أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - مع الله في ملكوته (2)















المزيد.....


مع الله في ملكوته (2)


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3676 - 2012 / 3 / 23 - 22:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


(1)

في كتابه ( الروح ) ، يروي العلامة الدمشقي الإمام ابي عبد الله بن ابي بكر والمعروف باسم بن قيم الجوزية ( بحدود القرن الرابع عشر الميلادي ) محاورة تاريخية بالغة الاهمية بالنسبة لدراستنا هذه بين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب و علي بن ابي طالب ..
أما اهميتها ، فهي لوجهة تلخيص هذه المحاورة لخبرة الوعي الجمعي العبراني – المسيحي – الاسلامي الممتدة لستة الآف سنة او تزيد عن ماهية الروح و المعاني المتضمنة لمفهوم العقل الاسلامي عن العالم الآخر ..
( مع ان الثقافة الاسلامية تنكر جذورها العبرية – المسيحية وهذا طبيعي جداً لانها تعتبر نفسها سماوية المصدر )
الحوار يبدأ باسئلة سالها عمر لعلي وتتلخص بما يأتي :

1- يحب الرجل رجلاً قابله لاول مرة وهو لم ير منه خيراً قط ؟ أو يبغضه وهو لم ير منه شراً قط ؟
2- يحدث الرجل الحديث فينسى ما يريد قوله ، ثم لا يلبث يتذكر ماذا اراد ان يقول بعد فترة ؟
3- الرجل يرى الرؤيا في المنام فمنها ما يتحقق ومنها ما لا تصدق نبؤاته ؟

كانت تلك فحوى اسئلة عمر ، والتي اجاب عليٌ عنها تباعاً ..
فعن الاول ، اجاب بقوله انه سمع رسول الله يقول بان الارواح جنودٌ مجندة تلتقي في الهواء فتشأم فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ..
كان هذا جواباً للسؤال الاول الذي تضمن بلغة الوعي الجمعي الاسلامي القديمة التساؤل عن كيفية تولد انطباعات الحب والكراهية لاول مقابلة لنا مع شخص لم نره في حياتنا قبل ذلك الحين ، على اعتبار ان هناك تقابل روحي باطني يستشعر اشياء محبوبة او مبغوضة في من نقابله ..
ورغم ان علم النفس التحليلي يعلل هذا اليوم بانطباعات قبلية ، كأن يكون الشخص الذي قابلناه في شكله او في سلوكه شبهٌ لا ندركه لشخصٍ آخر نُحبه ، فيجذبنا بتلقائية نحوه او فيه شبه من آخر لا نحبه فيولد عندنا نفوراً لا نفهمه ..
مع هذا ، يمكن لعوامل اخرى حسب علم السايكوترونك الحديث تتعلق بتوارد خواطر ( Telepathy ) أن تكون السبب في توليد التجاذب او التنافر السيكولوجي والتي اسهبنا الحديث عنها في العامين الماضيين ..
ولعل التعليل العلمي الاخير يناظر تفسير علي المنقول عن النبي محمد بان الارواح تلتقي في الهواء فتشأم .. فما تعارف منها ائتلف .. وما تناكر منها اختلف ..
فسبق و درسنا في العامين الماضيين عدة دراسات تتناول تقنيات التخاطر واسسها وخلفياتها الفيزيائية التي تتجاوز مفاعيل الموجات الكهرومغناطيسية او المجال الكهربائي او المغناطيسي ، خصوصاً في موضوع " الوعي والزمن " و " تكنولوجيا التخاطر " ، وقلنا بان هناك " هيئة " رباعية الابعاد للتخاطر وموجات الجاذبية او الثقالة Gravitationتتجاوز الهيئة الكهرومغناطيسية للطاقة وقد اشرنا الى نظريات العلماء و الباحثين بوهم و اهارنوف واركاني وديموبولس ..
وفي العموم ، فان الهيئة رباعية الابعاد او الخماسية للطاقة حسب نظرية الاوتار تشبه الى حد بعيد توصيف القدماء عن تلاقي الارواح في " الهواء " وكونها جنودٌ مجندة وما سوى ذلك فهذا قد ناقشناه ايضاً بمسالة " النسقية Coherency" التي تتميز بها مويجات الليزر وتشابهها مع تنظيم الكراديس العسكرية وذلك في موضوع " فيزياء العالم الآخر " ..
هذا كله لا يمنع ان تكون للانطباعات القبلية المسبقة تاثيرات نفسية بحته في التناكر والائتلاف هذا ، خصوصاً بعد ان نكمل حديث علي عن جواب السؤالين الآخرين ..
فنسيان المرء للحديث ثم تذكره له بعد حين علله علي باسناده إلى الرسول محمد ايضاً بان العقل البشري ( قلب المرء بالتعبير الجمعي القديم ) تغشيه سحابة مثل سحابة القمر ، فاذا اخفت هذا الضياء الباطني العميق في الوعي كان النسيان ، اما اذا انقشعت هذه السحابة او هذه المظلة عن الوعي يحدث التذكر ..
وحسب علم النفس المعاصر ، نشاط اللاشعور يؤدي إلى تعطيل مؤقت بعملية التذكر ، وبالتعبير الشعبي الدارج ، كثرة الهموم والمشاكل تؤدي بالانسان إلى فقدان التركيز وعدم القدرة على التذكر ..!
نلاحظ هنا ان الموروث الشعبي يحمل خبرة ماضوية قديمة عن الباطن البشري ، وليس من قبيل الاعجاز الرباني ان يرد ذكر هذه الرواية عن عمر وعلي من قبل بن القيم الجوزية كما يظن اغلب المؤمنين بالاديان ..
فالخبرة المتراكمة هي حصيلة ثقافة تمتد حتى يومنا هذا لمدة تزيد على السبعة الآف سنة ، ويخطيء الكثير من الاكاديميين المعاصرين حين يعتبر هذه الرواية وامثالها مجرد اساطير ..
فعلم النفس التحليلي المعاصر نفسه واجه اشكالية مماثلة تتعلق بفحوى " الاستبطان " في التحليل النفسي وامكانية اعتماد طريقة كشف رمزية وخبايا التكوين السيكولوجي العميق كاسلوب وطريق للمعالجة النفسية ، الكثير من العلماء رفض اعتبار هذه الطريقة علمية لانها لم تكن تستند على اسس تجريبية اكاديمية واضحة ..
كانت ببساطة تعتمد على التكهن والتخمين والنباهة والذكاء الفردي للمعالج ..
موروث الثقافة الشرقي القديم عن الروح والملكوت ينطوي تحت طائلة مماثلة رغم كل ما يمكن ان يشوبها من تشويش سببه انعكاس البيئة الاجتماعية كما ناقشناه في المواضيع السابقة ..
هذه المواريث تتعلق بركام خبرات فردية عن ظواهر التخاطر وانشطة العقل المابعدية اخرجت لنا الروحانية الاسلامية بهذا الشكل الذي لا يقوم على اسس اكاديمية واضحة مع ان كتاب الروح لابن القيم يلخص خبرة غنية جداً لدراسة ظواهر الباراسايكولوجي المتعددة وإن كتب بلغة تناسب ذلك العصر قبل ستة قرون إلا ان اياً من كُتاب عصرنا لا يمكنه ان ياتي بغناها لانها تلخيص خبرات حضارية لامم وليست مجرد مذهب او مدرسة فكرية عابرة ..!
لكن هذا لا يعني اننا لن نتمكن من استخلاص هذه " الاسس " والخرائط التكوينية الهامة للكيان النفسي الاعماقي الفردي او الجمعي حين نعيد تفكيك وتحليل الاسطورة الشرق اوسطية عن البرزخ أوالعالم الآخر وفق مسار معرفي علمي رصين سبق ودعا اليه كل من كارل جوستاف يونج وكلود ليفي شتراوس ..

(2)

فهؤلاء القدماء ربطوا بين " الزمن " و " الملكوت " في محاولة تصويرهم لهذه الخبرة المتراكمة سواء كانت حقيقية لها وجود ما وراء كوانتي فعلي ( حسبما قدمناه في عالم ما قبل الخليقة ) أو كانت مجرد تمثلات لخريطة الباطن الاعماقي البشري ..
وعموماً ، هذه الخريطة مرتبطة بالزمن ، بل اعتبر الاولون ، بدءاً بسومــر ، كل التوقيتات اساس التواصل بين العالم الحسي الارضي ( عالم الشهادة ) مع العالم الماورائي الملكوتي ( عالم الغيب ) ..
( سنتناول لاحقاً ترابط البنية " الزمكانية " space-time الحديثة للعالم المرتبطة بالزمن مع الملكوت القديم المرتبطة بالزمن ايضاً )
وكما قلنا في المقال السابق ، نحن ان تمكنا من تحليل وتفسير هذه الخريطة نكون قد اصبحنا في اول طريق وضع اليد على ما اسميناه :
وندوز العقل الانساني Human Mind Windows ( HMW)
اي البرمجة التكوينية الطبيعية للعقل البشري ، كونها تمثل رؤية ذات خلفية مشتركة تكاد تجمع عليها كافة الديانات والثقافات حول العالم كما ذكرنا هذا في المقال الاول .
وهكذا ، نصل الآن لجواب السؤال الثالث الذي سأله عمر بن الخطاب والذي يتعلق بالملكوت الالهي الماورائي المزعوم بشكلٍ مباشر :
لماذا تكون هناك احلام تنبؤية صادقة ولماذا تكون هناك احلام عادية لا تنبيء باحداث مستقبلية صحيحة ؟؟
كان جواب علي ، مسنداً الحديث للرسول محمد ، بان الرؤية تحدث عبر مراحل يمر بها النائم ، رحلة للروح عبر عوالم مختلفة تنتهي بالعرش الالهي العظيم ..!!
من الطبيعي جداً ، وفق فهمنا العلمي للنظرية النسبية relativity theory العامة والخاصة ، ان نعتبر بان العقل البشري اذا ما تمكن من الإحاطة والإدراك بعموم البنية رباعية الابعاد للكون ، اي الماوراء زمكانية space – time ، طبيعي جداً ان يتنبأ بحوادث مستقلبية يمكنه استبصارها على خريطة المستقبل ..!
وهذا يعني بباسطة ، عرش الرب المذكور في صحف الاولين وقول عليٍ اعلاه من المفترض ان يكون الغاية النهائية للعالم رباعي الابعاد ( القوائم الاربع ) .
فاذا كانت الرؤية تحدث عبر اي مرحلة عدا " عرش الزمكان " تكون الرؤية مشوشة ولا تكشف عن احداث تتحقق في المستقبل ، فقط الرؤية التي تحدث للنائم وهو قرب العرش هي التي تنبئه بالمستقبل وتتحقق بشكل "إعجازي" مذهل ( حسبما نستشف هذا من قراءة مستفيضة قام بها بن القيم في كتابه آنف الذكر ) .
هذه الرؤى حسب بن القيم لا تعادل سوى نسبة قد تصل لاقل من عـِشر من الرؤى والاحلام في حياة الانسان فيما يستنتج في كتابه نفسه بان ثلثي رؤى الانسان ( حوالي 70 % ) هي احاديث واماني يحدث بها الانسان نفسه في اليقضة قبل النوم ..
وهو ما يتفق وتفسير علم النفس المعاصر للاحلام ، اذ يراها بالجملة تعبير عن مكنونات اللاوعي لا اكثر .
ولعلنا نصل في هذا الموضوع إلى استنتاج بان ما درسه علم النفس التحليلي عن الاحلام لم يفت على الاقدمين ( امثال بن سيرين وبن القيم والبوني ) ان يتعرفوا عليه بالاستبطان ، المفارقة كانت بان الاقدمين وعبر تراكم خبرات السبعة الآف عام ركزوا على النسبة القليلة التي تبلغ العشر او اقل من انشطة الاحلام واستفاضوا بها وجعلوها محور المعرفة الروحانية القديمة فيما اهمل العلم المعاصر التجريبي هذه النسبة ولم تتفرد بدراستها إلا ابحاث ساي Ψ او الباراسايكولوجي ..
ولعل العقيدة الماسونية ، وريثة الثيورجيا الكهنوتية البابلية – المصرية القديمة ، لا تخالف راي علي المنقول عن الرسول محمد بان للروح مراتب ورحلة تقودها إلى العرش العظيم ، لكنها تستفيض في تفصيل وممارسة طقوس خاصة بكل مرحلةٍ من هذه المراحل إلى درجة انها تنشغل بالعوالم السفلى ( المراحل الاولية من رحلة النفس ) وتهمل بلوغ الانسان لمرتبة الكمال وتعتبرها خاصة بافراد معدودين من البشر ، عكس الغنوص والعرفان الاسلامي المسيحي الذي يعتبر درجة الكمال العليا للسمو الروحاني مباحة ومتاحة لعموم البشر محرماً في الوقت نفسه ان تستقر النفس والروح في المراتب الدنيا التي تركز عليها الكهانة القديمة والماسونية الحديثة ..
{{ لانها تعتمد على نزعة غرائزية رغائبية تتمحور على الفردانية كما ذكرناها في مواضيع :
(الماسونية والثيوصوفيا ) و ( الماسونية ومفهوم الإله ) و (الانوثة والروحانية ) ، فيما تعتمد الغنوصية على الكلانية والفكر الجمعي كما ذكرناها في موضوع ( روحانية العقل ) }}
وهنا نصل لنقطة الخلاف التي سبق واثارتها الاخت ليلى سلامة عن الخلط بين الكهانة الماسونية والعرفان في مواضيعنا السابقة ( البحث عن ملكوت الله ) و ( ملكوت الله القادم ) ..
فالكهانة تاخذ في الاعتبار " التخصص " الذي تضطلع به كل طبقة من الطبقات الروحانية السبعة التي هي بلون الطيف الشمسي كما ذكرناها في المقال السابق الاول من هذه السلسلة وسنفصل الحديث عنها بعد قليل ..
فهي تعكس بكل تاكيد سمة " التحضر " الذي كان سائداً في الوثنيات البابلية والمصرية والاغريقية حين كانت الآلهة متعددة أو على الاصح " متخصصة " قبل ان تاتي ديانات التوحيد بشمولها الكاسح المستوحى من " اللاتخصص " في مسؤوليات الله بعد تطور نزعة القائد البشري الاوحد في الثقافة ، لتغض الطرف عن اقسام الملكوت القديم الملونة السبعة التي تتجلى بشكلٍ واضح للعيان الحسي البشري حين يسقط المطر ويظهر قوسُ قَزَحْ Rainbow الملون في السماء ..
فالعرفان او الغنوص يسعى بالمرء للكمال المطلق ، ممثلاً بمزج الوان هذا القوس السبعة لتصبح لوناً واحداً ... هو اللون الابيض كما يجري تماماً عندما نقوم في مختبر الفيزياء بتدوير قرص نيوتن والوانه السبعة لنحصل على " مشهد " اللون الابيض اثناء التدوير ، الغنوص حالة من تمازج كل المركبات النفسية والسمو بها إلى وحدة كلية متجلية في " حضرة الله " ، النور الابيض ، وهو يعلل على الاقل السر في لف الدراويش الدوراني لادراك التجلي ..
فيما الكهانة تاخذ كل لونٍ على حدة وتستخرج منه " قوى " ومركبات نفسية اعماقية متفردة منفصلة تفسر على انها ملائكة و عفاريت متخصصين بالارزاق او الموت او المعرفة ...إلخ ..
( مع ان الاستنارة الماسونية المعاصرة تتخذ لنفسها نفس الديناميكا " البيضاء " لكن في مراتبها العليا ، سنفصلها لاحقاً ..)
لعل مشهد الدرويش حامل القرص الملون في الموالد التي تقام في "سِيدْنا الحُسِينْ" في قاهرة المعز اصدق تعبير عن هذا الفارق بين الكهانة والغنوص ..
فالدرويش ، بوجهة ديناميكية ، حين يمسك قرص الالوان و يلف حول نفسه بسرعة إنما يقوم بعملية تشبه تدوير قرص نيوتن الملون في مختبرات الفيزياء ليحصل على التسامي من التمازج اللوني بلون ابيض موحد جامع ..
( تشبه بوجهٍ من الوجوه عملية التدوير للقرص المعدني التي يقوم بها البوذيون في معابدهم او اثناء رحلتهم المقدسة إلى اعلى الهيمالايا )
لهذا ، فالحركة هنا دلالة على " الكلانية " و " الاشتراكية " ، تفعيل النسق الجمعي للروح وهي غاية الغنوص والعرفان الإسلامي المسيحي ( وبدرجة اقل القبالة Kabala اليهودية )..
لكن هذا الدرويش نفسه حين يتوقف بوجهة استاتيكية ، حين تجمد الصورة عن الحركة يرينا الالوان متفرقة بحالة منفصلة ، وهذه هي دلالة الكهانة الوثنية القديمة والماسونية الحديثة ..
حين نعرض كل هذا على برمجة الحاسبات الالكترونية الحديثة ندرك تماماً ان العقل الكوني والعقل البشري ( حسب الغنوصية والكهانة ) لا يختلفان عن عقل الحاسوب الصلب Hardware في كونه يدور ويتحرك ما دام الحاسب الالكتروني مشتغلاً ..
لهذا ، الفرق بين الحضارة والبربرية ليس الحركة وحدها او الثبات ، لا يمكن تسمية اي النظم الكلانية او الفردانية متحضرة او بربرية ..
التفريق يكون باحترام كل نظامٍ كوني للنظام الآخر , اللون الابيض لا يمكن استنباطه دون بقية الالوان ، بنفس الوقت ، اللون الابيض وحده هو الذي يعني بان الكون حيٌ غير جامد ..
الحضارةُ إذن ، ان نقبل النظامين معاً ..
وعوداً على بدء ، تفسير علي بن ابي طالب لعمر حول الرؤيا ، فإن مراحل العروج النفسي الاعماقي ( ما قبل العرش ) تمثل ما كانت تهتم به الكهانة القديمة وما تحاول سبر اغواره علوم النفس المعاصرة ..
لكن ، الذروة القصوى ، الغاية الكبرى لهذا " المعراج " لم تعالجها إلا الديانات السماوية الكبرى والديانات الشرقية العظيمة ( الطاو والبوذية ) قديماً ، وحديثاً لا يتناولها علم عدا دراسات للظواهر المسماة بالباراسايكولوجي وهو ليس بعلمٍ بعد ..
وكما قلتُ لكم سابقاً اخواتي واخوتي ..
ما نَجدُ خطانا نحوه هو تحويل المستحيل إلى ممكن ، الدين إلى علم والعقيدة إلى ثقافة ..!
جملة ما كتبته عن الملكوت هنا في حوارنا المتمدن هو اولى اسس هذا العلم الممتد من دراسات علم الانثروبولوجيا و السايكوترونك والسايكوفيزيا في القرن الماضي .

(3)

اعلم بانكم جميعاً ، ايتها الاخوات و ايها الاخوة ، قد تجدون في الموضوع جنوحاً غير مبرر للتجرد بتحويل تفاصيل برمجة العقل البشري والهيئة الكونية التي تدعى " الملكوت " إلى مجرد علاقات لونية ..
لكن في نفس الوقت ، وكما سنتابع في بقية موضوع اليوم وباقي مواضيع هذه السلسلة مستقبلاً ، بان بحث العلاقات اللونية وتمازجها إنما يمثل لغة الاعماق ..
الالوان السبعة هي حروف لغة الملكوت ، لغة ما قبل الكلمات وما قبل الصورة .. !
اعادة مزجها او اعادة ترتيبها بهيئة شيفرات cods يعني بداية الطريق لفهم اسرار الباطن العقلي البشري والخلفية الكونية مارواء الزمكان والتي قلنا عنها بانها خلفية ما قبل خلق العالم في مواضيع خلت ..
فالثالوث المسيحي الاب والابن والروح القدس لم يأت من فراغ ..
كذلك هو الثالوث الشيعي ( الله محمد علي ) لم يأت من فراغٍ ايضاً ..
جميعها امتدت من ثلاثية السماء الارض الانسان ( اب وام وابن ) في حضارات انسان الكهانة والطقوس وتطورت منعكسة حسب الخريطة الثقافية لانسان ما بعد " الدين " والشريعة الاخلاقية العليا التي ازاحت " الانثى " ..
مع هذا ، وفي الباطن البشري العميق كما ندرسه ، الاصل الحقيقي لهذا الثالوث هو الالوان الاساسية الثلاث التي تمازجت وكونت الطيف الشمسي ممثلاً في قوس قزح Rainbow ..
الالوان الاساسية الثلاث هي الاحمر والاصفر والازرق ، تمازجها معاً في دائرة او قرص ينتج هذه الالوان السبعة ( الاحمر والاصفر = برتقالي ، الاحمر والازرق = بنفسجي ، الاصفر والازرق = اخضر ) ..
روحانية الاقدمين برمتها قامت على اسس هذه الالوان ، وبدت واضحة كما قدمنا في المقال السابق في الوان السماوات التي وصفها الرسول محمد في معراجه المشهور ..
وحسب القبالة العبرية والعرفان الإسلامي المسيحي ، فإن الملكوت الالهي الكوني ينقسم إلى جزئين اثنين كل منهما يحتوي سبعة طبقات ملونة بالوان الطيف الشمسي :
( مع ان الدارسين للكهانة والعرفان القديمين قلما يربطون بين المشاهدات والطيف الشمسي بسبب تشوش الرؤى وتداخلها مع رموز ثقافية انسانية بحتة مثل تشبيه اللون الابيض بالفضة او البرتقالي بالنحاس او الاصفر بالذهب وربط الاحمر بالمريخ .. إلخ إلخ )
الجزء الاول : الارضين السبعة
الجزء الثاني : السماوات السبعة
لعهدٍ قريب ، كنت اميل مع الرأي الذي يقول بان الارضين السبع والسماوات السبع مجرد خرافة موروثة ..
فلا شيء في العالم الحسي المعاين يشير الى وجود سبعة كواكب مثلاً او سبعة طبقات في تكوين الارض ولا سبعة طبقات حقيقية تكون السماء والفضاء الخارجي ..
لكن ، بدراسة علم نفس الاعماق ، يتبين للباحث بصورة جلية ان ملكوت الاقدمين هو ملكوت اعماقي باطني يمثل خريطة التكوين العميق للنفس والكيان الغامض الخفي للوعي والذاكرة الذي توجد عنه مؤشرات كما درسنا سابقاً عن انتمائه لعالم ما وراء الكوانتا الذي لا نعرف عنه شيئاً بعد ..
لدرجة ان المقولة الماثورة عن المسيح تكشف بجلاء حقيقة ان الملكوت الالهي في داخلنا ..!
في داخل كل انسان ملكوت الله ..
السماوات السبعة والارضين السبعة كيانات اعماقية سابقة للوجود المادي الذي انبثق بعد الانفجار الانفجار العظيم قبل بضعة مليارات من السنين ..
ورغم انها في داخلنا كافراد ، لكنها في الحقيقة " نافذة Window " وبرامج كومبيوترية كونية موحدة مشتركة بين جميع الكائنات لعالم ما قبل الخليقة ..
( وما بعدها حسب الفهم الديني المشترك ) ..
وعليه فهي انعكاس للباطن العقلي والثقافي الانساني وفي نفس الوقت قد يكون لها وجود فعلي حقيقي ما وراء كوانتي ( ماوراء مادي ) وهذا بطبيعة الحال غير مؤكد علمياً لكنه ممكن ..

(4)

فلو نزلنا في عمق النفس البشرية حسب هذا الاستقراء ، ندخل في عوالم الالوان السبعة بجزئيها :
1. القريب من انفسنا وهي الارضين السبع ، وكل طبقة منها محكومة بملكٍ عظيم من ملوك الجن ..
( او عقل كوني كبير ، برنامج كوني هائل للبرمجة " اللونية" الكونية ما قبل المادية و حسب نظرية ستيفن وولفرام عن نشوء الكون بما يعرف بنظرية الميكانيك الرقمي ، يمكن تحويل المعادلة الرقمية الكونية الاساس إلى معادلة لونية يكونها ثالوث الالوان الاساس )
وحين نتجاوز هذا الاعماق " البرمجية " للوجود ندخل في المستوى الثاني من هذه الطبقات ..

2. البعيدة عن النفس البشرية ، السماوات اللونية السبعة ، وهي محكومة بسبعة آلهة او ملائكة عظام يشرفون بشكل مباشر على كل طبقة لونية في الارضين السبعة حسبما نجده في كتاب شمس المعارف الكبرى ..

هذه الاعماق مرتبطة بالزمن ( اي هي فضاء زمن space – time ) ، وقوة الجاذبية او الثقالة Gravitational Force يحتمل بانها ذات بنية فضاء زمنية رباعية الابعاد كما ذكرنا في ( الوعي والزمن ) حسب تكهنات حديثة لعلماء الفيزياء ، لهذا السبب تتأثر اعماقنا النفسية وبالتالي سلوكنا الفردي بجاذبية الكواكب القريبة من الارض و المجاميع النجمية البعيدة في المجرة حسب ديانة الكواكب السومرية والصابئية التي انتجت لنا التنجيم و " الابراج الفلكية "..
فيوم الاحد في السماء هو يوم روقيائيل ( روفائيل ) الاصفر وللاسفل منه في الارض ملك الجن المذهب او ذو التاج الذهبي كما يذكر البوني في شمس المعارف ، ويتخصص بالعلم والمعرفة مثل إله الحكمة البابلي شمش ..
ويوم الاثنين الابيض في السماء العليا محكوم من جبرائيل ، روح القدس الامين ، منزل الوحي على الانبياء وملك المنظومة الكونية العليا ( اي المدير التنفيذي لمنظومة السماوات كلها كونه ابيض جامع لكل الالوان ) ..
المفارقة هي ، للاسفل منه في الارض ملك ملوك الجن ، عزازيل ( الشيطان )..!!
وهو باللون الابيض ، ويعتبر المدير التنفيذي للمملكة الارضية باقسامها السبعة ..
عزازيل وفق هذا القياس هو الاقرب للاعماق البشرية من جبرائيل ..!
والموروث الديني اليهودي المسيحي الاسلامي يقول بان عزيز الرب ( عزازيل ) ، ملك الارضين السبعة ، تمرد على المنظومة السماوية وحاول الاستئثار بالمنظومة الارضية كإقليمٍ كوني منفصل بعد ان علم بأن الإنسان في طريقه للهيمنة على الارضين والسماوات فرفض الاذعان والامتثال لامر السجود ..
وهكذا ، اضطر جبرائيل ( دون سواه من ملائكة السماوات ) للنزول بنفسه والتجلى لافرادٍ مختارين ( الانبياء ) ليخبرهم بأن وحي الاعماق القريبة ( العاطفية الفردانية ) مشحونة بشرور مضادة للمنظومة الكونية بسبب تمرد عزازيل وعلى البشر اتباع التعاليم الإلهية الكونية العليا ..
فالشيطان هنا تمثيل لوحي العواطف الانفعالي الرغائبي الغريزي الصادر عن المنظومة الاعماقية الاقرب والتي هي في حالة من الانفلات والتمرد والعشوائية عن النسقية Coherency والكلانية holism التي عليها عموم الكون اللامادي الماورائي ..!!
طبعاً صياغة هذا الموضوع تحديداً تحتاج إلى تفكيك وتجريد يجعلها قابلة للفهم العلمي بدلاً من صياغتها الاسطورية كمعركة بين جبرائيل وجنوده الخيرين وعزازيل وجنوده الاشرار ..

الموضوع القادم نستكمل فيه بالتفاصيل ربط العلاقات بين صرامة الضبط في برمجة السماوات البعيدة التي تمثل في حقيقتها مستوى التنظيم الاجتماعي الارضي وآمال وطموحات الجماهير والامم الجامعة ، وعشوائية وحرية الارضين او الاعماق القريبة من النفس البشرية والتي تمثل آمال وتطلعات الفرد الواحد ..

يبقى ان اذكر قبل الختام بان الفارق بين السحر الابيض والاسود هو الفارق بين ما يمثله جبريل البعيد ورؤيته الاشتراكية الكلانية والشيطان واستغراقه للنزعة الفردية ..

السحر الابيض يمثل انعكاسا لكل الاعمال و الطقوس التي تمارس بصورة جماعية ولا تخالف الغاية المستقبلية للمنظومة الكونية العليا عكس السحر الاسود الذي ينطلق من الماضي البيولوجي والتكوين الغرائزي الماقبلي للنفس البشرية ..

فيما السحر الاحمر فهو انعكاس يتناول النطاق الإدراكي المحسوس من العقل البشري ..
وهي بجملتها امورٌ بحاجة لتفصيل ..

وللحديث بقية



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع الله في ملكوته (1)
- رؤية في استراتيجية الهيمنة الاميركية و دراسة علاقتها بازمة 2 ...
- افول الامبراطورية الاميركية ، هل من بديل ؟
- ملكوت الله القادم(3)
- البدء كانت الكلمة ..على شفتيك
- الماركسية الانثروبولوجية
- ملكوت الله القادم(2)
- ملكوت الله القادم (1)
- إمرأةٌ .. أمام مرآة !
- الطريق إلى بابل
- السيناريو الروسي لحرب الشرق الاوسط
- سوريا قاعدة للجهاد الاميركي الجديد !
- بابل و واشنطن و حربٌ على ضفة التاريخ
- البحث عن ملكوت الله (3)
- الإلحاد المزيف و المعرفة
- البحث عن ملكوت الله (2)
- البحث عن ملكوت الله (1)
- من يقود الحرب الامبريالية ؟ آل الصباح وشل الانجلوسكسونية اُن ...
- الوعي الثقافي الإنساني من ديكارت إلى ما بعد الماركسية
- الروحانية و العقل Spirituality and Mind


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - مع الله في ملكوته (2)