافة العمل الذي يقومون به.
2 – الممارسة، والخطاب.
يظهر الديالمي أن العلاقة بين الممارسة، و الخطاب تتأسس على المفارقة، و تكمن في :
- الشعور بالإثم، و الذنب، فالجنس لا يعاش كحق إنساني سواء في مؤسسة الزواج، أو في المؤسسات المناقضة لها ؛ التي يرى أنها غير شرعية.
- الخطاب المنظم للجنس سواء الشرعي، أو القانوني، أو الديني ؛ منافي للمممارسة، و هذا الخطاب تلتقي فيه مع القوى التقدمية التي لا تستطيع الخروج عن هذه البوتقة، فهي تخاف أن تتهم بالفساد ( الفاحشة، اللاأخلاق ) رغم إزدواجية المرجعية ؛ سواء الإسلامية من جهة، أو الكونية من جهة أخرى، و يرجع الديالمي هذا التناقض إلى الإنتخابات.
- تصور الجنس يقوم على البراغماتية، والنفعية، فبعض الجمعويين ضد الممارسة الجنسية دون زواج، و رغم ذلك يشجعون الشباب على إستعمال الغشاء الواقي قصد الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا، لكن هذا التشجيع لا يتجاوز النظرة إلى هذه الأداة، و كأنها أداة مخجلة للإحتماء من إصابات مخجلة تنتج عن علاقات جنسية مخجلة.
- عدم طرح القضية الجنسية، وعدم التعامل معها في الفضاء العمومي بشكل إيجابي ما من شأنه أن يحول المجتمع إلى سوق جنسية تنهل منه الليبرالية المتوحشة.
3 – التربية الجنسية في الأسلاك التعليمية.
يبين عبد الصمد الديالمي أن الحديث عن التربية الجنسية لا ينبغي أن يكون إنتقائيا، و إختزاليا ؛ بل لابد أن يحوي المضامين المرتبطة بالجنس بكاملها، و أولها هو : المضمون البيولوجي الذي يتعلق بالجانب التشريحي، و الفيزيولوجي، أي الخاص بمعرفة الأعضاء التناسلية، ثم المضمون المنع-حملي الذي يخول فهم آليات الحمل، و تجنبه ؛ بينما المضمون الثالث هو المضمون الوقائي المرتبط بمعرفة الأمراض المنقولة جنسيا ؛ أما المضمون الرابع هو المضمون المتعوي، و يتعلق بكيفية بلوغ الذروة الجنسية، و الجماع ؛ غير أن هذه المضامين لا يمكن أن تتبلور دون المضمون الخامس الذي يتمحور حول البعد الإيديولوجي ؛ أي إيديولوجية الجنس التي تتغيى فك الإرتباط بين الجنس، و الإثم، كما تبيح الجنس دون الخضوع إلى التمأسس الزواجي.
يآخذ الديالمي الكيفية التي تطبق بها هذه المضامين، و يستخلص أنها تفتقد إلى التواصل بين الجنسين، و إلى الأدوار الجنسية، و المساواة، و العواطف، و هذا يعتبر تطويقا، و تفقيرا مهولا للجنس الذي يحصر في فعل بيولوجي بين جسدين، و يتأرجح بين الحلال، و الحرام.
يوضح الديالمي ( إنطلاقا من عمله مع وزارة الصحة ) أن الذين يطبقون تلك المضامين تسيطر عليهم المرجعية التراثية، و يعمدون إلى إقصاء المضمون الرابع، و الخامس إستجابة إلى إيديولوجيتهم، و مرجعيتهم الأصولية التي تختزل التربية الجنسية في المضامين الأولى، و في هذا الصدد لاحظ هذا الباحث أن الأستاذ يسوده الإرتباك، و التردد، و الرفض، و الحشمة أثناء الدرس البيولوجي المتعلق بالأعضاء الجنسية، و إنطلاقا من هذه العملية أكد ضرورة تربية المربي ؛ لأنه عاجز عن نشر العقل حين يتعلق الأمر بالجنس باعتباره تربية عمومية، و واجب على الدولة الديمقراطية التي تصون حق مواطنيها.
4 – الشباب، و التصورات السائدة في الحياة اليومية ؛ الشارع ؛ التليفيزيون حول الجنس.
إن الشباب المغربي أمام درسين متناقضين ؛ واحد إسلاموي يدعو إلى التشدد، و التزمت، وآخر ليبرالي يدعو إلى الإباحية السوقية، كما يضيف الديالمي أن أغلبية الشباب يقدمون على مشاهدة الأفلام البورنوغرافية، و هذه المشاهدة إما تخلق الإحباط لأنها تؤدي إلى إعتبار الجنس سلعة، أو انه حسب المبحوثين تؤدي إلى تعلم القبلة، وكيفية الجماع، و طرقه، و أوضاعه.
يستنتج إنطلاقا مما سبق أن هناك فراغا تربويا، و لا أحد في المغرب يتحدث للشباب عن البعد الأيروسي في الجنسانية، و يبقى تعلم البعد الأساسي تعلما عفويا ؛ حتى و إن كان البعض يعتبر أن الفتى هو الذي ينبغي أن يتعلم دون الفتاة.
أما فيما يخص الدرس الإسلاموي ؛ يرى الديالمي أن بعض الفضائيات الخليجية ؛ خطابها يؤدي إلى تعميق الشعور بالإحباط، و الإثم، فهي تدعو إلى الصوم الجنسي، أو الزواج المبكر، وهذا يعتبر غير واقعي ؛ لأنه لا يأخذ بعين الإعتبار سن الزواج ؛ أي العنوسة البنيانية من سن البلوغ على السن الثلاثين، كما لا يأخذ بعين الإعتبار أن العنوسة ليست إختيارية ؛ بل تعبير عن عجز إقتصادي، و إجتماعي، و في هذا الإطار يطرح الديالمي الأسئلة التالية : ما جدوى أن نحث الشباب على الزواج ؟ ما جدوى إقناعه بأفضلية هذا النموذج الحياتي دون تمكينه منه عمليا ؟ ما جدوى أن نطالب الشباب بالصوم الجنسي في عصر أجمع فيه الكل على أهمية الرضا الجنسي في التنمية بشكل عام، و في تنمية الذات بشكل خاص ؟
يستنتج الديالمي أن دعوة الفضائيات الإسلاموية إلى الصوم الجنسي، و الفصل بين الجنسين، و إرتداء الحجاب، و وضع النقاب دعوة تناقض صراحة ضرورة التنمية ؛ لا بل التنمية، و وجوبها ؛ من هنا : 1 – لابد أن تقتنع القوى التقدمية بضرورة علمنة الحقل الجنسي، 2 – النشاط الجنسي غير الزوجي ليس بالضرورة نشاطا سوقيا، أو لا أخلاقيا ؛ بل قادر على التعبير عن أسمى مشاعر الحب، و الوفاء، 3 – يجب على القوى التقدمية أن تناضل من أجل إعادة النظر في فصول القانون الجنائي المتعلقة بالجنس، 4 – أن تكون ملائمة مع مفهوم الصحة الجنسية كما عرفته المنظمة العالمية للصحة ( المغرب عضو فيها )، و إنطلاقا من هذه النقط ؛ ينتهي الديالمي بالقول : إن المعركة الجنسية قادمة لا محالة، و هي أعقد من المعركة النسائية التي إنتصرت في إصلاح مدونة الأحوال الشخصية.
5 - الجنس في الإعلام المغربي المكتوب.
تقدم الجرائد على تناول الموضوع من زاويتين :
1 – الزاوية الأولى تمت إلى ما هو فكري، و يرى الديالمي أنها :
- تسعى إلى تحرير الجنس من قبضة الطابو، و الإختصاصيين ( فقهاء، أطباء، علماء الإجتماع، علماء النفس ).
- هناك بعض الجرائد تلجأ إليهم دون الفقهاء ؛ لأنهم يختزلون القضية الجنسية في ثنائية الحلال، و الحرام.
- لا نجد كتابات مضادة تعمل على تقويض الخطاب الشرعي، و القانوني بشكل صريح.
2 – الزاوية الثانية تتعلق بما هو تجاري، فهو :
- مدر للأرباح، و يساعد على البيع، و إكتساب قراء.
- ليست لديه منشورات تتعلق بما هو بورنوغرافي بقدر ما يعرض المشاكل الجنسية، و البيولوجية، و الإجتماعية، و القانونية، كما يجد الباحث مادة هائلة من المعلومات الجنسية الميدانية.
- تعتبر المجهولية ( عدم ذكر الإسم، أو تغييره )عنصرا مساعدا، فهي تساعد على طرح المشاكل الجنسية، و بصراحة فائقة التي لا يمكن التعبير عنها أمام الإختصاصيين، والأقارب، و السبب في ذلك أنها تؤخذ بطابع الهزل، و الإستخفاف، أو طابع التعبير الآثم، إضافة أننا لم نبلغ بعد مرحلة التعبير العادي عن حياتنا الجنسية.
من هنا ؛ يدعو الديالمي إلى إزالة تهمة الإختلاق ( تهمة الصحفيين بإختلاق مشاكل جنسية )، و هي تهمة موجهة من أناس يرفضون النظر إلى المجتمع المغربي كما هو، و يعتقدون ستر السلبيات فضيلة، وهي مواقف لا تصلح عندما يتعلق الأمر بظواهر، و سياسات عمومية، ومن ثمة إن تشخيص الجنس تشخيصا دقيقا في كل تمظهراته فعل ضروري لبداية إصلاح حقيقي.
إن الكيفية التي يطرح بها الجنس في المغرب تتأسس على تناقض بين الخطاب، و الواقع، و يرى الديالمي أن هذا التناقض نابع من:
1 – تأثيم الجنس، 2 – إستحواذ القانون، و الدين عليه، و اللذين يختزلانه في الممارسة الجنسية الزوجية، و الغيرية، 3 – إكتساح الليبرالية المتوحشة نظرا للسكوت، و التأثيم السائد.
من ثمة يبرز الديالمي ضرورة التربية وفق المضامين الخمسة، غير أنه يستدرك ذلك قائلا بوجود إنتقائية في التعامل، و لاسيما في المضمونين الأخيرين ( المتعوي، و الإيديولوجي )، كما يلفت أن المربي في حاجة إلى تربية.
إن هذا القصور يستحوذ على عصب المجتمع حسب الديالمي ؛ بل يطال التصورات، و الذهنيات، و هنا يوضح الديالمي أن الشباب المغربي أمام درسين متناقضين، فهو إما ينصت إلى إسلامي متشدد، أو ليبرالي متوحش ؛ الشيء الذي يفضي إلى القول بوجود فراغ تربوي.
هذا الفراغ تملأه الجرائد التي تمحور عملها في بعدين ؛ فكري، و تجاري ؛ الأول يحرر الجنس من قبضة الطابو، و يقوض الشرع، و القانون ؛ بينما الثاني مدر للأرباح.
........................................................................................................................................
#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟