أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - الكلمة المُخدرة















المزيد.....

الكلمة المُخدرة


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3747 - 2012 / 6 / 3 - 21:17
المحور: كتابات ساخرة
    


كلمة(والله؟) وكلمة(لو) وكلمة شكرا كلهن من أكثر الكلمات تردداً على ألسنة الناس وقد كتبتُ عنهن سابقاً... ومن الكلمات الدارجة على ألسنة الناس أيضاً هي كلمة(دقيقة) وهي من كلمات التخدير اللغوي التي تُخدر فيها الناسَ والناسُ أيضا يخدرونك بها كتخدير لغوي ولا أحد يصحو من الموقف الذي به إلا بعد أن يصحو من عملية البنج اللغوي أو التخدير اللغوي, فاليوم كدتُ أن أصاب بالسكتة القلبية من كثرة القهر وأنا واقفٌ في محل لبيع الدواجن ريثما يأتيني دوري وكل عشرة دقائق يقول لي البائع:(ماشي بس أصبر دقيقة) كتخدير لي لكي أغلق فمي وحين أصحو من التخدير يعيد عليّ نفس الأسطوانة لكي أبقى تحت تأثير التخدير اللغوي, ومرت الثواني والدقائق وتحولت الدقيقة إلى أكثر من ساعة وأنا أنتظر بدوري والمشكلة أن البائع لم يعترف لي بأنني بقيت واقفا أنتظر بدوري ساعة كاملة,ومما زاد حنقي على كلمة دقيقة أنني ذهبتُ بعد ذلك إلى عيادة الحكومة لصرف الدواء الشهري الذي تتناوله أمي وبقيتُ واقفا ما يقرب من ساعة كاملة والصيدلي الذي يصرف بالدواء يقول لي:( ماشي بس اصبر دقيقة) كتخدير لغوي وصارت الدقيقة ما يقرب من ساعةٍ ونصف الساعة وهو يقول لي(دقيقة) وأنا واقفٌ مُخدر من سحر الكلمة وكاد أن يقفز قلبي من قفصي الصدري وأنا أتأوه حزنا وتعبا من الانتظار وكلما أصحو من الكلمة المُخدرة يعود مرة أخرى ليقولها لي فأقع من جديد تحت سحر الكلمة المُخدِرةَ...آه ما أصعب الانتظار وما أطول تلك الدقيقة!!!.

ومما يزيد حنقي على بعض الناس أنهم في بعض الأحيان يستعملون كلمة دقيقة بكلمات أخرى كلها بهرجة بحيث يستلطفون ألسنتهم وهم يقولون لك أو لي(دقية من فضلك) كتخدير موضعي أو يقولون لك كتخدير لغوي:( لحظةً من فضلك) ثم يلحقون هذه الجملة أو هذه الكلمة المطاطية بابتسامة كلها شفافية وهم يظنون بأن دمهم خفيف ولسانهم حلو المذاق في حين أكون أنا أتلوى على أقدامي من شدة القهر وصعوبة الانتظار ولا اشعرُ بهذا الألم إلا بعد أن أصحو من بنج الكلمة المُخدرةَ, فهذه الكلمة أسمعها أينما أذهب وأينما أجلس وسواء أكنتُ في البيت أم في الشارع أم في مؤتمر علمي أم في أمسية ثقافية فإنني أسمع هذه الكلمة تتردد على ألسنة الناس,وأنا أيضا واحدٌ من هؤلاء الناس الذين يتلفظون بهذه الكلمة على كل الاتجاهات وفي الليل وفي النهار حتى في أحلامي أسمع نفسي وأنا أقول(أعطوني دقيقة واحدة لأبرهن على وجهة نظري), وحين أكون جالسا على الكمبيوتر أقرأ أو أكتب تأتيني زوجتي فتطلب مني أن أذهب للسوق فأقول لها :(طيب ماشي..بس اصبري دقيقة واحدة) وأُتبع هذه الجملة بابتسامة خفيفة مُستلطفاً نفسي وخفة دمي وتغيب زوجتي عني مدة عشرة دقائق وحين تصحو من التخدير اللغوي تعود لتطلب مني مرة أخرى النهوض من مكاني فأعيد عليها نفس الجملة قائلا (بس اصبري دقيقة) محاولا تخديرها تخديرا موضعياً لغويا وحين تناديني لأشهدَ معها تناول الإفطار أو الغداء أو العشاء أقول
لها:(طيب...ماشي بس اصبري عليّ دقيقة) وتمر الدقائق بسرعة وأنا مدرك لذلك ومع كل هذا أعود وأقول (طيب..ماشي بس اصبري دقيقة) ولا أعترف لها بأنني تأخرت أو كذبت عليها في موعدي فتقول لي بكل تعجب:( ول...ول..صدقني لو إنك عزرائيا ما أخذت روح حدى!!), وطبعا هي تقول لي نفس الكلمة حين نريد الخروج من المنزل بحيث أقف أمام باب البيت منتظرا خروجها منه مناديا عليها بالصوت العالي وهي ترد قائلة:)طيب ماشي بس دقيقة) وكل هذا كتخدير لغوي أو موضعي وطبعا تمر الثواني والدقائق وأنا واقفٌ مخدرٌولا أحد يطلُ برأسه من باب البيت وحين تخرج من البت تخرج مثلي جاحدة أنني وقفتُ نصف ساعة في انتظارها ريثما تخرج,وكذلك أولادي حين أطلب من أحدهم شيئا يقولون لي:(طيب بس دقيقة وحده) حتى الأولاد يخدرونني بهذه الكلمة وأحيانا تصل الدقيقة إلى ثوانٍ معدودة أي أنهم يقولون:(ثانية واحدة) كتخدير لغوي أكثر فعالية من تخدير الدقيقة فمن الناس فعلا من يقهرك ويجلطك وهو يقول لك(بس ثانية واحدة) وتصل الثانية إلى أكثر من ألفي ثانية... وأحيانا تصل الدقيقة إلى دقائق بل وإلى ساعات ولكن كيف يحدث هذا معنا جميعا؟ إنه سلوك بجد مثير ومحير ويدفع بعضنا إلى عدم تصديق الآخرين فاليوم مثلا طلبت مني أمي أن أذهب إلى السوق وقلت لها:(طيب بس اصبري دقيقة وحده وسأنتهي من قراءة هذا الكتاب) ومرت علي وعليها وعلينا جميعاً مدة قد تزيد عن ساعتين وأنا ما زلت أقول لأمي: (ماشي بس اصبري دقيقة واحدة) فتقول يا دخيل الله على هالدقيقة تبعتك أبدهاش تخلص؟يا زلمه قول:ساعه...قول ساعتين بس لا تقهرنيش وأنت تقول :دقيقة,فأرد عليها:)لا خلص بس ثانية واحدة) كتخدير لها لكي تكف عن الكلام,وأنا أيضا حين أطلب من أمي شيئا تستعمل معي نفس الأسلوب فتقول لي(ماشي بس اصبر دقيقة واحدة) إذ أنها تحاول تخديري بهذه الكلمة كما أخدرها بها أنا وكلنا يعلم بأننا نكذب أو نجامل أو نداري بعضنا البعض أو نمارس مع بعضنا التخدير اللغوي فكلمة دقيقة تحمل معها أو بمعيتها أشياء كثيرة.

وحين يطلع الصباح ويكون لدي بعض العمل مع الزملاء يطلون على باب داري برؤوسهم وهم يقولون:(يلله يا أبو علي) فأقول لهم:)ماشي بس دقيقة واحدة وسأكون جاهزا) بحيث أحاول تخديرهم تخديرا لغويا وتمر بدل الدقيقة عشرة دقائق ومع ذلك أبقى أقول لهم وأبقى أرد على نداءهم بكلمة(يلله ماشي بس دقيقة) ولا أعترف لهم بأنني تأخرت وأكون بذلك قد نجحتُ في تخديرهم اللغوي.

وأحيانا يستغل صاحب السوبر ماركت الذي في حارتنا ثقتي وأمانتي فحين أدخل إلى محله في بعض الأحيان يقول لي :)دخيلك يا أبو علي أقعد محلي بس دقيقة وحده حتى أعود من البيت أريد قضاء حاجة وسأعود إليك حالا في أقل من دقيقة) وأجلس أنتظره ولا يعود إلا بعد نصف ساعة أو ساعة كاملة,وحين يعود أقول له أنت تأخرت فيرد عليّ قائلا :(يا رجل أنت أمين جدا ولا أثق إلا بك) محاولا هذه المرة تخديري بكثرة اطراءه لي ومدحه ورفعه لي إلى السماء فأقول له: الله يلعن أمانتي وثقتي أنت تأخرت كثيرا,فيضحك وهو يقول:شو يا زلمه كل اللي غبتهن دقيقتين)وكل الناس على هذه الشاكلة يستعملون معي نفس الأسلوب في التخدير فحين أطلبُ من زملائي في العمل شيئا باعتباري رئيسهم وكبيرهم الذي يعلمهم العمل يقولون لي:(طيب ماشي بس أعطينيا دقيقة) وتمر الثواني والدقائق وما زال طلبي قيد التحضير وتصبح الدقيقة عند بعضهم ساعة وعند البعض الآخر ساعتين وهم ما زالوا يقولون(دقيقة), وحين أذهب إلى المخبز لشراء الخبز يقول لي المعلم:اصبر بس دقيقة واحدة وسيأتيك دورك وتصبح الدقيقة مثل الشريط المطاطي الذي تمده كيفما شئت أنت وكيفما شاء هو, وإذا دخلت مطعما فإن صاحب المطعم يرد على كل طلباتي بكلمة(دقيقة وكل شيء سينتهي بسرعة) محاولا تخديري لغوية لكي أغلق فمي.

وحين أذهب لحضور أمسية قصصية أو شعرية لأحد الكُتّاب في رابطة الكتاب أرفع يدي أثناء المناقشة بعد قراءة المبدع لأقول رأيي وأحيانا أطيل جدا في التحليل والمناقشة فيطلب مني مدير الجلسة أن أختصر في كلامي فأرد عليه قائلا:(أوكي بس من فضلك أعطيني دقيقة) محاولا تخديره لغويا وتمر الثواني والدقيقة تصبح أكثر من عشرة دقائق فيعيبُ عليّ بعض الزملاء اطالتي وكذبي في الوقت بنفس الوقت الذي يقولون فيه:(دقيقة) فيطيل الجميع في الكلام ويسرقنا الوقت وتكون حقيقة الدقيقة عندي عشرة دقائق وعند غيري نصف ساعة,ولا أحد يعرف أنه مُخدر بفعل هذه الكلمة إلا بعد أن يصحو من (بنج التخدير).

إننا جميعنا على حسب النظرية النسبية يتباطأ لدينا الإحساس بالزمن كلما ازدادت سرعتنا شيئا فشيئا أو حين نقع تحت تأثير الكلمة المُخدرة فتصبح الدقيقة عندي أكثر من عشرة دقائق دون أن اشعر بذلك ودون أن أعترف بذلك وتصبح الدقيقة عند زوجتي نصف ساعة تقريبا وعند زملائي في العمل تصبح الدقيقة ساعة أو ساعتين وفي المخبز عند صاحب المخبز تتحول الدقيقة من 60 ثانية إلى 24 ألف ثانية,وعند سائق الباص أي الحافلة التي تقلني من القرية إلى المدينة تصبح الدقيقة عنده أكثر من 20 دقيقة ومع ذلك كلنا نتواقح ونقول(لا بس دقيقة) فأنا مثلا لا أعترف بأن الدقيقة عندي عشرة دقائق فحين أخرج من باب المنزل إلى زملائي في العمل يقولون لي بعد صحوهم من عملية التخدير(تأخرت..وصارلك ثلث ساعة وأنت تقول دقيقة) فأرد عليهم قائلا(لا والله مستحيل صدقوني فعلا البست وأفطرت ودخنت السيجارة في دقيقة ونصف) طبعا وهم يبادلونني نفس الشعور في العمل فحين تأخذ منهم بعض الأعمال وقتاً كثيرا لا يعترفون بذلك بل ويصرون على أنهم أخذوا من الوقت دقيقة واحدة فقط لا غير.

إنني أنا وأنتم نعاني من هذه الظاهرة ظاهرة الكلمة المُخدِرة وأظن بأن كل شعوب العالم تمارسها ممارسة طبيعية وهي ليست مُختصرة على فئةٍ دون الفئة الأخرى أو على شعبٍ من الشعوب دون الشعوب الأخرى.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا مثل الحيوانات لا تغيرني المصاري
- معركتي مع أعدائي
- يسوع يسأل عنكم
- شخصية محمد(ص) المثيرة للجدل
- محمد انسان عادي
- سلطة العيب أقوى من سلطة التحريم
- إضاعة الوقت في المساجد
- الحب والمشاكلة والعاطفة هموم صغيرة وكبيرة
- زواج محمد كان بدون حب
- أنا معكم
- تداووا بالمحبة
- إما الجنس وإما الدولة والوحي
- شخصية محمد البارزة
- المغامرون والمحافظون
- الاسلام مطلوب للعدالة
- كلمة القتل96مرة ذكرت في القرآن
- الحضارة سقوطها ونهضتها
- لماذا لم يحج اليهود إلى الكعبة؟
- سيميائية اللغة
- عيد ميلادي أنا وكلماتي


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - الكلمة المُخدرة