ميشيل نجيب
كاتب نقدى
(Michael Nagib)
الحوار المتمدن-العدد: 3677 - 2012 / 3 / 24 - 13:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمكننا القول بضمير مرتاح أن الحكومة والمجلس العسكرى لم يخطئوا وليس في سياساتهم عيوب أو أخطاء، لأن فرحتنا بالثورة أغلقت عقولنا عن رؤية الحقيقة، وهى أن الفشل والعيوب والأخطاء هى من صنع حسنى مبارك الشبح الذى يتوارى وراءه المجلس العسكرى والحكومة الأنتقالية وبعد أنتخابات الرئاسة وجلوس الرئيس الجديد على العرش المصرى وتشكيل الحكومة الجديدة، ستكون أخطائهم وفشلهم القادم هى من أعمال مبارك الحسود ونظامه الذى يعمل فى الظل ولا يريد نجاح العسكر ولا الديمقراطية الزائفة.
من السهل أن نضحك على أنفسنا ونقول ذلك مثل الذين باعوا مصر ونردد بجهل أن فشل قادة مصر الحاليين سببه مبارك وأصحابه الفاسدين، لكن علينا الأعتراف بشجاعة أن السبب الرئيسى وراء المشاكل التى يعانيها المجتمع إلى جانب مشاكل عالم السياسة المصرى الذى أصابته كل الأمراض التى يمكن أن تخطر على بال ، هو إنعدام الوطنية لأن الهوية المصرية يحاول الجميع التنازل عنها بأعتبارها عاراً وعورة كبيرة، وبالتالى يجب تغيير هوية مصر إلى أن تكون هوية عربية إسلامية أو ماليزية وطز فى مصر كما قال أحد الحكماء!!
هل نحن أمام صراع من طراز مصرى خاص؟ يبدو ذلك لأن هذا الصراع بدأ عندما أستحوذ المجلس العسكرى وأصحابه على السلطة وبدأ صراعه الدموى ضد جيل الثوار الشباب الذين توهموا أنه قد تحقق لثوررتهم ولشعبهم التحرر من قبضة الأستبداد والفساد والدكتاتورية، وهو الخطأ الذى لم تفطن له النخبة الثقافية والسياسية من ذوى الخبرة وقدامى الممارسة فى المجتمع المصرى، مما أدى إلى إنخداع الثوار الشباب بأنهم حققوا أهدافهم فى الوقت الذى أتضح أنهم خسروا ثورتهم وتسلمها منهم غيرهم على طبق من ذهب!!
وسط الصراعات المتتالية والفشل المقصود ظهر جلياً تعطيل قدرات دولة بأكملها فى سبيل تحويلها من دولة مدنية إلى دولة رجعية، أسس لهذا البؤس الفكرى الذى يتبناه القادة السياسيين والعسكريين والدينيين الذين فى أيديهم صناعة الحكم فى مصر، من هنا يتغلغل الفشل فى أوصال كل مؤسسات الوطن ورغم المخاطر الكثيرة التى تحيق بالوطن، إلا أن الغالبية السياسية تعيش فى صراع هزلى من أجل السلطة متجاهلة الإرادة الشعبية، تلك الإرادة التى تم شراءها بأبخس الأسعار فى الدعايات الإنتخابية.
وكيل لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب تقدم بطلب إحاطة يتهم فيه الحكومة بالفشل فى إستعادة الأمن والأمان فى الشارع المصرى، وعدم قدرتها فى القضاء على الأنفلات الأمنى، وطالب وكيل اللجنة حكومة الجنزورى بالرحيل الفورى بعدما فشلت وعجزت فيما جاءت من أجله، وليس هذا فقط بل على الصعيد المحلى اليومى تصاعدت أزمة عدم قدرة الحكومة على توفير مستلزمات الطاقة من بوتاجاز وبنزين وسولار، وفشلها المستمر فى تلبية إحتياجات المجتمع من مستلزماته المعيشية إلى جانب إرتفاع الأسعار الجنونى الذى يحدث نظراً لغياب القانون ورجال الأمن من المشهد اليومى للمجتمع المصرى مما يشجع على الفساد والأستغلال.
لا يقتصر الفشل على ذلك بل لابد لنا أن نقرأ بعض الأمور الأخرى التى تحدث وستحدث وهى أكبر من تلك المشكلات اليومية للمواطن العادى، وأقصد بذلك ما يسميه المصرفيون بتآكل الأحتياطى فى الفترة المقبلة نتيجة للآثار السلبية التى يقوم بها البنك المركزى المصرى من تثبيت سعر الفائدة، كل هذا فى وقت نرى جيداً أن الأعباء الأقتصادية ستزداد على كاهل الحكومة القادمة وبالتالى على حجم المشاكل التى يمكن أن تصيب الإقتصاد.
إلى جانب ذلك نجد أستمرار الإضرابات والأحتجاجات العمالية مثل الصرف الصحى وباتا ومرفق مياه الشرب بالأسكندرية، ورفعوا لافتات تقول حقوقنا شرعية ولا لفلول الحزب الوطنى وغيرها من الشعارات، التى تعبر عن الفساد الموجود وإنتهاك حقوقهم، وإضراب آخر بالسويس لأمناء الشرطة في قسم الأربعين بـ«السويس» احتجاجًا على حبس زميلهم، أينما تمشى فى شوارع مصر ستجد الأحتجاجات والتذمر والغضب والفوضى والإنفلات الأمنى وسوء المعاملات فى الهيئات والمؤسسات الحكومية وفى الشارع المصرى.
كان المفروض أن نرى كثافة التواجد الأمنى للشرطة المدنية إلى جانب الشرطة العسكرية فى هذه الفترة الإنتقالية من عمر الثورة حتى تزداد قوة الأمن الداخلى فى ضرب قواعد البلطجية والإجرام وكل من تسول له نفسه الخروج على قوانين الدولة، بهذا كان يمكن فرض القانون والأمن على المجتمع لكن ما رأيناه حتى الآن هو تراخى سواء الشرطة العسكرية أو الشرطة المدنية فى تنفيذ القانون مما أنتج جماعات الخارجين على القانون.
كل هذا الفشل يؤكد على أن القيادة المصرية فاشلة فى قيادة وطن بحجم مصر، وأنها تعمل على الكسب غير المشروع من وراء أعمالها الفاشلة والغير شرعية ضد أبناء الوطن المصرى الذى يعانى منذ عهد مبارك وحتى اليوم " وكأنك يابو زيد ما غزيت" !!
لقد وقع المواطن فى هوة سحيقة من الصعب الصعود منها، لأنه ما إن تخلص من إستبداد فرعون وبدأ يتنفس الحرية، وجد الحكومة والمجلس العسكرى يقمع حريته تحت مسميات كثيرة لحماية المواطن تارة ولحماية مصالح المجتمع والوطن تارة أخرى، ومن قمع للحرية إلى مصادرة حقوق المواطن لينتهى إلى فشل ذريع فى كل شئ تقوم به الحكومة أو المجلس العسكرى أو مجلس الشعب الذى يعيش فى عرس يتجمل فيه الجميع من أجل الظهور الإعلامى الذى يعود عليه بالفوائد المادية.
إن عجز القيادة الحكومية أو العسكرية وفشلها فى إقناع الشعب المصرى بأنه يعيش مرحلة جديدة من حياته تتسم بالأمن والسلام وإختفاء الأزمات من حياته اليومية، وأستمرار هذا الفشل معناه إهانة لعقول المصريين الذين وقفوا إلى جانب المجلس العسكرى والحكومة فى أحلك الظروف ودافعوا عن أعماله الغير منطقية التى تعتقل وتضرب الثوار والناشطين المدافعين عن سيادة الوطن، بينما الفوضى تضرب بجذورها فى حنايا المجتمع الذى يتلقى الإهانات ولسان حاله يقول: أحقاً خدعونا كل تلك الشهور؟ أحقاً أهانوا مشاعر كل مصرى وجعلوه يعتقد أنهم يفعلون الخير من أجله ومن أجل مصر؟
ويبقى السؤال النهائى: متى تنتهى تلك المهزلة التى يهيمن فيها الفشل وسوء الإدارة وغياب الإنتماء الوطنى لأبناء مصر؟
#ميشيل_نجيب (هاشتاغ)
Michael_Nagib#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟