أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل بشير الصاري - أدونيس .. الشاعر الجائع














المزيد.....

أدونيس .. الشاعر الجائع


عادل بشير الصاري

الحوار المتمدن-العدد: 3631 - 2012 / 2 / 7 - 00:51
المحور: الادب والفن
    


عادة ما تخدع ألفاظ القصيدة الحديثة القارئ المتعجل ، فيأخذها بدلالتها الظاهرة ولا ينتبه إلى ما تخفيه من دلالات أخر ، فعندما يقرأ هذا القارئ قصيدة ( حديث جائع ) مثلا ، وهي من القصائد القديمة لأدونيس ، يذهب تفكيره على الفور إلى أن الشاعر أراد تصوير فقره وبؤسه ، وقد يساعده على هذا ما يعرفه عن الحياة البائسة التي عاشها الشاعر، فينصرف بذلك عن البحث وراء الألفاظ مكتفيا بالظاهر منها :
قال أدونيس في ( حديث جائع ) : ( 1 )
جوعانُ أرهقني المسيرُ
وانفتَّ قلبي
يا جوعُ ، سُدَّ عليَّ دربي
حتى يقرَّ بيَ المصيرُ
***
متفسخُ القدمين ، مسلولُ الطريقِ
متيبسُ الأعماقِ والدمِ والعروقِ
أمشي كمن يتقهقرُ
وبحالهِ يتعثرُ
***
مالي أسيرُ ولا أسيرُ
ويُشار لي : هذا فقيرُ
جمد الزمانُ على يديْ
جمدتْ يديْ
وتهدّلت عيني وجرّحها السؤالُ
وإذا تشرّبني عذابي
وانهدَّ في صدري شبابي
جمّعتُ حالي وانطويتُ
وعلى تهدميَ ارتميتُ
***
جوعانُ ... يأكلني النزيفُ
ويعيشُ في دميَ الخريفُ
ويكاد ينكرني الغدُ
والموسم المتجددُ
ويكاد ينكرني الرغيفُ
في هـذه القصيدة مجموعـة مـن الألفاظ التي يمكن أن تضلل القارئ المتعجل عن الوصول إلى ما يتخفّى وراءها من إيحاءات ، ولكن المتلقي الفطن عادةً ما يتجاوز الدلالات المباشرة للألفاظ ، ويقوم باستنطاق طاقاتها الإيحائية.
إن قاري الشعر الحديث لا ينبغي له أن ينتظر من الشاعر أن يكشف له عن قصده ومضمون كل قصيدة يكتبها ، فالشاعر عندما يفرغ قصيدته على الورق تصبح القصيدة ملكا مشاعا للقراء يؤولونها كما شاءوا على حسب قدراتهم وملكاتهم النقدية والذوقية ، لذلك فإن القصيدة الواحدة قد تتعدد تأويلاتها بتعدد قرائها ، فهي لا توحي بمعنى واحد يمكن الاتفاق عليه بين القراء.
وقد نبّه الشاعر الفرنسي بول فاليري إلى أن (( من الخطأ المضاد لطبيعة الشعر ، بل القاتل له ، أن نتطلب من كل قصيدة أن يكون لها معنى واقعي وحيد هو صورة طبق الأصل من فكرة ما لدى الشاعر )) ( 2 ).
ومن هنا يمكن لقارئ قصيدة أدونيس أن يستبعد المعنى السطحي المباشر للجوع حتى لو صحّ أن الشاعر أراد هذا المعنى ، لأن الجوع ليس مقصورا على جوع البطن فقط ، فهناك أنواع أخر للجوع يمكن الالتفات إليها والاستفادة منها لتذوق القصيدة والتفاعل معها .
ولماذا لا نرى في جوع الشاعر جوعاً معرفياً فلسفياً ، أي تطلع الذات إلى معرفة كنه هذا الوجود وأسراره . أليس هذا الوجود لغزا ؟ ثم أليس أدونيس من بين الشعراء الذين ينظرون إلى الحياة نظرة تأملية ماورائية ؟.
إن أدونيس جاهل بحقيقة نفسه كإنسان وحقيقة ما حوله ، وقد أرهقه البحث عنها ، حتى انفتَّ قلبه ، وتفسخت قدماه ، وتهدلت عيناه ، وتيبست أعماقه وعروقه وانهد شبابه حتى صار لا يقوى على المشي إلا متقهقراً ، وحتى كاد ينكر حاله الجميع .
وإذا ارتضينا أن المقصود بالجوع هنا هو جوع معرفي ، جوع وتلهف الصوفي للاتحاد مع الذات العليا لأجل اكتشاف كنهها ومعرفة خفاياها وتجلياتها في الكون فإن ألفاظاً مثل : ( دربي ـ الطريق ـ الغد ـ الموسم المتجدد ـ الرغيف ) ، يصبح لها دلالة الأمل الذي يرجوه الشاعر وهو الوصول إلى الحقيقة الكبرى والسر الدفين .
وكذلك تصبح كلمات أخر مثل : ( متفسخ القدمين ـ متيبس العروق ـ عذابي ـ تهدمي ـ النزيف ـ الخريف ) ، لها دلالة على المعوقات التي تعوق وصول الشاعر إلى مبتغاه .
لقد استطاع أدونيس في هذه القصيدة أن يصور بلغة شفافة وإيقاع ساحر لحظة من لحظات وَجْده الصوفي وتوقه الأبدي إلى اكتشاف المخفي وإلى قول ما لم يقل من قبل .
ـــــــــــــــــــ
1 - الآثار الكاملة ، أدونيس ، دار العودة ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1971م، المجلد 1 ، ص 18.
2 - عن بناء القصيدة العربية الحديثة ، علي عشري زايد ، وكالة المطبوعات ، الكويت ، ص 36 .



#عادل_بشير_الصاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء الصعيد وهوانم Garden city
- لو كان الإسلام رجلا لقتلته
- وصية ابن الراوندي
- انتظروا الزحف المليوني نحو القدس
- إشكالية وصول الكلام إلى المتلقي
- عذراً .. لا تعجبني هذه الأسماء
- فاكهة صغار الملحدين
- مراتب المؤمنين بالله
- نبي المسلمين بين محبيه وشاتميه
- بين يدي إبليس
- القذافي .. ضحية التهريج الإعلامي
- ترانيم قداس عام جديد
- الحب كما تصوره الرومانسيون الأوائل
- ثرثرة حول غربة الشعر الحديث
- كيفية الصلاة على الميت الملحد
- المقولات العشر 2
- المقولات العشر 1
- مزيدا من الحوار المتمدن
- إشكالية مصطلح الإيقاع
- وقفة مع ( مواكب ) جبران


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل بشير الصاري - أدونيس .. الشاعر الجائع