أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - العراق بين حروب القرار وحروب الاستجابة















المزيد.....

العراق بين حروب القرار وحروب الاستجابة


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3646 - 2012 / 2 / 22 - 22:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لست متفائلا أبدا بالقادم من الأحداث, التفاؤل مطلوب لكنه قد يكون كخداع النفس وطمأنتها من خلال الوهم. والعراقيون بعد عقود متراكمة من القهر والقمع والحروب واليأس والإحباط قد يتمسكون بالوهم كحالة دفاع عن الذات, وهذا السلوك هو حالة طبيعية لإعطاء تفسيرات مقنعة بجدوى الحياة وبإمكانية التعايش مع صعابها ومستحيلاتها.
نحن نعلم أن الساحة الإقليمية بدأت تضيق لكي تكون على صعيد المتغير السياسي وكأنها ساحة واحدة, خاصة تلك التي تجمع بين الدول الأربعة سوريا وإيران والعراق ولبنان, ولذلك لا يمكن لنا أن نعزل سياسيا بين ما يجري في الساحة السورية والساحتين العراقية والإيرانية, ولذلك أيضا فنحن نتوقع أن تكون للأحداث السورية والإيرانية قريبا تأثيراتها المأساوية على الساحة العراقية. وقد بدأت ملامح ذلك تتشكل من خلال معظم الأزمات التي تصاعدت في الفترة الأخيرة.. لماذا؟! لأن هذه الساحات الأربعة تشتغل بذات المفاعل النووي السياسي, وبالنسبة إلى الساحة العراقية فمنذ أن سقط نظام صدام حتى تغلب ما هو إقليمي فيها على ما هو وطني. هذه الساحة, وبتأثير من قواها السياسية التابعة للقوى الدولية والإقليمية قد تحولت من ساحة قرار أكثر من اللازم إلى ساحة استجابة تفوق اللازم.

منذ أن تأسست الدولة العراقية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى وهي تخوض معارك شتى يتغلب كثيرا ما هو سياسي فيها على ما هو اجتماعي واقتصادي, وفي أوقات كثيرة عطل الأول الثاني وأنهاه. وفي حين كان على أغلبية دول العالم الجديدة أن تواجه تحديات ذات علاقة ببنائها الاقتصادي والاجتماعي فإن الصراع على هوية العراق وانتماءاته القومية والإقليمية ظل يتغلب على بقية الصراعات الأخرى, وتحت شعارات الحرص على هويته الوطنية من جهة وانتمائه القومي من جهة ثانية وانتماءاته الأممية من جهة ثالثة ظل وضل العراق يتنقل من أيدي الوطنيين إلى أيدي الشيوعيين إلى الأيدي القومية.
وفي حمىّ وشدة هذه الصراعات صار طبيعيا أن يفقد العراق فرص تطوره الاقتصادي والاجتماعي لصالح معاركه السياسية غير المحسومة والمفتوحة النهايات, ومن ثم فقد طغت على حياته معارك ليس لها صلة كبيرة بحياة شعبه وتطوره الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بقدر ما كانت لها صلة بالحاجة إلى تعريف وحسم هويته الوطنية والقومية وصولا إلى منحدر الصراع الحالي على الهوية المذهبية.
ومنذ أكثر من نصف قرن والعراق ما زال تحت التكوين تتصارعه معركة البحث عن الهوية التي نحرت على طريقها فرص تقدمه وتطوره. ومن الأكيد أن هناك دولا عربية أخرى تشاركه بدرجات مختلفة نفس الاحتدام كمصر وسوريا, لكنه بالتأكيد فاقها, بفعل موزائيك تكوينه الاجتماعي وموقعه الإستراتيجي في حدة وحجم وعدد صراعاته ومعاركه بحيث أنه لم يملك المساحة الزمنية اللازمة لتطور شخصيته الوطنية وشخصية شعبه الثقافية باتجاهات واضحة ومعرفة.

لكن هذا الاحتدام وصل إلى حده في العراق الأمريكي الذي سلم الراية إلى عراق الفساد والطائفية, فلم يعد البحث عن الهوية الوطنية يسير على نفس المستوى من التشتت والاستجابات للخارج الإقليمي أو الدولي وإنما امتد لكي ينحر ما تكوّن من ثقافة اجتماعية تهيأت لها فرص خفية للتكون بمعزل عن الإسقاطات السياسية, وبدلا من أن تعثر الدولة العراقية على هويتها الوطنية فقد فقدت حتى هويتها الاجتماعية في حمى الصراع الطائفي والقبلي والمرجعي, وفي وسط هذا التدهور الذي تتسيده مشاهد لدولة طوائف ممزقة وعاجزة فقد العراق تماما أي قدرة على أن تكون له حصة في القرار الإقليمي وأصبح ساحة استجابة كاملة تنعكس على أرضه صراعات الخارج وتهيؤه لإنفجارات قادمة ليس هناك من سبيل أبدا لمنعها أو التخفيف من صدماتها.

في عهد عبدالكريم قاسم صار العراق ساحة لصراعات الحروب الباردة بين المعسكر الشيوعي والرأسمالي, وتَوزَعَ أهله, تارة بين قاتل يساري ومقتول قومي, وتارة بين قاتل قومي ومقتول يساري. وحتى في عهد استراحته الإجبارية أثناء حكم الأخوين عارف فقد كانت تلك الاستراحة حالة سلام شاذة في ساحة بلد لم يعد بمقدوره أن يجد نفسه إلا من خلال الحروب والعراك والتخاصم والتقاتل.
وحينما استولى صدام على السلطة فقد عمل على طغينة الهوية القومية للعراق على حساب هويته الوطنية وحاول أن يعطي العراق دورا إقليميا مقررا لا يتناغم مع قوانين السياسة التي تعمل بخدمتها مصالح قومية وإقليمية ودولية أخرى في ساحة تم اختيارها بإرادة الطبيعة, وبحكم الجغرافيا ومنابع الطاقة, لكي تكون في المنتصف الثاني للقرن العشرين ساحة لأولمبياد دولي كانت أمريكا قد فازت بكل ميدالياته الذهبية, وتركت لمنافسيها وحلفائها وأعدائها الآخرين فرصة تقاسم ميدالياته البرونزية والنحاسية.
وكانت مشكلة صدام مشابهة لمشكلة الشاه حينما أراد أن يتبارى وأمريكا على الميدالية الذهبية بدلا من أن يقتنع بفرصة الفوز بميدالية برونزية أو حتى نحاسية.

وبينما بدا العراق, بغياب صدام وزوال عصر طغينة الهوية القومية, وكأنه بلد يحاول أن يعيد التوازن بين هوياته الوطنية والإقليمية والقومية والدولية فإذا به هذه المرة لا يجد القوى والحالات التي تؤهله للعثور على ذاته, فكان أن وقع في حالة ضياع كاملة تحت رحمة أقوام وطوائف وقبائل ومرجعيات متنافرة متقاتلة, وأفكار وأيديولوجيات وعقائد كان أن جعلت عودته إلى الذات تتم بشكل متأزم.
فالعراق الذي كان يبحث عمن – ينتشله - من الأمام فوجئ بمن – ينشله - من الخلف.. وكان الفرق بين من ينتشله وبين من ينشله تماما كما الفرق بين المنقذ والنشال.
وفي عصر النشل وليس عصر الانتشال دارت وما زالت تدور رحى المعارك بين نشالين لا بين منتشلين.

وإن ما حدث بعد الاحتلال هو في حقيقته وقوع العراق تحت هيمنة قوى ماضوية تأكل من ذاته لذاتها, وليس تحت رحمة قوى مستقبلية تعطي لذاته من ذاتها.
ولذلك صار عليه أن يستدير إلى الخلف لكي يبدأ مسيرة تجهز على ما تبقى منه. وبدلا أن يجد العراق ذاته من جديد ويخرج لمحيطه العربي والإقليمي بثياب وطنية تقيه حر الصيف وبرد الشتاء, إذا به يفقد ما تبقى من خرق كانت تستره.
ومهما كانت العقائد والأفكار التي تشرع وتفتي لهذه الإحتدامات الجديدة فإن الصورة في النهاية تبدو موزعة بين أقوام وطوائف تمثل خارجه في داخله, ولا تمثل داخله في خارجه.
وبينما قدر لصدام حسين أن يُعّوِم هوية العراق الوطنية لصالح هويات متفرقة منها ما هو شخصي يتعلق بذاته ومنها ما هو قومي يتعلق بأحلامه, فإن حكام العراق الحاليين ضيعوا الأمل لأن يسترد العراق هويته الوطنية.
وبينما واجه العراق أخطار عملقته الوهمية على يد صدام, التي تجاوزت حجمه وقدراته, فإنه يواجه الآن أخطار تقزيمه, التي تنهي حجمه وقدراته.
وبينما حاول صدام حسين أن يجعل من العراق ساحة قرار قومي أكبر من حجمه وتؤثر فيما حوله فإن قادة العراق الجديد حولوه إلى ساحة استجابة كاملة لما يحدث من حوله وتؤثر في داخله.

في الداخل العراقي يتم كاملا نصب سرادق الاستجابة الكاملة للمتغير الإقليمي بين قوى أضاعت قرارها الوطني لصالح ارتباطاتها الإقليمية, قوى تنتظر نتائج الاحتدام السوري لتقرر شكل احتدامها القادم, قوى حولّت العراق من ساحة لقرار فاق المعقول إلى ساحة استجابة تفوق المعقول.
وبين تلك وهذه هل سيكون غريبا أن ينتقل العراق من السيئ إلى الأسوأ.. ؟!



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهاشمي.. قضيته وقضيتنا .. القسم الثاني
- الهاشمي .. قضيته وقضيتنا
- الجمهورية العراقية القضائية العظمى.. مقالة ليست ساخرة
- العدالة الانتقالية
- يوم اختلف الأسمران.. أوباما وخلفان
- رئاسة الوزراء.. دورتان تكفي
- سليماني.. قصة تصريح
- العراق.. صناعة النفاق الديمقراطي
- قضية الرموز والرجال التاريخين في النظام الديمقراطي
- المؤتمر الوطني.. الفشل الأكيد
- إغلاق مضيق هرمز.. وهل يتعلم الحمقى
- موقف العراق من سوريا.. ميجاهيلية سياسية
- فليحاكم الهاشمي سريعا.. أصل الحكاية 3
- تصنيم القضاء أم توظيفه.. أصل الحكاية.. 2
- بين المطلك وأوباما والمالكي.. أصل الحكاية / القسم الأول
- مثال الآلوسي.. وقانون التسي تسي
- قضية الهاشمي والقضاء العراقي المستقل
- من يتآمر على سوريا.... نظامها, أم قطر والسعودية.. ؟!
- الانتخابات المصرية.. بين المطلبي والسياسي
- اغتيال المالكي.. قصة الكيس وفئرانه الخمسين


المزيد.....




- مصر.. الدولار يعاود الصعود أمام الجنيه وخبراء: بسبب التوترات ...
- من الخليج الى باكستان وأفغانستان.. مشاهد مروعة للدمار الذي أ ...
- هل أغلقت الجزائر -مطعم كنتاكي-؟
- دون معرفة متى وأين وكيف.. رد إسرائيلي مرتقب على الاستهداف ال ...
- إغلاق مطعم الشيف يوسف ابن الرقة بعد -فاحت ريحة البارود-
- -آلاف الأرواح فقدت في قذيفة واحدة-
- هل يمكن أن يؤدي الصراع بين إسرائيل وإيران إلى حرب عالمية ثال ...
- العام العالمي للإبل - مسيرة للجمال قرب برج إيفل تثير جدلا في ...
- واشنطن ولندن تفرضان عقوبات على إيران تطال مصنعي مسيرات
- الفصل السابع والخمسون - د?يد


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - العراق بين حروب القرار وحروب الاستجابة