أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - حكاية تنين العراق














المزيد.....

حكاية تنين العراق


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3626 - 2012 / 2 / 2 - 15:46
المحور: الادب والفن
    


يروي المؤرخ السومري العريف : " كمراس تبن " ، من معبد : "جاك بريجهبيده " ، أن تنيناً شرساً إختار النزول في غابة العراق ليملأها قسطاً و عدلاً بعد أن ملئت جوراً و ظلماً ، و ذلك بحرق مغتصب العرش "هجوع لامرجم" ، و تقسيم خيرات الغابة إلى أراض للحمى بين وحوشها . قبل نزوله في أرض السواد ، طلب التنين من طريدي الغابة إرسال وفد للقائه في "لامش لا روخام" للإتفاق على متطلبات المرحلة الجديدة . هرعت القرود و الذئاب و الكلاب و الضباع و الثعالب و الفيلة و النمور و القوارض و البوم من كل مكب و صون للقاء التنين و حاشيته من القرود ، و كلهم يضرب أخماساً بأسداس و هو يتساءل : " ما الذي يدفع هذا التنين لقطع الفيافي و القفار و البحار لينزل في أرض السواد ؟ و ما الذي يغريه في اختيار العراق دون غيره من بقاع المعمورة ؟" في لقائهم به ، بدد التنين كل شكوكهم عندما خاطبهم و هو يرفع بذيله عالياً شهادة الجنسية العراقية :
- أعزائي حواوين الغابة المحترمين : إسمعوا و عوا : أنا عراقي بن عراقي ، و هذا هو دليلي مرفوع أمامكم . و كعراقي ، فإن لي حق و مستحق ثابت فيه ؛ كما أنني لا أريد لغابتي إلا كل الخير .
بحلقت الحيوانات العراقية الشريدة الطريدة في الدليل القوي المتين . الشهادة مضبوطة ضبط العقال ، و الدليل قاطع لا إمتراء فيه . ثم تداولت فيما بينها : الكل يعلم أنه لا توجد تنانين في غابة العراق ، و لما كان هذا التنين عراقي الجنسية بالدليل المشهود المشهور ، إذن فهو لا يمكن أن يكون إلا مخلوقاً مقدساً و مباركاً ، بل و معجزة حقيقية بعث بها رب السماء رحمة بالحواوين ، و نصرة لعباده المؤمنين على حكامه الظالمين .
خرّت كل الحواوين ساجدة للتنين ، و قدمت له الأضاحي و القرابين ، و اتخذوه رباً جديداً لهم يسبحون له و يطلبون رضاه في كل آن و حين .
دخل التنين دروب الغابة مع مريديه وسط طوفان الدماء و صراخ الثكلى و المكلومين . بعد الدخول ، أتخذ التنين من القلعة الخضراء مقاماً ، و طلب ممثلاً واحداً من كل نوع من مريديه الحواوين ليزوره بين الحين و الحين ، و ينقل قراراته للرعية المتقين . و لما كان كل واحد من عباد الرب الجديد يرى في أنفه زعيماً لا يجوز أن يحل محله أي مدع آخر أثيم ، لذا فقد اندلعت الحروب و الغزوات و المنازلات بين الحواوين . تفرّج التنين من أبراج قلعته على عمليات الكر و الفر ، و الجر و العر ، و الطر و الهر ، و العلس و الهلس ، و الصك و الفك بين الفرقاء المتقاتلين و قد غمرته البهجة و السعادة ؛ و راح يقهقه عالياً و هو يهني نفسه على إختياره الصائب لهذه الغابة منزلاً بهيجاً لا مكان فيه للملل في أي حين و في كل حين . لقد رزقه حظه بمسرح حيوي تنفذ فيه يومياً آلاف المسرحيات من كل نوع قديم و جديد . و لا يوجد على أديم الأرض كلها مسرح زاخر بالتنوع يستطيع منافسة مثل هذا المكان : فكل المآسي و الملاهي تنفد بالمفرقعات الحقيقية و بالدم و اللحم الحي . و صار بوسعه أن يمتع نفسه في كل يوم بمشاهدة عشرات الأشرطة المجانية الجديدة ذات الحبكات المبتكرة و الإخراج المتقن و بالألوان الثلاثية الأبعاد .
و لكن سروره لم يدم طويلاً ، فبعد أن تطشّرت أشلاء العديد منهم مثل طشّار ذرور البعرور ، عادت الحواوين منهكة مكلومة لربها الجديد ، و منحته إمتياز الإختيار و التأمير عليهم . و نزولاً عند رغبة عباده الصالحين ، فقد إختار التنين خمسة من الكلاب المطيعة لتمثيل الفيلة و الأسود ، و ستة من الذئاب المدجنة لتمثيل النمور و الفهود ، و خمسة بنات آوى مخنثة لتمثيل الغزلان و الجواميس ، و تسعة جرذان مجدوعة الأنف لتمثيل الذئاب و الكلاب و الضباع و الثعالب و القرود . و بقيت الطيور و الخرفان و الحمير و الأبقار بدون أي تمثيل .
و لكي تتواصل مشاهد العروض الممتعة ، فقد قرر التنين أن يبدأ ممثلو الحواوين دوامهم صباح كل يوم بمباراة "مسك العظام" . و فيها يقف الممثلون صفاً واحداً عند خط الشروع ، و يرمي التنين عظمة واحدة ، فيهجم عليها الممثلون للإمساك بها ، و يستطيع من يمسكها أن يصرفها بما لذ وطاب من عنابر الرب ، و إيداعه في خزانته تحسباً لسواد يوم عصيب آتٍ . و كانت للكلاب حصة الأسد من تلك العظام ؛ فتربربت و تحلوَوَت و تبغددت ، و أصبحت محل تزلف و تفريش البقية .
ثم جاء اليوم الذي يصار فيه إلى تقسيم الغابة إلى مناطق للحمى بين الممثلين . عندها تبارى حواوين الرب الجديد فيما بينهم لوضع اليد على أوسع و أغنى مناطق الغابة ؛ و عادت منازلات و غزوات الجر و العر ، و الكر و الفر ، و الطر و الهر ، و العلس و الهلس ، و الصك و الفك . و للتمتع بكل تفاصيل هذا المشهد الفكاهي البديع ، راح التنين يطير في الجو عالياً كي لا تفوته مشاهدة كل شيء ، فيمتع نفسه بالضحك من عليائه على كل الملاهي . و في يوم من الأيام ، بلغ انغماس التنين بالضحك الشديد من المشاهد الجارية تحته مبلغاً جعله يفقد توازنه في الهواء ، ليخر من سمته فجأة كالنيزك وسط العلس و الهلس . توقفت الحروب ، و خف الأطباء إلى التنين ، و فحصوا جسده الممدد فحصاً دقيقاً ، ثم قرروا :
- إن وخامة جيف هذا المكان قد تسببت بضرر رهيب لصحة التنين ، و لذا فأن من الواجب عليه مغادرته في التو و الحين .
نزل التنين صاغراً عند نصيحة أطباءه ؛ فلملم غراضه على عجل ؛ و أستدعى ممثلي حواوين الغابة ؛ و سلمهم جيفة الحكم القوية . ثم طار نصف نادم إلى مكان بعيد أمين . و من هناك راح يمتع نفسه بالضحك عن بعد على المشاهد التلفازية اليومية لمباريات حواوينه القديمة – بعد أن إتخذت لنفسها أرباباً جديدة – و هي تعاود الإنغماس بكل جد و إخلاص ، و بكل شدة و قسوة ، في منازلات و غزوات و حروب الجر و العر ، و الكر و الفر ، و الطر و الهر ، و العلس و الهلس ، و الصك و الفك .
الرقيم الثالث عشر من سلسلة "العراق الجديد"
دُقق و ووزن طبق الأصل
المؤرخ السومري العريف : كمراس تبن
معبد جاك بريجهبيده
اليوم الثاني من شهر شوباطو
2012 ق . م .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حنقبازية سوق الصفافير
- ليس في الأمر غرابة
- إجوبة مختصرة على أسئلة مهمة
- ملحمة السادة العميديين في الكفل عام 1983
- هل نسي رافد ؟
- ريما أم عظام
- ليلة زيارة الموتى للمقابر
- القتل و الإبتزاز و الدفن : مجرد تجارة ، ليس إلا
- رجع الوجع / الحلقة الأخيرة للرواية / 20
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 19
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 18
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 17
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 16
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 15
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 14
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 13
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 12
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 11
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 10
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 9


المزيد.....




- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - حكاية تنين العراق