|
الدبلوماسية المصرية بعد يوليو52
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3672 - 2012 / 3 / 19 - 09:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عن سلسلة كتاب الهلال (العدد 616) صدركتاب (أول الحكاية- حكايتى مع الدبلوماسية) للأستاذ جميل مطر. فى هذا الكتاب يكشف مؤلفه عن جانب مهم من أسرارالدبلوماسية المصرية بعد يولو52 (فترة الخمسينات والستينات) حيث عمل أ. جميل مطربوزارة الخارجية المصرية بالسلك الدبلوماسى ، متنقلا بين سفارات مصرفى الأرجنتين وشيلى والهند والصين وإيطاليا. تعود أهمية هذا الكتاب فى إزاحة الستارعن حقيقة يرفض كثيرون الاعتراف بها وهى أنّ ضباط يوليو حوّلوا المجتمع المصرى إلى معسكركبير، أومايمكن تسميته (عسكرة المجتمع) إذْ لم يكتف الضباط بالسيطرة على المؤسسات الاقتصادية والمالية والتعليمية والإعلامية من خلال تعيين الضباط كرؤساء مجالس لهذه المؤسسات ، وإنما إمتد المخطط ليشمل وزارة الخارجية ، فيتم نقل عدد كبيرمن الضباط إلى تلك الوزارة المسئولة عن وضع الاستراتيجية العامة لسياسة مصرمع العالم الخارجى ، وذلك بغض النظرعن خبرة الضباط أوكفاءتهم للعمل الدبلوماسى ، ناهيك عن نزاهتهم ، فى ضوء الأمثلة التى ذكرها المؤلف. عندما تم نقل أ. جميل مطرمن سفارة مصرفى سنتياجو(عاصمة شيلى) إلى سفارة مصرفى بيونس أيرس (عاصمة الأرجنتين) قبل أنْ يُكمل مدته فى الأولى ، فالسبب أنّ بعض الضباط فى مكتب المشيرعبدالحكيم عامركانوا غير راغبين فى استمراره بسفارة مصرفى سنتياجو ، ويصل الأمرلدرجة أنّ ضباط المشيركانوا يمتلكون ويحتكرون إدارة القرار والسياسة فى مصر ، وأنّ كبارالعاملين فى مكتب وزيرالخارجية (وكان محمود رياض قد تسلم منصب الوزيرقبل أسابيع قليلة) من العسكريين وأنّ عددًا منهم أقارب لضباط فى مكتب المشير(من ص16- 21). ونقل أ. جميل مطرماذكره السفيرأحمد حسين الفقى فى مذكراته ، أنّ عبدالناصربرّرأمامه عدم قدرته للتعليق على تقريركتبه أحد السفراء المصريين عن أحوال مصر((لأنى وأنا رئيس الجمهورية كنتُ مغلوبًا على أمرى من المشيروعصابته)) (ص19) فى هذا المناخ كان من الطبيعى أنْ يكون الرعب هوالمسيطرعلى العاملين بوزارة الخارجية من المدنيين لمجرد سماع اسم شخص معين (الصفحات 48، 64، 68، 248) والسؤال المسكوت عنه فى الثقافة (المصرية) السائدة البائسة ، إذا كان عبدالناصريعترف بأنه كان ((مغلوبًا على أمره من المشير وعصابته)) فلماذا سكتَ على هذا الوضع ؟ ولماذا فعل العكس مع كل شرفاء مصر، من ليبراليين وماركسيين ، حيث امتلأتْ معتقلاته بهم لعدة سنوات ، واغتيال البعض داخل المعتقلات ، ناهيك عن تحويل مصركلها إلى معتقل كبير، لدرجة اعتقال ومطاردة والبحث عن مؤلفى النكت ضده وضد نظامه ؟ وأحيانًا تصل الأمورلدرجة الكوميديا السوداء ، حيث تُرسل وزارة الخارجية برقيات إلى سفاراتها فى الخارج تحمل ((تصريحات رئيس الجمهورية أوخطاباته السياسية فى مؤتمرأو اجتماع جماهيرى. وكانت تنقل أيضًا المقال الأسبوعى الذى كان يكتبه صحفى مشهور ولامع (محمد حسنين هيكل) ولم نفهم ، ومازلتُ لا أفهم ، السبب فى إرسال هذه الخطب والمقالات بالشفرة. وسيُشفق القارىء على صغارالدبلوماسيين أبناء ذلك الزمن عندما يعرف أنهم كانوا يقضون عشرساعات على الأقل لتشفيرهذه البرقيات فى مقرالوزارة بالقاهرة ، ليقضى زملاء لهم فى الخارج عشرين ساعة أخرى لحلها)) (ص61) وهكذا تفوّق ضباط يوليو على مؤلفى مسرح العبث ، لأنّ هذه الخطب والمقالات منشورة فى الصحف والمجلات وتناقلتها وكالات الأنباء. فى عام 1965- بينما الجيش المصرى متورط فى اليمن ، ويتم قتل مصريين ويمنيين ، تنفيذًا للمخطط الأمريكى - كانت مصرتمربأزمة بسبب نقص المواد الغذائية وبصفة خاصة القمح. وبدلا من الاهتمام بالتوسع فى زراعة القمح لتحقيق الاكتفاء الذاتى، إذا برسالة من عبدالناصرإلى رئيس جمهورية الأرجنتين ((لإنقاذ مصرمن الجوع)) وكان اختيارالأرجنتين لإنقاذ مصرمن الجوع خطأ فادحًا ، لأنّ الأرجنتين فى ذاك الوقت كانت قد وقعتْ مع الصين صفقة تصديرالقمح الأرجنتينى لمدة خمس سنوات متصلة. ورغم أنّ السفارة المصرية أعدّتْ عدة تقاريرعن هذه الصفقة وأرسلتها إلى القاهرة، فإنّ ضباط يوليوأصروا على ارسال بعثة إلى الأرجنتين لإقناع المسئولين فيها بحاجة مصرإلى القمح الأرجنتينى. وينتهى هذا الفصل المأساوى عندما قرّرتْ الحكومة الأرجنتينية إنذار الوفد المصرى بإنهاء الزيارة وضرورة مغادرة الأرجنتين (من ص 39- 44، 52، 83). ونقل المؤلف عن أحد السفراء الذى كتب فى مذكراته أنّ شمس بدران مديرمكتب المشير، ووزيرالحربية قبيل هزيمة يونيو67 والذى كان عبدالناصرينوى تسليمه الرئاسة بعد الهزيمة، عاد من موسكوالتى أرسله إليها عبدالناصرقبل الحرب بأيام ، وصرّح فى مجلس الوزراء بأنّ ((الاتحاد السوفيتى معنا وأنهم مستعدون لضرب الأسطول السادس الأمريكى وسيُشفونه عظمًا ولحمًا أى سيُمزقونه)) ولكن السفيرالفقى (وكان عضوًا فى الوفد المرافق لشمس بدران) كذب هذا القول وقال إنّ الاتحاد السوفيتى لم يعد بشىء إطلاقًا من هذا القبيل. وأنّ شمس بدران كان مشغولا كل الوقت بشراء أثاث ولوازم لمنزله)) (ص 17، 18). وذكرسفيرآخرأنّ نصف موظفى وزارة الخارجية غيروطنيين والنصف الآخرمهربون (ص 227) وقد تكون فى هذه العبارة مبالغة ، ولكنها تضع يد الباحث على المناخ السائد فى تلك الفترة الحالكة من تاريخ شعبنا المصرى ، التى تناولها المؤلف. لذلك رأيتُ أهمية عرض هذا الكتاب ، لما فيه الكثيرمن المعلومات التى تُفيد الباحثين من الشباب الذين يتوخون الدقة ويحترمون لغة العلم ، والذين يستبعدون أية عواطف أو أية أيديولوجيا وهم يبحثون فى تاريخ مصر. *****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الآثاروالسياحة واللغة المصرية القديمة
-
بورتريه لإنسان لا أعرفه
-
أخناتون بين التوحيد والتفريط فى حدود الوطن
-
فتاة صينية (مشهد واقعى)
-
روبابيكيا ( مشهد من الحياة)
-
الشروط الموضوعية لتحدى الإدارة الأمريكية
-
عادل وحلم الطيران- قصة للأطفال
-
صديقان - قصة للأطفال
-
من يفتح الباب - قصة للأطفال
-
السياسة والإبداع
-
تاريخ مصرمن ساويرس إلى عبدالعزيزجمال
-
هديل الحمام - قصة للأطفال
-
نزوات الموج - قصة قصيرة
-
ميتافيزيقا الاستشراق
-
الإعلام العروبى والإسلامى : إيران نموذجًا
-
توأم الروح - قصة قصيرة
-
المرأة المصرية والعربية بعد الثورات
-
قارئة ودع - قصة قصيرة
-
موسيقى من السماء - قصة للأطفال
-
عادل لا يقول الحقيقة - قصة للأطفال
المزيد.....
-
ماذا قال بابا الفاتيكان بشأن -أسطول الصمود- وخطة ترامب لغزة؟
...
-
أمريكية يهودية بأسطول الصمود: إسرائيل تستغل هويتنا الدينية
-
غزة.. بابا الفاتيكان قلق على أسطول الصمود ويعلق على خطة ترام
...
-
91 طالبا عالقون تحت الأنقاض بعد انهيار مدرسة إسلامية بإندوني
...
-
مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال
-
14 شهيدًا في سلسلة غارات للاحتلال على غزة واستهدافات تطال من
...
-
الهوية المسيحية في فلسطين بين خطاب التضليل وسياسات التصفية:
...
-
إيهود باراك: تصريح نتنياهو عن هدم المباني بغزة لمنع عودة الس
...
-
ماذا قال بابا الفاتيكان عن -خطة ترامب للسلام- في غزة.. و-أسط
...
-
رجل دين مسيحي يرد على تصريحات نتنياهو
المزيد.....
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
المزيد.....
|