محمد ضياء عيسى العقابي
الحوار المتمدن-العدد: 3746 - 2012 / 6 / 2 - 10:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بورك الدكتور عبد الخالق حسين على مقاله المعنون "مؤتمر التجمع العربي لنصرة الشعب الكردي أم لنصرة حكامه"(1) الذي إتسم بالموضوعية والإتزان والحرص على الشعب العراقي بضمنه الشعب الكردي وعلى العراق بضمنه كردستان.
عند أول سماعي عقد مؤتمر نصرة القضية الكردية لم يدر بخلدي بتاتاً أن يكون لنصرة أكراد العراق في وضعهم الحالي، بل ظننت أنه يتناول قضية الوحدة الكردية لجميع المناطق الكردستانية الملحقة بدول عديدة حسب معاهدة سايكس بيكو ومثيلاتها التي فرطت بحق الأكراد بأكثر من جورها على الآخرين.
لم يدر بخلدي ذلك، لأنه لم تعد هنالك قضية كردية عراقية بالمعنى النضالي الذي ألفناه عندما غمطت حكومات النظم الطغموية(2) العراقية حقوق الشعب الكردي في العراق. لقد حقق الأكراد كامل أهدافهم الوطنية وأكثر بعد تأسيس النظام الديمقراطي الفيدرالي في العراق إذ حصلوا على ما يشبه الدولة المستقلة في حين أوضح خبراء النظم الدستورية في فضائية الحرة بأن الفيدرالية تنحصر في إطار تمكين الإقاليم من تحقيق تطور إقتصادي بوتائر أكفأ من مثيلاتها في النظام الوحدوي المركزي الصارم وحسب، وبخلاف ذلك أي إذا تمدد الإقليم الفيدرالي إلى مساحات سياسية فسوف لا يعود النظام فيدرالياً بل يصبح كونفدرالياً.
أصبح وضع كردستان العراق، في واقع الحال، كونفدرالياً بينما ينص الدستور العراقي على وجوب كونه فيدرالياً؛ وقد تم الإنتقال من شكل لآخر بفرض الأمر الواقع من جانب حكومة الإقليم وبالذات من جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني وقائده السيد مسعود البرزاني، رئيس الإقليم منذ فترة طويلة، مستغلين ضعف الحكومة الفيدرالية التي حاربت على أكثر من جبهة في آن واحد وعلى رأسها الإرهاب الذي إجتاح القسم العربي من العراق، وألاعيب المحتل الذي أراد تشتيت أقوى القوى الشعبية، وعرقلة الطغمويين الذين تناغم الإرهاب مع مواقفهم ونشاطاتهم المتسمة بالسلب والتخريب حتى تورط بعضهم بالإرهاب بشخوصهم.
من مظاهر كونفدرالية إقليم كردستان العراق، عقدُ الإتفاقيات النفطية السرية دون معرفة المركز ودون معرفة بنودها وإعتماد مبدأ تعاقدي وهو "الشراكة في الإنتاج" بالتعارض مع سياسة الحكومة الفيدرالية الملتزمة بمبدأ "عقود خدمة". ومؤخراً تفاوضت حكومة الإقليم بمعزل عن المركز وموافقته مع الحكومة التركية لمد أنبوب بجانب الأنبوب الوطني العراقي إلى ميناء جيهان التركي لتصدير النفط الكردي. لا أريد أن أتوسع وأتطرق إلى مسألة الإستيلاء على الأسلحة الثقيلة للفرق العسكرية من الجيش السابق المرابطة في المنطقة؛ وخلو الإقليم من أي تمثيل للحكومة الفيدرالية في المرافق الهامة كالحدود البرية والمطار ودوائر الكمارك، وغير ذلك.
لو كان المؤتمر حريصاً على نصرة الشعب الكردي لأبلغه بحقيقة وضعه كصاحب نضال مديد تكلل بالنجاح وتحقُّق الأهداف القومية فضلاً عن المشاركة الواسعة والفعالة في إدارة شؤون الوطن العراقي ما يفرض على حكومة الإقليم إبداء الحرص الكافي على النظام الديمقراطي الفيدرالي في العراق بإحترام دستوره والتعاون مع الحكومة الفيدرالية المنتخبة والحفاظ على أطيب العلاقات مع أبناء الشعب العراقي عامة ومع حكومته المنتخبة لا أن تُظهر حكومة الإقليم الغطرسة والتعالي بلغت حد التحقير والإهانة والتأليب والتهديد.
كان على المؤتمرين تحذير الشعب الكردي من أن قضيته في تحقيق الوحدة الكردية الكبرى، يتم الزج بها في طريق مغامر مناقض لأسلوب نضاله الشعبي المألوف الذي حقق له النجاح. فعلاوة على التفريط بالتضامن مع عرب العراق ومكونات الشعب الأخرى، تتواتر المؤشرات والوقائع بعقد تحالفات داخلية بين قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني مع الطغمويين من قادة إئتلاف العراقية الأعداء الستراتيجيين للقضية الكردية والفيدرالية والمادة (140) من الدستور، وتطوير تفاهمات إقليمية مع أعداء الديمقراطية العراقية وهم تحديداً السعودية وتركيا وقطر إذ أشارت صحيفة البوليتيكو الأمريكية بأن هذه الدول قد منحت مبلغ خمسة مليارات دولار للمشاركين في مؤتمري أربيل والنجف من أجل الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي وهي خطوة قد تؤول إلى تخريب العملية السياسية. كما أذاعت محطة أوستن النرويجية بأن تلك الدول أبدت إستعدادها لمنح ثلاثة ملايين دولار لكل نائب يصوت لسحب الثقة عن المالكي.
لكل من هؤلاء أهدافه الخاصة بمصالحه. فالسعودية على سبيل المثال تريد إبعاد شبح الإستحقاق الديمقراطي وإحترام حقوق الإنسان عنها وهما إستحقاقان شعبيان وعولميان . فهي لا تريد إستقرار العراق وتطور ديمقراطيته وإرتفاع إنتاج نفطه ما يكسر الإبتزاز النفطي الذي تتمرس خلفه الشمولية السعودية. إن الشيخ السوري الوهابي القاطن في السعودية عدنان عرعور قد وعد بالبدأ بحملة الكوفة بعد الإنتهاء من الحملة السورية.
كما كان على المؤتمرين إبلاغ الشعب الكردي خطورة النظرية الأمنية لكردستان التي تعتمدها قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وحكومة الإقليم إذ تشير المؤشرات إلى إعتبارهما ضعف القسم العربي من العراق وزجه في دوامة من المشاكل والفوضى والتناحر شروطاً لضمان أمن كردستان ودفع قضية تحقيق وحدته إلى الأمام.
وأخطرها طراً التعلق على ما يبدو بوعود شركات النفط بالمساعدة على تحقيق إستقلال كردستان العراق مقابل التعاون مع طغمويي إئتلاف العراقية لإزاحة إئتلاف دولة القانون عن السلطة وبث الفرقة بين أطراف التحالف الوطني. وهذا هو طموح شركات النفط التي لم تظفر بالنفط العراقي وفق شروطها هي بسبب معارضة حكومة المالكي لمبدأ "الشراكة في الإنتاج" وأجرت الحكومة ثلاث جولات تراخيص شفافة وفق مبدأ "عقود خدمة". أضف إلى ذلك أن السيد اياد علاوي ورفاقه من الطغمويين قد وعدوا ضمناً بإفتعال حرب على إيران لصالح إسرائيل الطامحة إلى تدمير المنشآت النووية الإيرانية. من هذا بات أمراً لازماً لشركات النفط وإسرائيل والسعودية وتركيا وقطر إلإطاحة بحكومة التحالف الوطني.
أعتقد أن هذه المسالك الوعرة خطيرة جداً على مستقبل القضية الكردية الكبرى لأنها تحيد عن خطها النضالي الشعبي وتستبدله بالجري وراء شركات نفط طامعة ودول بعضها شمولي ذات مصالح مضادة لمصالح العراق وكلها لا يمكن التعويل عليها في تحقيق أهداف شعبية تتطلب التضامن مع الشعب العراقي بأكمله فهو الضمانة الأكيدة.
لم يتطرق المساهمون في "مؤتمر التجمع العربي لنصرة الشعب الكردي" إلى هذه المسائل الحيوية والحقيقية ما جعل المؤتمر حقاً كما وصفه مقال الدكتور عبد الخالق حسين وآخرون بكونه مؤتمراً لنصرة الحكام وبتمويل منهم فجعل القائمين على المؤتمر أقرب إلى المرتزقة ومتعهدي حفلات منهم إلى ناصرين لقضية شعبية عادلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): للإطلاع على مقال الدكتور عبد الخالق حسين، برجاء مراجعة الرابط التالي:
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=17206
(2): للإطلاع على مفاهيم: "الطغمويون والنظم الطغموية" و "الطائفية" و "الوطنية" برجاء مراجعة الرابط التالي:
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181
#محمد_ضياء_عيسى_العقابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟