|
القضاء على القضاء في مصر
تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 3662 - 2012 / 3 / 9 - 15:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
القضاء على القضاء في مصر
تميم منصور
عندما سألوا اللورد كرومر حاكم السودان هل ستحكم مصر أيضاً؟ أجاب: سوف أحكم من يحكم مصر.
لقد حقق كرومر أقواله وقامت بريطانيا بحكم من كانوا يحكمون مصر وهم من سلالة محمد علي باشا، استمر هذا الحكم من سنة 1882 حتى بزوغ فجر ثورة يوليو المجيدة بقيادة عبد الناصر وكانت الخطوة الأولى التي قامت بها هذه الثورة تطهير مصر من دنس ومن أدران الاحتلال البريطاني.
بعد أن أفل نجم الثورة برحيل قائدها عبد الناصر، عادت مصر وسقطت من جديد بقبضة دولة عاتية أكثر من بريطانيا وهي أمريكا، حولت هذه الدولة العاتية حكام مصر إلى دمى تحركها وتوجهها كما تشاء، فالسادات الذي يعتبر أكبر الخونة الذين عرفهم الشرق الأوسط في النصف الثاني من القرن العشرين انقلب على الاتحاد السوفيتي كي يجد المبررات لخيانته وسقوطه، لقد أعلن عبد الناصر على الملأ بعد هزيمة يونيو بأن الإتحاد السوفيتي قدم لنا من الإبرة حتى الصاروخ دون أن يطلب منا طلباً واحداً.لكن السادات أراد أن يخلق لنفسه شخصية سياسية جديدة ، فربط مصر وراء العجلة الامريكية ففقدت موقعها وكرامتها واستقلالها .
سلم السادات جميع أوراق مصر للأمريكان لأن شعاره كان دائماً أن 99% من أوراق اللعبة السياسية في الشرق الأوسط بين يدي أمريكا، أما في زمن مبارك فقد أغرقه الأمريكان حتى أذنيه بالفساد المالي والتحجر السياسي فتحولت مصر إلى شبه ولاية أمريكية أوروبية إسرائيلية، لم يكن مبارك سوى أداة طيعة يحركها الأمريكان كما يشاءون، وعندما أيقنوا بأنه لم يعد لديه القدرة على الاستمرار بالحفاظ على مصالحهم تنكروا له أثناء الثورة بهدف احتواء هذه الثورة كعادتهم.
لا أحد يستطيع تجاهل حدوث ثورة في مصر، لكن كل ما فعلته هذه الثورة حتى الآن هو إبعاد رأس النظام مع بقاء غالبية رموزه وغالبية المؤسسات التي كان يستخدمها، هذه الرموز تتواجد بأشكال مختلفة وفي مواقع مختلفة، في مقدمتها المجلس العسكري الذي لا زال يقيم علاقات مميزة مع واشنطن، وحكومة الجنزوري المسؤولة الأولى عن حالة الفساد والترهل والفوضى وجفاء الخط الوطني البعيد عن دعم مصالح العرب القومية وتقديم فروض الطاعة للأمريكان.
من بين الحقائق التي تؤكد بأن كرومر الامريكي يحكم مصر بواسطة حكامها حتى بعد الثورة ، الفضيحة التي وقعت في نهاية الأسبوع الماضي وهي وسمة عار في مسيرة هذه الثورة وتؤكد بأن مصر مباحة لا أمن ولا أمان فيها.
لقد قامت طائرة أمريكية بانتهاك حرمة وكرامة مصر بكاملها وهبطت في مطار القاهرة الساعة السادسة صباحاً في اليوم الأول من الشهر الحالي دون علم أحد باستثناء بعض المتعاونين لإتمام هذه الصفقة الرخيصة، اختطفت هذه الطائرة سراً وبهدوء كل الأجانب المتهمين بتمويل منظمات المجتمع المدني داخل مصر، لقد قام المجلس العسكري مدعوماً من حكومة الجنزوري بتهريبهم رغم صدور قرار قضائي بمنعهم من السفر، إن معظم هؤلاء الأجانب أمريكان وقد وجهت لهم تهماً خطيرة لأنها تهدد الأمن القومي المصري.
من بين المتهمين الأمريكان نجل وزير النقل الأمريكي، لقد اتهمت أوساط سياسية وقضائية في مصر كل الذين تواطئوا لإتمام عملية التهريب هذه بأنهم تلقوا رشاوى من وكالة الاستخبارات الأمريكية.
إن من قام بتأليب المواطنين في مصر ضد هؤلاء المتهمين خاصة الأمريكان منهم وزارة العدل والداخلية في حكومة الجنزوري بالتوافق مع المجلس العسكري، لقد نسب إليهم بأنهم تجاوزا كل القوانين من خلال نشاطهم في إقامة ودعم منظمات المجتمع المدني، اتهموا بإثارة الفتن بين المواطنين وإثارة الشغب داخل الشارع المصري، كما اتهموا بأنهم كانوا يلتقطون الصور الخاصة بمعسكرات الجيش المصري لتسليمها لإسرائيل، كما حولوا الجامعة الأمريكية في القاهرة إلى أوكار لممارسة نشاطاتهم التخريبية واتهموا بأنهم كانوا يتصرفون كأنهم دولة داخل دولة بدون إذن من أحد، وقد اعترف مسؤولون مصريون بأنه تم ضبط خارطة تظهر فيها مصر مقسمة إلى أربعة دويلات وأن هدفهم تنفيذ هذا المخطط.
ما أن بدأ غبار هذه العاصفة يتحرك في سماء مصر حتى قامت أمريكا بتحريك أعوانها في مصر وباستخدام نفوذها مستعينة بعملائها من الطابور الخامس في كل من السعودية وقطر وغيرها من ولايات الخليج التابعة لأمريكا، استخدمت أمريكا في تهديدها سلاح المعونة السنوية التي تقدمها لمصر ، على أثر هذا التهديد انبرى أكثر من مسؤول واحد داخل حكومة الجنزوري ومن قادة الإخوان المسلمين يردون على التهديد الأمريكي بتهديد يؤلمها أكثر، هددوا الوزيرة كلينتون بأنه في حالة وقف المعونة الأمريكية لمصر سوف تقوم الأخيرة بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد على اعتبارأن المعونة المذكورة قدمت للسادات في حينه كرشوة مقابل التزامه بالاتفاقية المذكورة، لكن ثبت أن التهديد المصري كان ضريبة كلامية وأن من هددوا أمريكا لا يملكون لسان عبد الناصر ولا قلبه الفولاذي عندما تعرض للموقف ذاته فكان رده لأمريكا (أنتم ومعونتكم على الجزمة) داس فوق المعونة عندما شعر بأنها تمس بكرامة وعروبة وإرادة مصر.
لقد خنع المجلس العسكري من ورائه حكومة الجنزوري للتهديدات الأمريكية لأن العبد لا يستطيع التمرد على سيده، الطنطاوي وبقية الجنرالات أعضاء المجلس المذكور ما هم إلا ربائب داخل الحظائر الأمريكية على مدى عشرات السنين، إنهم عاجزون عن رفض املاءاتها، إن امتهان الكرامة المصرية وسيادتها وأمنها القومي لا يعنيهم، إن تهريب المتهمين بالطريقة التي تمت بها تؤكد أن المجلس العسكري ليس أميناُ على مصالح مصر القومية ولا يهمه هيبة القضاء المصري الذي هو مظهر من مظاهر الكرامة الوطنية، وأنه بدون قضاء نزيه وحر لا يوجد دولة، لقد تم تهريبهم ساعتين فقط قبل مثولهم أمام محكمة أمن الدولة المصرية، إن الاعتداء على شرف القضاء هو اعتداء على الثورة وعلى شهدائها .
السؤال الذي يطرح نفسه من بين غبار هذه العاصفة أين الإخوان المسلمون الذين كانوا أول من رفض التهديد الأمريكي؟ أين هم اليوم بعد أن أصبحوا يسيطرون على البرلمان وعلى مجلس الشورى وعلى الشارع المصري، أين هم بعد أن ساهموا بإطفاء فتيل الثورة من خلال تعاونهم مع المجلس العسكري؟ لماذا لم ينزعوا ثقة برلمانهم بحكومة الجنزوري الفاسدة ويستمرون بتوفير الغطاء لها؟ لماذا لا يعلنون الإضراب والاعتصام مطالبين بإبعاد المجلس العسكري وتشكيل مجلساً للرئاسة يكون من أعضاء الثورة وأميناً على مصالح البلاد؟ لقد سقط هؤلاء في أول اختبار لهم وهذا ما كان متوقعاً لأنهم لا يعملون إلا لخدمة مصالحهم الشخصية والحزبية.
أكثر من ذلك هناك حقائق تؤكد مشاركتهم في هذه الصفقة من بينها قيام السيناتور الأمريكي (جون ماكين) بالاتصال المباشر وعلى الملأ بقيادة الإخوان للتعبير عن شكر أمريكا لهم لأنهم ساعدوا في حبك المؤامرة التي أدت إلى اختطاف المتهمين من مطار القاهرة.
وهناك أنباء تشير أن صفقة الاختطاف تشمل مقايضة يتم خلالها إطلاق سراح احد قادة الإخوان المسلمون الموجود داخل السجون الأمريكية مقابل إطلاق سراح المتهمين بالتمويل الأجنبي من الأمريكان.
لقد أصابت هذه المؤامرة الجهاز القضائي المصري في الصميم، على أثرها قرر القضاة بالتعاون مع نقابة المحامين الاعتصام في دار القضاء العالي يوم الجمعة القادم مطالبين بمعاقبة المتواطئين، لعل هذا يرد شيئاً من الكرامة للقضاة خاصة ولأبناء مصر عامة.
#تميم_منصور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفد إسرائيل العربي في الدوحة
-
الرقص فوق جثث الأطفال
-
قطار الربيع العربي خرج عن مساره
-
نبيل العربي يصر على البقاء في بيت الطاعة الأمريكي
-
غيمة في صيف صهيوني حارق
-
سوريا الصخرة التي سوف تسد بوابة الانهيار العربي
-
الرأس رأس نتنياهو والأيادي أيادي المستوطنين
-
فتاوى في بورصة قطر
-
عش عرباً ترى عجباً
-
ما وراء انتصار الاسلام السياسي في مصر
-
من أعماق ذاكرة الحكم العسكري
-
إذا ما ابتعكر ما ابتصفى
-
حمار الجامعة العربية
-
حكايات بلوم ( من الذاكرة الفلسطينية )
-
لا يهزم أمريكا سوى أمريكا
-
حتى أنتِ يا بوسنة؟؟؟
-
من حق اوباما دعم اسرائيل ... !!
-
علي سالم ينعى الهاربون من السفارة
-
اسوار حول الجيتو في القاهرة
-
بين الشحات والعربي علم
المزيد.....
-
عمدة موسكو: الدفاعات الجوية الروسية أسقطت 19 مسيرة أوكرانية
...
-
باكستان ترفض اتهامات الهند لها بشأن صلتها بهجوم كشمير
-
إدارة ترامب: هارفارد لن تتلقى أي منح حتى تلبي مطالب البيت ال
...
-
ويتكوف: واشنطن تعمل على ترتيب جولة رابعة من المحادثات النووي
...
-
وزير الخارجية الإيراني وقائد الجيش الباكستاني يبحثان التحديا
...
-
شركات طيران دولية تمدد تعليق رحلاتها إلى إسرائيل بسبب الصارو
...
-
ترامب يتعهد بمساعدة سكان غزة في الحصول على -بعض الطعام-
-
ألمانيا ترفض خطط إسرائيل الرامية إلى احتلال غزة
-
تقنيات الإخصاب الحديثة تعيد الأمل لمن تأخر إنجابهم
-
ارتفاع قتلى قصف مصنع الحديدة.. وغارة أميركية على صنعاء
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|