أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - أحمد سوكارنو عبد الحافظ - ما الذى يحافظ على الكيان النوبى؟















المزيد.....

ما الذى يحافظ على الكيان النوبى؟


أحمد سوكارنو عبد الحافظ

الحوار المتمدن-العدد: 3703 - 2012 / 4 / 20 - 20:42
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


قد يقول قائل إن عدة أمور تعمل على تماسك الكيان النوبى، منها لون البشرة الأسمر والشعر المجعد الخشن ومحل الإقامة والعادات والتقاليد واللغة. لعله من المفيد أن نشير إلى رواية الأديب الراحل إدريس على "النوبى" حيث يعتبر النوبة وعاءا امتزجت فيه أجناس عديدة: عربية وافريقية وأوروبية. لذلك من الصعوبة بمكان الاعتماد على السمات البيولوجية لتحديد الهوية النوبية. وحتى عنصر العادات والتقاليد قد تغير نتيجة تغير البيئة الجغرافية بعد تهجير عام 1963م. أما محل الإقامة فلا يصلح كمعيار لأن المواطنين اعتادوا على الهجرة والانتقال من مكان إلى آخر. كما أن النوبة بطبيعتها تحتضن كل من يلجا إليها سواء من النوبيين أو غير النوبيين. والسؤال الذى يسنح فى الذهن هو: فى ظل انهيار كل العناصر فما العنصر الذى يمكن أن نعتمد عليه للمحافظة على هوية هؤلاء القوم؟

لا شك أن اللون الأسمر والشعر المجعد من السمات المميزة لمعظم أهالى النوبة غير أن هنالك بعض أهالى النوبة من ذوى البشرة البيضاء والقمحية وشديدة السواد. وهنالك مواطنون مصريون من ذوى البشرة السوداء لا ينتمون إلى النوبة. والدليل على أن لون البشرة لا يمثل عنصرا مهما فى تحديد الهوية هو أن بعض النوبيين من ذوى البشرة البيضاء يعايرون النوبيين من ذوى البشرة السمراء أو السوداء. أذكر أن أحد أبناء النوبة كان يتبوأ منصبا مهما فى الحزب الوطنى الديمقراطى فى محافظة أسوان وذات يوم تحدث عن زميل له فى الجامعة وسبقه فى هيئة مكتب الحزب قائلا: إن قلب فلان أسود كوجهه. هل يعقل أن يعاير نوبى نوبى آخر على أساس لون البشرة؟ لذلك فإن لون البشرة ليس مهما فى تحديد الهوية فى النوبة. وهذا الكلام ينسحب أيضا على طبيعة شعر الرأس: فبعض النوبيين من ذوى الشعر المجعد والخشن والبعض الآخر لديهم شعر ناعم مسترسل. وكذلك هنالك بعض أبناء القبائل غير النوبية من ذوى الشعر المجعد والخشن. وهذا يبين أننا لا يمكن أن نعول على الشعر كمعيار لتحديد الهوية. ماذا عن محل الإقامة؟

من المسلم به أن محل الإقامة لا يمكن أن نعتبره أساسا لتحديد الهوية. صحيح أن هنالك 44 قرية نوبية فى منطقة نصر النوبة ومناطق أخرى تقع شمال الخزان حيث استقر بعض النوبيين فى مناطق (غرب أسوان -الشلال - الجزيرة -عزبة العسكر -جزيرة أسوان - تنقار - جبل تقوق - بربر - نجع المحطة - عزبة المنشية جزيرة سهيل -غرب سهيل - جزيرة هيسا - منشية النوبة- البيجه- عزبة الحدود -الكرور- أراشكول -المسي تود )، ومنهم من استقر به المقام داخل مدينه أسوان فى مناطق (الحصايا - جزيرة عواض - الشيخ هارون ـ السيل – الخزان). اللافت للنظر هو أن كل النوبيين لا يقيمون فى قرى النوبة، فالنوبيون منتشرون فى القاهرة والإسكندرية والسويس وقنا واسنا والأقصر. كذلك فإن بعض المواطنين غير النوبيين يقيمون فى قرى النوبة (قرية الدكة وبلانة وعنيبة وغيرها).

أما بالنسبة للعادات والتقاليد فإن معظم هذه العادات والتقاليد النوبية كانت ترتكز على نهر النيل قبل التهجير فى عام 1963. فعادات الختان (الذكور والإناث) والمشاهرة والزواج ومناسبات الوفاة وموالد الشيوخ كانت تبدأ وتنتهى فى النيل. وهنالك أبحاث قام بها باحثو الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى منطقة النوبة قبل التهجير حيث تم رصد ووصف كل هذه العادات وقاموا بنشرها فى كتاب تم ترجمته إلى اللغة العربية فى عام 1995م والذى يحمل عنوان (طقوس الحياة فى بلاد النوبة). ما يدعو للأسف هو أن بلاد النوبة اليوم تقع على مسافة بعيدة من نهر النيل ونتيجة لذلك فقد توقف الأهالى عن ممارسة العادات التى ترتبط بنهر النيل وحتى حفلات الزفاف على الطريقة النوبية قد توقفت تماما وباتت لا تختلف كثيرا عن حفلات القرى غير النوبية. وكل هذه العوامل تجعلنا نؤكد أن النوبيين فقدوا العادات والتقاليد التى كانت تمثل عنصرا أساسيا من عناصر الثقافة النوبية. لم يتبق لنا سوى العودة إلى السؤال الذى طرحناه فى الفقرة الافتتاحية وهو يتعلق باللغة كعنصر يساهم فى المحافظة على الكيان النوبى.

لعل اللغة تلعب دور العنصر الموحد للكيان النوبى الذى كاد أن يتمزق. من المعروف أن النوبيين يتحدثون لغتين مختلفتين: الكنزية والفاديجا. وهاتان اللغتان ذات صلة وثيقة بلغتين فى السودان. فاللغة الكنزية لها صلة وثيقة بلغة الدناقلة فى شمال السودان بحيث لا يجد متحدثو هاتين اللغتين صعوبة فى التفاهم. وكذلك الحال بالنسبة للعلاقة بين لغة الفاديجا ولغة المحس فى شمال السودان.

لا شك أن اللغة النوبية التى تعتبر من اللغات المنطوقة الآن كانت تكتب فى العصور الوسطى وكانت لغتها ثانى لغات أفريقيا التى عرفت الكتابة فى ذلك العصر، واللغة التى كانت تُستخدم فى تلك الفترة هى "النوبية القديمة" وهى قريبة الصلة بلهجة المحس التى كانت تُستخدم فى المنطقة الواقعة بين عنيبة والجندل الثانى وكانت تُكتب بالحروف القبطية والإغريقية بعد إدخال حروف جديدة إليها ويرجع استخدام لهجة المحس كلغة اتصال بين المجموعات النوبية فى هذه الفترة إلى القوة السياسية والإدارية لأهل المحس.

لا نضيف جديدا إذا قلنا إن مئات اللغات حول العالم قد تلاشت عن الوجود وهنالك مئات أخرى فى طريقها للزوال. من الواضح أن اللغة النوبية تواجه اليوم خطر الانقراض تماما كما حدث للكثير من اللغات فى أفريقيا واسيا وأمريكا. أما أسباب تعرض اللغة النوبية لنفس مصير هذه اللغات فيمكن تلخيصها فى النقاط التالية:
أولا: اللغة النوبية لا تدرس فى المدارس أو الجامعات.
ثانيا: معظم النوبيين لا يقرأون ولا يكتبون بهذه اللغة.
ثالثا: الأمهات يعتقدن أن التحدث مع أطفالهن باللغة العربية سوف يعرقل مسيرة الأبناء فى التعليم وبالتالى فأطفال النوبة لم يعودوا قادرين على التحدث باللغة النوبية.
رابعا: البيئة النوبية لم تعد معزولة كما كان الحال فى الموقع القديم.

من الواضح أنه لا يمكن الحفاظ على اللغة النوبية إلا من خلال وضع نظام هجائى سهل للكتابة. لعل تاريخ هذه اللغة يشهد أنها عرفت الكتابة عبر العصور المختلفة. يكفى هنا أن نشير إلى مرحلة النوبة المسيحية حيث كانوا يستخدمون الحروف الإغريقية والقبطية فى كتابة اللغة النوبية ويرجع ذلك لعدة أسباب:
أولاً: نلاحظ أن هذه الحروف أُدخِلت بعد أن اعتنقت النوبة الديانة المسيحية فى منتصف القرن السادس، فأضطر النوبيون إلى إتقان اللغة الإغريقية حتى يستطيعوا قراءة الكتاب المقدس وترجمته إلى لغتهم القومية (وبالفعل استطاع القس صمويل على حسين ترجمة الإنجيل إلى اللغة النوبية).
ثانياً: تلقى معظم الملوك النوبيين تعليمهم بهاتين اللغتين، وكان الملك اركامون قد تلقى تعليمه فى الإسكندرية وترك مخطوطات باللغة الإغريقية والقبطية على جدران المعابد الموجودة بجبل بركال ومروى وهناك أيضا مخطوطات للملك سيلكو يدون فيها انتصاراته ومغامراته الحربية فى القرن السادس بعد الميلاد، وهى مكتوبة بلغة إغريقية على جدران معبد كلابشة.
ثالثاً: لعل وضع النوبة كملجأ ومأوى للمسيحيين الذين لاقوا الاضطهاد فى مصر كان السبيل إلى استخدام الحروف القبطية فى كتابة اللغة النوبية فى العصر المسيحى.

الجدير بالذكر أن العصر الحديث قد شهد محاولات لكتابة اللغة النوبية. فقد قام الأثرى خليل كبارة بإحياء النظام الابجدى الذى كان يستخدم فى العصر المسيحى وينكب الآن بعض النوبيين لتعلم الكتابة بهذه الحروف. أما كاتب هذه السطور فقد حاول توظيف النظام الأبجدى العربى مع إدخال بعض التعديلات البسيطة فى كتابة اللغات النوبية على اعتبار أن النوبيين على معرفة ودراية بهذه الحروف التى يتعلمونها فى المدارس. من المؤكد أن الحفاظ على اللغة النوبية يتطلب جهود مضنية وتعاون كامل بين عدة جهات. ويتطلب الأمر أيضا أن تلعب الحكومة دورا فى تفعيل نظام هجائى يساهم فى تثبيت اللغة والحفاظ على أوصالها التى تتعرض لرياح عاتية، رياح تحاول اقتلاعها من جذورها.





#أحمد_سوكارنو_عبد_الحافظ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصير السودانين بعد الانفصال
- الأقباط وقوة التحمل عبر التاريخ
- المصريون بين الفسيخ والتفسخ
- أنصاف الثورات مقابر للشعوب
- كابوس الانتخابات
- شائعات وزحام حول مقعد الرئيس فى مصر
- حالة الفوضى تسود مصر
- ملامح نجاح الثورات العربية: الثورة المصرية نموذجا
- من ذكريات ثورة 25 يناير
- كابوس النفاق والتملق
- ثورة المرؤوسين فى مصر
- دستور يا أسيادنا والبرلمان الاخواطنى فى مصر
- زلازل مصر واليابان
- طلاب الثورة وثورة الطلاب
- أساليب التضليل لتشويه الثورة الشعبية
- ثورات العرب فى القرن الحادى والعشرين
- ثورة الانترنت فى مصر
- لا للتعصب .. لا للعنف .. لا للإرهاب
- متى تختفى خفافيش الفساد من مصر؟
- حتي لا تتكرر الواقعة


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - أحمد سوكارنو عبد الحافظ - ما الذى يحافظ على الكيان النوبى؟