أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بقوح - قراءة نيتشه لفلسفة سقراط ( 1 )















المزيد.....

قراءة نيتشه لفلسفة سقراط ( 1 )


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 3714 - 2012 / 5 / 1 - 08:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بدءا، نطرح قضية العلاقة الفلسفية بين نيتشه، كفيلسوف ممارس لفعل هذه القراءة، و سقراط، كموضوع إجرائي و بحثي لها، بكونها علاقة فلسفية تهم أساسا، الجانب المتعلق بالموقف الفكري و الفلسفي، الذي أصاغه و اتخذه و دافع عنه نيتشه، ضد فلسفة سقراط الأخلاقية.
فكيف قرأ نيتشه ( 1844- 1900 ) فلسفة سقراط ( 469 - 399 ق.م )؟، أو بالأحرى، ما هي الآليات الفكرية، و الفلسفية، التي قرأ بها نيتشه، كفيلسوف حداثي عقلاني، ينتمي إلى العصر الذهبي للفكر الفلسفي الأوربي، النص الفلسفي السقراطي، المرتبط بلحظة تاريخية إغريقية، بعيدة زمنيا، كانت ما تزال تبحث عن ذاتها الفكرية، و جهتها الفلسفية ببوصلة إدراكية معرفية و جدلية، أربكت مجتمعها اليوناني، و زمنها المتعب التقليديين؟ هل الأمر هنا، يتعلق بفعل نقدي فلسفي نيتشوي ، يمارسه فيلسوف، مشبع بالفكر الفلسفي الثوري حتى الثمالة، ضد قول فلسفي سقراطي، مؤسس على تفكير مفهومي و نظري، أراد له صاحبه، أن يكون مختلفا و مضادا، لكل ما هو سائد، فكان له ذلك، لم يصل إلينا حتى مدونا مكتوبا، باعتبار أن سقراط، حسب الدارسين لفلسفته، و شخصيته الفكرية، لم يكن يكتب فلسفته بنفسه، و إنما تعرف عليه التاريخ الفلسفي، من خلال الكتابات الفلسفية الهامة، التي كان ينجزها تلامذته، و كان أهمهم شأنا، و على رأسهم: مواطنه الفيلسوف أفلاطون ( محاورات كتاب الجمهورية ).

لاشك، أن ما يهمنا في هذا الموضوع، ليس معرفة مضامين القراءة النقدية، التي أنجزها فيلسوفنا الكبير نيتشه، لفلسفة شيخ الفلاسفة، بالرغم من أهمية هذه المضامين، من ناحية جرأتها الفكرية، و لكن أساسا، نحن منشغلون بمعرفة نوعية المنهج النقدي، و الفلسفي المتعدد و المركب الصارم، الذي قارب و قرأ به نيتشه، النص الفلسفي السقراطي. يعني الطريقة المنهجية المركبة، من عدة تصورات منهجية، فيها ما هو فيزيولوجي، و فيها ماهو تاريخي، و ما هو جينيالوجي، و كذلك لغوي و سيميائي. إذن، نحن هنا بصدد منهج متعدد المرجعيات، و مركب المصادر و اللآليات و الرؤى و الأبعاد. منهج شمولي، خوّل لفيلسوفنا، مقاربة القول الفلسفي السقراطي، من منظور فكري نقدي عميق، أوصله إلى نتيجة رفض فلسفته، من حيث أنها أدخلت التفكير الفلسفي عامة، إلى نفق مظلم .. نفق عوالم الميتافيزيقا الغارقة في مثاليتها، و بالتالي، أدت إلى ( موت الفلسفة )، بعدما كانت، في الأمس القريب، مع الفلاسفة الطبيعيين، و الذريين، و الفيتاغوريين، و السوفسطائيين أيضا، تنتعش بالحياة، و خارج هذا النفق الميتافيزيقي، منطلقة حرة، في التفكير التفلسفي، المهتم بقضايا ما هو حسي و طبيعي، حول وجودهم البيئي و الحيوي، غير مبال بقضية الفضائل و الأخلاق و السعادة، بعد الموت التي شغلت سقراط، و كبلته و ألهته عن التأمل الفلسفي العملي الحر، و القريب من جمال الوجود.. و ليس البحث في لغز الموجود، بتعبير هايدغر.

يقول الباحث المغربي محمد الشيخ: ( إن سقراط لهو قاتل التراجيديا و محطمها و مدمرها ) . و يقول سقراط في نفس المعنى: ( إن الحياة إلا مرض طويل ).
إنه الموقف الفلسفي السلبي، ذي النظرة السوداوية، و المحتفية بقيم الضعف و الهزيمة، في الحياة الأرضية الإغريقية الحية، التي تكذب دعوى سقراط، هذا الموقف هو الذي جعل نيتشه، يختار أن يكون ضد فلسفة سقراط الضعيفة، باعتبارها فلسفة التعب الجسدي و النفسي، حين أخضعت القول الفلسفي للمعرفة و الأخلاق و الإنسان، و بالتالي صارت لها هذه الرؤية التشاؤمية، من وجود الفرد في الحياة. هذا الفرد المنعزل و المتمرد، في نفس الوقت، الذي يجب أن يبحث عن سعادته، في العالم المثالي الحقيقي المفترض، حسب سقراط، و بعده سيطور و يكرس هذه النظرة الفوقية تلميذه أفلاطون، و الكثير من الفلاسفة الآخرين بعده، يثبتونها بمسامير من ذهب..) .
في حين، يبقى العالم الأرضي، هو فقط الواقع ( القبيح ) الحسي غير الحقيقي/ النسخة المعدلة للعالم الحقيقي المثالي الأول.

لكن، ألم يكن نيتشه نفسه فيلسوفا غارقا، في عالم أقصى المثل، عندما فكر فلسفيا، مع زرادشته، في نوع آخر و مختلف و جديد من الإنسان، سماه بالإنسان الأعلى؟؟ و بالتالي، فطبيعة هذا الإنسان القوي، و مسألة هذه الفكرة المطلقة، هي جعلت هايدغر يعلن بأن نيتشه، يعتبر آخر الميتافيزيين، في عالم الفلسفة، داعيا إلى فلسفة علمية نافعة، تتغذى بموجودات العلم و الطبيعة حول محيط الإنسان.
نقتبس هنا، كلاما للدارس و الباحث التونسي، سليم دولة الذي يقول: ( لم يعد هناك مكان للفلسفة الميتافيزيقية، فيجب أن تحل محلها فلسفة العلم، و على الفيلسوف الميتافيزيقي أن يختفي، ليظهر فيلسوف جديد يكون خادما للعلم، و ذلك بالتأليف بين مبادئ و نتائج العلم المختلفة ).

نتابع طرح السؤال: لماذا انتقد فيلسوف إرادة القوة، فلسفة شيخ الفلاسفة سقراط،؟
نستحضر جانبا مهما من طبيعة القول الفلسفي، المرتبط ضرورة بمفهوم التجاوز الفلسفي. لكن ليس بمعنى القطيعة، و الانفصال التام، و إنما كشكل فكري و فلسفي مختار، يستوعب من لدن الفيلسوف، متمثلا النموذج الفلسفي السابق عليه، و المرحلي طبعا، من أجل نقده و تجاوزه، نتيجة حتمية لرغبة الفيلسوف الجديد أو البديل، في التموقع الجيد، على أرضية فكرية فلسفية مختلفة و متميزة، تحمل بصماته الفكرية، و ملامح شخصيته الفلسفية. إننا هنا، نقترب من التعريف المهم، الذي صاغه الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، حين اقتنع، كتتويج لأبحاثه الفلسفية العديدة، في كتابه الهام: ( ما هي الفلسفة؟ ) بأن هذه الأخيرة، لا يمكن أن تكون سوى، التحقيق الفعلي للإبداعية، في مجال المفاهيم الفلسفية. إذن، الميل إلى تحقيق الاختلاف، و دعم الإبداع الفلسفي، لهو أمر مهم و أساسي، و لكن أيضا بديهي، بالنسبة للفيلسوف، الذي يريد أن يترك فلسفة متميزة، يذكرها التاريخ بعده.
غير أن الإبداع في المجال الفلسفي، ليس بالأمر الهين دائما، سواء على مستوى الكتابة النصية الفلسفية، أو على مستوى الكتابة النقدية، المرتبطة بالدرس و البحث الفلسفيين. فماذا الآن، عن هذه العلاقة الفلسفية النقدية، بين نيتشه و سقراط كفيلسوفين يوجدان على داخل نفس الدائرة الفلسفية الكبرى، رغم أنهما ينتميان إلى لحظات تاريخية، مختلفة و متباعدة، إلا أن ثمة صلات كثيرة، و تقاطعات فلسفية عديدة و مهمة، تربط بين الفيلسوفين العقلانيين معا. سوف نبحث في أهم تجليات هذه التقاطعات الواضحة، في فكرهما الفلسفي العقلاني، و انطلاقا من شهادة نيتشه نفسه. فأتيح لسقراط، أن يكون موضع نقد، و بحث و دراسة، في المقابل، لم يتردد نيتشه، في دراسته و انتقاد فلسفة أستاذه، بل واضعا إياها في قفص الاتهام، أمام التاريخ و الإنسان.. في إطار أبحاثه الشمولية، للمتن الفلسفي الإغريقي بصفة عامة.

بالنسبة لنيتشه، فشيخ الفلاسفة هو بمثابة نقطة انطلاق الفكر الحر الحداثي و المثالي، الذي سيعرف تاريخ الفلسفة فصوله الكبرى تباعا، و المفصلة لاحقا، مع العديد من الفلاسفة الآخرين ( أفلاطون، أرسطو، ديكارت، سبينوزا، كانط ، هيجل..إلخ ). هو أيضا فيلسوف حداثي متميز، بكون فلسفته المعرفية و الأخلاقية، جاءت بأفكار جديدة و مختلفة، تحتفي أساسا بحرية الفرد و غربته، و أرستقراطيته، تطالب بتحرير فكره المكبل، مما هو سائد و مهيمن، من معتقدات و تمثلات اجتماعية تقليدية صدئة، تقوم على الخضوع للحسي و الغرائزي الجسدي المتجاوز- دائما حسب سقراط - ، أكثر مما تعمل عقلها المفكر، و وعيها النظري العميق، في قضايا الحياة البشرية، مفكرة في ما هو روحي( المسألة الدينية )، و عقلاني و إنساني في الإنسان ( مسألة الوعي ).

إذن فلسفة سقراط، كانت تبحث عن الجوهر و الثبات و المطلق، فيما هو متعالي و منزه، وتقول ب ( المقدس )، خلافا لما هو موجود و قائم في زمنه الديونيسويسي الإغريقي، الذي يمثل بالنسبة إليه ( المدنس ). في المقابل، نلاحظ فيه نفس المبدأ تقريبا، مع نيتشه المسلح بإرادة القوة، و الذي دعا، كما أسلفنا إلى فلسفة متمردة أيضا، لكنها تقوم على أساس فكري مختلف، هو فكر قوة الذات المتعالي ( الإنسان الأعلى )، أي جوهر المطلق، الباحث عن العود الأبدي، فيما وراء حجاب سماء الدنيا، هو ليس ثابتا، و لكن متحولا و متحركا باستمرار، و دائري مكرور و صيروري إلى حد العبثية. نستحضر هنا قولة حكيمة، لفيلسوف الصيرورة الإغريقي هيروقليطس ( 535 ق.م- 475 ق.م ) الشبيهة، إلى حد بعيد، لدلالة مفهوم هذا العود الأبدي، الذي يطرحه نيتشه( 535 ق.م- 475 ق.م ). يقول: ( نحن ننزل في النهر الواحد و لا ننزل فيه، فما من إنسان ينزل في النهر الواحد مرتين، فهو دائم التدفق و الجريان ).إنها صيرورة الزمن، التي لا تختلف كثيرا عن المفهوم النيتشوي المشار إليه.



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تراجيديا السياسة العربية.. عن ما جرى و يجري للعجوز و الحيتان ...
- مدينة الدشيرة الجهادية بالمغرب تضع العنصر البشري في صلب الأي ...
- سلطة الكلمة و زناد السلطة
- قراءة في كتاب: مارتن هايدغر ( نقد العقل الميتافيزيقي )
- الشارع الطويل
- تحرير التعليم المغربي العمومي - وجهة نظر نقدية
- ملف الطبقة العاملة
- مسألة المثالية في فلسفة نيتشه
- عن الحق في المعرفة ( 2 )
- الحقيقة و الأشياء ( 1 )
- قصة قصيرة ثورة مسعود
- الصفعة قصة قصيرة
- ضرورة الفلسفة
- عنف السلطة .. و الطبقة التعليمية المغربية ( جهة سوس ماسة درع ...
- الأرصفة ( 4 )
- الأرصفة ( 3 )
- الأرصفة ( 2 )
- علاقة المقهى بثقافة الإنسان العربي
- الأرصفة ( 1 )
- إشكالية التعليم .. و قيم العلم بالمغرب


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بقوح - قراءة نيتشه لفلسفة سقراط ( 1 )