أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وفا ربايعة - سيرةٌ غيابيّةٌ .. مُختَصَرة !!














المزيد.....

سيرةٌ غيابيّةٌ .. مُختَصَرة !!


وفا ربايعة

الحوار المتمدن-العدد: 3669 - 2012 / 3 / 16 - 21:33
المحور: الادب والفن
    


على الشُرفةِ المُقابلةِ لنهارٍ يُشبهُ الحُلمَ المُكتظَّ بالمُتناقِضات .. والمليءِ بالمارّةِ المُتعَبينَ والمُبلّلينَ من المطرِ المُنسدِلِ بهدوءِ على ثيابِهم .. أرقُبُ شوارِعاً ميّتة كوجهِ آخرِ أمُنياتي التي انطفأت كسيجارتي في منفضةِ المقهى .. وعلى طرفِ فنجانِ القهوةِ الأوَّل .. تبدأُ ساعتي الأولى .. والتي قُدِّرَ لها أن تكونَ " طفولَتي " ..

أدركُ أنَّ المطرَ يُثيرُ مُخيِّلَتي المُنكمِشةَ نحوَ البعيد .. لكنني لم أعلمَ بأنَّ المسافة ستطولُ آلافَ الأميال .. من حيثُ بدأتْ قبلاً بــ " لا تسرِقِ الكُحلَ من عينيها ".. واليوم أرجعُ تلكَ الطفلةَ للمرّةِ الأولى .. والتي لا تحمِلُ في جوفِها سوى حكاياها الصغيرةَ عن دُماها التي تملأُ غُرفتَها .. ونُزهاتِها وأسفارِها الكثيرة .. وعن قطتها ذاتِ الفراء الطويل .. وعن سيارتِها الكبيرة التي أحضرها لها والدُها عند عودتِهِ من دولةٍ ما .. وعن صاحبِ البقالةِ المجاورة والذي كلّما ذهبتْ لتشتري أعطاها قطعةَ حلوى .. وأخبرها بأنها تمتلكُ عيوناً ساحِرة . ما زلتُ لا أدري ، لِما كُلَّما نقتربُ من حلمٍ كانَ حقيقةً في يومٍ ما .. نُصابُ بحالةِ موتٍ لحظيٍّ يسري في أوصالِ أصغرِ أشياءِنا

تلكَ الأشياءُ التي لطالما اعتقدنا أنها مُلكُ أيمانِنا .. ولكنها في لمحِ البصرِ تذهبُ إلى البعيدِ إلى غيرِ رجعة .. لم يبقى ليَ من أشيائيَ سوى الكثيرُ من القهوةِ وبِضعَ سجائرَ تتكدَّسُ جُثثاً في المنفضة .. أتذكَّرُ لحظةً بأنني مُدخِّنةٌ شرِهة .. فلو كانت شراهتي للحياةِ بقدرِ احتراقي في كُلِّ نفسِ سيجارة .. لما وصلتُ إلى الطاولةِ المُنزويةِ في ذلكَ المقهى .. وحيدةً ورتيبةً ومُحتقِنةً بِكُلِّ تلكَ الأفكارِ السوداءِ .. والتي تجلِبُ سكتةً قلبيّة حتى عندَ تناوُلِها جُرعةً جُرعة ..!!

يقطعُ النادلُ صمتيَ الطويل .. والذي انتهى عندما وقعت " زهرةُ " اللُفافةِ - كما يُسمّونَها ـ مُلوِّثةً ثيابي قائلاً :

- قهوةٌ أخرى ؟

أومأُ برأسي دونَ أن أتكلَّفَ عناءَ الإجابة .. وألتفِتُ حولي غيرَ آبهةٍ للكلماتِ التي يركُلُها روّادُ المقهى باتجاهي .. أبتسمُ بسخريةٍ بالغة ، أظنُّني قد نجحتُ في لفتِ الأنظارِ إليّ .. فنجانُ قهوةٍ آخرَ شهيّ كلونِ الشمسِ التي تغمِدُ نورَها في الغيمِ المُتآمِرِ على نهاري الخالي من كُلِّ شيء .. حتى مِنّي .. فكم صعبٌ أن نتجرَّدَ من ذواتِنا المقتولةً في يومِ العُطلة ، ونمارِسَ جزءاً من حُريّاتِنا التي اختزلَتها الحياةُ إلى " جلسة فيسبوكيّة " .. أتذكَّرُ رائعةَ محمود درويش يومُ الأحد .. وأُشعِلُ " جُثّةً " أخرى ، في محاولةِ استردادِ ما تبقى من ساعتي الأولى .

الكلُّ في هذا المقهى ، حزينٌ لأجلي ، أفتتحُ عقولَهم بنظرةٍ واحدة ، لأجِدَ الفكرةً ذاتها تدورُ من رأسٍ إلى آخر :

- "كم هي مسكينةٌ تلكَ الفتاةُ التي تنتظرُ حبيباً لا يأتي ، وتجرعُ القهوةَ في حسابٍ لا ينتهي مع الوقت ، وتسألُ حبّاتِ المطرِ النازلةَ إلى الشارِعِ الطويلِ جميعها عنه ، وثيابَ الفتياتِ الجميلات المُلتصقةَ بأجسادِهنِ ، عن رائحتهِ ، عن وجهه أو لونِ عينيه ، وهاهي الآن تقرعُ الطاولةَ بهاتِفها ، علَّهُ يُحضِرُ لها عُذراً يستحقُ كُلَّ تلكَ المُعاناة ، والتي حاولتْ إخفاءَها بتصفُّحِ الشبكة العنكبوتية بحاسوبِها اللوحيّ ، لتصبَّ كامِلَ قلقِها على عُلبِ السجائرِ المتناثرةَ أشلاءً على الطاولة " .. كم نحنُ مقتولونَ في ذواتِنا ، إذ أننا بحاجةٍ لتبريرِ أبسطِ حقوقِنا وأفكارِنا ، وتقديمِ الشرحِ المُفصَّلِ عن لونِ أطباعِنا ورغباتِنا ومواطنِ جنوننا وملامِحِ أحلامِنا ، كم نحنُ فضوليّونَ عندما نحاوِلُ تفسيرَ رائحةِ القهوةِ وصوتَ فيروز ، وابتسامتِنا العريضةِ عند سماعِنا لـ " اسمٍ " يمرُّ من أمامِنا ، أليسَت لنا الحُريّةُ التي نستميتُ في المُطالبةِ فيها بثوراتِنا على شاشاتِ التلفازِ ومُقابلاتِنا الإذاعيّة ؟

كيفَ نُطالِبُ بالحُريّةِ ونحنُ من ينتهِكُها بكلِّ بساطةٍ في أبسطِ أمورِنا اليوميّة ؟ أعي في تلكَ اللحظةِ أنني لن أُقدِّمَ تفسيراً لتلكَ العُقولِ المُقفَلة ، لن أُجيبَ على علاماتِ الاستفهامِ الكثيرة التي تدورُ حولي ، سأكتفي بمتابعةِ الأملِ المُترنِّحِ من البعيد ، والذي سينتظِرُ حُكماً عادلاً ، أو مِقصّاً يفصِلُ حبلَهُ السُريَّ عن جسدي ، سألتصِقُ أكثرَ في ذلكَ الزجاجِ الداكِن ، وأغنّي لفيروز " أنا لحبيبي وحبيبي إلي " .. أُدرِكُ أنني أعبثُ بوقتٍ يشُلُّ الانتظارَ لنهارٍ لا ينتهي .. أُطفئُ سيجارتي وأتركُ الحسابَ – كعادتي على الطاولة – لتلتصِقَ ثيابيَ المُبتلةُ بجسدي ـ وأبدأ رحلةَ البحثِ في المطرِ .. عن نفسي ..!!



#وفا_ربايعة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - لمّا عالباب يا حبيبي بنتوَدَّع - ___!!
- خمسُ رسائلَ لسنابلِ الضياء ____!!
- عندما نُبعَثُ من يديّنِ من سراب ..
- ثلاثونَ ساعةَ موتٍ على قيدِ الحياة ..!
- إطارٌ أخيرٌ .. ولا صُوَر ..!
- محاولةُ انتحار رقم (1) ..
- سالعَنُ حيفا ..!!
- لا تعتذر ابداً للعابرين !!
- أنا .. وأنتَ .. وحنّا السكران !
- أعِدْ لقيثارتي لحنَ السلام !!
- أحكي لغيمِكَ : عُدّ .... وأنتَ لا تأتي !!!!
- بوحٌ قاصر !!!
- قبلةٌ لعينينِ من ما !!!
- غواية !!!!
- سقطَ القِناع .. عن القناع نصٌّ مُعتَرض - ليسَ للحذف -
- ذاكرةُ الماءِ المنسيّة ...
- بعضٌ من بقاياه !!
- هاربةً من نسيان .
- سنةٌ واحدةٌ كافِية !!
- جدارٌ و وطنُ على ظهرِ الغيمْ !!


المزيد.....




- عبد الرحمن أبو زهرة اعتُبر متوفيا.. هيئة المعاشات توقف راتب ...
- عمر حرقوص يكتب: فضل شاكر.. التقاء الخطَّين المتوازيين
- فريق بايدن استعان بخبرات سينمائية لإخفاء زلاته.. وسبيلبرغ شا ...
- معرض الدوحة الدولي للكتاب يختتم دورته الـ34 بمشاركة واسعة
- منح المخرج الروسي كيريل سيريبرينيكوف وسام جوقة الشرف الفرنسي ...
- بعد 14 عاما...أنجلينا جولي تعود -شقراء- إلى مهرجان كان السين ...
- اكتشاف سر نشأة اللغة لدى أسلاف البشر
- مهرجان عامل.. محاولة لاستعادة الحياة في كفررمان جنوب لبنان
- مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة... فضاء للتجديد الروحي ...
- زوجات الفنانين العرب يفرضن حضورهن في عالم الموضة


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وفا ربايعة - سيرةٌ غيابيّةٌ .. مُختَصَرة !!