محمد ضياء عيسى العقابي
الحوار المتمدن-العدد: 3725 - 2012 / 5 / 12 - 10:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إغراء التيار الصدري إلى اللعب بالنار
محمد ضياء عيسى العقابي
أتفهم أن تنبري، في شهر آذار المنصرم، صحيفة يمينية جداً كصحيفة " كَلوب أند ميل" إلى لصق تهمتي الإستبداد والدكتاتورية برئيس مجلس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي بسبب توجيه القضاء العراقي تهمَ الإرهاب للهاشمي، ومن ثم تدعو إلى "تصحيح الأوضاع في العراق" – أقول أتفهم هذا الموقف لأن الصحيفة تروج لإسرائيل ولشركات النفط الأنكلو – أمريكية العملاقة (التي تعادل قوة إحداها، وهي شركة أوكسن موبيل، عشرَ فرق عسكرية على حد قول السيد مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس إقليم كردستان).
فهتان الجهتان، شركات النفط وإسرائيل، لهما مصلحة في إزاحة إئتلاف دولة القانون وزعيمه المالكي عن رئاسة الحكومة وتشتيت أطراف وجماهير التحالف الوطني القادر، منفرداً، على الوقوف بوجه أية قوة تنوي الشر للعراق. كلاهما تريدان حكومة عراقية تعادي إيران، دون مبرر، وربما تفتعل حرباً معها. وكلاهما والسعودية وتركيا وجدوا في العراق من هو مستعد لتبادل المصالح معهم، وتباً للعراق وسيادته ومصالحه.
وتريد الشركات، فضلاً عن ذلك، الهيمنةَ على نفط العراق وترويج مبدأ "الشراكة في الإنتاج" بدلاً عن أسلوب "عقود الخدمة" وربما تعميم ذلك على المنطقة التي يدخلونها، بترحاب، عبر بوابة كردستان بدعوة من السيد مسعود البرزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني وحكومته ومباركتهم مقابل، كما يبدو، وعد بتحقيق الإستقلال عن العراق تبيَّنَ فيما بعد أنه وعد مؤجل ريثما تتحقق مآرب الشركات وإسرائيل داخل العراق وليس الآن.
[مفارقات الحياة السياسية وصلابة الحكومة العراقية المنتخبة لم تسمحا لهذه الشركات بالهيمنة على النفط العراقي وفرضِ نمط "المشاركة بالإنتاج" أثناء تواجد القوات العسكرية الأمريكية على أرض العراق؛ ولم تسمحا، أيضاً، بزج العراق في سياسة المحاور والإقتتال نيابة عن هذا وذاك دون أن يكون للعراق فيهما ناقة ولا جمل.
لذا عادت هذه الشركات (ومعها إسرائيل بصورة أقل إفتضاحاً)، بعد إنسحاب القوات الأمريكية، إلى إنتهاج الأسلوب التقليدي في تقويض ممانعة الحكومات الوطنية عبر شن حرب باردة ضدها تمهيدا وموازاةً مع جهدها التآمري، للإطاحة بالحكومة، ذلك الجهد الذي راعى وسيراعي الظروف المستجدة في العالم ومنطقة الشرق الأوسط والعراق بالذات ويطور أساليب تآمر مستحدثة تبعاً لتلك المتغيرات مثلما بان من مخطط يوم 25/2/2011 الذي أُحبط.]
نعم، أتفهم كل هذا لكن الصحيفة، والحق يقال، لزمت حدودها في كيل الإتهام لرئيس مجلس الوزراء. علماً أن إتهامها رد عليه بيسر الخبير في شؤون الشرق الأوسط السيد دوكَلاس أوليفنت الذي قال لفضائية الحرة: لمجرد أن المالكي سيواجه الإستحقاق الإنتخابي فهو غير قادر على أن يكون دكتاتوراً أو مستبداً.
لكنني غير قادر على إستيعاب أن يلصق القيادي في التيار الصدري النائب الدكتور أمير الكناني أتعس وأخطر من تلك التهم التي ساقتها الصحيفة المذكورة، برئيس مجلس الوزراء المالكي وذلك في برنامج "بالعراقي" في قناة الحرة الفضائية بتأريخ 1/5/2012.
أجاب الدكتور الكناني على آخر سؤال في الحلقة موجه إليه خصيصاً وفي آخر لحظات البرنامج (ليس عن غير قصد خبيث إعتادت عليه فضائية الحرة. فهذه الفضائية المقتدرة تتبع مجلس الشيوخ الأمريكي لكنها ليست بعيدة عن تأثيرات مصالح شركات النفط لأنها تعتبر مصالح وطنية هامة للبلد). كان السؤال: "لو فرضنا أن مجلس النواب سحب الثقة من المالكي بموافقة التحالف الوطني فهل سيسلَّم المالكي رئاسة الوزارة ويخرج؟". كان جواب الكناني هو الأغرب والأكثر رقاعة والأبعد عن الواقع البيِّن إذ قال: "لا توجد آليات لتنفيذ قرار مجلس النواب" وأوردَ مثلاً للتدليل على رأيه بعدم تنفيذ الحكومة لقرار أو قانون يخص الرواتب التقاعدية لشريحة من شرائح المجتمع.
يبرز هنا أمران:
أولاً: لماذا القبول بالتعامل الجاد مع هذا السؤال أصلاً من جانب السيد الكناني؟ السؤال كيدي وإيحائي وليس له أي نصيب من الواقعية، بيقيني. كانت اللياقة تقتضي من الكناني رفض هكذا سؤال مهين، ورفضَ هكذا إحتمال يُنسب إلى مرشح التحالف الذي ينتمي إليه الكناني وتنظيمُه؟ أليس هو طعن بأخلاقية مجموع قياديي وقواعد التحالف الوطني بضمنهم الصدريون بل هو طعن بأخلاقية الشيعة ومرجعياتهم الدينية ورموزهم التأريخية قبل أن يكون طعناً بشخص رئيس مجلس الوزراء؟
أما يدل موقف الكناني على أن التيار الصدري ناصبِ ويناصب المالكي العداء لأهداف لا تتعلق بمصالح الشعب العراقي، حتى سحبته إيران صاغراً من أذنيه ليصوت لصالح السيد المالكي لتشكيل الوزارة الحالية رغم مقت إيران له ولكن التهديدات الإسرائيلية دفعتها، إيران، إلى قطع الطريق على حلفاء شركات النفط وإسرائيل والسعودية وتركيا الذين يريدون ضرب منشآتها النووية عبر العراق، وذلك عن طريق دعم المالكي، الوطني الديمقراطي القوي المستقل العنيد، ولو على مضض؟
إن ما بدر من المالكي من سلوك وتصرفات عبر السنين، وهو متحمل عبئ المسؤولية الثقيل لدورتين برلمانيتين، كان أرقى من أخلاق بهاء الأعرجي والكناني بما لا يقاس، وهما الأشد تجريحاً وتطاولاً على الرجل لأنه وضع حداً للخارجين على القانون في البصرة وبغداد وغيرهما.
ثانياً: إذا نسينا الرادع الأخلاقي، هل، حقاً، أن حال النظام الديمقراطي العراقي بائس وخالٍ من الآليات الديمقراطية لهذا الحد بحيث يستطيع شخص طَرَدَهُ البرلمانُ وحزبُه أن يتشبث بكرسي الحكم ويرفض تسليمه لمن ينتخبه مجلس النواب بديلاً عنه، ويضرب بعرض الحائط جميع العهود والموائيق والإلتزامات؟
هذا إحتمال بعيد جداً عن الواقع ولا يستطيع تخيّلَ حصوله إلا الجهلة والمتفننون البارعون القادرون على جعل الوهم قريباً من التصديق.
يستطيع الإجماع النيابي المفترض زج الجماهير إلى الشارع وهي العامل الأول الذي حقق السيادة للعراق سلمياً ضد أقوى دولة في العالم؟ فما بالكم والخصم شخص واحد لا يملك بين يديه سوى قوات ولاء أغلبها للشرعية الديمقراطية وولاء بعضها لغير الشرعية ومعادية لها وللمالكي فهي ملغومة متنوعة الولاءات بفضل "المصالحة" على الطريقة الأمريكية – العلاوية الطغموية(1) التي فُرضت على العراق وما يزال يعاني منها بدماء أبناءه؟
كيف يتمرد والعراق مازال تحت طائلة البند السابع وأمواله تحميها الولايات المتحدة مشكورة من ملاحقات العالم بأجمعه تقريباً !!!؟
وإذا إفترضنا صحة المثل الذي ساقه الكناني بشأن زيادة مرتبات التقاعد فهناك ملاحظتان:
الأولى: كيف يضع الكناني على صعيد واحد مسألتين مختلفتي الأهمية كإختلاف الأرض عن السماء والنهار عن الليل، وهما تعديل الرواتب التقاعدية لشريحة معينة، وإلغاء نظام دولة بأكمله؟
الثانية: أليس الملام الثاني في عدم تطبيق قرار مجلس النواب بشأن تعديل الرواتب التقاعدية لشريحة معينة (إذا إفترضنا صحة إدعاء السيد الكناني) هو مجلس النواب نفسه؟ أين دور الكناني وكتلة "أحرار" من ملاحقة هذا الموضوع وغيره في مجلس النواب، إذا إفترضنا أن الآخرين متقاعسون؟ كيف يغفل الكناني ورفاقه عدم إكتراث رئيس مجلس النواب بهذا الشأن؟ ولماذا لم يكترث رئيس مجلس النواب لهذا الأمر بينما جاب الدنيا مؤلباً على العراق بحجة تهميش السنة دون حسيب أو رقيب من جانب مجلس النواب؟
أعود إلى آلية تنفيذ القرارات فأسأل: لماذا تناسى الدكتور الكناني وجود المرجعية في النجف وثقلها في المجتمع العراقي وإحترام رئيس الوزراء والتحالف الوطني وإئتلاف دولة القانون وحزب الدعوة لها ولكلمتها ؟ فكيف يتخيل الكناني أن رئيس الوزراء سوف يتحدى قرار مجلس النواب بوجود المرجعية؟
من جهة آخرى وكآلية تضاف إلى عشرات الآليات التي تضمن الإمتثال لقرارات مجلس النواب، خارج التعويل على الرادع الأخلاقي، أسأل: مع من سيجتمع رئيس مجلس الوزراء إذا إنسحب كافة الوزراء بضمنهم وزراء حزبه من الوزارة حسب الإفتراض الذي ساقه ممثل فضائية الحرة وقَبِلَه السيد الكناني؟
أخيراً، بطل عجبي بعد أيام من إنطلاق مدافع السيد أمير الكناني إذ إنطلقت الصواريخ الأثقل للسيد مقتدى الصدر وهو يتهم رئيس مجلس الوزراء بتشييع العراق وكأن أحداً أراده أن يشد من عزم الإرهابيين ويمدهم بزاد شرعي بعد أن هُزموا فكرياً قبل أن يُقصم ظهرهم ميدانياً.
لكن من يريد تكرار سيناريو ما قبل تشكيل الوزارة الحالية عند تشكيل الوزارة القادمة سيُصاب بخيبة أمل لأن تزوير نتائج الإنتخابات سيجتث كما أن الجماهير قد مالت نحو القوى الديمقراطية الوطنية الحقيقية إثر حركة إعادة الإصطفافات التي حصلت.
إن الإغراءات الكاذبة التي يلوح بها المنافقون، في الداخل والخارج، إلى الصدريين يمكن أن تترتب عليها نتائج خطيرة جداً أقلها الإبادة الجماعية.
فلا تكرروا تجربة يوم 8 شباط 1963 الأسود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- للإطلاع على مفاهيم "الطغمويون والنظم الطغموية" و "الطائفية" و "الوطنية" برجاء مراجعة الرابط التالي:
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181
#محمد_ضياء_عيسى_العقابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟