أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عادل بشير الصاري - الكفر الذي يُثابُ عليه














المزيد.....

الكفر الذي يُثابُ عليه


عادل بشير الصاري

الحوار المتمدن-العدد: 3657 - 2012 / 3 / 4 - 19:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


بالأمس تذكرتُ قول الشاعر العربي القديم :
عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذ عوىَ .... وصوَّتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
هذا الشاعر الذي استأنس بعواء الذئب وضاق ذرعا بصوت الإنسان ، دفعني إلى تتبع مفردة ( الإنسان ) في القرآن الكريم ، لذلك أخذتُ أحصيها في ( المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ) ، فوجدتُها قد ترددتْ في خمسة وستبن موضعا من آي القرآن الكريم ، وقد تكرر ذكرها أكثر من مرة في سورتيْ الإسراء والقيامة ، ففي الأولى ذُكرت سبع مرات وفي الثانية ذُكرت ست مرات .
وفي معظم هذه المواضع وُصِف ( الإنسان) بأوصاف سلبية كثيرة هي : الكفر والظلم والجهل والطغيان والنسيان والبخل والجحود والتملق والضعف والفجور واللجاجة والعجلة .
وإذا كان من غير الممكن التوقف عند كل هذه الأوصاف ، فمن الممكن أن نقف عند واحدة منها ، وهي صفة ( الكفر) التي وردت في ست آيات ، بينت أن الإنسان بطبيعته كا فر ، وهي :
1 ـ ( وآتاكم من كل ما سألتموه ، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، إن الإنسان لظلوم كفار ) . إبراهيم ، 34 .
2 ـ (وإذا مسكم الضر في البحر ضلَّ من تدعون إلاَّ إياه ، فلما نجاكم إلى البر أعرضتم، وكان الإنسان كفورا ) . الإسراء ، 67 .
3 ـ (وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ، إن الإنسان لكفور ) . الحج ، 66 .
4 ـ (وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها ، وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور) . الشورى ، 48 .
5 ـ ( وجعلوا له من عباده جزءا ، إن الإنسان لكفور مبين ) . الزخرف ، 15 .
6 ـ ( قُتل الإنسان ما أكفره ) . عبس ، 17 .
نلاحظ أن الآيات الخمسة الأولى انتهت كل منها بجملة مفادها : ( الإنسان كفور وكفار) أي كثير الكفر، وجاءت كل جملة تقريرا وتأكيدا لما تقدمها من كلام ، ففي الآية الأولى إفادة بأن نعم الله كثيرة ، لكن الإنسان بطبعه كافر بها وجاحد لها ، وفي الآية الثانية تأكيد بأن الإنسان لا يؤمن بالبعث والحياة الأخرى ، وفي الآية الثالثة تأكيد بأن الإنسان إذا مسته الضراء يجحد نعم الله عليه ، وفي الآية الرابعة بيان بأن الإنسان عادة ما يجعل لله شركاء .
ولأجل التأكيد بأن الكفر طبيعة إنسانية عبَّرت الآيات الخمسة الأولى بصيغة المبالغة (فعول ـ فعَّال) ، وهي من الفعل الثلاثي (كَفَر) ، وذلك للإيحاء بأن خُلُق (الكُفْر) متأصل في الإنسان ، وفي الآية الأخيرة وردت صيغة التعجب (ما أفعلَ) مسبوقة بفعل مبني للمجهول ( قُتِل) ، وهو يفيد معنى ( لُعِن) ، فالله سبحانه وتعالى يلعن الإنسان بسبب إمعانه في الكفر، وإصراره على جحود نعمة وفضل خالقه عليه .
والمعروف أن اسم (الكفر) مشتق من مادة ( ك . ف. ر) ، والمعاجم تذكر لهذه المادة معاني كثيرة منها ، أبرزها الجحود والحجب والستر والتغطية ، فمن لا يؤمن بإله ولا رسل ولا بعث هو كافر ، بمعنى جاحد لأمر معروف بدهي تفرضه الشواهد والدلائل ، لأن كل إنسان عاقل يسأل من الذي خلقني وخلق غيري والكون كله ، فيُجاب بداهة ودون تفكير: الله هو من خلقك وخلق الكون كله ، ومن ينكر هذا ولا يصرح به ، إنما يجحد شيئا معروفا ويحجب عن عقله حقيقة ثابتة .
وقد عجبتُ لمن يعلن جحوده لوجود الله على الملأ جهارا نهارا ، وينكر على المؤمنين إيمانهم ، يثور غاضبا إذا قيل له كافر، ولست أدري ما الذي يغضب المجاهر بالكفر إذا نُعت بكافر؟ وما عساه يُسمى أو يُوصف بغير صفة ( الكفر) ؟، إنه لو فكَّر مليا لأيقن أن صفة (الكفر) ملائمة لحاله .
لقد اعتاد الناس على حصر استخدام لفظ (الكفر) في المجال الديني ، فيقولون : هذا كُفْر، بمعنى شيء خارج عن حدود الدين ، ويقولون هذا كافر ، بمعنى لا يؤمن بالله والرسل والبعث ، مع أن اللغة تجيز تسمية المزارع بالكافر ، لأنه حين يزرع البذور ويبذرها يغطيها بالتراب ، وقد ورد هذا المعنى في الآية ( 20 ) من سورة الحديد :
( اعلموا أن الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة، وتفاخر بينكم ، وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار نباته، ثم يهيج فتراه مصفرا، ثم يكون حطاما). وقياسا على هذا فمن الممكن تعميم الدلالة الرئيسة لمفردة (الكفر) ، وهي الجحود والإنكار ، بحيث تتجاوز المجال الديني لتشمل كافة المجالات ، ومن ثَم تكون للجحود والإنكار دلالة إيجابية إلى جانب الدلالة السلبية التي ذكرت في النص القرآني .
إن واقع حال الإنسان يؤكد أن كفره أي جحوده ونكرانه لا حدود له ، فهو لا يكتفي بإنكار وجود خالقه وإنكار حقوق خلقه ، بل قد ينكر ما فسد من أخلاقهم ، ويستر عوراتهم ، وهذا يعني أن صفة (الكفر) ليست على الدوام سلبية ومستهجنة ، فمن الكفر ما هو إيجابي يُثاب عليه ، وهنا لا بأس أن نذكِّر بقول الشاعر الليبي الأستاذ الدكتور شعبان عوض العبيدي :
كفرتُ بيعربٍ من ذا يلومُ .... لعل الكفرَ يكسبني الثوابا
لذا يمكن القول إن ستر خطايا الذات وجحودعيوب الآخرين ، وكذا ستر الطبيب والقاضي والمحامي ورجل الأمن لأسرار الناس هو لا شك كفر إيجابي يثاب عليه فاعله ، لكن في المقابل من يجحد وينكر حق غيره في ماله وحرمة بيته وكرامته وفي التعبير عن أفكاره ومشاعره ، وفي حق الاختلاف في الرأي مع غيره هو في واقع الحال كافر .
والمؤمن الذي ينكر حق الملحد في التعبير عن إلحاده هو كافر، وكذا الملحد الذي ينكر حق المؤمن في التعبير عن إيمانه هو أيضا كافر كفرا سلبيا يعاقب عليه لا محالة ، وهذا النمط من الكفر لا يليق بإنسان عاقل أن يقترفه ويتورط فيه ، لأنه أصل البلاء ومنبع الشر، وعنه يصدر الظلم والجور والطغيان والفساد .



#عادل_بشير_الصاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنماط التعبير الأدبي
- خطر تضخم الهاجس الديني
- مفهوم الأدب وغايته
- الأمة التي تكره نفسها
- خطر الإدمان على تعاطي المخدِّرات الأدبية والفنية
- اللغة العربية كما تُدرَّس في الجامعات الليبية
- اللغة العربية كما درسْتُها في الجامعة
- عيدٌ .. ولكنْ لا أقولُ سعيدُ
- أما آن لهؤلاء الأيتام أن يعتذروا ؟
- أمنيات عربي أهبل
- لبنان .. دولة أم منتجع سياحي ؟
- أدونيس .. الشاعر الجائع
- نساء الصعيد وهوانم Garden city
- لو كان الإسلام رجلا لقتلته
- وصية ابن الراوندي
- انتظروا الزحف المليوني نحو القدس
- إشكالية وصول الكلام إلى المتلقي
- عذراً .. لا تعجبني هذه الأسماء
- فاكهة صغار الملحدين
- مراتب المؤمنين بالله


المزيد.....




- مدير CIA يعلق على رفض -حماس- لمقترح اتفاق وقف إطلاق النار
- تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 60 %
- بايدن يتابع مسلسل زلات لسانه.. -لأن هذه هي أمريكا-!
- السفير الروسي ورئيس مجلس النواب الليبي يبحثان آخر المستجدات ...
- سي إن إن: تشاد تهدد واشنطن بفسخ الاتفاقية العسكرية معها
- سوريا تتحسب لرد إسرائيلي على أراضيها
- صحيفة: ضغط أمريكي على نتنياهو لقبول إقامة دولة فلسطينية مقاب ...
- استخباراتي أمريكي سابق: ستولتنبرغ ينافق بزعمه أن روسيا تشكل ...
- تصوير جوي يظهر اجتياح الفيضانات مقاطعة كورغان الروسية
- بعد الاتحاد الأوروبي.. عقوبات أمريكية بريطانية على إيران بسب ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عادل بشير الصاري - الكفر الذي يُثابُ عليه