أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بقوح - قصة قصيرة ثورة مسعود















المزيد.....

قصة قصيرة ثورة مسعود


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 3284 - 2011 / 2 / 21 - 09:02
المحور: الادب والفن
    




يسميه صاحبه مسعودا . لأنه ولد في يوم عيد .. و في زمن الخير و البركة . ورثه من أبيه علال الذي اشترى أمه بمعية عجل ، من صاحبهما مسيو جاك ، في زمن الاستعمار . هذا ما حكاه له والده في حياته رحمه الله . رغم أن صاحبنا عْلي .. يختلف مع والده ، في قضية تسمية الحيوان بأسماء البشر . لأن الحيوان في نظره يجب أن يبقى حيوانا ، بأسماء جنسه الطبيعية الحيوانية . فالحمار حمار ، و الكلب كلب ، و الحصان حصان ، بلا أسماء و لا هم يحزنون . لأننا حين نسمي الحيوان باسم إنسان ، نكون أنذاك قد سوينا بينهما ، و جعلنا الحيوان و الإنسان في مرتبة واحدة . و هذا لا يجوز ، و غير مقبول .. عقلا و لا شرعا . لكن رغم كل ذلك ، فإنني أحيانا أنسى ، و أنادي على حماري ب "مسعود" ، ذاك الاسم الذي اختاره له والدي . كما أن باقي أفراد عائلتي ، و أيضا سكان قريتي ، يطلقون عليه نفس الاسم ، الذي عرف به قبل ولادتي بقليل . هذا ما صرح لي به أبي ذات يوم . ( مسعود ، أكبر منك بعشرة أيام و ثلاث ساعات بالكمال و التمام . إنه حمار ليس كباقي الحمير . أنجبته أم فرنجية رغم أن أباه عربي قح . لهذا فهو حمار ذكي . اهتم به و احترمه .. و لا تنسى أن تطعمه بالنظام الذي وصيتك به . إنني أهمل نفسي أنا و لا أجرؤ على إهمال حاجاته هو .. ) . هذا ما نصحني به أبي ، و هو في فراش المرض ، و بعد هذه النصيحة بيومين ، رحل إلى الرفيق الأعلى .
الجو حار . السماء جد صافية . يبدو السراب لامعا في أفق الطريق الطويلة . الحركة تقريبا منعدمة . الوقت بعد الزوال بقليل . سرب طير النورس مر مرور الكرام على بنايات مدينة الدشيرة الآخذة في الاتساع .
لما وصل "مسعود" ، المثقل بأربعة أكياس كبيرة ، إلى وسط الشارع العام .. شارع علال بن عبد الله .. توقف فجأة .. إنه رفض أن يخطو و لو نصف خطوة إلى الأمام .. بعدها نهق نهيقا متتاليا .. و زمجر بشكل لم يسبق لصاحبه أن رآه في حياته .. انتفض جسد الحمار القوي ، و ازداد هيجانه في حالة ملفتة . كأنه موج بحر في شتاء عاصف . الرجل المسن الذي كان فوق ظهره ، بدا بجلبابه الأبيض ، طائرا كبالون أطفال في الهواء ، ليصبح كومة جامدة على الرصيف الأيمن للشارع . أكياس القمح و الشعير الأربعة تطايرت هي أيضا ، و سقطت هنا و هناك ، على الطريق المزفّت . الحمار "مسعود" ظل واقفا كجبل جبار بلا حركة . بعد حين ، أخذ يحرك رأسه عموديا من الفوق إلى التحت . جمهور الناس يتابعون المشهد باندهاش شديد . يا ترى ما الذي دفع هذا الحمار ينتفض ضد سيده بهذه الطريقة .. و في هذه اللحظة .. و في هذا المكان بالذات ؟
اضطربت حركة سير السيارات و العربات . تجمّع الناس بسرعة . لست أدري من أين خرجوا هكذا بهذه الأفواج كالفئران . ابتعد الحمار إلى ناحية . وقف أمام ( فترينة ) بائع الملابس الأنيقة .. عاد و انبطح بجسده الكلي على الأرض ، وسط الطريق . السيارات تسير ببطء . أما عْلي ، صاحب الحمار ، فلا يزال مغمى عليه ، و حوله تحلق العديد من الأشخاص ، تتفاوت أعمارهم . قال رجل لصاحبه بالقرب منه :
- ربما يكون قد فقد وعيه ، لقوة اصطدامه بالأرض .
- نتمنى ذلك . فالشيخ رجل مسن على حافة النهاية . و هذه الضربة قد تعصف بما تبقى من حياته .. الله يجعل السلامة ..
- لا أظن ذلك ، بعد قليل سيسترجع وعيه .
قال شاب كان يتنصّت إليهما :
- الظلم و الظالم .. دائما تكون نهايته مأساوية، كنهاية هذا الشيخ البئيس .
- لا تقل هذا الكلام في حق رجل ، في سن والدك ..
رد عليه الشاب ، و عيناه في عيني المعقّب :
- أردت منك أنتَ ، أن تجرّب حمل تلك الأكياس على ظهرك المقوس أصلا ، و لو دقيقة واحدة ( فأشار له الشاب بيده اليمنى إلى مكان الأكياس المنتشرة على الطريق ) ..
حاول الرجل أن يدافع عن موقفه .. فرد قائلا :
- الحيوان يا سيدي .. خلق لحمل الأثقال ،و خدمة الإنسان . هذا هو دوره في الحياة .
- لماذا لا تحمّل أثقالك لظهر أسد مثلا .. أليس الأسد حيوانا ..؟
ضحك الرجل ، و ابتسم في وجه الشاب ، الذي بدا الغضب واضحا من خلال ملامح وجهه ، و شيء من السخرية من أفكار صاحبه ، ثم قال :
- الأسد ملك الحيوانات .
- الأسد أقوى من الإنسان . هذه هي الحقيقة .
تدخل رجل رابع في هذه الأثناء :
- بالعكس ،أرى أن هذا الحمار الموجود حاليا أمامنا هو الأقوى .. إن لم أقل أنه أقوى من بعض البشر ، الذي يفضل أن يتكلم خلف الستار .. و في الهوامش .
- لماذا اعتبرت الحمار أقوى من البشر ، مع العلم أن البشر قوي بعلمه و عقله . ؟
- الحمار قوي ،لأنه استطاع أن ينتفض و يرفض تلك الحمولة الثقيلة التي وضعت على ظهره ..
- صحيح .. الحمار قوي لأنه قال لا للظلم .. و الاستعباد .. و الاستغلال .. هذا ما بدأت به كلامي ..

تحرك جسد الرجل المسن ،الملقى دائما على الرصيف .
- قال أحدهم :
-ها هو قد فاق من كبوته ..الحمد لله .
لا يزال عْلي متأثرا بصدمة ما وقع . في البداية لم يقدر على الوقوف . قشور بقايا البصل مشتتة بالقرب من حيث هو كان مكوما . مفاتيح حديدية كبيرة ، في يد الحاج لحسن صاحب ( المحلبة ) الواقف بجانبه . أخذ عْلي يحك عينيه، بعد أن وجد نظارتيه تحت جسده مكسرة . نظر إلى حماره ، الذي لا يزال منبطحا على الطريق . وقف الشيخ بصعوبة بمساعدة رجلين . توجه إلى حماره . نادى عليه باسمه . لم يلتفت إليه "مسعود" ، بل ظل ينظر إلى ناحية دكان بائع ملابس الطاليان . قال له أحد مرافقيه :
- هل حمارك له اسم .. و يفهم ..؟
- نعم . إنه حمار ذكي و يفهم العربي .. قالها بلسان متلعثم ..
- و لماذا فعل معك هذا التصرف المخجل ؟
- تركته البارحة بلا طعام . و لم تتأخر رسالته لي .. لقد فاجأني ولد الكلب .( قالها بتأثر فيه الكثير من الانفعال .. الشيء الذي لم يسعف صاحبه أن يسأله عن دواعي تركه لحماره بلا طعام ..) .
حاول عْلي جاهدا دفع حماره ، من وراء ظهره ، حتى ينهض و يواصل طريقه إلى المطحنة . رفض الحمار النهوض من مكانه . لا يزال منبطحا كتمثال أبي الهول . بين الفينة و الأخرى ، كان يعاود النظر في اتجاه ( فيترينة ) بائع الملابس الأنيقة . ركز هذه المرة نظرته الثاقبة ، على سبورة إعلان فوق الباب الحديدي للمتجر ، كتب عليها : ملابس الطاليان للرجال .
سحب الرجل ( كرباشا ) من تحت صهوة حماره ، و أخذ يضرب بها ظهره العاري .. ظهر مسعود رغم صلابته ، فقد بدأ يدمي الآن . نهق الحمار نهيقا مزعجا .. و متواصلا .. و مرعبا . حرك ذنبه الغليظ حركة غير مألوفة .. و أذنيه الطويلتين ثبّتهما بشكل مدهش كخطين متوازيين .. زعزع جسده بقوة رهيبة ،كما لو كان جسد راقصة في ملهى . و نهض بشكل تام ، حتى أصبح واقفا على قائمتيه الخلفيتين . بدا أكبر من صاحبه مرتين تقريبا . و كأن هذا الأخير في مشهد سيرك يلاعب حماره . الحيوان رافعا قائمتيه الأماميتين . و الرجل المسن ، عْلي ،صاحب الحمار ، رافعا في وجهه ( كرباشا ) مطاطيا طويلا .. قال أحد المارة ، و هو يشاهد منظر الحمار مع سيده ، وسط الشارع العام ، و الكل يتابع مجريات المشهد .. حتى السيارات على الطريق .. و المارة على الرصيف .. جميعهم توقفوا .. ينظرون .. يتابعون .. و ينتظرون ..
- ها قد بدأت المعركة بين الخصمين . من منهما الحمار الآن .. و من منهما الآدمي ؟ اختلطت علي الأشياء ..
قال الثاني :
- أشك في كون هذا الكائن حمار .
- ربما هو بغل .. يبدو طويلا و يقظا ..
- لا تتعجل الأمور . قد تكون هذه إشارة من هذا الحيوان الذكي ، ليطلب السماحة من صاحبه . يريد أن يعتذر له .. لأن ما قام به يعتبر خطيرا ..
و لم ينه الرجل الثاني كلامه ، حتى بات الرجل المسن جثة هامدة ، تحت حوافر الحمار مسعود ، الذي لم ينفع معه تدخل بعض رجال الناس ،المتجمهرين في عين المكان .

أما مسعود فقد توارى عن الأنظار نهائيا ، و لم يعلم أين اتجه .. و كأن الأرض ابتلعته .
قال أحد الشباب :
- مزيان . هذا حمار مهم .. ، إنه لم يقبل الضرب و التعنيف، و المزيد من الظلم .. و تخلف البشر .
قال الآخر :
- إنه حقا مسعود .. إن للصبر حدود ..
قال رجل ثالث :
- يجب على الظالم أن ينال جزاءه .. بعض الناس ما يزالون يعتقدون أن الشمس هي التي تتنقل .. هههه ..





20/2/2011



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصفعة قصة قصيرة
- ضرورة الفلسفة
- عنف السلطة .. و الطبقة التعليمية المغربية ( جهة سوس ماسة درع ...
- الأرصفة ( 4 )
- الأرصفة ( 3 )
- الأرصفة ( 2 )
- علاقة المقهى بثقافة الإنسان العربي
- الأرصفة ( 1 )
- إشكالية التعليم .. و قيم العلم بالمغرب
- علاقة الثقافي بالسياسي في التجربة العربية - وجهة نظر نقدية
- عودة الأنوار - قصة قصيرة
- الحوار المتمدن كمعلمة عقلانية للفكر الحر
- حجارة السماء
- جدلية الفكر و قيم الإنحطاط
- الخفاش الأنيق - قصة قصيرة
- تيمة الجنون في رواية مدن الملح - نص التيه نموذجا - ( بحث )
- الكرسي الأعرج
- قصيدة يسكنها بحر
- هذا المساء ينقب عن وجهه في الشمس
- صهيل السبت الأسود


المزيد.....




- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بقوح - قصة قصيرة ثورة مسعود