|
تركيا متعددة الوجوه والأقنعة
تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 3690 - 2012 / 4 / 6 - 16:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مهما تقمص دهاقنة السياسة الحاليين في تركيا من حركات وانفعالات وتصريحات تعبر عن الغضب المفتعل بهدف إيهام العرب بأن تركيا قادرة على ملء الفراغ السياسي الذي سببته الهوة العميقة بين القادة العرب وشعوبهم، خاصةً بعد رحيل الرئيس الخالد جمال عبد الناصر وبأن تركيا اليوم ليست تركيا جلال بيّار وعدنان مندريس وكنعان افريل وتانسو شيلر واجاويد وثله من الجنرالات التي دأبت على فصل الأتراك عن تاريخهم وحضارتهم الإسلامية . كل هذا المزاج السياسي الملون ولعب الأدوار في سيرك الانفعالات والعداء المصطنع لإسرائيل لم يعد قادراً على التستر على نوايا حكومة أردوغان التي تسعى حتى اليوم احتواء مشاعر المواطنين العرب عن طريق بوابات الصراع العربي الإسرائيلي ، لقد سقط هذا القناع ولم تعد حكومة أردوغان و أحمد اوغلو الاستمرار في سياسة الخداع هذه وباتت خطة هذه الحكومة معروفة للجميع فهي تسعى لاستخدام الأقطار العربية خاصةً المحيطة بها امتداداً وعمقاً استراتيجياً وسياسياً لها. سبب هذا التحول يعود إلى رفض مجموعة الدول الأوروبية الاستمرار في التعاون اللا محدود مع تركيا وقبولها عضواً في منظومته الاقتصادية، لأن الغرب لم يعد بحاجة إلى ابتزاز تركيا أكثر لا من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية العسكرية والسبب كون تركيا لم تعد تشكل الدرع وخط الدفاع الأول عن أوروبا كما كان الأمر أيام الحرب الباردة، فقد نجحت دول الناتو ومعها الولايات المتحدة من ربط مجموعة من دول أوروبا الشرقية بعجلتها الامبريالية أي أن حاجتها لتركيا أصبحت ثانوية. إن تركيا اليوم لا تختلف كثيراً عن تركيا العثمانية ، فالأخيرة كانت السبب في تأخير يقظة القومية العربية كما ساهمت في قتل حركات التحرر العربية وهي لا تزال في المهد ، أما تركيا اليوم فإن إستراتيجيتها مبنية على تجزئة الدول العربية المحيطة بها خاصةً العراق وسوريا ، من أجل تحقيق هذه الغاية تآمرت على العراق وتعاونت مع القوات الغازية لهذا القطر سنة 2003، وعندما فشلت في الهيمنة على النظام القومي الممانع في سوريا تواطأت حكومة أردوغان مع رموز الرجعية العربية ومع الولايات المتحدة ومع بريطانيا وفرنسا كما تواطأت مع العملاء السوريين وعصابات الإرهابيين من أجل إسقاط النظام في دمشق . إن تركيا لا تزال تحلم بالسيطرة على المزيد من ألأراضي السورية خاصةً المكملة منها لمنطقة الاسكندرونة مع العلم أن لواء الاسكندرونة بكامله والبالغة مساحته حوالي عشرين ألف كم 2 هو ملك سوريا عبر التاريخ. غالبية المواطنين الذين يعيشون حتى اليوم في هذه المناطق هم عرب سوريون ومما هو جدير بالذكر أن فرنسا حذت حذو بريطانيا وقامت باقتطاع لواء الاسكندرونة وتسليمه لتركيا في غفلة من الزمن سنة 1939، هذا ما فعلته بريطانيا في فلسطين من خلال وعد بلفور سنة 1917. يجب التنويه بأنه عندما قامت دولة الوحدة بين مصر وسوريا سنة 1958 ورد في نظامها السياسي بنداً واضحاً ينص على إعادة لواء الاسكندرونة المغتصب إلى وطن الأم سوريا . تركيا أردوغان ومعها غالبية الأنظمة التي جلست تحت سقف ما سمي بمؤتمر أصدقاء سوريا للردح والعويل على حقوق المواطنين السوريين هم أول من يصادر حقوق الإنسان في بلادهم وفي بلاد أخرى. أين هي حقوق الإنسان التي ترعاها أمريكا في العراق وفلسطين وأفغانستان ؟ أما بالنسبة لعربان الخليج أعداء التطور والتقدم والديمقراطية فإن الحديث عن هذا الموضوع بالنسبة لهم مضيعة للوقت. تبقى تركيا سيدة المراوغة والنفاق داعية المؤتمر المذكور، تقف في مقدمة الدول التي تتنكر لحقوق الأقليات الاتينة والدينية فيها ، إن تركيا تدعي بأنها تريد تصدير الديمقراطية لسوريا ، هي التي حرمت وصادرت هوية السوريين العرب الذين يعيشون تحت سلطتها الإستبدادية في لواء الاسكندرونة وخارجه، حتى اليوم تقوم السلطات التركية بمنع العرب من التحدث بلغتهم وتحرمهم من تعلم لغة الضاد في مدارسهم لأن هذه اللغة رغم أنها لسان ولغة القرآن الكريم تعتبر من المحرمات في تركيا. كما أن سياسة تركيا لا تزال امتداداً لسياسة أتاتورك وسياسة جمعية الإتحاد والترقي التي حاصرت الأقليات القومية والدينية وعملت على تتريكهم فالأكراد والأرمن محرومون من التحدث بلغتهم وممنوعون من الاحتفال بأعيادهم هذا إلى جانب عمليات الإبادة التي يقوم بها جيش تركيا ضد الأكراد لأنهم يطالبون بالاستقلال الذاتي، إن حكومة تركيا الحالية لا تزال تلتزم بالقوانين العثمانية السابقة التي تمنع من المسيحيين الأتراك بناء أية كنيسة جديدة لهم كما أنها تتدخل وتحدد ممارساتهم في أداء طقوسهم الدينية . أما بالنسبة للإسلام فإن كل المعطيات تؤكد بأن تركيا دولة إسلامية بدون إسلام فأكثر إسلامها للسياحة وليس للعبادة وكل من زار تركيا لمس ذلك، مع ذلك تبقى هذه خيارات بين الخالق والمخلوق . إن كل من يحاول التعرف على مناهج التعليم في تركيا منذ عهد أتاتورك حتى اليوم يفاجأ بأن تعليم أصول الديانة الإسلامية يبدأ في المدارس التركية منذ سن الخامسة عشر وأن التعليم هذا اختياري وليس إلزامي. إن مشكلة تركيا منذ عهد أتاتورك حتى اليوم تنحصر بأنها كانت ولا تزال تعاني من الشعور بالنقص لأنها دولة إسلامية وشرق أوسطية، هذا الشعور دفعها دائماً إلى الارتماء بأحضان الدول الأوروبية وبأحضان أمريكا وأحضان إسرائيل، فقد انضمت إلى حلف الناتو العدواني منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي كما أنها وصفت نفسها دائماً في خط الدفاع الأمامي عن المصالح الامبريالية في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى في العالم. ناصبت العداء لحركة التحرر العربية طوال نصف القرن الماضي وكانت عضو في حلف بغداد الذي أقيم لضرب حركة التحرر العربية ولكي يكون حاجزاً يمنع التغلغل الشيوعي من الإتحاد السوفيتي إلى الشرق الأوسط،، كانت تركيا أكثر دول هذا الحلف وحلف الناتو تطاولاً على الإتحاد السوفيتي ولولا خوفها من قيام هذا العملاق الداعم للشعوب المغلوب على أمرها بسحقها ارضاءاً لأسيادها، لمنعت سفنه المرور من المضائق. إن تعاون تركيا الحالية مع القوى الامبريالية لم يتوقف، فهي كانت ولا تزال تستخدم عمقاً إستراتيجياً لإسرائيل ، تتعاون معها ضد إيران وضد المقاومة اللبنانية وضد سوريا ، كما ان أن حكومة اردوغان لم تسحب القوة العسكرية التركية التي تشارك بالعدوان على الشعب الأفغاني ، لن تكون تركيا أردوغان وغير أردوغان القبلة التي تتطلع إليها الشعوب المقهورة ما دامت تستخدم عصا بأيدي القوى الرأسمالية والامبريالية وما دامت أراضيها مباحة أمام حلف الناتو و إسرائيل وجميع القوى المعادية للسلام. مشكلة تركيا أنها كانت ولا تزال تتصرف كالألهة الهندوسية المعروفة بتعدد أذرعها فهي من جهة تريد ارتداء جلباب الإسلام ومن جهة ثانية تريد أن تكون دولة أوروبية وثالثة دولة علمانية ورابعة دولة شرق أوسطية وخامسة دولة عظمى مؤثرة، لكن للأسف حركة وقوة هذه الأذرع ضعيفة ومحدودة في غالبيتها اصطناعية لا علاقة للشعب التركي بها ولا علاقة للإسلام بوجودها .
#تميم_منصور (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القضاء على القضاء في مصر
-
وفد إسرائيل العربي في الدوحة
-
الرقص فوق جثث الأطفال
-
قطار الربيع العربي خرج عن مساره
-
نبيل العربي يصر على البقاء في بيت الطاعة الأمريكي
-
غيمة في صيف صهيوني حارق
-
سوريا الصخرة التي سوف تسد بوابة الانهيار العربي
-
الرأس رأس نتنياهو والأيادي أيادي المستوطنين
-
فتاوى في بورصة قطر
-
عش عرباً ترى عجباً
-
ما وراء انتصار الاسلام السياسي في مصر
-
من أعماق ذاكرة الحكم العسكري
-
إذا ما ابتعكر ما ابتصفى
-
حمار الجامعة العربية
-
حكايات بلوم ( من الذاكرة الفلسطينية )
-
لا يهزم أمريكا سوى أمريكا
-
حتى أنتِ يا بوسنة؟؟؟
-
من حق اوباما دعم اسرائيل ... !!
-
علي سالم ينعى الهاربون من السفارة
-
اسوار حول الجيتو في القاهرة
المزيد.....
-
أهراءات مرفأ بيروت... صرح شاهد على أضخم انفجار شهده لبنان يض
...
-
زياد رحباني، الكائن الذي خُلق ليبدع ويلتزم
-
غزة.. 70 قتيلا منذ الفجر و-أوكسفام- تحذّر من إبادة جماعية
-
روسيا تدمر 18 مسيرة أوكرانية وحريق بمحطة قطارات فولغوغراد
-
دخلتا المجال الجوي المحظور.. اعتراض طائرتين فوق منتجع ترامب
...
-
اليمن.. مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب
-
استطلاع: 38% فقط من الألمان مستعدون للقتال من أجل وطنهم
-
الرئيس اللبناني: العدالة لن تموت الحساب آت لا محالة
-
علاء مبارك يشعل تفاعلا بفيديوهات لوالده عن دور مصر في دعم غز
...
-
-حصار السفارات-: اعتداءات على بعثات دبلوماسية أردنية ومصرية
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|