أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - ملكوت الله القادم(3)















المزيد.....


ملكوت الله القادم(3)


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3632 - 2012 / 2 / 8 - 14:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


(1)

لا ادري إذا ما كان بعض علماء الاعصاب في الغرب مقتنعين ، وحسب ابحاثهم الاخيرة عن " الرب " في ادمغة البشر ، بأن يمكنهم الوصول إلى نتيجة موضوعية ام لا ..؟
ما اقصده منفصل تماماً عن " القدرة الكامنة " في الدماغ التي تعلمها اسلافنا وورثناها جامدة غير فعالة ، التي لا نستعمل منها سوى ما يقارب الـــ 2% والتي تحدثنا عن فلسفة تجليها لدى كهنة المعابد القديمة البائدة .. وكهنة المعابد الحديثة ( المحافل الماسونية ) ..
ما اقصده هو الميل نحو " الاعتقاد " بوجود إله او آلهة تسير شؤون هذا الكون يظن بعض العلماء بأن من الممكن ان تكون لهذا الميل جذورٌ تكوينية في الدماغ البشري ..
كما وضحت في موضوعنا السابق " الماركسية الانثروبولوجية " ، فإن ادمغتنا لا تزال في طور تخليق شكل دماغي جديد ووضائف دماغية جديدة تتعلق بتطور ملكة الخيال وظاهرة الاحلام ، واللتين من شانهما تطوير مفاهيم الدين الجمعية على صعيد فردي وجمعي كلي بعد عشرات الاف السنين ربما ..
ففي حالة طقوس " الثيورجيا " التي كان يمارسها الكهان ، يمكن تحصيل " كمية " اكبر من مجال استخدام الطاقة الدماغية عبر تفعيل مسالك مهملة في التكوين الدماغي كما وضحناها في موضوع " الماسونية والثيوصوفيا " ..
لكن ، حدوث تحورات جهازية في الدماغ لاجل ادراك ابعاد اضافية اكبر عن العالم ، يعني تحول في الاستخدام " النوعي " لطاقة الدماغ حتى لو كانت ضئيلة كما وضحنا في الموضوع آنف الذكر ..
بالتالي ، لا يمكن للرب ، سواء كان موجوداً أم لا ، ان يأخذ اي محل " خاص " في ادمغة البشر في الوقت الراهن .. ابداً !
مع إن الرب الذي اعنيه هنا هو الايقونة الرمزية المستخلصة من تعريف الإنسان التاريخي للحاجة و الحاجة للعدالة خصوصاً كونها الحافز الاساس التي دفعت الانسان " المعاصر " للاستعانة به ..
فالعدالة اليوم ، بشكلها الليبرالي " الصوري " المجرد المستبطن للدفاع عن الراسمالية ( مصالح الفئات والاقليات الصهيوبروتستنتية النافذة عبر العالم ) ، إنما هي شديدة الالتصاق بقيم العدالة التي تخص الفرد الواحد من هذه الاقلية ..
فهي مموهة خادعة بما يتعلق باشكالها الوطنية والحضارية الإنسانية الشاملة الجامعة ..
بالتالي ، وبسبب الهجمة الامبريالية الشرسة على حضارات العالم وما تبقى من كياناتها التاريخية الارثوذوكسية والكاثوليكية والكونفوشية والإسلامية ، بعد إعصار العولمة والمعلوماتية الكاسح ، نجد ان مفهوم العدالة الجمعي التاريخي يحاول العودة بقوة مستدعياً صورة " الرب " في العالم الثالث ، و " الله " في عالمنا الإسلامي بوجه التحديد كقيمة مركزية عليا للدين تتجاوز حتى الحاجة الفردية للقلق الانساني التاريخي وحاجته للرب كملاذ ومنقذ لكل طارئ آني ومزمن ممثلاً بهذا القلق ..
الحاجة للرب اليوم تتجاوز القلق الفردي إلى القلق الجمعي المصيري ..
هي اليوم اكثر الحاحاً لمفهوم حقيقي ونقي للعدالة مضاد للمفهوم الصوري المعاصر في الغرب الذي تتعامل به الراسمالية كسلعة تباع وتشترى في اسواق مصالحها ..
فبالامس فقط ، تعلن اميركا عن اشمئزازها للفيتو " الظالم " من قبل الصينيين والروس بحق " الشعب " السوري ، وتنسى بتلك اللحظة اكثر من " ستين فيتو " استعملته اميركا ضد " شعب " فلسطين وعلى مدى خمسين سنة ..
مثل هذا التناقض في مفهوم " العدل الانساني " للدول التي تقود العالم بنظام الاقلية الراسمالية الحاكمة ، هو الذي يجعل للرب حاجة مصيرية شاملة في ثقافتنا ..
مثل هذا التناقض ، وله ما يماثله في تعامل هؤلاء في بلدانهم الغربية نفسها ، ربما كان هو السبب الحقيقي وراء بحث العلماء من حيث لا يشعرون عن الرب في ادمغتنا لانهم وجدوا البشر مهووسين بالدين بشكلٍ لا يصدق ، ربما هو ما جعلهم يظنون بان لله جذوراً راسخة في الدماغ ..
فما دام هو الخالق ، لماذا لم يخلق " أداة " تواصلٍ بينه وبين مخلوقاته حسب المتدينين منهم ، او لماذا لا تكون هناك بنية طبيعية على الاقل تستدعي هذا الميل ..؟؟
هم يبحثون في قمة الشجرة دائماً ، ونادراً على جذعها ، متناسين بشكلٍ كامل جذور المشكلـة ..
العدالة الإنسانية بمفهومها الشامل الغائب كلياً عن مسرح الصراع والتنافس الدولي المحموم هي المشكلة الجذرية في عالم الامس و اليوم وهي التي استدعت " الله " لحل مشاكلنا ..
قال في ذلك النبي محمد :
" لولا الخبز ما عُبدَ الله ! "
تمتد " لولا " هذه بنطاق عريض في عالم اليوم يسمى " العدالة " التي لولاها لما كانت هناك حاجة للدين ..

(2)

اذا كان الربُ موجوداً ضمن الحافظة الثقافية الجمعية للناس كتعويض جوهري عن العدالة النقية الكلية الضائعة وليس ضمن بنية الفرد البيولوجية وما تحتاجه في مجتمعنا الحديث ..
فهذا يفسر لنا على الاقل ، لماذا تكون " المبادئ " صعبة التطبيق في الواقع العملي ..
فالحاجة لهذه المبادئ تتجاوز كيان الفرد الواحد إلى كيان " الامة " ، وهذا ما يجعل الامة الإسلامية على سبيل المثال متعلقة بالقيم الإسلامية كمجموع كلي ، لكنها كافراد ، تجد نفسها عاجزة كلياً عن الإلتزام بهذه المبادئ والقيم الاخلاقية ..
فادمغتنا في حقيقتها ، لا مكان " اصيلٌ " فيها للمبادئ والقيم ، لا مكان فيها للرب مطلقاً..
لكن ، حسب فلسفة التكيف العصبي في مسار التطور البيولوجي .. قد تصنع معاناتنا وبحثنا الدائب عن شكل العدالة الشاملة الكلية مكاناً للقيم والاخلاق فيها .
مكانٌ حقيقي للرب يجعل الإنسان لا يحيا دون ان تكون العدالة اصيلة في تكوينه ..
وهكذا ، الانسان يصبح هو " الرب " نفسه ..!
قد يحدث هذا ربما بعد آلاف السنين ، من صنع التطور البشري ، من صنع البشر انفسهم وهم لا يشعرون ..
لكننا اليوم ، لا نزال لا نمتلك مثل هذا التكيف العصبي بصورة واضحة على ما يبدو ..
فلم نحصل على المعرفة بها او تداولها في حياتنا الاجتماعية إلا عبر التربية الإجتماعية التي اصبحت حائلاً في الضد من تكويننا الغريزي الحيوي الدفين ..
المبدأ الاخلاقي في الاثرة والعطاء يتنافى مع " التكوين " الغريزي في التملك ..
قيم البذل والعطاء مفاهيم موروثة من العقل الجمعي ، قيم العدالة الاجتماعية الرمزية المفقودة ، بمثابة اصفاد تقيد الغريزة خدمة للمجتمع و " الصالح العام " ..
اما الانانية فهي اصيلة التكون في جوهر ادمغتنا الزاحفية القديمة و لا تاتي " الالفة " و " المودة " إلا في المقام الثاني ، في الكيان العاطفي من قشرة المخ ..
ثم تاتي من بعدها الانشطة المنطقية اللغوية في المقام الثالث ليس إلا كما فصلنا هذا في الماركسية الانثروبولوجية ..
إذ بينا بان الدماغ المنطقي هو ما يميز جنسنا المعاصر ، وهو ما ساعد على بناء الحياة الاجتماعية ( التي هذّبت الغريزة واسفرت عن بناء اللاوعي العميق المكتوم ) ..
تطور العقل المنطقي في نفس الوقت بفعل تعقد وتطور الحياة الاجتماعية وما تتطلبه من تواصل لغوي – فكري اسهم في انبثاق الوعي بالقيم وسبل التعايش الاجتماعي ، لتكون الميول الغريزية مغيبة في جب اللاشعور ..
لكن ، تبقى " الانا " هي المقام الاول حتى لو كانت مطمورة في اللاشعور ، تبقى هي المستوى الجوهري المتحكم بسلوكنا العام ..
فالرب اذن ، استعارة رمزية لمفهوم العدالة العام يقف في ضد " الانا " ..
وكلما تحققت قيمة عليا للعدالة الاجتماعية في بيئة ما .. كلما خفت صوت الرب الممثل بالإطار الديني في ضمائر البشر ( كما يحدث في الغرب ) ..
وكلما ضاعت هذه القيم في مجتمع آخر واختلت موازينها ، نجد الحضور الطاغي لمفهوم الإله بشكلٍ لافت في الثقافة كما هو في عالمنا الإسلامي ..
العدالة الاجتماعية المطلوبة هي التي نصبت الرب حاكماً اعلى للتاريخ وقامت بتعريفه عبر آلة الفكر المعقدة المنطقية اللغوية من قشر الدماغ البشري ..
الشيوعية السياسية ( ولا اقول الماركسية العلمية ) ، وحينما حاولت الإطاحة بالرب من على اعلى علياء عرشه التاريخي الموروث ، إنما تعدى مفسروها على الرمز التعويضي للعدالة المفقودة ..
الشيوعية نفسها ، وحين تعجز عن تحقيق العدالة ، لا تجد عقول الشيوعيين انفسهم من بد بسوادهم الاعظم للعودة إلى " الرب " كرمز تعويضي لهذه العدالة ( عدا استثناءات موجودة دائماً ) ..
لهذا السبب ، الدين و رغم عدم رسوخ الايمان به على وجه اليقين الكامل ، نجده قوياً في السواد الاعظم من الناس في البيئات مختلة القيم ..
ففي حين يحدثنا القرآن عن الناس بأنهم :
وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين
( وهو ما يؤكد قناعة الرسول محمد بفقدان البشر لاي تواصل حقيقي مع الملكوت السماوي الذي كان يشعر هو بالتواصل معه )
نجد في المقابل من هذه المعادلة ، ان اكثر هؤلاء انفسهم لا يستغنون ابداً عن دين هم لا يؤمنون بجوهره .. لماذا ؟؟
بسبب الجور والظلم الذي يميز طابع الاجتماع البشري ، فلا توجد عدالة حقيقية دائماً ، حتى في الغرب المتحضر الذي يطبق القانون على مواطنيه بحذافيره ويحتكم للدستور ..
نجد هذا الغرب الراسمالي المتوحش يؤسس عدالته النسبية تلك على كوارث انسانية واستعمار وهيمنة وغطرسة على باقي الشعوب والامم التي تتداعى لموروثها الثقافي وخزينه التاريخي لمواجهة الغرب والبحث عن العدالة المفقودة ولو بدينٍ لا يقبله العقل الحديث ..
وهو ما يحصل مع امتنا الإسلامية باسلامٍ " صحراوي " متشدد يمضي بالضد من حركة التاريخ إلى درجة أن الامة باتت ترفض " العقل " الحديث لحساب هذا الدين .. الذي لا نجد اكثرية الناس ازاءه " ولو حرصنا " به مؤمنين ايماناً يقينياً راسخاً ..

(3)

متى يصبحُ هذا العالمُ اكثرُ عدلاً ..؟
سؤالٌ بديلٌ هو ربما عن سؤالٍ آخر فقد الوعي الجمعي العربي إجابته :
متى يحل العدل في ارض المسلمين ؟
الغرب يتدخل في كل صغيرة وكبيرة من حياة الشعوب خصوصاً العربية ، فاصبح المصير العربي الاسلامي مرتبط بمصير العالم برمته ..
المصير الذي ننتظر فيه زوال الهيمنة الراسمالية ورفع يدها عن المنطقة العربية الاسلامية حتى تقرر الشعوب مصيرها ونمط حياتها دون تدخلٍ من احد ..
زوال الهيمنة الراسمالية قد لا يعني حلول العدالة المفقودة ، لكنه يعني حتماً فرصة لولادة عالمٍ جديد ..
لكن ما هو العدل وفق المفهوم الإسلامي " الروحاني " العميق ..؟؟
العدالة الحقيقية تتجاوز الشريعة كنصوصٍ مكتوبة إلى " نظام الحُكم العادل " الذي يفهم الناس والتاريخ والشريعة ..
اقول الروحاني العميق دون ان اكتفي بالمفهوم السطحي للعدالة في الإسلام والممثل بتطبيق الشريعة ..
فالشريعة ليست بدستورٍ مقدسٍ يمكن ان يجري على رقاب الناس بمختلف ميولهم وسلوكهم وتصرفهم قائماً بالقسط والميزان .. كما يتصور السواد الاعظم من المسلمين البسطاء ..
بل الشريعة ، في بعدها الواقعي ، متحولة متغيرة تحت مظلة " التفسير " و " التاويل " بما يتفق وطبيعة النظم الاجتماعية والسياسية الموجودة في البيئات الإسلامية المختلفة تاريخياً وجغرافياً والتي تنجب الحاكم الصالح والطالح ..
لهذا السبب ، فهم " العدالة الإسلامية " خلق عدة مذاهب ، بسبب اختلاف " معدن " المفسرين للشريعة في المكان والزمان ..
وعلى سبيل المثال لا الحصر ، الفكر السلفي يحرم الخروج على الحاكم "السني" حتى لو كان فاسقاً مثل نظام حسني مبارك ، فقد اعلن السلفيون حرمة الخروج على مبارك بداية الثورة ..
لكن نجاح الثورة المصرية ، دفع بوصلة السلفيين للتبدل ، ما اعطى للسلفية بعمومها فسحة من المناورة وقبول فتاوى مشايخ البترودولار الاميركي امثال القرضاوي للخروج على القذافي وقتله شر قتلة في ليبيا اليوم كما فعل المغول بآخر خلفاء بني العباس في بغداد قبل عدة قرون ..
وهكذا ، تدور عجلة الفتوى بتحشيد العقل الجمعي الإسلامي البسيط لبناء جبهة سنية سلفية لمواجهة المد الشيعي الإمامي المزعوم في المنطقة ، خدمة للمصلحة الامبريالية العليا .. وهو ما لا تشعر به جل الجماهير المأخوذة المشحونة بفعل وسائل الإعلام المسيسة بحميتها على " هذا الدين " كما كان يردد الراحل سيد قطب و " هذه الامة " الثائرة ضد بشار الاسد ونصر الله والخامنائي من المحيط إلى الخليج .. !
هذه الجماهير تتصور ان العدالة ستتحقق بتحقيق الهوية الإسلامية والشريعة الإسلامية ..
ولم يعد مستغرباً ان نفهم لماذا يحصد الإسلاميون جل مقاعد البرلمانات في دول " الشتاء" العربي ..
ما لم تفهمه هذه الجماهير حتى اللحظة ، إن الشريعة مرهونة بالعامل البشري ممثلاً بطبيعة الحاكمين ..
امثال القرضاوي او السستاني ، او الصدر او الغنوشي ..
مثل هؤلاء لا يمكنهم فهم المعنى الحقيقي للعدالة التي تطلبها الجماهير حتى لو التزموا بتطبيق الشريعة على الصغير والكبير ..
النبي المؤسس للحضارة الإسلامية ، محمد بن عبد الله ، وربما بعد تاملٍ طويل ٍ في مفهوم النظام العادل والدولة العادلة ..
ربما كان قد تنبأ بأن هذه الارض لن تمتلئ قسطاً وعدلاً حتى تخرج للناس :
(( دابةً من الارض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون )) ..
وهي اهم آيات خروج المهدي ليملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً حسبما ورد في التراث الاسلامي ..
وقصة دابة الارض هذه ، التي يبدو بها المخيال الجمعي الإسلامي متفرداً حين نقابله بما موجود في المخيال العبري والمسيحاني ، انما تمثل " الافق " الرمزي الروحاني العميق الذي على قادة " الامة " ومن يتصورون انفسهم بانهم دعاة " الله " فيها فهمه فهماً علمياً حقيقياً واستيعاب مغزاه ومقصده الجوهري بتجرد عن الصيغة الاسطورية المتبدية في الشكل الخارجي لهذا الفهم ..

(4)

ان تبدل الشريعة الإسلامية ذات المظلة السياسية العثمانية إلى الشريعة الوضعية المستوردة من الغرب و التي عملت بها الحكومات العربية بعد حصول دولها على الاستقلال " الشكلي " بعد انهيار الخلافة الإسلامية .. لم يجلب العدل لهذه الامة ..
الشعور الجمعي العربي – الإسلامي العام ايام العثمانيين ، ايام الخلافة ، كان الشعور بالحيف تجاه استبداد السلاطين والولاة ..
هو نفس الشعور الذي يدفع الشعوب العربية اليوم للثورة ، بل حتى الديمقراطية الدموية في العراق ، الطائفية المذهبية الإنقسامية في لبنان ، ورغم تجربتها الطويلة نسبياً قياساً بالديمقراطية الوليدة في مصر وتونس وليبيا ..
فهي لحد اللحظة ، عاجزة تماماً عن منح الناس في تلك البلدان اي لمحة امل بان القادم افضل ..
يكاد ان يكون الشعور العام هو ان القادم اسوأ ..
الديمقراطية ، كأسلوب في ادارة البلاد ، لا تكفي وحدها لتحقيق العدالة الاجتماعية وإشاعة روح من الشعور بالرضا عن النظام والدولة ..
هناك اولويات واسس تحدثنا عنها في مواضيع خلت في العام الماضي عن الديمقراطية والثورة العربية وطبيعة النظام الراسمالي كحامي للديمقراطية ذات النظام الذي يخدم الاغنياء دون الفقراء ..
رغم ذلك ، منطق العقل السليم يقول ، الديمقراطية بكل مساوئها ، افضل من حكم الخلفاء !
سواء اكانوا خلفاء " شورى " اهل الحل والعقد ، او شورى المجالس الموسعة التي تضم عقلاء ووجهاء الامة على غرار النظام التداولي الموجود في ايران ..
لان طبيعة التاريخ تبدلت ، لان ثقافة ومعرفة الانسان تغيرت ، لان التقانة التي يستعملها الناس باتت ثورية تاريخية ..
من الحري إذن بالنظم السياسية ان تكون ثورية تاريخية اقرب للعقلانية من سواها ..
ورغم ان للديمقراطية مساوئ لا تعد ولا تحصى ، لكنها تبقى الاقرب لمستوى العقلانية من مفاهيم البيعة و إجماع وجهاء ورجالات " الامة " ..
قصة دابة الارض التي يتفرد بها الوعي الجمعي الإسلامي ، توحي بخلاصة التاريخ ومآله ..
فهي دابة تخرج في آخر الزمان مع المهدي كما يروى هذا عن النبي محمد ، تسمى " الجساسة " تسم الناس على خراطيمهم : مؤمنٌ وكافر ... !!
اذ ان المخلص الموعود سيقيم " الحدود " الشرعية على المجرمين بدون برهان او حجة ، بدون شهادة الشهود المطلوبة حسب القرآن وسنة محمد ..
" الجساسة " ستتجاوز قرآن محمد ، سوف تتعدى على سنته ، بل هي ، قرآن وسنة المهدي الثورية التاريخية الجديدة ( حسبما توحي به الاحاديث التي تذكرها وتذكر المهدي ) ..

(5)

واذا وقع القول عليهم ، اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم أن الناس كانوا باياتنا لا يوقنون ..

سياق هذه الآية القرآنية وما تصوره كان يوحي إلي شخصياً في طفولتي ، و بمشهدها الاسطوري الماورائي ، وكأن تنيناً يخرج من تحت الارض يكلم الناس ، ديناصور من نوع عجيب غريب ..
لطالما سالت نفسي في حينها :
لماذا يتحمل هذا الديناصور ( حسب تصوري في وقتها ) مسؤولية تمييز الناس مؤمنٌ وكافر ؟
لماذا لم يظهر هذا الوحش مع الرسول محمد ليميز الناس ويحل المشاكل فيكافئ الاخيار ويقيم الحدود على الاشرار من رجم وجلد وقطع يد .. إلخ إلخ ..؟؟
لماذا الانتظار حتى ياتي " آخر الزمان " ليخرج مع المهدي ؟
مضت سنين طويلة منذ ان طرأت في ذهني تلك التساؤلات ..
واليوم ، في عالم مايكروسوفت والنانو تكنولوجي ، وبعدما نهجت في تفكيك وتحليل رمزية الاسطورة بواسطة الانثروبولوجيا ، اجد نفسي امام صورة متكاملة تظهر كإجابة من الوعي الجمعي الإسلامي للسؤال التاريخي الخالد الذي أرّق ذهن محمّد :
متى يحل العدلُ في هذا العالم ؟
لم تكن الثقافة البشرية في وقتها لتسمح برؤية صريحة للمسار الذي يتخذه التاريخ تقنياً ..
فالجاسوسة هذه ، او " الجساسة " كما اسماها محمد ، تعبير عن " آلـــة instrument " تعفي البشرية من صداع الديمقراطية والخلافة معاً ..
ويمكنها ان تضع الرجل المناسب في المكان المناسب ( حسبما تصوره هذه الرسالة الكونية ) ..
فهي فيما يبدو ، وحسبما وردت صفاتها في احاديث كثيرة مروية عن محمد في تفسير الآية السابقة اعلاه ، عبارة عن تقنية تاريخية ثورية لم تصل إليها البشرية بعد ، وربما هي على عتبات ابوابها اليوم ..
تتمثل هذه التقنية بامكانية " نسخ copy " لذاكرة اي فردٍ من افراد الجنس البشري الدماغية والإطلاع عبر فك شيفراتها على كل تفاصيل الاحداث الماضية والوقائع الآنية والافكار المستقبلية التي في ذهن هذا الشخص .. !
فالشريعة الإسلامية ، بمبدا الترغيب والترهيب ، سبق وادعت بان ملكين اثنين يقومان بهذا النسخ وهما من سيكونا الشاهدين على الانسان يوم القيامة ، وحسب سجلاتهما وما نسخاه ، سيدخل المرء الجنة او يدخل النار ..
لكن ، جساسة آخر الزمان هذه ، التقنية الثورية المتقدمة التي بدأت بوادرها تظهر تدريجياً في القرن الحادي والعشرين ، لن تقوم بتسريح الملكين الكريمين الكاتبين عن الخدمة فحسب ..
هذه التقنية الإلكترو – عصبية التي بدات اولى تطبيقاتها " البدائية " تظهر في الغرب اليوم ، يمكنها اذا ما تطورت ان تغير وجه الثقافة والتاريخ وتطيح بمفاهيم الليبرالية والتحرر في نفس الوقت الذي تمسح فيه " الدين " من خارطة الوجود ..!!
ستكون اكبر ضربة " قاتلة " تتلقاها الديمقراطية التي انجبتها الحضارة اليونانية القديمة وطورتها الحضارة الغربية المعاصرة ، وستترك كل الكتب المقدسة وراء ظهرها ..
لانها ببساطة ستكشف لاول مرة في تاريخ الانسانية وجوهاً سلوكية للبشر .. غاية في القبح .. لم يتعود البشر على التعامل معها .. مع إنها حقيقتهم ..!!

(6)

توضيح المسالة بسيط ..
العملية تشبه رؤية الإنسان البدائي لاول مرة لصورته المنعكسة على سطح الماء ، ادراكه الاول لمعالم شكله التي تشبه نوعاً ما شكل اسرته والافراد الذين ربوه ويتعامل معهم في محيطه قبل ان يتمكن من صنع " مرآة " تعرفه على وجهه وما يطرأ فيه من تبدل كل يوم ..
البدائي كان يرى الناس وجهه ، لكنه كان عاجزاً عن رؤية نفسه ..!
المسالة هنا تصبح " مقلوبة " ، اذ يمكن لغيرنا ان يرى حقيقتنا التي نخفيها ..
مرآة الذاكرة البشرية نعرفها نحن عن انفسنا ، لدينا انطباع عن التصور العام حول التساؤل :
من نحن ومن نكون ؟
لكن ، سجل ذاكرتنا ، نكاد نحن الوحيدون انفسنا من لديهم القدرة على رؤيته بشكل كامل ..
نسخ الذاكرة البشرية وحل ترميزاتها سيتيح للمؤسسات " الحكومية " التعرف على ماهية وحقيقة كل انسان ، كل فردٍ في المجتمع إلى درجة تصبح الديمقراطية فيها المبنية على وعود وبرامج عمل انتخابية لمرشحين غير فاعلة وغير ذات اهمية لان سذاجة وسطحية ودونية هؤلاء المرشحين تكون مفضوحة مكشوفة .. !!
الناس يدركون انهم خاطئون ، لكنهم لا يحبون ابداً ان يحكمهم خاطئون مثلهم ..!!

فالفضائح الجنسية ، وحنث اليمين ، تطيح باكثر الحكام ثقافة وقوة شخصية في المجتمعات الليبرالية الديمقراطية المفتوحة .. فكيف بمن تكشفهم " الجساسة " وما يحملون من تاريخٍ على رؤوس الاشهاد ..؟؟

ربما ، وفي يومٍ قريب ، لن يتجرا امرء على تقديم نفسه للناس اميراً للمؤمنين ويطلب البيعة كما فعل الراحل بن لادن او الظواهري ، " الجساسة " ستكون كفيلة بفضح حقيقة التكوين السايكو عصبي لعصابي مثل الشيخ يوسف القرضاوي او عبد الحميد المهاجري الشيعي الباكي على ضلع الزهراء ليل نهار ..
والعكس ، فحص السيرة والسلوك " عصبياً " سيجعل من المؤسسات هي التي تختار الافضل والانسب ، برامج مايكروسوفت وميراث ستيف جوبز ربما ليست هي التي ستختار للامة مخلصها الموعود فحسب ، بل ستضع لكل انسان " قيمة " جديدة في المجتمع ، ستكون قاسية على اغلب الناس ..
التقنية الإلكترو عصبية حتى الآن ( في 2012 ) بدات تتعرف على الكلمات في الدماغ قبل النطق بها .. ولا يزال المشوار في بدايته ..

وباعتقادي هي مجرد سنوات قد لا تتجاوز عقدين او ثلاثة حتى يكون بين ايدينا تقنية قاسية تخرق خصوصياتنا الفردية وتنتهكها بطريقة لا يمكننا استيعابها اليوم ..
قد يتعود عليها الجيل القادم وتصبح طبيعية .. في عالمٍ لا تتحقق العدالة فيه بشكل مطلق ، لكنها ستكون افضل بكثير من دولة الخلافة الاستبدادية ، واحسن من خداع الديمقراطية وتزييفها المعاصر ، دون انكار فضائلها في عالم اليوم !
عالم المستقبل لن تتحكم به منظومات الاقتصاد الرقمي فحسب ، انما منظومات جديدة رقمية تطال العمل والأداء السياسي والاجتماعي ..
عالمٌ مرعبٌ حقاً بالنسبة للخصوصية التي نتغنى بها اليوم ، والتي مهدت للاقليات الصهيوبروتستنية ان تحكم رقاب الاغلبية ، لكنه سيكون عالمٌ افضل بالنسبة لاجيالٍ تعيشه وتحياه وتعلي صرحه ..
اتمنى حقاً من هذا الجيل التوجه نحو الاشتغال النظري اولاً والعملي ثانياً بمثل هذه التقانة منذ الآن ..
فما اتمناه حقاً لهذه الامة " النائمة " ان تنجب اجيالاً لا يخدعها شيوخ السلف الصالح الذين جندتهم المخابرات المركزية الامريكية والموساد ..
ان يصبحوا واعين فلا تنطلي عليها مزايدات الوطنية والقومية و الإنسانية الاممية من قبل سياسيين ضحلين لا يمتلكون من رصيد قيمي واخلاقي وحتى معرفي إلا ديباجة من الكلمات ..
يومها لن تنفع اصحاب الالسن الكلمات مع جيلٍ يجد الخطا على درب عيسى و محمدٍ وماركس

( وما صاحبكم بمجنون .. اعي جيداً ان العدالة جوهر ما يشترك بين هؤلاء )

بل سيضطر الحاكم لما تبقى من مجد اميركا بالايعاز بقتل كل ضباط المخابرات الاميركية المشرفين على افتعال احداث 11 سبتمبر والتاكد من إذابة ادمغتهم بالاسيد قبل ان تسترجع منها الذكريات وتبثها الفضائيات بالصوت والصورة كاقذر مؤامرة وفضيحة في التاريخ .. !
انتهت هذه الاجزاء من " ملكوت الله القادم " ..

الفصل التالي من السلسلة هو " مع الله في ملكوتـه " ..



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البدء كانت الكلمة ..على شفتيك
- الماركسية الانثروبولوجية
- ملكوت الله القادم(2)
- ملكوت الله القادم (1)
- إمرأةٌ .. أمام مرآة !
- الطريق إلى بابل
- السيناريو الروسي لحرب الشرق الاوسط
- سوريا قاعدة للجهاد الاميركي الجديد !
- بابل و واشنطن و حربٌ على ضفة التاريخ
- البحث عن ملكوت الله (3)
- الإلحاد المزيف و المعرفة
- البحث عن ملكوت الله (2)
- البحث عن ملكوت الله (1)
- من يقود الحرب الامبريالية ؟ آل الصباح وشل الانجلوسكسونية اُن ...
- الوعي الثقافي الإنساني من ديكارت إلى ما بعد الماركسية
- الروحانية و العقل Spirituality and Mind
- الانوثة والروحانية Femininity and spirituality
- النبوة و العقلانية Prophecies and Rationality
- ثوار النيتو .. غرهم في - اميركا - الغرور
- وحيٌ من جهة موسكو ! تجربتي مع الزمن


المزيد.....




- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...
- احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب ...
- برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
- قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
- عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
- موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي ...
- أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - ملكوت الله القادم(3)