مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 1073 - 2005 / 1 / 9 - 09:33
المحور:
القضية الكردية
هشاشة الواقعية وصحة النهج
في مسارات الانهيار "5"
في الخطاب الحزبي بشكل عام , والكوردي في سوريا بشكل خاص , يطغى عليه التبجيل والتفخيم , طبعا لا ضير من وجوده فيما لو كان الهدف سياسيا , بمعنى يساهم في تبلور وتكون وعي سياسي مدني وديمقراطي , لكن في حالة الأحزاب التي نشأت وترعرت في أجواء استبدادية , أو في ظل أنظمة لا ديمقراطية , يصبح التبجيل الحزبي , والتفخيم الشخصني , مادة نضالية يستعاض بها في الممارسة اليومية , بديلا عن الهدف الشعبي والسياسي , بحكم انسداد الواقع وغربة الإنسان فيه أولا , ولأن الواقع اللاديمقراطي ينتج أحزاب لا ديمقراطية ثانيا , وبالتالي لا تمتلك هذه الأطر القدرة على قبول الآخر من جهة , وتنتفي ديناميكية التغيير الداخلية لديها , من جهة ثانية , لذلك نلمس كلاما تبجيليا عن واقعية هذا الإطار , وعن التاريخ المسكين الذي اثبت صحة نهج ذاك الإطار .
والكلام التبجيلي عن الذات , كلام مشحون , ليس لأنه يبتعد عن الوعي الإنساني بالشيء , وانما لأنه يسعى إلى تجنب الواقع , بابتداع واقعية خيالية تنسجم مع دائرته التفسيرية غير القابلة للإثبات , وخاصة بين الوعي المنتج للواقعية الخيالية , وبين الواقع المأساوي الذي هي بعيدة عن مجرياته , بل تحاول الهروب من مستحقاته , والتناقض بين الوعي والواقع , يدفع بالوعي الحزبي إلى تسطيح الواقع وتعويم وقائعه , وبالتالي تنفيسه أفراغياً , عبر إحلال فكرة " الكلية " كلية الحزب , كلية القائد الذي يسمى الحزب باسمه , كلية القدرة والصحة , ودائما , الوعي التنفيسي يتضمن مساريب ودهاليز مروعة للاختراق والتبعثر .
اعتقد بان أية مقولة , تتطلب حاملها , والحامل الوحيد في مقولة صحة النهج الواقعية , تنحصر في حلقة حزبية لا تستطيع أن تنتشر في المجتمع , وبالتالي هناك تناقض فاضح بين المقولة , وبين حاملها المجتمعي , ومركز التناقض يقع في صلب البناء الحزبي , سواء بمفاهيمه , أو باليات عمله وطرائق تفكيره غير المتسقة مع المجتمع في حركيته ومتطلبات تغييره , وبالتالي يكون التناقض مسار معبد لانشطارات حزبية , عدائية في بدايتها , ثم بعد تثبيت سلطة الفرع وابتداع واقعيته الخاصة , يعود الخطاب ليعزف على الحان الوحدة والتآلف والى ما هنالك من مقولات تقوية الواحد بالآخر .
والملاحظ دائما , أن الأطر بإنتاجها وعي الواقعية المزيف هذا , تعمل جاهدة لدرء استفحال التناقض , أو تسعى للتعمية على وجوده في بنائها الداخلي , لذلك تلجا إلى المغالاة النظرية , والى محاكاة ساخرة للوضع الذي تقبع فيه , والمحاكاة الساخرة تأتي من درجة الانتقائية للأنشطة التي تستند إليها الواقعية وصحة النهج الحزبية , بحيث إنها لا تستطيع سوى تمجيد رومانسيتها في بيئة مجتمعية تسودها فوضى بنيوية , متأصلة , نتيجة الاستبداد والقمع السوري العام .
ما أود قوله في هذا الجانب , أن حركة الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي , في الأطر الكوردية الحزبية , تسير باتجاه الاختزال والتقمص , حيث يطغى العنصر الشخصي , على العام السياسي , والوعي بالواقعية إلى وعي حزبي له واقعيته الخاصة غير المجسدة في المجتمع , أو غير ملموسة , أو لا يدركها سوى الحزب وأعضاءه , قبل الانشطار , ثم تتحول إلى واقعيتين تملكان كل مقومات الصحة الحزبية بعد الانشطار , بحكم أن الوعي الشخصاني يجعل من الإطار الحزبي , مجرد شبكة من العلاقات الشخصية , ذات دوائر متقاربة ومتشابهة , من حيث الوعي والسلوك والخطاب , إذ لا عمل مؤسساتي فيها , وقراراتها تتخذ دائما وراء الكواليس , لها مسلك واحد تتبعه وتمر عبره , هو القناة الشخصانية , وأية قناة من هذا النوع , لا تجـيد سوى تمجيد تاريخها ( تاريخها المطلق الصحة , والوهمي من قبل الآخر ) أكثر من اهتمامها بالمستقبل , وكيفية الدخول في معطياته , بمعنى وعيها الحزبي يمنع عنها إدراك كنه السياسة المطلوبة والياتها العملية للتناغم مع المستقبل , مثلما يمنع عليها الوعي بالاختلاف , سواء اختلاف منتجات الحياة الواقعية للإنسان , أو تنوع آراء وتصورات وفعالية الإنسان في تلك الحياة , وبالتالي يتم الخروج من الحزبية بامتلاك قابلية التجاوز , التجاوز على الآخر , الرافض لان يكون أي موقف له قابل للخطأ , مثلما هو قابل للصواب , حيث الجزم بالصحة , تجاوز وهروب إلى تفخيم زمن تعاد فيه تكرارية الفشل , بمعنى الفشل في أبداع بناء لمفاهيم الاختلاف أو إيجاد مفاهيم حزبية , أو سياسية قابلة للعيش في الراهن القادم , يؤدي بها إلى الانتكاس والاحتماء بتاريخ هو لها وحدها , لتعيش فيه , وتستنبط منه مفاهيمها التي انتهت فترة صلاحيتها المجتمعية .
لو حاولنا التوقف على مفهوم الزمن في الواقعية الحزبية , نجد بأنه زمن ماض بكل مفاصله , لكن تأثيراته وانعكاساته لا زالت مستمرة دون تبديل يذكر , ومعلوم أن استمرارية زمن بهذا السكون والكيفية , يخلق لدى البعض وهم , يمكن تسميته بـ " وهم الحقيقة " , وهو ناتج وعي تخيلي , يعتبر أن الاستمرارية جاءت نتيجة الصحة , بينما هي في حقيقة الأمر , نتيجة دوامية الاستبداد العامة , لذلك يتشكل وهم امتلاك الحقيقة , الذي يدفع بصاحبه إلى التطلع بالعيش في الزمن المتغير الراهن , بمقاييس الزمن الماضي , بمعنى ليس الوهم , هو نتاج استمرارية الزمن , وانما بسبب توقف التطور التصاعدي , وارتكاسات القمع المنظم الذي تعرض له المجتمع السوري في ظل حكم الحزب الواحد , حتى الشخوص التي احترم دورها سلبا كان , أم إيجابا , اغلبها شخوص نشأت وسادت , ليس في زمن الفعل الايجابي , قدر ما إنها وُجدت في زمن الخيبة ووهم الانتصارات الانشقاقية , وهي استمرت بحكم لا ديمقراطية الواقع السوري , وانتفاء أية ملامح تساهم في تبلور حرية للتعبير أو الرأي أو النقد , لذلك بقيت أغلبية الأطر تصارع مؤاتها السياسي , بمنأى عن النقد , تتحصن في جدار الحماية الحزبية ذو الاتجاه الواحد , ومستفيدة في الوقت نفسه من عدم تبلور رؤية سياسية/ثقافية مجتمعية متخصصة .
ووفق ركائز الوجود اللازمنية الأنفة الذكر , نجد في هذه الأيام الحبلى بارهاصات متعددة , تحمل تغييرات نوعية , قد تطال الكثير من بنى المجتمع السوري , اطر وشخوص متنوعة تتغنى بالواقعية وصحة النهج التاريخية , ولعل التغني في خضم تلاطم القادم , أو ما يتوقع له أن يحدث , هو تعبير عن ارق شخصي على مستوى الإطار الحزبي , أو على مستوى الشخصنة التي يستمر فيها الإطار , والأرق هنا , يتجسد بسؤال " أين سأكون في المستقبل القادم " , المستقبل الذي بدأت ملامحه في الظهور , ولا يوجد ما تتشارك فيه هذه الأطر بشخوصها الراهنة , مع معطيات المستقبل وبوادر تجسيداته , لذلك وكحالة دفاع عن الموقع تلجأ إلى الانتكاس نحو الماضي , تتغنى به , وتعيد اجترار بهائه , وبالتالي فهي أما أن تخرج من الزمن , أو تسعى إلى إلباسه قهريا بما يتوافق مع ديمومتها , وفي الحالتين , أقول وبصراحة تامة , أن الوقت قد حان لوقف حالة الانهيار وبدء عملية الإنقاذ , إنقاذ القضية الديمقراطية , وبضمنها المسالة القومية الكوردية , من الافتراس مجدداً , إنقاذ الواقع من اللاعقلنة الحزبية غير القادرة على تجديد نفسها , إنقاذ الإنسان من براثن شخوص تأبى المناقشة وترفض الاختلاف , إنقاذ العقل السياسي والثقافي من محاولة إعادة تصديره إلى الوراء .
اعتقد بان على الكثير من الأطر والشخوص السورية أن يفهم , أن يدرك , بان الزمن في حركته التصاعدية ليس في مصلحتهم ومصلحة واقعيتهم البائسة , وبالتالي الوهم اللاتاريخي لاستمراريتهم , بات مضحكاً , فالخروج من الزمن يجعلهم عرضة للتدمير من الخارج , والتجني على الواقع الداخلي , السوري بكل تنويعاته القومية , باختزاله إلى واقعيتهم , يعرضهم إلى التدمير الداخلي , وبين الداخل والخارج , أتمنى حقيقة أن نؤسس لحاضر كوردي , مدني , يقبل الاختلاف والتنوع , في زمن نحيا ونتفاعل ونؤثر ونتأثر به , لا أن نجعله زمن يجتر خيبات زمن ماض ؟.
القامشلي 8/1/2005
كاتب كوردي – ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟