أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بقوح - الأرصفة ( 4 )














المزيد.....

الأرصفة ( 4 )


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 3202 - 2010 / 12 / 1 - 05:56
المحور: الادب والفن
    


- ما اسمك أيها الكائن الغريب عن مدينتنا.. ؟ و من أين أتيت ؟ .. و ما هي قصتك ..؟
.. كنت في قفص معدني .. ربما . هكذا يبدو لي جسدي الضئيل .. وسط قضبان عمودية نازلة من الفوق إلى الأسفل . لا أملك تحديد نقطة بداية و لا نهاية تلك القضبان . خارج القفص تجلس كائنات المدينة على شكل صفوف منظمة بصفة دقيقة . اعتقدت في أول وهلة أن الصفوف سطور صفحة كاكية اللون . كانوا يقعدون على ما يشبه عندنا الحصير الجبلي . عيونهم مشدودة إلى حيث أنا قابع . تأكدت الآن أن الأمر يتعلق بمحاكمتي أمام جمهورهم . لكن ما تهمتي .. ؟ و ماذا جنيت حتى أحاكم في ساحة الجمهور .. و أمام الملأ ؟ كان الوقت مساء .. و ثمة قامات تصول و تجول بين الصفوف . أنا الكائن البشري الوحيد هنا . رنت آلة بصوت مزعج . نهض الجميع من مكانه . أو لنقل تحرك الكل كجسد واحد . لأن الكثير من هؤلاء الكائنات يفتقد إلى أطرافه . هي عبارة عن كثل " آلية " تتحرك ببطء . حاولت أن أرد عن سؤال الحاكم ذي الرأس الكروي على متن الكرسي البراق . الحاكم الأعور على عرش من نار .. لكن ، من جديد لم أجد فما في وجهي أتكلم به . اكتشفت اللحظة أن عيني الاثنتين عادتا إلي . أصبحت الآن بوجه طبيعي . تحسسته كله بيدي اليمنى . قلت لماذا يسألني هذا التافه اللعين بعد أن عمد إلى منعي من الكلام ؟ . لكن كيف استطاع أن يغلق فمي ؟ و لماذا أصلا أغلق فمي .. و ماذا سيجني من منعي من الكلام ..؟ ربما يخافون من الأشياء التي سأقولها في هذه المحاكمة الملعونة . إذن هؤلاء منزعجون بحضوري بينهم . و إلا بماذا سأفسر حبسي داخل قفص حديدي كما لو كنت حيوان متوحش . و لم يكتفوا بذلك بل سجنوا أناي داخل جسدي . جسد بلا كلام . لكني موجود و أقدر على التفكير بينهم و السخرية منهم . لا يمكن أن لأية قوة كيفما كانت سلطتها أن تمنع الكائن البشري من فعل التفكير . هذه ميزة الإنسان الحي ..
فتشت في ذاكرتي عن اسمي .. فلم أجده . حاولت استعادة أسماء أسرتي الصغيرة و معارفي من حولي . كانت النتيجة سلبية و لم أنجح في ذلك . حركت جسدي فتحرك نصفه الأعلى . رأسي مازال كما هو . أحس به و لا أدرك وجوده . إلا أن تحليقات الأسئلة و تضارب القضايا تدق " بابه " دقا . لماذا قال لي صاحب العين الوحيدة بأن رأسي فارغة مع العلم أنني أحس بها الآن ثقيلة . ربما قد تكون ثقيلة بأشياء تبدو له هو فارغة و لا معنى لها . أردت تدارك هذا الأمر فنظرت إلى الحاكم أمامي ، الذي لا يزال ينتظر مني الإجابة عن سؤاله . يبدو لي أنه ينتظر . أحمق حتى الثمالة . قلت و عيني تسبحان في مياه رأسه الشفافة و المدهشة ..أي كائن هذا الذي يحدثني و " يحقق " معي . تموجات هيولية لا تزال تبدو لي وراء صفحة وجهه الشفاف كالمرآة الناصعة ..
- أنا إنسان لا اسم له سوى الاسم الذي إذا كتبته عملت به .. و إذا فكرت ، وجدته ينتظرني في محطة أفعالي .. بين سلوكات تطمح إلى تحقيق صيرورة جوهر الحياة .. كل الأسماء جوفاء إن لم ترق إلى الفعل المتحرك خارج دائرة زينة الأشكال و الصور . الاسم سم حين يتخلى صاحبه عن فعل الشخص الحامل للاسم . لذا سيدي فمعرفة الرجال لا تكون أبدا بمعرفة أسمائهم .. و لكن بالغطس في عمق تفكيرهم الذي هو الوجه الآخر لحقيقة سلوكهم ..
اعتقدت أنني أتحدث .. و كلامي واضح و موجه إلى الحاكم أمامي . يبدو لي ما تفوهت به قبل لحظة أنه مجرد تفكير داخلي . باعتباري لا أتكلم . على الأقل هذا ما يقوله لي جسدي . لكن فوجئت بصوت الجماهير يتعالى إلي .. كما لو كان متفاعلا مع الصوت الذي صدر عن دواخلي .. ممزوجا بالنداءات و التصفيقات .. و أشياء أخرى لم أتمكن من تمييزها .. المهم أن أجواء فضاء الساحة العمومية .. حيث أنا حبيس الجسد و الكلام .. باتت مختلفة عما كانت عليه من قبل . هل استمع هؤلاء إلى حديثي حين فكرت . أحتاج إلى برهان لتأكيد هذا الاستنتاج .
وصلني الآن صوت الحاكم مكبرا و عظيما و راقيا . مع العلم أنه لا يملك فما . كيف تكلم إذن . ؟ لعل هؤلاء السفهاء جعلوني مثلهم . هم يستمعون لما أفكر فيه دون أن أتكلم . فكرت في أمري : هل بالفعل أنني موجود في مكان بين هذه الكائنات العجيبة .. أم أن معرفتي بالزمن المغيب عنا نحن البشر هو الذي جعلني أعيش وجودها كما لو كانت موجودة معي أو كما لو كنت موجودا بينها ..؟
- هذا بشر حكيم .. ثمنه سيكون غاليا لمن أراد تدجين حكمة البشر في بيته . و تأمين مستقبله و صيرورته . استعدوا يا كرام .. يا سادة مملكة السعادة .. لإجراء عمليات الشراء و البيع .. حصيلة اليوم مميزة .. و مثيرة ..
راقبت مشهد جماهير كائنات المدينة تقترب شيئا فشيئا .. أمواج من الأجساد المبعثرة في الشارع العام .. بعد ذلك تحول شكلها إلى ما يشبه ازدحام عنيف بين الأذرع .. ثم إلى عاصفة " رملية " قوية .. شتتت توازني داخل القفص المعدني .. و حملتني دون أن أدري .. متى و لا كيف .. إلى أسفل واد يجاوره نهر به بط و أسماك .. هذا ما بدا لي و أنا أحاول فتح عيني بصعوبة كبيرة .. بسبب قوة شعاع الشمس الطالعة من جهة الشمال .. على جانبي النهر الأزرق و الهادئ تصطف أشجار الصنوبر الكثيفة و القصيرة القامة ..



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأرصفة ( 3 )
- الأرصفة ( 2 )
- علاقة المقهى بثقافة الإنسان العربي
- الأرصفة ( 1 )
- إشكالية التعليم .. و قيم العلم بالمغرب
- علاقة الثقافي بالسياسي في التجربة العربية - وجهة نظر نقدية
- عودة الأنوار - قصة قصيرة
- الحوار المتمدن كمعلمة عقلانية للفكر الحر
- حجارة السماء
- جدلية الفكر و قيم الإنحطاط
- الخفاش الأنيق - قصة قصيرة
- تيمة الجنون في رواية مدن الملح - نص التيه نموذجا - ( بحث )
- الكرسي الأعرج
- قصيدة يسكنها بحر
- هذا المساء ينقب عن وجهه في الشمس
- صهيل السبت الأسود
- غربة الفلسفة من منظور جيل دولوز
- بهاء شذرات نيتشوية
- حديث حول البحر
- قصة قصيرة الميزان العجيب


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بقوح - الأرصفة ( 4 )