أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - نبيل جعفر عبد الرضا - جدلية الامن والتنمية في العراق- الحلقة الثالثة















المزيد.....



جدلية الامن والتنمية في العراق- الحلقة الثالثة


نبيل جعفر عبد الرضا

الحوار المتمدن-العدد: 3670 - 2012 / 3 / 17 - 20:44
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


جدلية الامن والتنمية في العراق- الحلقة الثالثة
د.نبيل جعفر عبد الرضا و عباس علي محمد

تمهيد :
الأمن والتنمية في العراق سارا باتجاهين مختلفين منذ بداية ثمانينات القرن الماضي ولحد الآن على الرغم من الذي حصل في أثناء عام 2003 من تغيير للنظام السياسي والاقتصادي. الأمر الذي جعل أحدهما يتفاعل مع الآخر ، فالتنمية بعد أن خطط لها لتسير بالاتجاه الصحيح عن طريق زيادة معدلات النمو الاقتصادي وتفعيل وزيادة حجم الاستثمارات ثم تنشيط التجارة الخارجية وتحسين المستوى المعاشي ، فضلا عن تعزيز الاهتمام بمؤشرات التنمية البشرية خصوصا التعليم والصحة لدورهما بالمحافظه على الطاقات البشرية وزيادتها على أن يتم كل ذلك ضمن إطار بيئة نظيفة وآمنة ، إلا أن الأمن ونتيجة متطلباته المتزايدة جعل التنمية تتهاوى وتنحدر كإجراءات وأهداف .
الأمن هو الآخر تهالك بسبب ما تعرض له من تهديدات مسلحة وغير مسلحة ، الأولى تمثلت بالحروب وما تخللها من عقوبات اقتصادية دولية ، أما الثانية وهي ما جاءت كرد فعل طبيعي لضعف التنمية إذ ازدادت مستويات الفقر والبطالة و انحدار مستوى التنمية البشرية من خلال تردي خدمات التعليم والصحة ، فضلا عن الهجرة وهروب الكثير من الطاقات والكفاءات العلمية و القدرات المالية ( رؤوس أموال ) .

المبحث الأول: الآثار الاقتصادية المتبادلة بين الأمن
والتنمية في العراق .
يؤدي الأمن دورا ايجابيا في إطار تحقيق التنمية من خلال تهيئة الأجواء الملائمة لبلوغ أهدافها كذلك يعمل على تهديم ركائزها وعرقلة خطواتها في حال عدم توافره بالقدر والشكل المطلوبين ، فضلا عن أن التنمية هي الأخرى تعمل على تحقيق الأمن من خلال توفير الإمكانات المالية والمادية التي يحتاجها ، ففي حالة عدم توفيرها لهذا الدعم فان التدهور وضياع الأمن هو النتيجة الطبيعية . يظهر هذا التأثير المتبادل بوضوح عن طريق المتغيرات والظواهر الاقتصادية التي تعد المجسات الفعلية لتحقيق الأمن والتنمية، من أهمها:

أولا : النمو الاقتصادي.
جوهر النمو الاقتصادي هو في كيفية تعبئة الموارد المالية والمادية والبشرية وتوجيهها للاستثمارات الإنتاجية من أجل تحقيق نمواً في الناتج المحلي الإجمالي ،لذلك يعد من أول المتغيرات الاقتصادية التي تبين تأثير الأمن بالتنمية وبالعكس ، فإذا ما توفر الأمن عن طريق تهيئة الأجواء الملائمة للقيام بمختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية يكون ذلك من المسلمات الأساسية لتحقيق معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة ، لذلك فان تحقيقها سيؤدي إلى تحسين المستوى المعاشي ليولد فيما بعد الاستقرار النفسي والاجتماعي لدى الأفراد ثم بلوغ الأمن والاستقرار .
تأكيدا لذلك أشارت الدراسات بأن مستوى التهديدات وضياع الأمن من جهة وإمكان تحقيق التنمية من جهة أخرى يرتبطان بعلاقة وثيقة من خلال معدل النمو الاقتصادي ، فالدولة التي تحقق معدلات النمو العالية في الغالب هي التي تتمتع بحالة من الاستقرار والأمن، فضلا عن أنها تكون أكثر قدرة لتحقيق التنمية ، أما الدول التي تعاني من الاختلال الأمني وعدم الاستقرار تكون معدلات النمو لديها دون المستوى المطلوب بعد أن انخفضت قدرتها في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية .
يظهر الاستقرار الأمني والسياسي الذي تمتعت به حقبة السبعينات مع توافرالإمكانات اللازمة لتنفيذ النسبة الأكبر من الخطط التنموية انعكس على معدلات النمو التي بلغت كمعدل للمدة1970 - 1980 نحو 13.4 % هذه الزيادة بالناتج المحلي الإجمالي توافقت مع زيادة معدل النمو للقطاعات المختلفة في تكوين هذا الناتج ، إذ ازدادت معدلات النمو لقطاع الصناعات الاستخراجية بنسبة 4.1% وقطاع الصناعات التحويلية بنسبة 15.1% أما قطاع النقل فقد حقق معدل نمو قدره 14% للمدة ذاتها.
أعقب ذلك حقبة الثمانينات التي بدأت باندلاع الحرب ضد إيران ولأنها من عوامل تقويض الأمن فضلا عن أنها بداية الانهيار للخطط والبرامج التنموية الذي تجلى بحجم التدمير والأضرار التي لحقت بالقطاع النفطي مما أدى إلى انخفاض مستوى الصادرات النفطية ، إذا ما علمنا أن هذا القطاع يعد الممول الأساسي لتلك الخطط والبرامج الأمر الذي دفع إلى استنزاف مختلف الطاقات والإمكانات سواء المالية أم المادية أم البشرية ، ليظهر نتيجة ذلك العديد من المشكلات الاقتصادية من أبرزها التضخم والتفكك الجزئي للمشاريع الحكومية وتحويل جزءا منها للقطاع العسكري كذلك انخفاض المستوى المعاشي المتزامن مع انخفاض العوائد النفطية مما أضعف من قدرات الدولة لإعادة تأهيل وإدامة البنية التحتية والمشاريع الارتكازية سواء الاقتصادية أم الاجتماعية ،كل ذلك جعل معدل النمو الاقتصادي ينخفض عن ما كان عليه خلال حقبة السبعينات ليبلغ مقدارا سالبا وصل إلى 2.8% عام 1985 . استمرت الأمور بالتراجع والانحدار خصوصا بعد انخفاض أسعار النفط إلى نحو 13 دولاراً عام 1986 بعد أن كانت 27.5 دولاراً عام 1985 ( )، لتزداد الأمور سوءا عند عام 1990 ومع اجتياح الكويت لينخفض معدل النمو الاقتصادي بمقدار سالب اقترب من 35% ، هذا الانخفاض جاء متزامناً مع طبيعة الأوضاع العسكرية والاقتصادية التي مر بها العراق إذ توقف الكثير من المشاريع والأنشطة الاقتصادية سواء الإنتاجية أم الخدمية ، فضلا عن وجود قوات عسكرية لأكثر من 33 دولة مهيأة لمواجهة العراق من خلال حرب الخليج الثانية لاحقا.
بعد ذلك ونتيجة تنفيذ العقوبات الاقتصادية التي تعد الشكل الثاني لعوامل تقويض الأمن وفي الوقت ذاته لتدمير التنمية والتي تمثلت بشكل واضح و أساسي بإيقاف الصادرات والواردات ولاسيما النفطية منها من العراق واليه مما أدى إلى التوقف شبه التام لمختلف الأنشطة سواء الاقتصادية أم الاجتماعية وليواصل معدل النمو الاقتصادي انخفاضه إذ بلغ مقداراً سالبا هو 11.1% عام 1995 . شهد بعدها الاقتصاد العراقي من خلال تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء عام 1997 بعض التحسن في أداء الأنشطة الاقتصادية مما جعل معدل النمو يرتفع عام 2000 ليبلغ 21.2% .

عام 2003 ونتيجة للتغيير الذي حصل سواء في طبيعة النظام السياسي أم الاقتصادي حيث التحول إلى آلية السوق و ما رافق ذلك من غياب للأمن والاستقرار وتفشي الفساد الإداري والمالي ،الأمر الذي زاد من أعباء التنمية والواضح من خلال التدني الحاصل بمعدل النمو ليبلغ 2.6% الذي جاء متوافقا مع تحديد قدرات الدولة وتقييدها في تبني المعالجات الاقتصادية الهادفة إلى تحقيق معدلات النمو خصوصا في مجال زيادة الإنفاق الحكومي، إذ أثبتت الدراسات أهمية الإنفاق الحكومي بزيادة معدلات النمو الاقتصادي بالتحديد في الدول النامية عن طريق تفعيل الاستثمارات الإنتاجية والخدمية وتعزيزها على أن يرافق ذلك تقليل الإنفاق الحكومي بالاتجاه الاستهلاكي .
حقق معدل النمو خلال المدة 2004 – 2007 ارتفاعا متباينا بعد أن أعيد بناء مؤسسات الدولة المختلفة وإعادة الحياة ولو بشكل نسبي للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية مع بقاء دور الدولة مغيبا في إطار تقديم الدعم الحكومي لمختلف القطاعات، إذا ما علمنا أن هذا الدعم خصوصا خلال المرحلة الأولى للتحول يعد ضروريا ولو بشروط وصيغ جديدة عن طريق تبني الدولة لنشاطات اقتصادية تؤدي إلى تحقيق المنفعة المباشرة من الإيرادات النفطية، لأنها المصدر الأساسي في تمويل الإنفاق الحكومي مع التوسع بالبنية الأساسية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتهيئة الظروف الملائمة لكي يتمكن القطاع الخاص من استلام زمام الأمور لقيادة النشاط الاقتصادي وتحقيق عملية التحول والإصلاح الاقتصادي .
فضلا عن ذلك فإن من أسباب التذبذب الحاصل بمعدلات النمو استمرار الاختلالات الأمنية التي أثرت في القدرات الاقتصادية مع ما رافق ذلك من غياب وتدهور للبنية التحتية للمشاريع الصناعية والتجارية ، الأمر الذي يجعل من الضروري أن تتبنى الدولة فكرة إنشاء المناطق المحمية التي تعد من أفضل الحلول في الوقت الحاضر في ظل غياب الأمن والاستقرار، فهذه المناطق ستزيد من الاستثمارات الواردة مما يساعد على توفير فرص العمل وتحريك النشاطات الاقتصادية المكملة والخدمية لهذه الاستثمارات والمشاريع ، فضلا عن زيادة الاهتمام بالقطاع الزراعي ومشاريع الري الإستراتيجية وتقديم الدعم اللازم بالذات في مجال أسعار المنتجات الزراعية التي تعد أساسية في توفير المواد الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي ، مع ما يوفره هذا القطاع من مواد أولية للصناعات الصغيرة والغذائية منها على وجه التحديد لتزداد بذلك مساهمة القطاعات المختلفة وفي مقدمتها القطاع الزارعي بتكوين الناتج المحلي الإجمالي .
مما تقدم يتبين أن التغير في النمو الاقتصادي اظهر مستوى التأثير المتبادل بين الأمن والتنمية فعندما يتحقق الأمن تتحسن مؤشرات التنمية ، هذا التطور في المؤشرات يؤدي في الوقت ذاته إلى تعزيز الدعم المالي والمادي والبشري اللازم لاستمرار الأمن والاستقرار.

ثانيا :الاستثمار .
يؤثر الأمن في التنمية من خلال الاستثمار عن طريق توقف العديد من المشاريع الإنتاجية والخدمية بسبب تردي الأوضاع الأمنية ، مقابل ذلك تؤثر التنمية في الأمن عن طريق الاستثمار أيضا بعد أن تغيب الخطط والبرامج التنموية السليمة ليزداد التلكؤ الحاصل في المشاريع المختلفة ، لتظهر بعدها المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وفي مقدمتها انخفاض المستوى المعاشي مع ما يرافقه من توسع في البطالة وانتشار الفقر لتزداد بذلك التهديدات غير المسلحة اتجاه الأمن .

ضمن إطار الحالة العراقية ولأن الاستثمارات سواء المحلية أم الأجنبية وبشقيها المباشر وغير المباشر لم تأخذ مداها الحقيقي في النشاطات الاقتصادية والاجتماعية خلال حقبة النظام السابق مما اثر في تحقيق الأمن والتنمية و يعود ذلك لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية.
الجانب السياسي يتبين من خلال هاجس النظام السابق حيال الاستثمارات الأجنبية بأنها نوع من أنواع التدخل التي تهدد الاستقلال الاقتصادي ، مع أن هذه الفكرة قد تبنتها أغلب الدول النامية مما انعكس على نسبة تدفق الاستثمارات الأجنبية لهذه الدول إذ بلغت نحو 5.3% من إجمالي التدفقات العالمية عام 1980، بعدها حدث التغيير في مواقف هذه الدول اتجاه الاستثمارات مما جعل نسبة تدفقها للدول النامية تزداد لتصل إلى 30.5% عام 2005 ، في حين بقي العراق وعلى الرغم مما يمتلكه من عوامل جذب للاستثمارات حيث وفرة الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي فضلا عن الطاقات البشرية من دون استثمارات أجنبية تذكر.
الجانب الاقتصادي يبين أن تدنى حجم الاستثمارات يعود لطبيعة السياسة الاقتصادية للحكومة القائمة على تعزيز الإنفاق الاستهلاكي وزيادة دعم القطاع العسكري بالرغم من الانخفاض الحاصل في العوائد النفطية ، بسبب تدني مستوى الإنتاج أو تقلبات الأسعار خلال فترات الحروب والعقوبات الاقتصادية وأن ما شجع الحكومة في البقاء على نهجها هذا خصوصا في السنوات الأولى للحرب ضد إيران هو حصولها على المساعدات المالية ، كذلك توسعها بعمليات الاقتراض الداخلي والخارجي ، فضلا عن قيام السياسة الاقتصادية على تهميش القطاع الخاص والحد من دوره في الاستثمارات على الرغم مما ظهر من بوادر لتحسين أداء هذا القطاع وزيادة مساهمته بالاستثمارات خصوصا عام 2000 بعد أن استحدث صندوق التنمية لتقديم الدعم للقطاع الخاص بالعملات الأجنبية ، إلا أن ذلك واجه صعوبات عديدة من أهمها الإجراءات الإدارية المعقدة فقد كان قرار منح القروض يستغرق شهورا أو سنوات ، الأمر الذي جعل القطاع الخاص ينحصر وينزوي نتيجة السياسة الاقتصادية للنظام السابق .

أما الجانب الأمني فكان لغياب الاستقرار في العراق بالتحديد بعد عام 1980 وما تلاها من أحداث قللت من مواصفات مناخه الاستثماري مما اضعف من فاعلية الاستثمارات المحلية ووضع قيود جديدة على تدفقات الاستثمار الأجنبي . السبب في ذلك أن هذه الاستثمارات لن تتواجد في مناطق التهديدات والتوترات فضلا عن تعرضها لعمليات منافسة بين الدول لجذبها الأمر الذي أدى إلى تراجع إمكانات العراق في تحقيق الأمن والتنمية، بعد غياب جزء مهم من التعزيزات المالية وهي إذا ما توافرت ستكون عاملا مساعدا لتطوير وتحسين أداء النشاط الاقتصادي والاجتماعي مع ما توفره من فوائد جانبية متمثلة بجذب الخبرات والتكنولوجيا وزيادة التبادل التجاري وتوفير فرص العمل
بعد التغيير الذي حصل عام 2003 سواء في الواقع السياسي أم الاقتصادي أصبح العراق بحاجة كبيرة للاستثمارات المحلية و الأجنبية التي تعد من ضرورات تحقيق التطور والنهوض ثم بلوغ الأهداف التنموية. تأكيدا لذلك ومنذ السنة الأولى لدخول قوات التحالف إلى العراق اتخذ الحاكم المدني بول بريمر القرار ذا الرقم 39 لعام 2003 الذي مثل الإطار القانوني أمام الاستثمارات الأجنبية وكخطوة أولى لتهيئة الأجواء المناسبة لقدومها إلى العراق ، ثم جاء بعد ذلك قانون الاستثمار الأجنبي المباشر ذو الرقم 13 لعام 2006 المتضمن للعديد من الإجراءات الإيجابية الضامنة والمحسوبة لصالح الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، منها ما يتعلق بتيسير الإجراءات الحكومية عن طريق استخدام أسلوب النافذة الواحدة (shop one shop )، كذلك الإعفاءات و السماحات الممنوحة للمستثمرين فقد وصلت الإعفاءات الضريبية إلى 15 سنة إذا ما تم إشراك المستثمرين العراقيين والى 10 سنوات في حال عدم إشراك المستثمرين العراقيين في المشاريع ، فضلا عن توفر المجال لاستثمار الأراضي اللازمة للمشروع أو المساطحة لمدة تصل إلى 50 سنة ، وقد حدد هذا القانون الاستثناء الوحيد المتمثل بعدم دخول الاستثمارات الأجنبية للقطاع النفطي في مجال الاستخراج للنفط والغاز كذلك قطاع المصارف والتامين .
الوضع العام للعراق بعد عام 2003 وعلى الرغم من حاجته للإطار القانوني وأهميته في تسيير وتوجيه عمل هذه الاستثمارات ، إلا أن غياب الأمن يعد القيد الأهم والمحدد الأكثر تأثيرا في عملية الجذب مع الأخذ بنظر الاعتبار الحوافز الاقتصادية فيما بعد ، فالواقع يشير إلى عزوف الشركات الكبرى من الدخول والمساهمة بالمشاريع العراقية التي تطول فيها مدة استرداد رأس المال بعد أن غاب الاستقرار والأمن عن هذه المشاريع .

تؤكد ذلك نتائج العديد من المؤشرات المستخدمة لبيان مدى الضرر الذي أصاب القدرات العراقية لجذب الاستثمارات بسبب العامل الأمني وغياب الخطط والبرامج التنموية السليمة، إذ أشار المؤشر المركب للمخاطر القطرية ( يقسم هذا المؤشر الدول إلى خمس مستويات) إلى أن العراق قد احتل المرتبة الخامسة والأخيرة إلى جانب الصومال من بين 18 دولة عربية ، بعد أن جمع 40.8 كدرجة تقييم عند عام 2004 مقابل 86 درجة للكويت التي جاءت بالمرتبة الأولى كأفضل دولة عربية على وفق هذا المؤشر ( )، عام 2007 لم تتغير الأمور إذ بقي العراق عند المرتبة نفسها وبدرجة 40.9 ، مما يعكس المستوى المتدني للاستقرار الأمني وهو ما أثر في عملية جذب الاستثمارات المتنوعة . مؤشر سهولة إدارة الإعمال هو الآخر يبين المكانة التي يحتلها العراق ضمن إطار المؤشرات العالمية التي تقيس مستوى الاستقرار ومقدار الأمن المتحقق فيه إذ جاء العراق بالمركز 144 من بين 155 دولة في العالم عند عام 2005 ، أما عام 2006 فقد احتل العراق المرتبة 145 من بين 175 دولة هذا المؤشر يوضح أيضا حالة عدم الاستقرار وضياع الأمن وهو ما يعاني منه العراق .
بعدها يظهر مؤشر الاستقرار السياسي و انتفاء العنف والإرهاب الذي يبين إدارة الحكم الصالح مع اهتمامه بكل الإجراءات والتطورات التي تهدد الأمن والاستقرار، منها التوترات الأثنية والنزاعات المسلحة والقلاقل الاجتماعية والتهديدات الإرهابية والصراع الداخلي فضلا عن الخلافات الحاصلة في الطبقة السياسية والدستور وأخيرا الانقلابات العسكرية ، قيم هذا المؤشر تتراوح بين -2.5 و + 2.5 القيمة الأعلى هنا هي الأفضل و الأحسن .
احتل العراق مرتبة متأخرة ضمن مؤشر الاستقرار السياسي ، إذ إن تردي الوضع الأمني قد أثر في إمكان جذب الاستثمارات الأجنبية فضلا عن الاستثمارات المحلية. تظهر قيم المؤشر كلها في الجدول سالبة ودون المستوى المطلوب فبعد أن حقق العراق قيمة - 2.36 عام 2003 وباستثمارات أجنبية بلغت 32 مليون دولار، ازدادت قيم المؤشر سوءا إذ انخفضت قيمتها بنسبة تغير بلغت 30% عام 2004 وهو ما جاء متوافقاً مع زيادة حدة التوتر والتهديدات إلا أن حجم الاستثمارات ازداد بنسبة تغير بلغت 837% والسبب في ذلك هو بيع تراخيص شركات الهاتف النقال في العراق.

ثم ازدادت قيم المؤشر عام 2005 نتيجة التحسن النسبي في الأمن والاستقرار إذ بلغت نسبة التغير 8% مع زيادة حجم الأموال والاستثمارات الأجنبية الواردة للعراق لتصل إلى أعلى مستوى لها فكانت نحو 515 مليون دولار ، بحلول عام 2006 ومع انتشار العنف والإرهاب الذي جاء هذه المرة على وفق الإطار الطائفي ليزداد حجم التهديدات والتوترات مما جعل قيمة المؤشر تنخفض مرة أخرى لتصل إلى -2.91 وهو متوافق مع انخفاض الاستثمارات الواردة للعراق التي بلغت نسبة تغيرها مقدارا سالبا وصلت إلى 25.6% ، إلا أنه مع التحسن الذي طرأ عام 2007 من خلال توسع وزيادة سيطرة الحكومة على الجانب الأمني ارتفعت قيم المؤشر مقابل زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية التي ازدادت بنحو 65 مليون دولار عن ما كانت عليه عام 2006 .
النتائج التي أظهرتها قيم المؤشرات المختلفة تبين كم هو الغياب الحاصل لعوامل الجذب في المناخ الاستثماري التي من أهمها الاستقرار السياسي والأمني فعدم الاستقرار وغياب الأمن قد شكل العقبة الأهم بوجه تدفقات الاستثمارات الأجنبية الواردة إلى العراق ، فغياب الاستقرار يزيد من تكاليف الأمن والحماية للمشاريع الاستثمارية ويرفع من تكاليف النقل ويعمل على تجزئة الأسواق ، وعلى الرغم من أن مناطق العراق الجنوبية والشمالية تتمتع بقدر معقول من الأمن والاستقرار إلا أن الأمر يتطلب أكثر من ذلك أي ضرورة توفير الأمن لكل مناطق العراق لأن قرارات الاستثمار المباشر هي قرارات بعيدة المدى ، أي أنها ذات أجل طويل مما يجعل اهتمام المستثمرين ولاسيما الأجانب منهم بالوضع السياسي والأمني للعراق بصورة عامة وليس كجزء منه وهذا ما يستدعي اتخاذ التدابير والمعالجات الجادة لإرساء وتحقيق الأمن والاستقرار في العراق ، يمكن للعراق أن يتبنى حلاً آنيا مرحليا عن طريق تطبيق صيغة مناطق الاستثمار الآمنة في كل المحافظات وأين ما أمكن على أن تقوم الدولة بتوفير الحماية للمشاريع المقامة ضمن إطار هذه المناطق مع توفير مستلزمات البنية التحتية من كهرباء وماء وطرق واتصالات وغيرها .

الجانب الآخر الذي يبين طبيعة التأثير المتبادل بين الأمن والتنمية وبالعكس ضمن إطار التجربة العراقية يكون عن طريق حجم التخصيصات الاستثمارية ونسبتها إلى الإنفاق العام . ازدادت هذه التخصيصات عام 1980 لأكثر من 8 مرات عن ما كانت عليه بعد أن ازداد الإنفاق العام هو الأخر لأكثر من 13 مرة ، هذه الزيادة جاءت متوافقة مع طبيعة السياسة الاقتصادية آنذاك في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية حتى السنوات الأولى من الحرب ضد إيران مع استمرار الحرب وزيادة التدهور الأمني وما رافق ذلك من تلكؤ في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية ، الأمر الذي جعل التخصيصات الاستثمارية تنخفض لتصل إلى أدنى مستوى لها عام 1995 فهي لم تتجاوز 6% من إجمالي الإنفاق العام ، السبب في ذلك هو الآثار المزدوجة للحرب والعقوبات إذ تدهور أداء الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية. شهد الإنفاق الاستثماري التحسن بعد تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء ليبلغ عام 2000 نحو 29% من إجمالي الإنفاق العام.

بعد عام 2003 ونتيجة ما حصل سواء على المستوى السياسي أم الاقتصادي فضلا عن غياب الأمن والاستقرار و ضياع التنمية وهو ما انعكس على مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية ومنها التخصيصات الاستثمارية ، إذ بلغت عام 2004 نحو 9% على الرغم من أن قيمتها المطلقة هي أكبر من التخصيصات الاستثمارية لعام 2000 إلا أن نسبتها إلى حجم النفقات العامة تعد منخفضة مقارنة مع حجم النفقات الاستثمارية لعام 2000 .
بعدها ومع إعادة بناء مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية أخذت التخصيصات تزداد إذ بلغت نسبة تغير الإنفاق الاستثماري لعام 2005 نحو 33% إلا أن نسبة هذا الإنفاق إلى الإنفاق العام استمرت بالانخفاض لتصل إلى 8.4%.
بحلول عام 2006 ازدادت التخصيصات المالية للإنفاق الاستثماري حوالي أربع مرات عن ما كان عليه عام 2005 مما أدى إلى ارتفاع نسبة الإنفاق الاستثماري إلى الإنفاق العام لتبلغ 20% ، مع ذلك و لأن طبيعة الأحداث من عنف وإرهاب وفساد وعدم استقرار عاقت تنفيذ البرامج والخطط الاستثمارات ، إذ بلغت نسبة الإنجاز للمشاريع الاستثمارية عام 2006 نحو 27.6% للمناطق التي تقع خارج نطاق إقليم كردستان في حين أن نسبة الإنجاز في إقليم كردستان الذي يتمتع باستقرار أمني كبير بلغت 100% .
عند عام 2007 بلغ حجم الإنفاق الاستثماري ثلث الإنفاق العام ومع ما رافق ذلك من استقرار ونتيجة التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية الأمر الذي جعل نسبة تنفيذ وانجاز الاستثمارات للمناطق الواقعة خارج نطاق إقليم كردستان ترتفع إلى 34.4% مع بقاء نسبة الإنجاز لإقليم كردستان عند 100% .

يتبين مما تقدم أن الاستقرار الأمني يؤثر في التنمية من خلال تعطيل وتقويض الاستثمار وهو ما يعد الأداة الفاعلة لتحقيق النمو الاقتصادي من ثم بلوغ الأهداف التنموية ، أما تأثير التنمية في الأمن ومن خلال الاستثمار فيظهر بعد أن تزداد وتتوسع المشاريع مما يزيد من فرص العمل وتحسين المستوى المعاشي وهو ما يسهم بتعزيز الأمن والاستقرار والعكس صحيح .

ثالثا : التجارة الخارجية .
تعد التجارة الخارجية من المتغيرات الاقتصادية التي تبين التأثير المتبادل بين الأمن والتنمية لأنها تتعاطى مع العالم الخارجي لغرض تحقيق التوازن للنشاط الاقتصادي والاجتماعي باستخدام الصادرات والواردات من اجل الوصل إلى الأمن والتنمية.
يتضح هذا التأثير في العراق من خلال ما قدمه الأمن من عوامل وإجراءات تمثلت بالحروب والعقوبات التي عرقلت مسار التجارة الخارجية وتأثير ذلك بالتنمية فعندما كان العراق يتمتع بالاستقرار والأمن خلال حقبة السبعينات حققت التجارة الخارجية عن طريق مؤشراتها معدلات للنمو قدرت بنحو 4.4% للصادرات و 22.5% للواردات ، هذه الزيادة لصالح الواردات تعود للرغبة والحاجة الكبيرة في تحقيق التطور السريع والواسع لمختلف القطاعات سواء الاقتصادية أم الاجتماعية أم الخدمية خلال تلك الحقبة، أما نسبة التغير في الصادرات فأنها جاءت متوافقة مع اعتماد العراق على الصادرات النفطية بالدرجة الأساسية، في حين أن نسبة الواردات العسكرية وعلى الرغم من أنها تعد جزءاً مهما لتعزيز الأمن فقد بلغت نحو 20% من إجمالي الواردات للمدة ذاتها . تغيرت الأمور عام 1980 إذ بدأت مرحلة فقدان الأمن والاستقرار من خلال الحرب التي أثرت بكل القطاعات الإنتاجية والخدمية في مقدمتها القطاع النفطي ، مع ما رافق ذلك من زيادة الاهتمام بالقطاع العسكري مما جعل معدلات التغير للصادرات والواردات تنخفض للمدة 1980 – 1989 بنسب سالبة بلغت نحو 4.9% للصادرات و 5.5% للواردات، مقابل ذلك ازدادت الواردات العسكرية لتبلغ كمتوسط للمدة نحو 50.3% من إجمالي الواردات إذ بلغت نسبتها في بعض السنوات وكمثال على ذلك عام 1984 نحو 82% من إجمالي الواردات . يضاف للزيادة الحاصلة في نسبة الواردات العسكرية مقابل الانخفاض في نسبة الواردات غير العسكرية زيادة التكاليف الاقتصادية للتجارة الخارجية بعد أن تغير مسار الصادرات والواردات للعراق نتيجة الحرب، فقد كان العراق يصدر ويستورد من خلال منافذه الطبيعية من موانئ ومطارات إلا انه بسبب الحرب صار يصدر ويستورد من خلال موانئ دول الجوار، وبالتحديد ميناء العقبة الأردني ليزيد ذلك من الأعباء المالية على التنمية والمتولد عن الاختلالات الأمنية .

عام 1990 ومع بداية أزمة الكويت ازدادت الأمور سوءاً إذ أعقبتها حرب الخليج الثانية ثم العقوبات الاقتصادية الدولية فكانت النتيجة التدهور الشامل لكل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية ، ولأن التجارة الخارجية جزءاً من الحياة الاقتصادية مما جعل مؤشراتها تنخفض بشكل كبير جدا إذ بلغت نسبة التغير مقداراً سالبا للمدة 1990 – 1995 نحو 61% للصادرات و 51% للواردات ، ومن الدلائل على ذلك هو مؤشر الانكشاف التجاري* الذي بلغ كمتوسط للمدة 1990 – 1995 نحو 23.7% ، عند تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء ظهر التحسن النسبي في مجال التجارة الخارجية إذ عاد العراق إلى تصدير النفط و زيادة وارداته من المواد الغذائية والأدوية مع بعض المواد اللأزمة ضمن إطار البرنامج الموقع لتزداد نسبة التغير للصادرات والواردات للمدة 1995 – 2003 إذ بلغت 170% و 79% على التوالي مما أظهر التحسن على مؤشر الانكشاف التجاري إذ بلغ كمتوسط للمدة نحو 34.1% .

مع دخول قوات التحالف للعراق عام 2003 ونتيجة للتدمير الذي حصل وما رافقه من غياب للأمن وتراجع الأداء في القطاعات الإنتاجية والخدمية ، الأمر الذي دفع الحكومة ومن قبلها سلطة الائتلاف إلى تعويض النقص الحاصل في مجال توفير الخدمات والحاجات الأساسية عن طريق الواردات مع سعيها لزيادة حجم الصادرات النفطية ومحاولة تجاوز الآثار السلبية لغياب الأمن ، فضلا عن ما تطلبته سياسة الإصلاح الاقتصادي من عملية الانفتاح وزيادة حجم التجارة الخارجية ودورها في تحقيق النمو الاقتصادي ، إذ أثبتت الدراسات أن الدول التي تنفتح على العالم تحقق معدلات نمو أكبر بمقدار 2% من الدول المنغلقة على نفسها ، يتم هذا التأثير من خلال زيادة الإنتاج إذ تسهم وفرة الواردات بأداء دور مهم في هذه الزيادة على أن ترافق ذلك زيادة الاهتمام بالمتغيرات الاقتصادية الأخرى لتدعيم الزيادة وتعزيزها في معدلات النمو التي من أهمها الاستثمار .

ارتفعت مؤشرات التجارة الخارجية عام 2004 بنسبة تغير بلغت 33% للصادرات و114% للواردات، عند عام 2006 ونتيجة زيادة العمليات المسلحة والإرهاب فضلا عن انتشار العنف انخفضت نسبة التغير في التجارة الخارجية لتصل إلى أدنى مستوى لها إذ بلغت 4% للصادرات
و 19% للواردات، عام 2007 بعد أن تمكنت الدولة في الحد من العمليات الإرهابية وتحجيم قدرات المجموعات المسلحة الأمر الذي انعكس بالتحسن وزيادة نسبة التغير للتجارة الخارجية فكانت 19% للصادرات و10% للواردات . يتبين أن التجارة الخارجية من المعايير التي توضح التأثير الحاصل بين الأمن و التنمية ، فعندما تنشط التجارة الخارجية يعني ذلك إمكان توفير مختلف المواد والحاجات بصورة كبيرة مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار ثم انعكاس ذلك على تحسن المستوى المعاشي وزيادة الرفاهية ليتحقق عندها الأمن والاستقرار، أما في حالة اختلال التجارة الخارجية فهذا يعني إمكان حدوث شحه في المواد الواردة فضلا عن تباطؤ الصادرات عندها ستزداد الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية وهو ما يؤدي إلى انعدام الاستقرار بعد أن يغيب الأمن
.رابعا: المديونية.
تعد المديونية من ضمن المؤشرات الاقتصادية المستخدمة لمعرفة طبيعة التجاذب الحاصل بين الأمن والتنمية خصوصا لدولة مثل العراق ، الذي يمتلك القدرات الكبيرة من الموارد الطبيعية المختلفة فضلا عن الطاقات البشرية التي تجعله في غنى عن التعاطي مع موضوعة الاقتراض سواء الداخلي أم الخارجي ، إلا أن التفكير بالأمن على وفق منطق زيادة القدرات العسكرية والتسلح ثم الاندفاع وراء الحروب جعله يدخل ميدان المديونية لتدمر التنمية فيما بعد.

أن العراق خلال حقبة السبعينات ونتيجة لتوافر الأمن والاستقرار فضلا عن وجود المسار الصحيح للتنمية استطاع أن يؤمن الإمكانات المالية التي تحافظ على استمرارية الأمن والتنمية في الوقت ذاته ، وهو ما ينعكس من خلال المستوى المتدني للمديونية إذ بلغت لعام 1970 نحو 101 مليون دولار ازدادت عام 1975 بنحو 26 مليون دولار فقط بنسبة تغير بلغت 5.8%.

أوضاع العراق لم تبق على ما كنت عليه وخصوصا بعد عام 1980 حيث اندلاع الحرب ضد إيران ولأن الحرب وبكل المقاييس سواء للدولة المنتصرة أم المهزومة تعد من مقوضات الأمن والاستقرار وتكبد أطرافها الخسائر، مما يدفع الدول المتحاربة للقيام بعمليات الاقتراض الداخلي أو الخارجي بهدف تعزيز القدرات العسكرية المتزايدة والمتزامنة مع إطالة أمد الحرب ، فضلا عن ضرورة توفير الدعم اللازم للجوانب الاقتصادية والاجتماعية للمحافظة على ديمومة الحياة وبالتحديد للمدنيين منهم .
الأمر الذي جعل العراق يدخل ضمن إطار المديونية إذ بلغت عند عام 1980 أكثر من 2.4 مليار دولار أي إنها ازدادت بنحو عشرين مرة عن ما كانت عليه عام 1975 ، يرافق ذلك تبني العراق لسياسية ( البندقية و الزبده ) حيث الاستمرار بتعزيز الإنفاق العسكري مع المحافظة على مستوى الإنفاق الاقتصادي والاجتماعي نفسه بالذات في السنوات الأولى للحرب ، يظهر ذلك بوضوح من خلال التخصيصات المالية المرصودة للإنفاق التنموي إذ ازدادت من 2.8 مليار دولار عام 1978 ليبلغ 5.2 مليار دولار عام 1980 ثم ازدادت إلى 7.7 مليارات دولار عام 1982 ، تحقق ذلك من خلال استخدام العراق لاحتياطياته من النقد الأجنبي التي كانت قد بلغت نحو 40 مليار دولار عند إعلان الحرب ضد إيران ، فضلا عن حصوله على المساعدات والمنح والقروض من الدول العربية والأجنبية كذلك من المؤسسات المالية الدولية .
بعدها ولأن الحرب أخذت مسار الاستنزاف للقدرات المالية والمادية والبشرية مع ما رافقه من تدني في حجم الإنتاج ولمختلف القطاعات الاقتصادية ومن أهمها القطاع النفطي ، اضطر العراق حينها للتوسع بعملية الاقتراض لتتجاوز مديونيته حاجز 22.8 مليار دولار عام 1990 بنسبة تغير بلغت 27.5 % عن عام 1980 . عام 1991 وبعد غزو الكويت واندلاع حرب الخليج الثانية التي أسهمت بشكل كبير بتدهور الاستقرار والأمن في الوقت ذاته جعلت المديونية العراقية تزداد لأكثر من الضعف عن ما كانت عليه عام 1990، إذ بلغت أكثر من 46.4 مليار دولار عام 1991 بنسبة تغير 103.1% ولتكون دليلاً واضحاً على حجم التدهور الذي أصاب العملية التنموية حينها .
استمرت بعدها زيادة حجم المديونية بنسبة تغير ثابتة بلغت 8% والقائمة على أساس تراكم خدمة الدين نتيجة توقف العراق عن تسديد ما بذمته من ديون بعد فرض العقوبات الاقتصادية لتبلغ نحو 126.2 مليار دولار عام 2004 . فضلا عن مبلغ 57.2 مليار دولار كمبالغ لعقود معلقة وهي عقود كان النظام السابق قد أبرمها مع الشركات الأجنبية والعربية إذ توزعت قيمة هذه

العقود على أساس عقود الشركات الروسية التي بلغت نحو 90% من القيمة الإجمالية للعقود مقابل 6% هي نسبة الشركات الهولندية في حين أن الشركات الفرنسية والصينية والمصرية والإماراتية قد بلغت نسبة كلا منها مقداراً متساوياً هو 1% .

أما التعويضات فجاءت عن طريق الدعاوي المرفوعة من قبل أفراد وشركات ضد الحكومة العراقية كخسائر لحقت بهم في أثناء غزو الكويت وبعده ، قيمة هذه التعويضات قدرت بنحو 52.5 مليار دولار، استطاع العراق تسديد مبلغ 19.2 مليار دولار عن طريق خصم نسبة 25% من عائدات تصدير النفط خلال مدة تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء ثم انخفضت هذه النسبة إلى 5% بعد عام 2003 .
بعد التغيير الذي حصل في السياسة الاقتصادية للعراق الذي تزامن مع تغيير النظام السياسي عام 2003 ومن أجل إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات الاقتصادية التي يعاني منها وأهمها مشكلة المديونية ، على الرغم من أن هذه الديون تم تحديدها دون أن يكون هناك ممثل عن الجانب العراقي وعدم الرجوع أو الاعتماد على سجلات ووثائق الحكومة العراقية ،الأمر الذي جعل الواقع الجديد يفرض على النظام الحالي أن يتحمل وزر وأعباء ديون النظام السابق ، فضلا عن أن هذه الديون قد أضيفت إليها مبالغ أكبر من قيمتها الحقيقية نتيجة تراكم خدمة الدين لتصبح عقوبة إضافية لعقوبات سابقة مما جعلها إشكالية تتصل بالقانون الدولي ، جزء من هذه المسؤولية يتحملها مجلس الأمن الدولي الذي كان قد أصدر قرار العقوبات الاقتصادية عام 1990 .لذلك فأن المديونية أصبحت أداة للتأثير في الاقتصاد العراقي سواء كتكاليف أم كسياسات فضلا عن عوامل أخرى مما جعله يتبنى سياسات الإصلاح الاقتصادي على وفق رؤية صندوق النقد الدولي .
مما تقدم يتبين أن غياب الأمن المتمثل بالحروب والعقوبات الدولية قد عرقل التنمية وإمكان بلوغ أهدافها ، بالمقابل فان تهالك التنمية قلل من الدعم المتوافر لمواجهة التهديدات المسلحة وغير المسلحة بعد أن أثقل كاهل الاقتصاد العراقي بمديونية كبيرة جدا لتكون فيما بعد أحد الأسباب الرئيسة لتغير طبيعة السياسة الاقتصادية بعد أن تغير النظام السياسي فيه.

خامسا : الفقر.
التفكير بالأمن ولاسيما بالتهديدات المسلحة من قبل النظام السابق قد عبر عنها بزيادة الإنفاق الموجه للقطاع العسكري سواء في مجال الاستيرادات العسكرية أم التصنيع العسكري فيما بعد ، مما أدى إلى انتشار التهديدات غير المسلحة وفي مقدمتها الفقر الذي يعد من مقوضات الأمن مع أنه من عوامل تدمير التنمية ، عن طريق استنزافه للقدرات المالية والمادية المتوافرة التي كان بالإمكان توجيهها للنشاطات الإنتاجية والخدمية لتزيد من معدلات النمو المتحقق ، فضلا عن ذلك
فأن انتشار هذه التهديدات ومنها الفقر قد أسهمت بإبعاد شريحة واسعة من أبناء المجتمع من المشاركة وأخذ فرصتهم في تحقيق الأمن والتنمية. ذلك لأن الفقر يولد الفقر فالشخص الفقير والعائلة الفقيرة لديهما احتمال متزايد في عدم مساهمتهم بالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، ومحدودية الخدمات التعليمية والصحية التي من الممكن أن يحصلوا عليها الأمر الذي يجعل من الصعب اندماجهم في المؤسسات المهمة داخل المجتمع .

ظهر الفقر وانتشر في العراق متزامنا مع زيادة الاختلالات الأمنية وتوسعها التي بدورها دفعت إلى حدوث الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية مما زاد وعمق من التأثير المتبادل بين الأمن و التنمية، فقد انتشر الفقر وبدأ بالظهور خلال حقبة الثمانينات بعد اندلاع الحرب مما يدل على ذلك نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع والمطلق ، إذ بلغ عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع وهو ما يعني عدم إمكان الفرد من توفير الحاجات الأساسية من المواد الغذائية عام 1988 نحو 3% لسكان الحضر و 8% لسكان الريف ازدادت هذه النسبة بعد دخول العراق مرحلة العقوبات الاقتصادية وهي من أفضل المراحل التي انتعشت وتوسعت بها التهديدات غير المسلحة لتبلغ نسبة الفقر نحو 20% لسكان الحضر و22.3% لسكان الريف عام 1993 ، أما السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر المطلق الذي يعني عدم إمكان توفير الحاجات الأساسية من غير المواد الغذائية إذ بلغت عام 1988 نحو 25% لسكان الحضر و 34% لسكان الريف لتزداد عام 1993 ولتبلغ 72% لسكان الحضر و71.6% لسكان الريف .
هذه الزيادة بنسبة الفقر وسرعة انتشاره جاءت نتيجة طبيعية لضعف قدرة الدولة والقطاع الخاص في خلق فرص العمل وتوليدها بعد أن استنزفت الحروب والعقوبات أغلب الموارد المالية والمادية فضلا عن مساهمتها في تدني الطاقات والقدرات البشرية ، نتيجة هذا الانحدار بقيم المؤشرات التي تبين حجم الفقر ومع وجود النزعة الاستهلاكية لدى العائلة العراقية ، الأمر الذي جعلها تزيد نسبة إنفاقها اتجاه السلع الغذائية إلى حوالي ثلثي دخلها مقابل انخفاض نسبة إنفاقها على السلع الكمالية ، وتأكيدا لذلك أشارت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة عام 1995 إلى أن ثلثي سكان العراق انخفض مستواهم المعاشي إلى 30% عن ما كانوا عليه عام 1988 . استمر الفقر عند المستويات نفسها عام 2002 إذ بلغت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع نحو 44.6% مقابل 65.3% هي نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر المطلق
بعد التغيير الحاصل عام 2003 وما جرى من انفلات للأمن وتدهور الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي حيث التوقف شبه التام لمختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية ، مما جعل الفقر ينتشر ويتوسع ويبقى ضمن المستويات العالية ليزيد من الأعباء الملقاة على التنمية ، فبعد أن كانت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع نحو 25.8% عام 2003 ازدادت النسبة إلى 31% عام 2005 أي حوالي ثلث سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر المدقع، أما نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر المطلق فقد ارتفعت من 57% عام 2003 إلى 60% عام 2005 ، مما يعني أن أكثر من نصف سكان العراق ليس بإمكانهم توفير حاجاتهم الأساسية من غير المواد الغذائية .
عند عام 2007 أخذت نسبة الفقر بالانخفاض إذ بلغت 22.9% مع أن انتشاره بين الريف والحضر كان بنسب مختلفة، ففي الريف بلغ نحو 39.3% مقابل 16.1% هي نسبة الفقر في الحضر . تأكيدا لكل ذلك جاءت مؤشرات تحقيق أمن الإنسان لتظهر حجم ومقدار تأثير الفقر في الأمن ومنه في التنمية ، فمؤشر دليل آثار فقدان أمن الإنسان قد بين أن تدني مستوى دخل الأسرة يسهم بنسبة 71.3% في فقدان أمن الإنسان في العراق ، في حين مؤشر دليل تحقيق امن الإنسان قد أشار إلى أن تامين دخول مناسبة للأفراد يسهم بتحقيق الأمن بنسبة 98.1% .
يظهر مما تقدم أن الفقر هو أحد العوامل الأساسية التي تبين طبيعة العلاقة بين الأمن والتنمية فكلما زادت التوترات الأمنية تطلب الأمر استنزاف القدرات المالية والمادية لمواجهة هذه الاختلالات، ليسهم ذلك بظهور المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي من أهمها انخفاض المستوى المعاشي وتدني مستوى الإنتاج مع ارتفاع معدل البطالة والفقر، بعد توقف المشاريع الإنتاجية والخدمية وليرافق ذلك انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وهو ما يدل على تلكؤ العملية التنموية ، بالمقابل فان ضعف القدرات التنموية خصوصا الدعم الحكومي في معالجة مشكلة الفقر سيزيد من انتشاره مما يعني زيادة التهديدات غير المسلحة للأمن .

سادسا : الطاقة ( النفط والكهرباء ) .
الطاقة هي عصب الحياة ومصدر استمراريتها إذ ارتبطت بها كل الأنشطة التي تمارس من قبل الإنسان ومن أهم أوجهها التي تتمتع بقوة تأثير هي النفط والكهرباء . واقع تجربة العراق في موضوعة التأثير الحاصل بين الأمن والتنمية عن طريق الطاقة وبالتحديد النفط والكهرباء تعد من التجارب النادرة التي ليس لها مثيل، فقد أسهمت هذه المصادر على الرغم من وفرتها في تعطيل الخطط والبرامج التنموية نتيجة للتداعيات ألتي أصابت الأمن و الاستقرار ، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1- النفط .
يعد العراق ثالث أكبر دولة بعد السعودية و إيران من حيث الاحتياطي النفطي المؤكد إذ قدرت كمية النفط فيه بنحو 115 مليار برميل ليشكل نسبة 11% من الاحتياطي العالمي المؤكد ، في حين هنالك دراسات وتقديرات تشير إلى أن الاحتياطي النفطي المحتمل في العراق أكثر من ذلك قد يصل إلى مستوى الاحتياطي السعودي البالغ 25% من إجمالي الاحتياطي العالمي ، هذه التقديرات قائمة على أساس أن عمليات التنقيب عن النفط في العراق توقفت منذ عام 1980 حين لاحت بوادر تقويض الأمن من خلال اندلاع الحرب ضد إيران ، فضلا عن إن هناك نحو 50% من الحقول النفطية لم يجر تقويمها بعد خصوصا في المنطقة الشمالية والغربية التي يعتقد أنها تحتوي على 100 مليار برميل من الاحتياطي النفطي .
الظروف والإحداث التي مر بها العراق المتمثلة بالحروب والنزاعات والعقوبات الاقتصادية هي من أهم ما قوض الأمن فضلا عن أنها غيبت التنمية. لقد أثرت الاختلالات الأمنية في القطاع النفطي إذ التقلبات في كمية الإنتاج والصادرات.
خلال حقبة السبعينات ولان العراق تمتع بالأمن والاستقرار النسبي ازداد الإنتاج ليصل إلى أعلى مستوياته عام 1979 إذ بلغ نحو 3.5 ملايين برميل يوميا في حين كانت كمية الصادرات قد بلغت نحو 3.2 ملايين برميل يوميا ، وعلى الرغم من اندلاع الحرب في أب 1980 إلا أن إنتاج النفط للعراق قد تجاوز 2.6 مليون برميل يوميا، لتزداد معه الصادرات إذ تجاوزت 2.4 مليون برميل يوميا ، فمع استمرار الحروب والنزاعات ثم
العقوبات بدأت مرحلة غياب الأمن التي ألقت بظلالها على مؤشرات الإنتاج النفطي وصادراته إذ انخفض الإنتاج عام 1984 ليبلغ مقدارا أقل مما كان علية عام 1970 بنحو 327 ألف برميل يوميا ، في حين انخفضت الصادرات عند عام 1984 بسبب الحرب لتبلغ 970 ألف برميل يوميا، أي أن نسبة تغير الصادرات عن عام 1980 بلغ مقدارا سالبا وصل إلى 26.4% .

استمر الانخفاض في الطاقات الإنتاجية والتصديرية لتصل إلى أدنى مستوى لها عام 1992 فكانت نسبة تغيرها عن عام 1990 مقدارا سالبا بلغ 75% للإنتاج و 99.6% للصادرات وان هذا الانحدار في الإنتاج والصادرات سببه حرب الخليج الثانية والعقوبات الاقتصادية التي جعلت القطاع النفطي يتدهور بعد أن انخفض حجم الاستثمارات الموجه لهذا القطاع التي تعد ضرورية من أجل تحسين وتطوير الحلقات الإنتاجية والتصديرية فيه.
نتيجة توقيع اتفاقية النفط مقابل الغذاء والدواء تحسن أداء القطاع النفطي من حيث الإنتاج والصادرات وهو ما ظهر من خلال مقدار الزيادة المتحققة عام 1998 عن عام 1992 إذ بلغت أكثر من 1.6 مليون برميل يوميا للإنتاج والصادرات، حقق بعدها العراق ارتفاعا في الإنتاج والصادرات عام 2000 إذ تجاوز 2.8 مليون برميل يوميا للإنتاج و 2.3 مليون برميل يوميا للصادرات.
عند عام 2003 ونتيجة للتغيير الحاصل ومع انتشار العنف والإرهاب والمجموعات المسلحة، انخفض إنتاج النفط بنسبة تغير سالبة بلغت 35.2%، لتأخذ بعد
ذلك مؤشرات القطاع النفطي بالتحسن على الرغم من التذبذب الحاصل في الإنتاج والتصدير بسبب الاختلال الأمني ليبلغ الإنتاج أفضل مستوى له عام 2007 إذ بلغ نحو 2.2 مليون برميل يوميا في حين بلغت الصادرات النفطية أكثر من 1.8 مليون برميل يوميا ، هذا التحسن الذي طرأ على القطاع النفطي ناتج عن الاهتمام الذي يحظى به لدوره الكبير في تكوين الناتج المحلي الإجمالي إذ بلغت مساهمته بأكثر من 65% عام 2004 . فضلا عن دوره في توفير العملات الأجنبية ومساهمته في تكوين الإيرادات العامة فقد بلغت نسبة مساهمته عام 2007 بنحو 85% . نتيجة ذلك أصبح القطاع النفطي أحد أهم الأهداف للمسلحين والإرهابيين فضلا عن رجال العصابات المتخصصين بسرقة النفط وتهريبه، من هنا أشارت التقارير إلى أن مفاصل القطاع النفطي قد استهدفت وبالتحديد شبكة خطوط أنابيب النفط التي تعد أسهل الحلقات استهدافا إذ
تعرضت لنحو 75% من إجمالي الهجمات المنفذة على القطاع النفطي عام 2003 والبالغة 40 هجوما ، في حين بلغ إجمالي الهجمات التي استهدفت شبكة خطوط أنابيب النفط للمدة 2003 – 2007 كانت 280 هجوما وعملا تخريبيا لتشكل نسبة 70% من إجمالي ما تعرض له قطاع النفط من هجمات وأعمال تخريبية التي بلغت 400 هجوم للمدة ذاتها . تشير إحصاءات وزارة النفط إلى إن مجموع الأعمال التي تعرضت لها شبكة خطوط الأنابيب للمدة 2004 – 2006 وصلت إلى 506 هجمات ، كان منها 256 هجوماً على خطوط الأنابيب النفطية و 202 على أنابيب شركة نفط الشمال ،مقابل 48 هجوما هو ما تعرضت له أنابيب شركة نفط الجنوب ( )، الانخفاض في عدد الهجمات على شركة نفط الجنوب متأتٍ من أن المنطقة الجنوبية تعد أكثر أمناً واستقرارا بعد إقليم كردستان من بقية مناطق العراق ، هذه الأحداث جعلت إنتاج النفط يتأرجح متأثرا بمقدار ما متوافر من أمن . الجانب الأخر الذي يبين تأثير غياب الأمن في القطاع النفطي ومنه في التنمية هو الآبار النفطية وما تعرضت له من هجمات وأعمال تخريبية التي أخذت أشكالا متعددة منها :

أ‌- الاعتداء المباشر على منظومة رأس البئر well head
ب- وضع المتفجرات في مواقع الآبار لتعوق عمليات الحفر والاستصلاح .
ج- تخريب الأنابيب الناقلة للنفط الخام من رأس البئر إلى محطات عزل الغاز .
د- تخريب منظومة الماء الصناعي المنتشرة في الحقول المنتجة أو المراد تطويرها مما يسهم
بتأخير عمليات الحفر والإصلاح ومن ثم إكمال هذه الحقول .
ز- تدخل المجموعات المسلحة والعصابات بالاعتداء على الكوادر الإدارية والفنية للحقول .
كل هذه الأعمال و الاعتداءات جعلت عمليات الإنتاج والتصدير تتوقف لفترات طويلة ، إذ بلغ عدد الأيام التي توقف فيها تصدير النفط من المنفذ الشمالي فقط ومنذ عام 2004 إلى النصف الأول من 2006 نحو 651 يوما من أصل 912 يوماً أي أن نسبة التوقف قد بلغت 71.3% ( )، مما جعل الخسائر المالية للقطاع النفطي كبيرة ومؤثرة ليؤدي ذلك فيما بعد إلى تدني القدرات المالية للدولة.

الاستثمارات الموجهة للمشاريع النفطية هي الأخرى واجهت المصير نفسه إذ إن الأعمال الإرهابية والمجاميع المسلحة قللت من إمكان تنفيذ هذه الاستثمارات إذ بلغت نسبة الانجاز السنوي للاستثمارات في المشاريع النفطية عام 2005 نحو 36% للاستثمارات المحلية و55% للاستثمارات الأجنبية ، انخفضت بعدها نسبة الانجاز عام 2006 نتيجة انتشار العنف المسلح لتبلغ نحو 17% للاستثمارات المحلية و6.9% للاستثمارات الأجنبية بنسبة تغير سالبة بلغت 52% و87.4% على التوالي .
يتبين مما سبق إن غياب الأمن عن طريق الأعمال الإرهابية والتخريبية التي طالت القطاع النفطي قد انعكست نتائجها سلبا على مجمل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية العاملة باتجاه تحقيق التنمية ، بعد أن استنزفت عملية إعادة الأعمار والتأهيل للمشاريع النفطية المتضررة الكثير من الأموال التي من المفترض أن توجه للمشاريع التنموية الأخرى ، فضلا عن أن تعرض الأنابيب الناقلة للنفط من الآبار إلى مصانع التكرير أسهم بانخفاض المعروض من المشتقات النفطية مقابل ارتفاع الطلب، مما دفع الحكومة إلى تأمين العجز عن طريق الاستيرادات ليشكل ذلك عبئاً إضافياً على قدرات الحكومة في تنفيذ برامجها الاقتصادية والاجتماعية .

مما تقدم يظهر إن توفير الأمن للقطاع النفطي يسهم بشكل كبير في إيجاد الحلول المناسبة للعديد من المشكلات ذات الإبعاد الاقتصادية والاجتماعية ، من أهمها توفير فرص العمل وزيادة الدخول وتحسين الخدمات التعليمية والصحية وتوفير السلع والحاجات الضرورية ورفع المستوى المعاشي ليتحقق النمو ومن ثم التنمية، بالمقابل أن زيادة اهتمام الخطط التنموية بتوسيع القطاع النفطي وتحديثه سيعزز من فرص التطور والتقدم لمختلف القطاعات، نتيجة اعتماد الدولة على هذا القطاع في توفير الجزء الأكبر من احتياجاتها المالية مما ينعكس إيجابيا على تحسن المستوى المعاشي الذي يقلل من تهديدات الأمن غير المسلحة الممكن انتشارها داخل فئات المجتمع .

2- الكهرباء.
تأثر قطاع الكهرباء هو الأخر بالعامل الأمني من خلال ما تعرضت له بنيته التحتية المنتشرة على مساحات واسعة ، إذ أن شبكات نقلها مترامية الأطراف ومحطاتها التوليدية توجد في مختلف المناطق لتنوعها من حيث مصادر التشغيل ، الأمر الذي جعل هذا القطاع هدفا سهلا ومناسبا

للأعمال المسلحة وليعرقل عملية التنمية بعد أن توقفت أغلب المشاريع الإنتاجية والخدمية العاملة ضمن إطار الخطط والبرامج التنموية .
تعرض قطاع الكهرباء في العراق إلى الكثير من المشكلات التي جاءت ضمن تأثير العامل الأمني عن طريق الحروب والعقوبات الاقتصادية الدولية ومن بعدها الأحداث التي أعقبت عام 2003. خلال حقبة النظام السابق وبالذات في إثناء حرب الخليج الثانية عام 1991 فقد شهد قطاع الكهرباء تدهورا كبيرا إذ تعرضت بنيته التحتية للخراب والتدمير سواء في محطات التوليد أم في الشبكات الناقلة للطاقة الكهربائية ، فقد أصيبت نحو 77 محطة تحويل ثانوية و1810 محولة توزيع في حين بلغت الأضرار بخطوط النقل نحو 406 كم للخطوط ذات سعة 33 كيلو فولت و 1128كم للخطوط ذات سعة 11 كيلو فولت ، فضلا عن ما تعرضت له محطات التوليد نفسها مما أدى إلى انخفاض الطاقات الإنتاجية من 9801 ميكا واط قبل الحرب إلى 770 ميكا واط في نيسان عام 1991 أي أن هذا الانخفاض حدث خلال ثلاثة أشهر فقط .
هذا التدهور في قطاع الكهرباء انعكس فيما بعد على القدرات التوليدية لمختلف المحطات العاملة ضمن إطار هذا القطاع لينخفض إنتاجها الفعلي من الكهرباء أمام الطلب المتزايد عليها ، إن العجز الحاصل في الكهرباء ولعام 1995 قد بلغ نحو 1536 ميكا واط لتمثل نسبة 32% من إجمالي الطلب ، مع استمرار مرحلة العقوبات الاقتصادية وزيادة الطلب على الكهرباء سواء لغرض الاستهلاك العائلي أم للأغراض الإنتاجية مما أدى إلى ارتفاع نسبة العجز لتصل عام 2000 إلى 46.8% .
الأمور لم تتغير في أثناء عام 2003 وبعده وما رافقها من أحداث حيث التدمير ثم السلب والنهب المتزامن مع انتشار الفساد الإداري والمالي الذي أهدر الكثير من الأموال المخصصة لتقويم وإعادة إعمار مختلف المشاريع ومنها مشاريع الكهرباء ، الأمر الذي جعل الإنتاج المتحقق من الطاقة الكهربائية ينخفض ولتكون نسبة العجز عام 2003 عند أعلى مستوياتها إذ بلغت نحو 54% ، ثم أخذت بعدها نسبة العجز في الطاقة الكهربائية المتوافرة أمام الطلب بالانخفاض والاستقرار عند مستويات متقاربة إذ لم تتجاوز 50% و لم تنخفض عن 40% لغاية عام 2007 .
إذا ما علمنا أن احد أهم الأسباب التي أسهمت بزيادة تدهور قطاع الكهرباء و فضلا عن ما ذكر الإعمال التخريبية والإرهابية وكذلك الأعمال المسلحة ولاسيما الموجه ضد شبكات نقل الطاقة الكهربائية إذ بلغت خلال المدة 2004 – 2006 نحو 377 عملاً تخريبياً ضد شبكات النقل ذات


السعة400 كيلو فولت و 1824 عملا لشبكات ذات السعة 132 كيلو فولت ،ليبلغ مجموع الأعمال التي استهدفت قطاع الكهرباء نحو 2201 عملا .
الجانب الأخر الذي يبين تأثير الخطط والبرامج التنموية في الأمن عن طريق الكهرباء يظهر من خلال عجزها في توفير المبالغ اللازمة لقطاع الكهرباء لإتمام عملية الصيانة وإنشاء المحطات الجديدة التي قدرتها وزارة الكهرباء لغاية عام 2015 بنحو 27.358 مليار دولار . مما يعني إمكان تحقيق التشغيل لكل المشاريع وهو ما يؤدي إلى تحسن ظروف الحياة بعد أن تنخفض البطالة وينحسر الفقر ويتحقق الاستقرار الاجتماعي ثم الأمن .
أظهر قطاع الكهرباء عن طريق ما يقدمه من طاقة تشغيلية للنشاطات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة فضلا عن مساهمته في تهيئة الأجواء الملائمة لحياة المواطنين طبيعة العلاقة والتأثير المتبادل بين الأمن والتنمية، فقصور الأمن يدهور قطاع الكهرباء ومن خلاله التنمية في حين قصور التنمية يؤدي إلى تدني قدرات هذا القطاع ليزداد مع ذلك التهديد الموجه للأمن والاستقرار

سابعا : هروب رؤوس الأموال .
تعد ظاهرة هروب رؤوس الأموال على الرغم من أنها نتاج طبيعي لعملية الهجرة والتهجير من العوامل المساعدة لتقويض الأمن وإنها تسهم في تعطيل الخطط والبرامج التنموية ، يتضح ذلك من خلال المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة من تزايد هروب الأموال، مما يقلل من حجم التمويل الداخلي للمشاريع الإنتاجية والخدمية الذي بدوره يؤدي إلى ارتفاع أو زيادة احتمالات عدم بقاء الأمن والاستقرار عند الوضع الطبيعي ، من هذه المشكلات :

أ‌- يؤدي هروب رؤوس الأموال إلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي من خلال تدني مستوى الاستثمارات المحلية وحجمها مع ما يرافق ذلك من تعطيل للموارد الاقتصادية فالكثير من المشاريع ذات الاستثمارات المحلية تعتمد بالدرجة الأساسية على المواد الأولية المنتجة محليا .
ب‌- رحيل الأموال إلى الخارج تستنزف الاحتياطي المحلي من النقد الأجنبي، عن طريق زيادة الطلب على العملات الأجنبية الموجود في الداخل، فضلا عن أن ذلك يسهم بانخفاض القيمة النقدية للعملة المحلية.
ج‌- يتأثر الجانب الاجتماعي بهروب رؤوس الأموال عن طريق ارتفاع نسبة البطالة بعد توقف المشاريع الإنتاجية والخدمية وإغلاقها ليتم تسريح العاملين ثم يزداد عدد الذين ينضوون ضمن إطار الفقر والحرمان لتأخذ التهديدات غير المسلحة للأمن بالتوسع والازدياد.

تأثير هروب رؤوس الأموال في العراق يتضح من خلال الدور الذي أدته هذه الظاهرة ومساهمتها في تعميق المشكلات الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع ، إذ جاءت نتائجها عن طريق توسع الفقر وانتشاره وارتفاع نسبة البطالة والفساد مع تدني مؤشرات التنمية البشرية إذ توقفت أو أغلقت العديد من المشاريع المختلفة منذ حقبة النظام السابق ، الذي قد أضاف بعدا آخرا أسهم بهروب رؤوس الأموال تمثل بسياسة التهميش المتعمدة للقطاع الخاص وعدم منحه الفرص الكافية لأداء دوره في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية .
فضلا عن كل ذلك يظهر تأثير هروب رؤوس الأموال عن طريق مقدار الزيادة الحاصلة بها التي لم تحدد بصورة دقيقة لعدم وجود الإحصاءات الكاملة عنها ، إلا انه من الممكن الاستدلال عن قيمتها من خلال معرفة مقدار ونسبة الأموال العراقية المستثمرة في الخارج لاسيما لدى الدول العربية التي هي أكثر استقبالا للعراقيين و لأموالهم ، والأخذ بنظر الاعتبار إن هذه الأموال العاملة في الخارج قد تشكل نسبة قليلة من قيمة الأموال المهربة فعلا، فهناك العديد من الأموال التي تدخل إلى الاستثمارات غير المباشرة وبأسماء مستعارة مع وجود أموال عراقية تعمل في العديد من الدول العربية تحت أسماء وعناوين لمستثمرين من تلك الدول ، وربما تأخذ الأموال المهربة شكل مقتنيات أو مجوهرات ثمينة يتم الاحتفاظ بها في المصارف الموجودة في الدول المضيفة .
لذلك وحسب التقارير المتوافرة فأن حجم الأموال العراقية المستثمرة في الدول العربية فقط لغاية عام 2003 والمعلن عنها بصورة رسمية بلغت 23 مليون دولار، كانت الأردن صاحبة الحصة الأكبر إذ بلغت الاستثمارات العراقية فها نحو 16.3 مليون دولار لتشكل نسبة 70% من مجموع الأموال العراقية في الخارج .
بعد ما حدث من تدمير للبنية التحتية واختلال الهيكل الاقتصادي والاجتماعي وما رافق ذلك من سلب ونهب وعنف مسلح عام 2003 ، مما أدى إلى زيادة نسبة رؤوس الأموال المهربة ، ليضعف ذلك قدرات التمويل الداخلي وانخفاض المشاركة الفعلية للقطاع الخاص الذي هو بالأساس ذو قدرات محدودة في مجال مساهمته بالاستثمارات
مقابل ذلك ازدادت الأموال العراقية المتوجهة للعمل في الخارج لتبلغ عام 2007 نحو 420 مليون دولار بنسبة تغير 106% عن عام 2003 ، إذ تضاعفت كمية الأموال العراقية في الأردن أكثر من 11 مرة لتبلغ 182 مليون دولار ، أما الإمارات فقد بلغت الاستثمارات فيها نحو 39 مليون دولار لتشكل نسبة 9% من إجمالي الاستثمارات العراقية لدى الدول العربية ، في حين كانت حصة سوريا من الأموال العراقية نحو 33 مليون دولار، المغرب ولبنان والسعودية لا يوجد فيها استثمار عراقي قبل عام 2003 ، إلا انه في عام 2007 بلغت الاستثمارات العراقية في هذه الدول نحو 43 مليون دولار و 27 مليون دولار و 5.4 مليون دولار على التوالي

يتبين مما تقدم أن هجرة وهروب رؤوس الأموال لبلد يمر بظروف العراق قد أسهمت بتفعيل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وهي ما زادت من احتمالات تهديد الأمن ، وقد أوضح ذلك مؤشر تحقيق أمن الإنسان في العراق ، إذ بلغت نسبة مساهمة إيقاف الهجرة والتهجير ألقسري وما يرافقها من هروب لرؤوس الأموال نحو 99.1% لتحقيق أمن الإنسان في العراق، مقابل ذلك بينت تجربة اختلال الأمن الضرر الذي أصاب التنمية نتيجة هروب رؤوس الأموال من العراق .

ثامنا : البطالة .
تعد البطالة من المتغيرات و الظواهر التي تبين التأثير الحاصل بين الأمن والتنمية ، فغياب الأمن يزيد من معدل البطالة ليرافق ذلك ظهور أعباء على التنمية من جراء معالجتها لهذه المشكلة، في ذات الوقت فشل التنمية يعني توقف العديد من المشاريع وما يرافق ذلك من ظهور وانتشار البطالة لتتزامن معها انتشار الإعمال غير المشروعة والجريمة وهي من مقوضات الأمن.
أثبتت الدراسات أن هناك علاقة سببية مباشرة وغير مباشرة بين البطالة من جهة وعدم الاستقرار وغياب الأمن من جهة أخرى ، فالعلاقة المباشرة تتضح عن طريق الأفراد الذين لم يحصلوا على عمل أو وظيفة توفر لهم دخول ثابتة وكافية مما يدفع بعضهم بصورة مباشرة إلى السلوك الإجرامي كالسرقة والنصب والاحتيال والغش وربما يصل الأمر إلى القتل ، أما التأثير غير المباشر فيظهر من خلال الضغط النفسي والاجتماعي اللذين يتعرض لهما العاطلون وأسرهم مما يجعلهم يشعرون بعدم الاستقرار وغياب الأمان .

لذلك فان توفير فرص العمل والتوظيف فضلا عن ما يحدثه من تطور ونمو في الجانب الاقتصادي يسهم بتقليص المساحة المتاحة لتجنيد بعض الأشخاص ولاسيما العاطلين عن العمل لصالح الجماعات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة ، فالبطالة وانخفاض الأجور يؤديان إلى التذمر والسخط والشعور بالظلم مما يسهل من مهمة الخارجين عن القانون في الحصول على متطوعين يقومون بالإعمال الإرهابية والإجرامية لغرض الحصول على دخول تساعدهم في إشباع حاجاتهم الأساسية ( ).
تجربة العراق مع البطالة ومدى تأثيرها بالأمن والتنمية لم تكن وليدة الوقت الحاضر، بل لاحت بوادر ظهورها مع حكم النظام السابق بالرغم من أن هاجسه الأول كان في الحروب وعسكرة المجتمع ، إذ ظهرت البطالة خلال حقبة الثمانينات في أثناء اندلاع الحرب ووجود شريحة واسعة من قوة العمل ضمن الصنوف العسكرية المختلفة مما جعل نسبة البطالة تبلغ 3.7%عام 1987 ، ازدادت مع بدء تنفيذ العقوبات الاقتصادية التي أعقبت غزو الكويت ثم حرب الخليج الثانية وما خلفته من دمار وتدهور لمختلف الأنشطة الاقتصادية الاجتماعية ، فقد ضعفت قدرت البرامج والخطط التنموية في إيجاد وتوليد فرص العمل سواء من قبل الحكومة أم القطاع الخاص ، فضلا عن ظهور عوامل وأسباب أسهمت بزيادة معدل البطالة منها النمو السكاني وغياب التنسيق بين متطلبات سوق العمل والمهارات المتحققة مقابل مخرجات النظام التعليمي ، مع ما رافق ذلك من قرار الحكومة بإيقاف التعيينات وتخفيضها لخريجي الجامعات والمعاهد ضمن إطار التعيين المركزي . لتبلغ نسبة البطالة نحو 13.5% عام 1997 أي أنها تضاعفت أكثر من ثلاث مرات عن ما كانت عليه قبل عشر سنوات .
أدى اجتياح العراق من قبل قوات التحالف عام 2003 والتغيير الذي حصل ضمن الإطار السياسي والاقتصادي المتزامن مع غياب الأمن حيث العنف والإرهاب والإعمال المسلحة وما رافق ذلك من تدمير للتنمية ، كل ذلك أسهم بظهور مشكلات متعددة زادت من حجم البطالة منها انتشار الفساد الإداري والمالي وإهدار الكثير من الأموال المخصصة للمشاريع والتلكؤ الحاصل في عملية إعادة الأعمار من قبل الحكومة أو من قبل الدول والمنظمات المانحة ، فضلا عن التوقف شبه التام لأغلب المشاريع والمعامل الإنتاجية والخدمية نتيجة تعرضها للنهب والسلب أو تعرضها للتدمير خلال العمليات العسكرية أو لعدم توافر موادها الأولية ، يأتي بعدها قرار حل

الوزارات ( الدفاع والداخلية والإعلام و دوائر رئاسة الجمهورية السابقة ) ليتولد من كل هذه الأسباب جيش من العاطلين .
أن معدل البطالة في العراق مع انهيار النظام السابق وظهور النظام الجديد القائم على أسس سياسية واقتصادية جديدة بلغ نحو 28% في عام 2003. عند عام 2004 ارتفعت نسبة البطالة وبنسبة تغير 10% ، بحلول عام 2005 ومع زيادة الاضطرابات وعدم الاستقرار ازدادت البطالة ووصلت إلى أعلى مستوى لها فكانت نسبتها حوالي 38% وهذا يعني إن أكثر من ثلث قوة العمل هم تحت وطأة البطالة ومعرضين لكل المشكلات الناجمة عنها ، توافق ذلك مع ما يمر به الاقتصاد العراقي من توقفات وتدمير لمختلف القطاعات سواء الإنتاجية أم الخدمية التي تعد من مؤشرات تدهور التنمية إذ أشار وزير العمل والشؤون الاجتماعية إلى أن نسبة البطالة تزداد بسبب توقف نحو 90% من المشاريع الإنتاجية في العراق .بعد ذلك وخلال عامي 2006 و 2007 وعلى الرغم من التذبذب الحاصل في الأمن والاستقرار حيث زيادة العنف والإرهاب وتوسع دائرة الصراع ومن ثم تحقيق بعض التحسن في الأمن ، فأن نسبة البطالة قد انخفضت لأكثر من النصف عن عام 2005 وقد يكون السبب في ذلك زيادة مستوى التوظيف وخصوصا في قطاعي الدفاع والداخلية فضلا عن إعادة تعيين منتسبي الوزارات والدوائر المنحلة، ففي هذا الإطار استطاعت الحكومة من توفير أكثر من 136 ألف فرصة عمل كان نصيب وزارتي الدفاع والداخلية نحو 70 ألف وظيفة مقابل 21 ألف وظيفة لقطاع التعليم و8 آلاف وظيفة لقطاع الصحة ( )، مع قيام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية من جانبها بتهيئة أكثر من 230 ألف فرصة عمل .
إن أهمية البطالة في تحقيق الأمن تتضح من خلال مؤشرات أمن الإنسان في العراق، إذ أوضح مؤشر دليل العوامل المهددة لأمن الإنسان أن البطالة احتلت نسبة 83.3% في إطار تحقيق الأمن والاستقرار .
يتبين مما تقدم إن توفير فرص العمل ومعالجة البطالة عن طريق تفعيل الخطط والبرامج التنموية يؤدي إلى تحقيق الأمن و الاستقرار ، بعد أن يتمكن المواطنون من الحصول على دخول تؤمن لهم مستوى معاشي مقبول يشعرهم بالاستقرار الاجتماعي ويبعدهم عن الانزلاق في الجريمة والعمل مع المجموعات المسلحة والعصابات أو ممارسة الأعمال غير المشروعة ، في الوقت ذاته فأن توفير الأمن سيعمل على تهيئة الأجواء الملائمة لممارسة مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق النهوض والتطور ثم الوصول إلى الأهداف التنموية .

المبحث الثاني : الآثار الاجتماعية المتبادلة بين الأمن والتنمية في العراق .

مثلما يظهر التأثير المتبادل بين الأمن والتنمية عن طريق المتغيرات الاقتصادية فان هناك متغيرات اجتماعية من الممكن أن يستدل من خلالها عن طبيعة وحجم هذا التأثير الحاصل والناجم عن الاختلالات الأمنية أو عن التلكؤ في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية ، من أهم هذه المتغيرات هي :

أولا : الهجرة و التهجير.
تعد الهجرة والتهجير أحد العوامل الاجتماعية التي تبين التأثير ما بين الأمن والتنمية فالأمن يقوض التنمية عن طريق هذا العامل بعد أن تهتز أركانه سواء بالحروب أم بالأزمات مما يؤدي إلى غياب دور الكفاءات العلمية والمهنية ورجال الإعمال عن التنمية بسبب هجرتهم أو تهجيرهم ، أما التأثير المقابل فان الهجرة أو التهجير تؤدي إلى نقص التمويل الداخلي نتيجة انخفاض الإمكانات المالية والبشرية في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية ، مما يسهم بانخفاض معدلات النمو و تدني المستوى المعاشي ليزيد ذلك من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية كالبطالة والفقر وهو ما يوسع من دائرة التهديدات غير المسلحة الموجهة للأمن .

الحالة العراقية في قضية الهجرة والتهجير ودورها في الأمن وتأثيرها فيما بعد في إجراءات العملية التنموية ومسارها هي من أكثر تجارب العالم وضوحا ، فقد كانت الخطوة الأولى في هذا الإطار قيام النظام السابق بأكبر عملية تهجير للأفراد و العوائل ممن كانوا تحت مسمى التبعية الإيرانية وذلك ضمن إستراتيجية أمنية مفادها أن هؤلاء سيشكلون خطرا على العراق من الداخل في حال حدوث أي خلاف أو صدام مع إيران وخصوصا بعد اندلاع ثورة عام 1979 في إيران ، لتشمل هذه العملية تهجير مابين 60 ألف إلى 200 ألف شخص ينضوي بينهم الكثير من التجار والمهنيين والحرفيين ورجال الإعمال فضلا عن المهندسين والمدرسين والطلبة ، إذ بلغ عدد التجار 3245 تاجرا مع 258 صناعيا منهم ما يشكل 20% من الصناعيين في البصرة .

جاء بعد ذلك دور الحروب والعقوبات الاقتصادية الدولية ومساهمتها بعمليات الهجرة والتهجير إلى الخارج فأعداد العراقيين المهاجرين لم تتوافر بشكل دقيق خصوصا في زمن النظام السابق ، إلا انه من الممكن الاستدلال إلى حجم وتطور الهجرة من خلال الإشارة إلى أعداد العراقيين الذين قدموا طلبات اللجوء لدى الدول الصناعية مع أنهم لا يمثلون إلا الجزء القليل من الأعداد الحقيقية للمهاجرين والمهجرين ، إذ بلغت أعدادهم للمدة 1982 – 2003 نحو 438.7 ألف نسمة منهم 4.7 آلاف نسمة ممن طلبوا اللجوء عام 1982 فقط . استمرت بعدها أعداد العراقيين عند هذا المستوى لغاية عام 1989 إذ بلغ 3.9 آلاف نسمة، إلا أن الأوضاع تغيرت بعد غزو الكويت ومن بعدها اندلاع حرب الخليج الثانية ودخول العقوبات الاقتصادية حيز التنفيذ، مما زاد من أعداد العراقيين الذين قدموا طلبات اللجوء ليبلغ 13.5 آلف نسمة عام 1990 بنسبة تغير بلغت 245%، ليزداد هذا الرقم مع مرور الوقت إذ بلغ عام 2002 أعلى مستوى ليتجاوز 51 ألف نسمة .
أعقب ذلك دور المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة ومساهمتها في تفعيل وزيادة الهجرة والتهجير من العراق ضمن الإطار الأمني إذ قامت الولايات المتحدة مع بعض دول أوربا بعملية جذب للعقول العراقية وتشجيعها على الهجرة ، وقد ذكر بهذا المجال إن العلماء والفنيين العراقيين هم أكثر خطورة من أسلحة الدمار الشامل الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تتبنى مجموعة من التدابير والإجراءات لتحقيق هذا الهدف وتفريغ العراق من الكفاءات والطاقات العلمية لمختلف الاختصاصات ، لأنهم حجر الأساس لتطوير العراق وتنفيذ برامجه التنموية . هذه الإجراءات تمثلت بقرار مجلس الأمن ذي الرقم 1441 لعام 2002 الذي منح الصلاحيات للمفتشين الدوليين باستجواب العلماء والأساتذة العراقيين حتى لو تطلب الأمر تسفيرهم مع عوائلهم إلى الخارج ، الإجراء الآخر تمثل بسماح الولايات المتحدة لهجرة الكفاءات والعقول العراقية إليها عام 2003 من الذين يقدمون المعلومات عن البرنامج ألتسليحي للعراق .

التغيير الذي حصل عام 2003 وما رافقه من غياب للأمن وحدوث الهجرة والتهجير والنزوح بالشكل الذي وصفت على أنها أكبر أزمة إنسانية وهي أشد خطورة على العراق وآثارها مازالت لحد الآن ، لذلك حددت منظمة الهجرة الدولية أسبابها بعوامل أمنية عديدة منها الخطر المباشر على الحياة والعنف المنتشر والإخلاء الإجباري عن الأملاك، فضلا عن النزاع المسلح ودوره الأساسي في الهجرة والتهجير . كل هذه الأسباب مع ما رافقها من أسباب اقتصادية أهمها انخفاض المستوى المعاشي وانتشار البطالة والفقر جعلت عدد العراقيين المهاجرين والمهجرين يزداد، إذ بلغ أكثر من 2.5 مليون مواطن منهم 1.2 مليون مواطن في سوريا مقابل 750 ألف في الأردن و70 ألف في مصر أما إيران ولبنان وتركيا فقد بلغت أعداد العراقيين هناك نحو 54 ألف نسمة و 40 ألف نسمة و 10 آلاف على التوالي، مع وجود 200 ألف عراقي موزعين على دول الخليج العربي ومثلهم في أمريكا و نيوزلندا واستراليا ( ). يوجد بينهم أعداد كبيرة من الكفاءات العلمية والمهنية ورجال أعمال مما اثر في مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية بشقيها التعليمي والصحي إذ بلغ عدد الأطباء الذين غادروا العراق نحو 25% من إجمالي الأطباء العاملين في القطاع الصحي ، يرافقهم أكثر من 2000 أستاذ وباحث من العاملين في الجامعات والمعاهد العراقية . أحدث ذلك قصورا كبيرا في مجال تقديم الخدمات الصحية والتعليمية التي ستنعكس فيما بعد على إمكان تحقيق التنمية.

الهجرة والتهجير الداخلي هي الأخرى أسهمت بتقويض العملية التنموية من خلال ظهور العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والمتمثلة بإعادة توزيع الكفاءات العلمية ورؤوس الأموال والمستثمرين فضلا عن أرباب العمل من مهنيين و حرفيين، حيث الانتقال من مناطق التهديدات إلى المناطق الأكثر أمنا أو الانتقال إلى المناطق ذات التوافق الطائفي والعرقي للنازحين ،ليرافق ذلك توقف المشاريع والمهن لتزداد البطالة خصوصا في مناطق التوترات الأمنية مع ظهور وانتشار المزاحمة والبطالة المقنعة في المناطق التي تتمتع باستقرار أمني . في حين أن الآثار الاجتماعية التي لم تقل أهمية عن الآثار الاقتصادية انحصرت بالتحدي الكبير الذي واجه المهجرين من النساء والأطفال والشيوخ والمتمثل بعدم توفر السكن الملائم وندرة المواد الغذائية فهي لم تتوافر بالقدر والنوعية الجيدة مع غياب الخدمات الصحية في مقدمتها توفير مياه الشرب والصرف الصحي مما أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة .

هذه الآثار أصبحت من أهم عوائق التنمية بسبب استحواذها على الجهد والوقت والأموال التي كان من المفترض أن تتوجه للمشاريع التنموية، كما و إنها أسهمت بغياب الأمن والاستقرار.
يتضح مما تقدم دور الهجرة والتهجير في تغذية وتفعيل إجراءات تقويض الأمن في العراق ، فضلا عن مساهمتها في عرقلة العملية التنموية بعد أن قللت من القدرات والطاقات المادية والبشرية التي كان من الممكن أن تسهم في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية وعملية الإصلاح الاقتصادي على وفق البرنامج الذي تبنته الحكومة العراقية .

ثانيا : التعليم .
يعد التعليم من المتغيرات الاجتماعية التي توضح طبيعة العلاقة بين الأمن والتنمية ومستوى التأثير الحاصل بينهما فقد أثر الأمن بالتنمية من خلال القطاع التعليمي. يظهر ذلك ضمن إطار الحالة العراقية عن طريق التدني الحاصل للطاقات والكفاءات العلمية لأنها حجر الأساس في وضع وتنفيذ الخطط والبرامج التنموية ، نتيجة لانحدار التعليم من أعلى المستويات وأكثرها تحسنا في المنطقة العربية خلال حقبة السبعينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي إلى أدنى المستويات بعد ذلك ، فالحروب التي خاضها النظام السابق ثم العقوبات الاقتصادية الدولية أسهمت في تدني المستوى التعليمي وانخفاض المهارات ، الذي جاء متوافقا مع انخفاض أعداد طلبة البعثات الدراسية للخارج وانقطاع العراق عن التطور العلمي والتقدم الحاصل في العالم بسبب الإجراءات التي رافقت العقوبات الدولية .
كان العراق قد بذل جهدا كبيرا في مجال تحديث النظام التعليمي وتطويره إذ توسع هذا النظام ليشمل كل أبناء المجتمع من خلال تطبيق مجانية التعليم عام 1976 ومن بعدها التعليم الإلزامي للمراحل الابتدائية عام 1978 ، فضلا عن تنفيذ أكبر حملة لمحو الأمية ازداد من خلالها عدد الكبار المتعلمين من 52% عام 1977 إلى 87% عام 1987
التحول الجذري حدث في العراق بعد عام 1991 إذ تدهور الأمن وغاب الاستقرار بعد أن اهتزت أركان هذا الاستقرار نتيجة الحرب ضد إيران وحرب الخليج الثانية، إذ استنزفت القدرات المالية والمادية التي كانت توجه للتعليم لتذهب فيما بعد ومع استمرار الحروب للإنفاق العسكري،
فضلا عن تحقيق الاستمرار والتواصل في الإنفاق الاستهلاكي وكجزء من السياسة الاقتصادية للنظام السابق خلال عقد الثمانينات ، مما جعل التخصيصات المالية الممنوحة للتعليم خلال عقد التسعينات تنخفض إلى اقل من 10% عن ما كان عليه مما قلل من النمو والتوسع الذي يفترض أن يوازي الزيادة في عدد السكان ( )، ليظهر عندها التدني الحاصل لمؤشرات القطاع التعليمي منها معدل قيد التعليم بعد أن كان للمدارس الابتدائية نحو 98.6% و للثانوية 46.8% ذلك عام 1980 ، انخفض عام 2000 ليصل إلى 93.0% للتعليم الابتدائي و 33.0% للتعليم الثانوي .
المؤشر الآخر الذي يبين تأثير غياب الأمن والاستقرار في القطاع التعليمي ومنه في التنمية هو نسبة التسرب من المدارس ، بعد أن كانت نسبة التسرب لطلبة المدارس الابتدائية 1.4% عام 1978 ازدادت لتبلغ 2.4% عام 1998، في حين أن معدل تسرب طلبة المدارس الثانوية عام 1978 كان قد بلغ 2.3% أصبح عام 1998 نحو 7.6% ، في حين انخفض معدل التحاق الطلبة بالمدارس الابتدائية من نسبة 100% إلى 93% خلال المدة 1990 – 2000 مقابل انخفاض نسبة التحاق طلبة المدارس الثانوية من 47% إلى 38% للمدة ذاتها .
استمرت مؤشرات القطاع التعليمي بالانحدار والتدهور بعد عام 2003 نتيجة لدخول قوات التحالف وانتشار الفوضى وانهيار الأمن إذ نال التعليم نصيبه مما يجري فتم سلب ونهب الممتلكات الخاصة بالمدارس والمعاهد والجامعات ، فضلا عن تسرب الطلبة وعزوف الكثير من الأهالي عن إرسال أبنائهم للمدارس نتيجة لهذه الأحداث، بهذا الخصوص أشارت وزارة التربية إلى أن نسبة الالتحاق بالمدارس الابتدائية والثانوية قد انحدر ليصل إلى59% للعام الدراسي 2006 - 2007 .
كذلك يظهر تأثر هذا القطاع بغياب الأمن من خلال ما جرى من قتل عشوائي نتيجة العمليات الانتحارية والإرهابية وعمليات الاغتيال والخطف للكوادر التعليمية خصوصا على مستوى الجامعات ،إذ اغتيل أكثر من 230 أستاذا جامعيا توزعت بين مختلف الاختصاصات فبلغت نسبة هذه الاغتيالات نحو 33% من التخصصات الهندسية 6% للالكترونيات 14% للزراعة، في حين كانت نسبة الأساتذة الذين تم اغتيالهم من تخصصات الكيمياء والفيزياء نحو 13% و 10% على التوالي أما البيولوجي فكانت نسبتهم 7% ومثلها للجغرافية والجيولوجي فيما احتلت بقية العلوم نسبة 10% من إجمالي الاغتيالات .
مقابل كل ذلك يتبين أثر التنمية في الأمن من خلال التعليم الذي يعد خط الدفاع الأول لمواجهة الاختلالات الممكن حصولها داخل المجتمع ولاسيما ما يتعلق بالجانب الأمني ، ذلك لان التعليم لا يقل خطورة عن الفقر والبطالة فتدني مستوى التعليم يزيد من احتمالات عدم الاستقرار وغياب الأمن ، فالأمية والجهل وتسرب التلاميذ من المدارس كلها تدفع العديد من الأشخاص للانزلاق والتعاطي مع مختلف أنواع الجرائم . المنظمات الإرهابية والمجموعات المسلحة والعصابات تحاول دائما نشر أفكارها وتتوسع داخل شرائح المجتمع غير المتعلم.
ما يؤكد ذلك الإحداث التي جرت بعد عام 2003 حيث استهداف النخب المتعلمة من مدرسين وأساتذة الجامعات والعلماء الذين كانوا أهدافا لهذه المجموعات لغرض تصفيتهم سواء بالقتل أم بالتهجير ، لتبقى الساحة العراقية المكان الملائم لنشر الأفكار والمبادئ التي يتبناها هؤلاء لتصبح القيم العليا للسلاح وعده المصدر الأساسي للدخل .
دور التعليم في مسالة تحقيق الأمن يظهر من خلال المؤشرات المتعلقة بأمن الإنسان في العراق ، فقد بين مؤشر دليل فقدان امن الإنسان من خلال موضوع ترك الأفراد والأسرة للدراسة أنها تسهم بنسبة 28% بفقدان أمن الإنسان ، أما مؤشر دليل تحقيق أمن الإنسان فقد بين عن طريق إعادة العمل بنظام التعليم الإلزامي ومحو الأمية أنها تسهم بنسبة 80.7% ،في حين احتلت مسألة تأمين فرص التعليم للمراحل المختلفة نسبة 91.9% في مؤشر تحقيق أمن الإنسان نفسه في العراق .

يتضح مما تقدم كم أن التعليم يؤدي دورا مهما في العلاقة بين الأمن والاستقرار من جهة والتنمية من جهة أخرى من خلال زيادة المهارات والمعرفة، التي تزيد من مساهمة الأفراد في تنفيذ مفردات العملية التنموية إذ أنها السياج الذي يمنعه من الانزلاق في الأعمال التي تقوض الأمن والاستقرار .

ثالثا : الصحة .
القطاع الصحي هو المتغير الاجتماعي الآخر الذي استطاع أن يبين طبيعة العلاقة بين الأمن والتنمية عن طريق دوره في تهيئة الكوادر الطبية والخدمات الوقائية والعلاجية التي تعد من ضرورات استمرار الحياة سواء لتحقيق الأهداف التنموية أم لبلوغ الأمن والاستقرار داخل المجتمع. لذلك فقد أدت الصحة دورا مهما في إظهار الأثر المتبادل بين الأمن والتنمية .
شهد القطاع الصحي في العراق خلال عقدي السبعينات والثمانينات تحسنا كبيرا في تقديم الخدمات للمواطنين إذ بلغ عدد السكان الذين يحصلون على الخدمات الصحية خلال حقبة السبعينات والثمانينات نحو 97% من سكان الحضر و 78% من سكان الريف ، وهذه الخدمات تقدم عن طريق شبكة واسعة من المستشفيات و المراكز الصحية والعيادات الطبية ، بلغ عدد المستشفيات نحو 217 مستشفى في حين كان عدد المراكز الطبية هو 1394 مركزا أما العيادات الطبية فقد بلغت 403 عيادات ( ) . الأمر الذي جعل المؤشرات الصحية تتحسن وتتقدم ومن أهمها معدل وفيات الأطفال الرضع لكل ألف ولادة إذ بلغت 40 حالة عام 1989 بعد أن كانت 80 حالة عام 1979 ، أما مؤشر وفيات الأطفال دون سن الخامسة فقد بلغت 60 حالة بعد أن كانت 120 حالة للمدة ذاتها .
الأوضاع انقلبت رأسا على عقب منذ عام 1991 واندلاع حرب الخليج الثانية مما جعل الأمن والاستقرار في حالة متدنية جدا من جراء التدمير الحاصل للبنية التحتية سواء بصورة مباشرة من خلال العمليات العسكرية أم بصورة غير مباشرة عن طريق العقوبات الاقتصادية فيما بعد ، لتسجل مؤشرات القطاع الصحي تراجعا حادا حيث شحة الأدوية والمستلزمات الطبية فضلا عن انخفاض حجم التخصيصات المالية الموجة لهذا القطاع مع مغادرة العديد من الكوادر الطبية الأجنبية والعراقية بسبب الأوضاع المأساوية ، مما أثر بطبيعة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين إذ انخفضت المؤشرات الصحية ومنها زيادة عدد وفيات الأطفال الرضع لكل إلف ولادة ليبلغ 101 حالة عام 1999 في حين ازداد عدد وفيات الأطفال دون سن الخامسة ليبلغ 128 حالة عند السنة نفسها ، مع انخفاض معدل العمر المتوقع عند الولادة من 65 سنة عام 1980 ليبلغ59 سنة عام 1999 .

بعد نيسان عام 2003 ونتيجة غياب الأمن والاستقرار اخذ القطاع الصحي نصيبه من هذه الأوضاع ، فتدهور الأمن عمق المشكلات الصحية من خلال عمليات السلب والنهب والتخريب للبنية التحتية لهذا القطاع التي من أهمها تخريب المستشفيات والمخازن المبردة وسرقة اللقاحات والأجهزة الطبية .
كل هذه المشكلات والعوائق أسهمت بانتشار الأمراض والأوبئة مع ما رافقها من زيادة أعداد القتلى والجرحى سواء عن طريق تدنى الخدمات الوقائية والعلاجية أم بسبب الأعمال الإرهابية والعنف ، فقد ذكرت إحدى التقارير الطبية أن عدد الوفيات في العراق يزداد مع زيادة الانهيار الأمني، فأكثر من نصف الذين يموتون في المستشفيات العراقية كان بالإمكان إنقاذهم فيما لو توافرت الكوادر الطبية المتدربة مع توفير التجهيزات والمستلزمات اللازمة فضلا عن توافر الإطار الأمني السليم لعمل هذه المؤسسات . ضمن هذا الإطار أشارت مجلة لانسيت الطبية البريطانية الصادرة عام 2006 إلى أن عدد الوفيات في العراق قد بلغ 634964 شخصاً منهم 601627 شخصا بسبب الأعمال الإرهابية والعنف منذ عام 2003 ، أما الأمم المتحدة فقد أشارت إلى أن عدد القتلى عام 2006 قد بلغ 34432 شخصاً وهي معتمدة على إحصاءات المستشفيات العراقية ، في حين أظهر مسح مشترك بين منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة العراقية والمعلنة نتائجه نهاية عام 2007 إلى أن عدد الذين قتلوا بسبب الأعمال الإرهابية والعنف المسلح قد بلغ 151000 شخص .

الجانب الأخر الذي يبين التدهور الحاصل بالقطاع الصحي نتيجة غياب الأمن و تأثير ذلك فيما بعد في التنمية هو ما أصاب هذا القطاع من نزوح وهروب للكوادر الطبية ولكل الاختصاصات بعد أن تلقى العديد منهم التهديدات بالقتل أو الخطف ، فضلا عن ما تم تنفيذه من عمليات القتل المستهدف لهذه الكوادر إذ أشارت التقارير إلى أن عدد الأطباء الذين تعرضوا للقتل بلغ نحو 320 طبيباً موزعين على مختلف الاختصاصات ، إذ بلغت نسبة أطباء الجراحة 14% وأطباء العيون والنسائية والأطفال والأعصاب والأورام السلطانية 4% لكل منهم ، في حين كانت نسبة المقتولين من أطباء الجينات والاختصاصات المشابهة نحو 9% لكل اختصاص، أما أطباء القلب فكانت نسبتهم 2% وكذلك أطباء الجلدية وهي النسبة الأقل، في حين كانت نسبة أطباء الصحة العامة والمقيمين الدوريين قد بلغت 7% و 37% على التوالي .

فضلا عن ذلك يتبين تأثير التنمية في الأمن من خلال الصحة عن طريق التغير الحاصل في القطاع الصحي من حيث العطاء والإمكانات ليأخذ دورا سلبيا زاد من حالة عدم الاستقرار وغياب الأمن ويظهر ذلك من زيادة معدلات الوفيات لدى البالغين من الرجال والنساء نتيجة الأعمال الإرهابية والتفجيرات الذين هم في الغالب من أرباب الأسر والمعيلين لعوائلهم إذ بلغت نسبة الرجال نحو 81.7% مقابل 8.7% هي نسبة النساء ، فضلا عن انتشار الأمراض والأوبئة وارتفاع أسعار الخدمات الطبية والأدوية واللقاحات ، لتكون هذه مؤشرات سلبية حسبت على القطاع الصحي مما أسهم بتهديد الاستقرار الاجتماعي ، ثم شجع وحفز بعض الناس ممن هم ضمن شريحة الفقراء والمعدمين وذوي الدخل المنخفض للانضمام والتعايش مع المجموعات التي تستخدم العنف كوسيلة للعيش ، مثل المجموعات المسلحة والإرهابية وعصابات السرقة والخطف والقتل لغرض توفير الدخول اللازمة وتحسين المستوى المعاشي وتعزيز إمكاناتهم بالحصول على مختلف الخدمات في مقدمتها الخدمات الصحية .
أشارت إستراتيجية التنمية الوطنية لعام 2005 إلى أن النظام الصحي في العراق يمر بمرحلة مخاض عسيرة ، إذ شهدت صحة العراقيين ونظامهم الصحي تراجعا كبيرا وسريعا مما زاد من حالات الإصابة بالإمراض وسوء التغذية كل ذلك تزامن مع التدهور والخراب الذي أصاب البنية التحتية للقطاع الصحي في أثناء الحرب وبعدها .
يؤكد ذلك ما ظهر من نتائج لمؤشرات أمن الإنسان إذ تبين من خلال مؤشر دليل آثار فقدان أمن الإنسان في العراق، الدور الذي أداه القطاع الصحي في التردي الحاصل بالأمن فقد احتل فقدان الرعاية الصحية نسبة 72% ، في حين ازدادت هذه النسبة في مؤشر تحقيق الأمن الإنساني من خلال مسألة تأمين العلاج والوقاية من الأمراض لتبلغ نسبتها 95.3% .

يتبين مما تقدم طبيعة وحجم الدور الذي أداه القطاع الصحي في إظهار الآثار المتبادلة بين الأمن والتنمية في العراق ، فنتيجة غياب الأمن كانت الخسائر المادية والبشرية التي أصابت هذا القطاع تمثل عبئاً كبيرا على التنمية عن طريق تعويض هذه الخسائر، فضلا عن زيادة التدهور الأمني بسبب تدني الكفاءات الطبية المتخصصة وغيابها التي تعد من ضمن مخرجات العملية التنموية .

رابعا : البيئة.
يؤثر الأمن في التنمية من خلال البيئة في الوقت نفسه تسهم التنمية بتقويض الأمن عن طريق البيئة أيضا، لأنها الوعاء الذي يمارس الإنسان كل نشاطاته داخلها وهي في الوقت ذاته المسؤولة عن توفير ضرورات الحياة من هواء وماء وتربة ، فإذا ما تغير وجودها سيؤدي ذلك إلى تقويض الأمن وتدمير التنمية . تتضح هذه العلاقة من أن أي تدهور للأمن المتمثل بالحروب والأزمات سيعمل على تهالك العناصر البيئية مما يؤدي إلى ضعف قدرتها في توليد الموارد الطبيعية التي تعد أساس التنمية، مقابل ذلك فان الاستخدام المفرط لعناصر البيئة من اجل تحقيق التنمية سيولد مشكلات وعوائق تسهم باختلال الأمن ، فنقص المياه وتدمير التربة فضلا عن تلوث الهواء نتيجة توسيع المشاريع الإنتاجية والخدمية كل ذلك يؤدي إلى إحداث عدم التوازن في الحياة الاجتماعية نتيجة الأضرار البيئية مع ما يرافق ذلك من أضرار لصحة الإنسان مما يعني زيادة احتمال تعرض الأمن للانهيار .
حالة البيئة في العراق ودورها في إظهار العلاقة بين الأمن والتنمية تتضح عن طريق الحروب والنزاعات فضلا عن عمليات تجفيف الاهوار.

1- الحروب والنزاعات .
تعد الحروب والنزاعات من أهم ما قوض الأمن والاستقرار في العراق مع ما قام به من تدمير للتنمية من خلال البيئة ، إذ تجلى ذلك عن طريق الاستخدام المفرط للأسلحة التقليدية وغير التقليدية ( نووية ، كيمياوية ، بيولوجية ) المستخدمة من قبل العراق وضده ، فقد أشارت التقارير إلى أن كميات اليورانيوم المنضب المستخدم في حرب الخليج الثانية بلغ 350 طناً ازداد عام 2003 عند الحرب ليبلغ مابين 1100 و 2200 طن ، فضلا عن إن ذلك التدمير قد أصاب المصانع العراقية التي تتعامل مع هذه المواد البالغة 18 موقعا لخدمات الأسلحة الكيمياوية و12 موقعا لخدمات الأسلحة البيولوجية و4 مواقع للتصنيع النووي ، مما أدى إلى انتشار النفايات المنبعثة عن هذه الأسلحة إذ قدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1995 كمية المواد الصلبة التي يتعين معالجتها مابين 613 و 763 طناً ،أما النفايات السائلة فكانت ما بين 662 و 1462 متراً مكعباً . تسرب هذه المواد احدث كارثة بيئية واسعة كما وأسهم بظهور حزمة كبيرة من الأمراض منها زيادة حالات الإصابة بالسرطان والعقم وتلف الكلية وتهشم العظام وتلف خلايا الدماغ والأوعية الدموية وأمراض الجهاز الهضمي والرئة .
الطريق الآخر لتلوث البيئة نتيجة الحروب والنزاعات كان من خلال الاستهداف المباشر للحقول النفطية ومنشآت التكرير ومنصات التحميل والناقلات النفطية ، إذ شهدت حرب الخليج الأولى وبالتحديد المدة المحصورة بين عامي 1984 – 1987 غرق أكثر من 340 ناقلة منها 259 ناقلة نفط مما يعني أن ملايين الأطنان من النفط قد تسربت إلى المياه العراقية ، ليأتي بعدها استخدام العراق لسياسة الأرض المحروقة خلال حرب الخليج الثانية عام 1991 إذ تم حرق نحو 600 بئر نفط احتاجت إلى 258 يوماً لإطفائها و تسريب من 6 إلى 8 ملايين برميل نفط في مياه الخليج مع ما جرى من عمليات إحراق النفط وزيت الديزل في الخنادق ضمن إطار الخطة العسكرية لتمويه قوات التحالف ، كل هذا قاد إلى حدوث كارثة بيئية عن طريق تلوث المياه بالنفط والهواء بسحب الدخان الأسود والرذاذ المتطاير . لم تسلم التربة هي الأخرى من الحروب والنزاعات فقد تضررت من جراء العمليات العسكرية البرية بتغير قشرة الأرض وتدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية فضلا عن تأثر المحاصيل الزراعية بالتلوث الإشعاعي الناتج عن الحرب .

تأثير الأمن في التنمية من خلال الحروب والنزاعات ظهر عن طريق الاستنزاف الذي أصاب مكونات البيئة من ماء وهواء وتربة مما جعلها تؤدي دورا سلبيا في إمكان بلوغ الأهداف التنموية خصوصا في إطار مساهمة البيئة بتهيئة الأجواء وتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ الخطط والبرامج التنموية ، في الوقت ذاته فأن هذا التدهور الذي لحق بالبيئة قد أدى إلى زعزعة الأمن بعد أن هز أركان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في العراق .
2- عمليات تجفيف الاهوار.
تعد عملية تجفيف الاهوار عام 1992 ضمن الإجراءات الأمنية التي نفذها النظام السابق بعد أن عد منطقة الأهوار ملاذا آمنا للمناوئين له و أن جزءاً منها يعد معبراً من إيران وإليها ، هذه العملية ترتبت عليها آثار سلبية مرتبطة بالجانب البيئي و الاقتصادي والاجتماعي . تؤدي منطقة الاهوار دورا إيجابيا بتخفيف درجات الحرارة وتوفير الأجواء الرطبة الضرورية لزراعة بعض أنواع النباتات في الوقت نفسه تسهم بالمحافظة على كمية المياه وتجهيز البيئة بأنواع مختلفة من الكائنات الحية ، كما تقدم الاهوار لوحدها نحو 17 ألف طن من الأسماك سنويا لكن بعد تجفيفها عام 1993 بلغ إنتاج العراق من الأسماك 12 ألف طن فقط ، فضلا عن تقديمها قصب السكر إذ توفر 88% من احتياجات معمل قصب السكر في محافظة ميسان مع ما توفره من فرص عمل . ضمن الإطار الاجتماعي عملت الاهوار على تشكيل التجمعات السكانية القائمة على أسس الترابط الأسري والقبلي مما أدى إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي فيها . من خلال هذه المميزات التي تقدمها الأهوار فأن عملية تجفيفها أدت بالتأكيد إلى عرقلة العملية التنموية من خلال التأثير السلبي الحاصل في الجوانب البيئية والاقتصادية والاجتماعية عن هذه العملية
.
مقابل ذلك كان تأثير التنمية في الأمن عن طريق تجفيف الأهوار هو التغير الحاصل في طبيعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية، فانخفاض المستوى المعاشي وتغير نمط الحياة وطريقتها لسكان الأهوار زاد من احتمالات تردي الأمن والاستقرار ولو ضمن نطاق هذه المنطقة فقط .

يظهر مما تقدم أن الأضرار بالبيئة العراقية عن طريق الحروب أو تجفيف الأهوار قد ولدت تأثيرا متبادلا بين الأمن والتنمية من خلال تأثيرها بالموارد الاقتصادية أو بطبيعة الحياة الاجتماعية .

خامسا : الدعم الحكومي .
يعد الدعم الحكومي من المؤشرات الاجتماعية التي يمكن من خلالها ملاحظة التأثير المتبادل بين الأمن والتنمية فهو إحدى الوسائل التي تطبقها الحكومات لغرض تحسين المستوى المعاشي لتتفادى وقوع الأزمات مستقبلا ، مما جعله حالة ضرورية والاستغناء عنه لن يتم إلا بعد توفير البديل المناسب الذي يؤمن حياة كريمة للمواطنين وبالتحديد الفقراء وذوي الدخل المنخفض.

العراق حاله في ذلك حال العديد من الدول التي تطبق برامج الدعم الحكومي خصوصا بعد ما تعرض له العراقيون من ويلات الحروب والعقوبات الاقتصادية التي بمجملها زادت من تهالك القدرات والإمكانات الموجودة لدى المواطن والأسرة العراقية ، إذ أخذ الدعم الحكومي اتجاهين الأول مباشر عن طريق البطاقة التموينية وبرامج الرعاية الاجتماعية وما تقدمه من مدفوعات تحويلية والثاني دعم غير مباشر تمثل بأسعار المشتقات النفطية والكهرباء.

شكلت مرحلة ما بعد عام 2003 نقطة تحول في إطار الدعم الحكومي إذ حاولت سلطة الائتلاف إلغاء هذا الدعم للمواد الغذائية والمحروقات كجزء من سياسة الإصلاح الاقتصادي ، إلا أنها لم تتخذ مثل هذه الخطوة بناءً على تحذيرات قائمة على أساس أن سلطة الائتلاف هي قوة محتلة بالتالي فمثل هذا الإجراء سيزيد من الغضب الشعبي ضدها ، الأمر الذي جعلها تنقل هذا الملف للحكومة العراقية لتتخذ على عاتقها تنفيذ برنامج تقليص وإلغاء الدعم الحكومي في المجالات التي لها مساس مباشر بحياة المواطنين وعوائلهم الذين هم تحت وطأة الفقر وهي البطاقة التموينية وأسعار المشتقات النفطية فضلا عن المدفوعات التحويلية المتمثلة بشبكة الحماية الاجتماعية .

1- البطاقة التموينية .
خلال حقبتي السبعينات والثمانينات وعلى الرغم من الحرب التي شهدها عقد الثمانينات قدمت الحكومة الدعم للمواد الغذائية وهو ما كان متوافقا مع نهجها بالمحافظة على النمط الاستهلاكي، فضلا عن أن تقديم هذا الدعم قد أسهم بالاستقرار النسبي للمستوى المعاشي من خلال تأمين المواد الغذائية الضرورية .
منذ أب 1990 وبداية تطبيق العقوبات الاقتصادية الأمر الذي أسهم بتقليص هذا الدعم فبعد أن كان يقدم أكثر من 25 مادة غذائية مع ما توفره الأسواق المركزية من كم هائل من السلع المدعومة ، انخفضت إلى 9 مواد محصورة ضمن إطار ما يعرف بالبطاقة التموينية ، التي تعد ضرورية لاستمرار الحياة وتوفير الجزء المهم من الغذاء لأكبر شريحة من السكان لتشكل نظاما غذائيا ذا تأثير إيجابي ومفيد للتزود بالمواد الغذائية الأساسية ، وليصبح إحدى الدعائم المهمة في المحافظة ولو بشكل نسبي على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ، مع كل هذا لم يستطع العراق خلال مرحلة العقوبات الاقتصادية من تلافي حدوث وانتشار سوء التغذية إذ بقي 50% من المواطنين يشكلون الحلقة الهشة من ناحية الأمن الغذائي، حتى بعد تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء عام 1997 ، إذ أشارت تقارير برنامج الغذاء العالمي لعامي 2002 و2003 إلى اعتماد العراقيين بصورة رئيسة على نظام البطاقة التموينية ولا يمكنهم الاستغناء عن المساعدات الحكومية المقدمة في هذا المجال .

ما يؤكد ذلك هو أن العائلة العراقية كانت تنفق حوالي نصف دخلها على المواد الغذائية ازداد ليبلغ 61% عند بداية العقوبات الاقتصادية بالتحديد بعد عام 1993، ليعود وينخفض مرة أخرى إلى ما كان عليه قبل مرحلة العقوبات عند تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء .
بعد عام 2003 ونتيجة الضغط المتواصل من قبل صندوق النقد الدولي والدول المانحة المشرفة على برنامج الإصلاح الاقتصادي في العراق من أجل تقليص الدعم الحكومي وإلغائه ، فضلا عن التدهور الحاصل في الجانب الأمني وعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وارتفاع أسعار المواد الغذائية ،الأمر الذي انعكس على حجم التخصيصات المالية المقدمة لبرنامج البطاقة التموينية ، إذ انخفض حجم هذه التخصيصات عام 2006 بنسبة تغير سالبة بلغت 20% مما جعل نسبتها إلى النفقات العامة تنخفض إلى النصف تقريبا ، الحال لم يختلف عام 2007 إذ انخفض مقدار الدعم فكانت نسبة التغير مقدارا سالبا بلغ 1.2% ليشكل نسبة 9.6%من النفقات العامة. فضلا عن أن التدهور الأمني وحالة عدم الاستقرار قد زادت من الأعباء الموجهة ضد التنمية عن طريق البطاقة التموينية إذ ارتفعت تكاليف إيصال مفردات هذه البطاقة لتبلغ نحو 6.30 دولارات لإيصال ما قيمته دولار واحد من المواد الغذائية مما جعلها ذات تكلفة عالية مقارنة بالمقاييس العالمية ، في المقابل تعد البطاقة التموينية كإحدى الإجراءات الاقتصادية عاملا مهما في تحقيق الأمن نتيجة تأمينها للمواد الغذائية لأبناء المجتمع كافه خصوصا الفقراء وذوي الدخل المنخفض إذ بين مؤشر تحقيق أمن الإنسان أن وجود البطاقة التموينية يسهم بنسبة 97.9% في تحقيق أمن الإنسان .
يتبين من ذلك أن إلغاء البطاقة التموينية هو احد أوجه تأثير التنمية في الأمن من خلال زيادة المشكلات الاجتماعية بعد أن تتعمق الآثار الاقتصادية بسبب النقص الحاصل بالأمن الغذائي ومن قبله بالمستوى ألمعاشي الذي يهيئ الأجواء المسببة لتقويض الأمن والاستقرار. في حين أن استمرار دعم البطاقة التموينية وبالذات للفقراء يساعد على استتباب الأمن، فضلا عن أنه يجعل مجال المشاركة للمواطنين من ذوي الدخل المنخفض والفقراء حاضراً بالخطط والبرامج التنموية، بعد أن يتعزز لديهم الشعور باهتمام الدولة بأحوالهم.

2- المشتقات النفطية .
سياسة دعم المشتقات النفطية هي من إجراءات الدعم الحكومي إذ تقدم الدولة المشتقات النفطية من بنزين محسن وعادي وزيت الغاز فضلا عن النفط الأبيض و الغاز السائل بأسعار قد لاتصل إلى نصف تكاليف الإنتاج ، الهدف من ذلك هو تيسير سبل العيش للشريحة الأوسع من ذوي الدخل المنخفض والفقراء لتساعدهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي وبلوغ الأمن ، الذي سيزيد بدوره من مشاركة الجميع في تنفيذ البرامج والخطط الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء .
التغيير الذي حصل في إطار السياسة الاقتصادية المتمثلة بالإصلاح الاقتصادي والانتقال إلى اقتصاد السوق بعد عام 2003 ، فضلا عن ما رافق ذلك من تفشي الفساد الإداري والمالي وعمليات السلب والنهب والتدمير للقطاعات كافة منها القطاع النفطي وما يعانيه من عمليات تهريب للنفط الخام ومشتقاته ، الأمر الذي جعل من الصعب عليه مواجهة الطلب المتزايد للمشتقات المتزامن مع تدهور الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء إذ بلغ حجم الطلب على المشتقات النفطية لعام 2005 فقط نحو 18.150 (مليون طن) في حين أن الطاقة الإنتاجية بلغت16.450 (مليون طن) ، النقص الحاصل تم تعويضه من قبل الحكومة عن طريق الاستيرادات كجزء من برنامج الدعم الحكومي للمشتقات النفطية، إذ بلغ حجم الدعم الحكومي للأعوام 2004 و 2005 و 2006 مبالغ متقاربة، إلا أن نسبتها إلى النفقات العامة قد انخفضت بصورة تدريجية إذ بلغت 19%عام 2004 انخفضت إلى 9.5% عام 2006 بعد أن كانت عام 2005 نحو 12.8% .


مع حلول 2007 انخفضت قيمة الدعم الحكومي المخصصة للمشتقات النفطية بنسبة تغير سالبة بلغت 890% لتشكل نسبتها إلى النفقات العامة أقل من 1% وهو ما جاء متوافقا مع تنفيذ برنامج تقليل الدعم الحكومي الهادف إلى الحد من عمليات تهريب النفط الخام ومشتقاته القائمة على أساس الفرق في الأسعار بين العراق ودول الجوار، وأن ذلك يعد جزءاً من سياسة الإصلاح الاقتصادي وتخفيض الديون العراقية.
رافق سياسة تقليل الدعم الحكومي المتمثلة بارتفاع أسعار المشتقات النفطية ظهور مؤشرات تدل على عدم الاستقرار وتقويض الأمن الناتجة عن التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الزيادة خصوصا على الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المنخفض، إذ بين ضعف القدرة في إيجاد الحلول المناسبة لمعالجة تهريب النفط ومشتقاته وكذلك الحال في معالجة الفساد الإداري والمالي المتفشي في اغلب مفاصل الدولة ، فضلا عن أن الحكومة ومن خلال رفعها أسعار المشتقات قد مارست

دور المحتكر للقطاع النفطي فهي حددت الأسعار التي تريدها دون أن توفر الإجراءات والوسائل المناسبة والتي تساعد ذوي الدخل المنخفض والفقراء في مواجهة مثل هذه الظروف .
إن تنفيذ إجراءات رفع الدعم لأسعار المشتقات النفطية رافقه ارتفاعا بالمستوى العام للأسعار المتزامن مع انتشار البطالة والفقر مما ولد شعورا بعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي بين شريحة واسعة من الأفراد و العوائل ليزيد ذلك من احتمالات الإخلال بالأمن. تأكيدا لهذا فقد تغير نمط الإنفاق العائلي إذ انخفضت نسبة التخصيصات المالية من دخولها الموجهة للسلع والمواد الغذائية من 50% لتصل إلى 33% مقابل زيادة التخصيصات المالية المدفوعة للطاقة من 11% إلى 33%، أي أن معدل التغير في الإنفاق الغذائي قد انخفض بنسبة تغير سالبة بلغت 34% في حين إن معدل التغير للإنفاق على الطاقة ازداد بنسبة تغير بلغت 200% .
مقابل ذلك فان تخفيض دعم المشتقات النفطية يؤدي دورا ايجابيا للتنمية حيث ارتفاع الأسعار يعني إنهاء حالات تهريب النفط الخام ومشتقاته مع ما يرافق ذلك من تقليل تشوهات الأسعار الحاصلة لهذه المشتقات ، فضلا عن انه يؤدي إلى تفعيل سياسة ترشيد الاستهلاك مع ما يرافق ذلك من تقليل للأعباء الملقاة على الموازنات الحكومية ومنها على التنمية .

يتضح مما تقدم إن سياسة تقليل الدعم الحكومي لأسعار المشتقات النفطية إذا لم ترافقها إجراءات وبدائل مناسبة تسهم بإعادة الثقة بين المواطنين والحكومة ، خصوصا من الفقراء وذوي الدخول المنخفضة فان النتائج ستكون عكسية حيث الاختلال بالقدرات الاقتصادية والاجتماعية سيؤدي إلى عدم التوازن بالأمن والاستقرار، على الرغم مما تضيفه هذه السياسة من أموال نتيجة ترشيقها للدعم الحكومي ، إلا أن خسائرها الاجتماعية أكبر من أرباحها المالية .

3- شبكة الحماية الاجتماعية.
تعد شبكة الحماية الاجتماعية من الإجراءات التي تعمل على تحقيق التوازن بين الأمن والتنمية ، فنتيجة ما حدث في أثناء عام 2003 وبعده من عمليات السلب والنهب وغياب الأمن فضلا عن الفساد الإداري والمالي المتزامن مع التغيير السياسي والاقتصادي ، تطلب الأمر من الحكومة اتخاذ تدابير تسهم بالحماية الاجتماعية على أن تكون هذه الإجراءات والتدابير ذات فاعلية في استيعاب اكبر عدد ممكن من الفقراء والمحرومين الذين قد تدفعهم أحوالهم المعيشية المتردية للانضمام إلى رهط الجريمة والإرهاب وهي من أول مقوضات الأمن مع إنها من عوائق التنمية.
جاء تشكيل شبكة الحماية الاجتماعية على أساس برنامج الرعاية الاجتماعية المعمول به خلال حقبة النظام السابق ، لتكون هذه الشبكة أحد الأوجه الأساسية المهمة للدعم الحكومي فهي تضم بين ثناياها الشريحة الهشة من أبناء المجتمع لتساعدهم في تجاوز الآثار الجانبية لعملية الإصلاح الاقتصادي، وما يرافقها من تقليل الدعم الحكومي ضمن إطار البطاقة التموينية وأسعار المشتقات النفطية ، إذ شملت هذه الشبكة فئات محددة هم المعاقون الذين بلغت نسبتهم نحو 28.1% والعجزة ونسبتهم كانت 26% كذلك أصحاب الدخول المنخفضة والعاطلون عن العمل إذ بلغت نسبتهم 23.7% و 22.2% على التوالي . بدأت نشاطها منذ عام 2006 على أن يستفيد منها أكثر من مليون عائلة أما تخصيصاتها المالية فقد بلغت عام 2006 نحو 360 مليون دولار ازدادت لتصل إلى 808 ملايين دولار عام 2007 بنسبة تغير بلغت 124% .

تقدم الشبكة دعمها بطرائق مختلفة للمواطنين فهناك الإعانات النقدية للمعاقين لتمكنهم من الحصول على أجهزة تعيد تأهيلهم ، مع تقديمها المنح الصغيرة لمساعدة ذوي الدخل المنخفض للبدء بإنشاء مشاريع تسهم بتوفير الدخل المناسب وفرص العمل ، من جانب آخر تقدم الشبكة خدمات تشغيلية منها التدريب المهني وتنمية المهارات والوساطة التشغيلية ، فضلا عن كل ذلك فهي تولد شعورا لدى الأفراد والعوائل المستفيدين بأن الدولة تسعى لتوفير سبل العيش الكريم لهم . طبقا لهذا فان أي تقليص أو إلغاء لبرنامج شبكة الحماية الاجتماعية سيؤدي ذلك إلى توسيع دائرة الحرمان والفقر مما يؤثر في الأمن والاستقرار، تماشيا مع ذلك اظهر مؤشر دليل عوامل تحقيق الأمن الإنساني إلى أن نظام شبكة الحماية الاجتماعية احتل نسبة 84.5% في تحقيق الأمن الإنساني في العراق .

يتضح من ذلك أن زيادة الاهتمام وتوسيع عمل شبكة الحماية الاجتماعية يعمل على تحقيق الأمن عن طريق إبعاد شريحة الفقراء والمعدمين من الانضمام للأعمال غير المشروعة والجريمة بعد أن يوفر لهم الحد الأدنى من الدخول ، في الوقت نفسه فان المساهمة بتحسن المستوى المعاشي لهؤلاء يزيد من فرص مشاركتهم في التنمية التي إذا ما تحققت يعني بلوغ الرفاهية والاستقرار والأمن



#نبيل_جعفر_عبد_الرضا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية الامن والتنمية — الحلقة الثانية
- جدلية الامن والتنمية في العراق -- الحلقة الاولى
- البيئة الاستثمارية في البصرة
- اللامركزية في العراق
- رؤية إستشرافية للدولة الريعية في العراق
- مفهوم الدولة الريعية
- منظمات الأعمال في البصرة :
- الآثار الاقتصادية لتحرير التجارة الخارجية في العراق
- إستراتيجية مقترحة لمعالجة الفساد في الاقتصاد العراقي
- مناخ الاستثمار النفطي
- بيئة الاعمال في البصرة
- مخاطر الاستمرار بتثبيت الدينار العراقي
- التجارة في البصرة
- القدرات التصديرية المستقبلية للغاز الطبيعي في العراق
- البصرة تعوم على اكبر بحيرة نفط في العالم
- الأهمية النفطية لبحر قزوين
- نحو إستراتيجية جديدة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى العراق
- المنافذ الحدودية في البصرة
- دور هيئات الاستثمار في جذب الاستثمار المحلي والأجنبي
- الآثار السلبية للاغراق التجاري على الصناعة في العراق


المزيد.....




- بكام الذهب اليوم.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23/4/2024 في م ...
- سويسرا تحرر أصولا روسية
- مصر.. ارتفاع أسعار سلعة هامة بشكل غير مسبوق
- مؤشر فوتسي البريطاني يسجل أعلى مستوى له على الإطلاق
- الإمارات وعُمان توقعان شراكات استثمارية بـ 129 مليار درهم
- الإحصاء الفلسطيني: انخفاض الصادرات والواردات السلعية خلال فب ...
- المصريون ينتظرون أكبر زياة للرواتب في التاريخ
- اختبار طريق شحن أسرع من قناة السويس
- صحيفة: واشنطن تصيغ عقوبات ضد بنوك صينية
- الذهب يواصل انخفاضه مع انحسار مخاوف التصعيد في الشرق الأوسط ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - نبيل جعفر عبد الرضا - جدلية الامن والتنمية في العراق- الحلقة الثالثة