أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال فاضل كاني - هل تمكن العلم من ان يسبق السلحفاة ؟ - الجزء الثاني















المزيد.....

هل تمكن العلم من ان يسبق السلحفاة ؟ - الجزء الثاني


نضال فاضل كاني

الحوار المتمدن-العدد: 3742 - 2012 / 5 / 29 - 08:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في كتابة "التصميم العظيم" طرح "ستيفن هوكنغ" عددا من الاسئلة الكبرى التي لم يزل العلم يتلعثم حين يواجهها، لعل من أهمها السؤال اذي نود ان نتحدث عنه في الجزء من مقالنا وهو: هل يحتاج الكون الى خالق؟ او بحسب ما يصف "هوكنغ": هل يحتاج العلم الى وجود الخالق في تفسيره لوجود الكون وميكانيكية عمله؟.
ان الجواب المباشر الذي صرح به "هوكنغ" سواء في كتابه او في المقابلات التلفزيونية ومنها المقابلة التي اجراها معه المقدم الشهير "لاري كنغ" لحساب قناة (CNN) هو: "قد يكون الإله موجوداً, لكن بإمكان العلم تفسير الكون بدون الحاجة إلى خالق"، وقال مؤكدا: "أنّ باستطاعة العلم تفسير الكون، وأننا لا نحتاج لإله بغية تعليل وجود شيء عوضاً عن العدم, أو تعليل كون قوانين الطبيعة على ما هي عليه".
جواب "هوكنغ" المستفاد من علم الفيزياء الحديثة، يذكرنا بجواب "لابلاس" العالم الكبير في الفيزياء الكلاسيكية او التقليدية، وذلك حين سأله "نابليون بونابرت" عن مكان (الله) في نظرياته، بعد ان استمع الى تقديمة لآلية عمل الكون وفق المنظور القديم، فكان رده: "سيدي، أنا لم أكن بحاجة الى تلك الفرضية". أي أن الآلية الميكانيكية التي استخدمت للتفسير كانت كافية لإعطاء جميع الاجوبة دون الحاجة لافتراض وجود الخالق المدبر للكون. وقد تبين فيما بعد عدم صحة التعميم لتلك الآلية فيما ذهبت اليه من حتمية صارمة شبّهت الكون بالساعة التي تضبط نفسها بنفسها منذ الأزل، او شبّهته بالآلة التي تعيد تنظيم نفسها بنفسها كما وتعيد تزويد نفسها بالوقود تلقائيا.
كانت حتمية كل من "نيوتن" و "لابلاس" التي استمرت لقرون ثلاثة، قد ظنت في زمنها انها تجاوزت اشكاليات السلحفاة الثلاث – التي تحدثنا عنها في الجزء الأول- ولكن وبعد ظهور النظرية النسبية والنظرية الكوانتميه (الكمية) وانهيار الفيزياء الكلاسيكية الا في حدود ضيقة جدا من الكون، عادت السلحفاة لتكون في المقدمة أمام بطل اليونان "أخيل". وها نحن وبعد انقضاء قرن من الزمان، وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نسمع ذات الادعاء بكون العلم اصبح قادرا على ان يثبت انه قد تمكن اخيرا من ان يسبق السلحفاة بالفعل، فهل مصير هذا الادعاء كسابقه ام أن الاستعجال بإطلاق الاحكام قبل التثبت من الادعاء والتحقق منه بموضوعية هو من سمات الغرور التي اوقعت الأرنب في الخسارة غير المتوقعة؟!.
لكي نكون موضوعيين في الحكم على أي منهما يسبق الآخر في وقتنا الحاضر: العلم ام السلحفاة، علينا ان نستمع لنظرية "هوكنغ" مع ملاحظة انه لم يصرح بانكار وجود الإله، كما ظن البعض وسارع بالتكفير والتنفير، وانما افترض مقدرة العلم على التفسير دون الحاجة لافتراض وجود الإله في ذلك التفسير. كما انه ليس متشددا لرأيه تشدد يبلغ حد الاعتقاد، فهو وان بنى اراءه كلها على نظرية معروفة عند العلماء تسمى "نظرية M" الا انه لا يقدس تلك النظرية، بالعكس هو لا يرى فيها اكثر من نظرية انيقة ليس الا، فعندما سأله مقدم البرنامج "لاري كنغ" عن السبب في رغبته للسفر المستقبل ان تمكن الانسان من السفر خلال الزمن، اجاب: "اريد السفر الى المستقبل لأرى ان كانت "نظرية M" صحيحة ام لا". فهو بنى نظريته على احتمال لصحة نظرية اخرى، ولكن النتائج التي توصل لها بدت في نظره كافية لتثبت امكانية التفسير دون الحاجة لذكر الإله. وما يعنيه ذلك انه لا يجزم بأنه توصل الى الحقيقة المطلقة التي يجب ان يتخلى الناس عن اراءهم ومعتقداتهم لأجلها، بل هو توصل الى نظرية مجرد نظرية ليس الا.
ونحن حين نلفت النظر الى هذه النقاط قبل قراءتنا لآرائه، فليس من باب الدفاع عنه او التبرير له بل من باب عرض الموضوع بموضوعية دون تأييد او رفض مسبقين.. ان غايتنا ان نرى هل ما توصل له العلم مكّنه اخيرا من الفوز بالسباق ام انه لا يزال مع قوته الجبارة يلهث من شدة الجري وراء السراب؟
ينطلق "هوكنغ" في نظرته للكون من الرأي القائل بأن بدايته كانت نقطة متناهية في الصغر كثافتها خيالية سميت "النقطة المفردة". والخلاف حول مصدر هذه النقطة، من أين جاءت؟ هل خلقها الله؟ ام هي موجودة منذ الأزل؟ ام هي خلقت نفسها؟
ما فعله "هوكنغ" هو انه نظر الى تلك النقطة المفردة على انها ظاهرة كمومية، ومن خلال فهمه لفيزياء الكم خرج بالنتيجة القائلة بعدم حاجة العلم لوجود الإله في تفسير وجود الكون. ولتوضيح نظريته علينا التطرق قليلا لمبادئ فيزياء الكم وان كان بشكل مبسط ومختصر.
في فيزياء الكم اكتشف العلماء ان أي مكون من مكونات الذرة كالإلكترون مثلا، هو ليس جسيم مادي وليس موجة غير مادية، بل هو الاثنان معا في الوقت نفسه، ولما كان هذا الفهم يدل على اجتماع النقيضين في زمان ومكان واحد وهو محال، فقد اضطر العلماء الى القول بوجود عوالم متعددة متداخلة فيما بينها، عالم كوني يكون الإلكترون فيها جسيما، وعالم آخر يكون فيها موجه، وعوالم اخرى غير معروفة يكون فيها الالكترون غير معروفا عندما يكون بعيدا عن انظار العلماء المراقبين. ولأن تلك العوالم الكونية متداخلة، فان حالات الالكترون تبدو لنا ثنائية (جسيمية/ موجية) في الوقت نفسه، وواقع الامر – كما يقولون- اننا حين نرصد الجسيم الذري نكون اقرب ما نكون من التداخلات لتلك العوالم والتي لا نشعر بها في احجامنا العادية المألوفة.
اعتبر هوكنغ "النقطة المفردة" عبارة عن شيء كمومي، تكوّن من العدم بالضرورة الكمومية. وفي الفيزياء ينظر الى العدم على أنه عبارة عن طاقات متعارضة، يختزل بعضها بعضا، او يمحو بعضها بعضا. بمعنى ان العدم ليس اللاشيء المحض، بل هو لا شيئية كوننا - والاكوان الاخرى- قبل ان يتكون من ذلك العدم.
في الحالة العدمية الكمومية، تكون تقلبات الطاقة وتعارضاتها على أوجّها، ولما كانت النقطة المفردة قد ظهرت لتكون فيما بعد كوننا، فلا بد ان ما حصل هو ان طاقة ما تفلتت من الحالة العدمية ولم يتم اختزالها او تصفيرها، ما اتاح المجال أمام تحوّل تلك الطاقة الى نقطة مفردة في حالة كمومية، وميزة "النقطة المفردة" عن الحالة العدمية، هو ان النقطة المفردة تحمل خواص المادة والمادة المضادة في ثنائيتها الكمومية. وبدورها تلك الخواص تقلبت في "النقطة المفردة" حتى توائم حدوث الانفجار العظيم الذي تبعثرت طاقته العظمى لتعود الى العدم، وقد رافق ذلك ظهور شيء من الخواص المادية والتي تكوّن منها كوننا. لهذا، فعندما يتم اختبار الجسيمات الذرية يرى العلماء اللاحتمية حاضرة في كل تفاصيلها، أي لأنها أتت من عدم كمومي.
والآن، اذا اعتبرنا ان ظهور الكون هو ظاهرة كمومية لا تختلف في شيء عن الظواهر الكمومية التي يختبرها العلماء يوميا في المعجلات النووية، فان ذلك يعني ان وجود الكون لم يكن له زمن محدد او بداية، بل وجوده كان ولا يزال احتماليا كاحتمالية وجود الحالة الجسيمية في الإلكترون، فهي كانت لا تزال بلا بداية..
ان طرح الموضوع بهذه الطريقة يشكل خطورة كبيرة في صياغة الاجوبة، اذ ان الذهاب الى كمومية بداية الكون يتجاوز الآراء التي تذهب الى ان الكون كان دائم الوجود كما قال "ارسطو: ومن بعده اصحاب نظرية "الحالة الاستقرارية"، وفي المقابل يبتعد عن الاعتقاد بأن الكون لم يكن موجودا نهائيا، وفجأة كانت له بداية، وهو الاعتقاد الذي يستلزم وجود العلة السابقة القادرة على احداث تلك البداية، ونعني به الإله. وبدلا من ذينك الرأيين يذهب الى الاحتمالية الازلية لوجود الكون وعدم وجوده في الوقت نفسه.
ان بداية الكون مع "هوكنغ" اصبحت محكومة بقوانين علمية هي قوانين فيزياء الكم، والتي تفترض ان بداياته تخضع لقوانين الاحتمال. ففي حالة العدم حيث كانت الطاقات تختزل بعضها بعضا، لم تزل تظهر النقاط المفردة بلا حصر، لتكون اكوان اخرى، قد تشبه كوننا او قد تختلف عنه، وواحدة من تلك الاحتمالات كانت نقطتنا المفردة التي كونت كوننا.
يضرب "هوكنغ" لذلك مثلا فيقول: "يمكن ان نتصور الخلق العشوائي الكمي للكون كمثل تشكيل فقاعات البخار في الماء المغلي. فعلى سطح الماء تظهر الفقاعات الصغيرة بكثرة ومن ثم تختفي. وهذا ممكن تصوره بالأكوان الصغيرة التي تتسع ولكنها تتحطم بينما هي ما زالت في المستوى الميكروسكوبي الدقيق. ولكن هناك العدد القليل من هذه الفقاعات الصغيرة تكبر وتصل الى درجة تحميها من التحطم وستضل تتسع لتكون في النهاية الفقاعات التي نستطيع مشاهدتها، وهذه مثلها كمثل الاكوان التي تبدأ بالاتساع مع الزمن". وهو يفترض ان تكون لتلك الاكوان قوانينها الفيزيائية "وقد يكون هنالك حياة في أكوان أخرى تطورت حسب تطور قوانين الاكوان الأخرى".
الخلاصة ان العشوائية الكمية – عنده- هي السبب وراء تكوين شيء من لا شيء، على اعتبار ان اللاشيء هو الطاقة الصرفة. واذا كانت العشوائية الكمومية هي السبب، واذا كانت هذه العشوائية مفسرة علميا. اذا، فلا يوجد هنالك حاجة لافتراض وجود الإله في تفسير وجود الكون.
والسؤال الاهم الذي نود ان نطرحه في نهاية هذا الجزء هو: هل يُعد ما ذهب اليه "هوكنغ" كافيا ليجعلنا أو يجعل كثير من الفلاسفة والعلماء يصدقون بان العلم تغلب اخيرا على معضلة السلحفاة وتمكن من تجاوزها؟.
لقد اردنا ان نكون موضوعيين في هذا الطرح، ولهذا فإننا نقول أنه من المبكر الحكم الآن قبل ان نستمع الى بقية حجج "هوكنغ" والمتمثلة في مناقشته للموضوع وفق "نظرية أم"، وكذلك بعد الاطلاع على نظرته القائلة بـ "الحتمية المعتمدة على النموذج" والتي يرى انها الحل الامثل لجميع المشاكل العالقة في الحقل العلمي.

نهاية الجزء الثانية
(في الجزء الثالث سنستعرض "نظرية أم" واحجاج هوكنغ بها لأثبات عد الحاجة لوجود الخالق في تفسير خلق الكون).



#نضال_فاضل_كاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تمكن العلم من ان يسبق السلحفاة ؟ - الجزء الأول
- النظريات والحقائق.. وفاق ام افتراق؟
- درس المصير - قصة قصيرة
- لماذا يا رب ؟ .. حتى الكوخ احترق !!
- الطرق اللامألوفة لمعرفة ارتفاع ناطحة السحاب
- اللعنة حين تستولد ذاتها
- لماذات زينب وعائشة..!! - قصة قصيرة
- هكذا اكتشفت عنواني الذهبي - قصة قصيرة
- هل مزقت الجمعة خيوط العنكبوت؟
- إمي .. هل نحن سُنّة أم شيعة ؟ - قصة قصيرة
- المقدس - قصة قصيرة
- صرير الباب
- طيور الحقيقة - قصة قصيرة
- هل يمكن ان يستعمر التصوف العقل؟
- الخلود بين عقلنة الفلاسفة وروحنة أهل الطريقة
- الثورات الشعبية واضمار الثقوب السوداء
- لان هناك عقولا تطرح أفكار التقسيم
- حين يشهد المثلث ان اضلاعه نقطة واحدة
- لماذا تخلى سندباد عن خارطة الكنز ؟..
- الرقص قرب شجرة آدم - ج1


المزيد.....




- شاهد.. فلسطينيون يتوجهون إلى شمال غزة.. والجيش الإسرائيلي مح ...
- الإمارات.. أمطار غزيرة وسيول والداخلية تحذر المواطنين (فيديو ...
- شاهد: توثيق الوصفات الشعبية في المطبخ الإيطالي لمدينة سانسيب ...
- هل الهجوم الإيراني على إسرائيل كان مجرد عرض عضلات؟
- عبر خمسة طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- حماس تؤكد نوايا إسرائيل في استئناف الحرب على غزة بعد اتفاق ت ...
- أردوغان يبحث مع الحكومة التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران
- واشنطن وسعّت التحالفات المناهضة للصين في آسيا
- -إن بي سي-: بايدن يحذر نتنياهو من مهاجمة إيران ويؤكد عدم مشا ...
- رحيل أسطورة الطيران السوفيتي والروسي أناتولي كوفتشور


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال فاضل كاني - هل تمكن العلم من ان يسبق السلحفاة ؟ - الجزء الثاني