أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاروق عطية - حكايتى مع النظام 2-( محمد نجيب)















المزيد.....

حكايتى مع النظام 2-( محمد نجيب)


فاروق عطية

الحوار المتمدن-العدد: 3614 - 2012 / 1 / 21 - 01:32
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


فى السنة الدراسية 1951/1952 كنت فى السنة الأولى بالمرحلة الثانوية ( خمس سنوات ). وبعد أداء إمتحانات آخر السنة الدراسية التى كانت تعقد فى أواخر يونيو وتظهر نتيجتها خلال شهر يوليو, ونحن فى انتظار النتيجة فوجئنا في ليلة لن ينساها تاريخ مصر والمنطقة, وقع في القاهرة حدث غير تاريخها جذرياً ومازلنا نشهد آثارها حتى اليوم، إنها ليلة 23 يوليو حينما خرج الجيش من ثكناته معلنا عن حركته المباركة, وتصدرت صورة اللواء محمد نجيب الصفحة الأولي لجريدة "المصري" وفوقها مانشيت: اللواء نجيب يقوم بحركة تطهيرية في الجيش. كانت الحركة مفاجأة لنا ولم نكن نتوقعها, بالرغم من ظاهرة عدم استقرار الحكم وتتابع تغيير الوزارات يوما بعد يوم ولكن لم يكن يخطر ببالنا أن يحدث إنقلاب عسكرى ضد الملك. من البيان الأول للحركة والذى ألقاه محمد أنور السادات فهمنا أن الحركة قامت لتصحيح أوضاع الجيش وتطهيره ممن يعتبرونه غير كفء للقيادة. وبعد انضمام الأريب على ماهر باشا العدو اللدود لحزب الوفد وزعيمه مصطفى النحاس باشا إلى جانب العسكر, ولتقاعس الأحزاب ولسرعة تأييد الجماهير للحركة بدأت تتغيرتطلعات قادة الحركة وظهر جليا أطماعهم فى تولى السلطة, وتتابعت الأحداث بتنازل جلالة الملك عن الحكم لإبنه أحمد فؤاد, ثم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية.
فى البداية لم نكن نعلم شيئا عن القائد الحقيقى للحركة أو القيادات الرئيسية بها, ولكن الشخص الوحيد الذى كان واضحا فى الصورة وقتها هو ذلك الإنسان الطيب اللواء محمد نجيب الذى حمل رأسه على كفه ليلة قيام الحركة بهذا الانقلاب ولو كان قدر لها الفشل لكان هو الوحيد الذى سيتحمل وذرها دون الآخرين. أختير للقيادة كونه واجهة مشرفة للحركة لأنه كان برتبة لواء, ومعروف عنه أنه بشوش وسيم الوجه وقور ومثقف "حاصل على ليسانس الحقوق وديبلومين فى القانون تؤهلانه لنيل درجة الكتوراة"، ولد محمد نجيب بالسودان بساقية أبو العلا بالخرطوم, لأب مصري وأم سودانية المنشأ مصرية الأصل اسمها "زهرة احمد عثمان", وإسمه بالكامل محمد نجيب يوسف قطب القشلان, وهو من مواليد 19 فبراير 1901 (تسنين). تدرج بالجيش المصرى حتى رتبة لواء فى 9 ديسمبر 1950. انتخب رئيسا لنادى الضباط فى ديسمبر 1951 ولكن الملك لم يعتمد النتيجة وأصر على وضع أحد أعوانه بدلا منه (حسين سرى عامر باشا) مما عجل بقيام الحركة. وكانت احتمالات فشل الحركة مرجحة لولا الدور الذى لعبته السفارة الأمريكية فى تحييد الجانب الإنجليزى المنحاز إلى الملك، فما كان أيسر قيام عدة طائرات بريطانية من قاعدة قنال السويس لإنهاء التمرد. يقول السادات فى مذكراته عن علاقة الحركة بالأمريكان الأتى: فى فجر 23 يوليو فكرنا فى الاتصال بالأمريكان لنعطيهم فكرة عن أهدافنا، وكنا نريد من ذلك الاتصال تحييد الإنجليز. ولم نكن نعرف أحدا فى السفارة الأمريكية ، وهدانا البحث إلى على صيرى الضابط المسئول عن مخابرات الطيران وكان صديقا للملحق الجوى الأمريكى "إيفانز" وأبلغ رسالتنا إليه والذى نقلها إلى جيفرسون كافرى السفير الأمريكى الذى اعتبرها لفتة طيبة من جانب الحركة.
كان اختيار تنظيم الضباط الأحرار لمحمد نجيب سر نجاح التنظيم داخل الجيش, فكان ضباط التنظيم حينما يعرضون علي باقي ضباط الجيش الانضمام إلي الحركة كانوا يسألون من القائد، وعندما يعرفوا أنه اللواء محمد نجيب يسارعون بالانضمام.
ويؤكد اللواء جمال حماد ـ أحد الضباط الأحرار ـ أن الحركة لم تكن لتنجح لولا انضمام اللواء محمد نجيب إليها لما كان له من سمعة طيبة في الجيش، ولما كان منصبه ذو أهمية إذ أن باقي الضباط الأحرار كانوا ذوو رتب صغيرة وغير معروفين. وفي ليلة 23 يوليو لعب محمد نجيب أخطر دور في نجاح الحركة, فقد انكشف سر الثورة الساعة 9:30 مساءا، وعرف أن مؤتمراً لرئيس الأركان الفريق حسين فريد سيعقد في الساعة العاشرة في مقر القيادة لترتيب القبض علي الضباط الأحرار، فقام علي الفور بإبلاغ يوسف صديق بالتحرك قبل ساعة الصفر بساعة، وبالفعل تحرك يوسف صديق ونجح في اقتحام مركز القيادة والقبض على من فيه من قادة, ولولا هذا التحرك لفشلت الثورة ولقضي عليها قبل أن تبدأ.
ظللنا لمدة طويلة نحسب أن نجيب هو الرأس المخطط للحركة, وأخيرا علمنا أن عبد الناصر هو القائد الحقيقى لها, ولكنه كان يخشى الظهور منذ البداية بحجة أن له أطفال صغار فى حاجة للرعاية سوف يقاسون عند فشل الحركة, وبالقطع الفشل سيؤدى لمحاكمته عسكريا وإعدامه. وتوجه السادات إلى السينما ليلة 23 يوليو وافتعل معركة مع أحد رواد السينما وأصر على عمل محضر فى قسم البوليس ليكون دليل ابتعاده عند الفشل. أما نجيب الذى تنكر له الجميع فقد كان شجاعا لم يرهبه الموقف وكان مستعدا لتحمل كل العواقب بمفرده. وبعد نجاح الحركة وتحولها إلى ثورة بدأ ظهور الآخرين، وتولى عبد الناصر رياسة الوزارة وأراد لنجيب أن يكون رئيسا شرفيا للجمهورية ليس إلا. وفى مارس 1954 نشب الخلاف الحاد بينهما، خلاف على السلطة بين رجل يريد أن يمارس الرياسة ويصر على الديموقراطية وإعادة الأحزاب, متذكرا للدرس الذى تلقاه من الزعيم مصطفى النحاس, ففي عام 1929 تعلم محمد نجيب هذا الدرس, فقد أصدر الملك فؤاد قراره بحل البرلمان لأن أغلبية أعضائه كانوا من حزب الوفد الذي كان دائم الاصطدام بالملك فتخفى في ملابس خادم نوبي، وقفز فوق سطح منزل مصطفى النحاس، وعرض عليه تدخل الجيش لإجبار الملك على احترام رأي الشعب، لكن النحاس قال له : أنأ أفضل أن يكون الجيش بعيدا عن السياسة، وأن تكون الأمة هي مصدر السلطات، كان درسا هاما تعلم من خلاله الكثير حول ضرورة فصل السلطات واحترام الحياة النيابية الديمقراطية، وهو الدرس الذي أراد تطبيقه بعد ذلك عام 1954. أما الرجل الآخر "عبد الناصر" ويرى فى نفسه أنه الأحق بالسلطة والمؤسس الحقيقى للحركة ويريدها ديكتاتورية عسكرية. وانتهى دور محمد نجيب ولقى ما لقى من عذاب هو وأسرته. اعتقل وحددت إقامته فى قصر زينب الوكبل بالمرج. ورغم سوء معاملته ظل الرجل وفيا ومجاملا، يرسل برقيات التهنئة إلى عبد الناصر فى كل المناسبات القومية والشخصية. حتى صلاح سالم الذى تخصص فى التشهير به فى كل المناسبات, ذهب نجيب لزيارته أثناء مرضه وعندما توفاه الله ذهب ليعزى أخيه جمال سالم الذى فوجئ بحضوره فقال مندهشا: جئت تعزينى فى صلاح بعد كل ما فعلناه بك؟ فرد عليه بابتسامته الوقور: الواجب واجب يا جمال.
فى يوم الخميس أول نوفمبر 1957 بعد العدوان الثلاثى بأيام، بعد أن تردد أن الإنجليز بعد الانتهاء من عبد الناصر ينون إعادة نجيب إلى السلطة. فى حوالى الواحدة صباحا حضر إليه المقدم الشناوى وأخبره أنه يريد إبعاده من هذا المكان القريب من المطار إلى منطقة الهرم ليكون فى مأمن من الغارات, خرج لا يحمل معه إلا حقيبة تحتوى بعض الغيارات والمصحف وبعض الكتب والمسبحة وسجادة الصلاة. لم تتجه السيارة للهرم بل اقتادوه إلى قطار الصعيد فى عربة خاصة، وفى الفجر وصلوا نجع حمادى وأودعوه استراحة الرى, وبد 48 ساعة اقتاده إثنان من ضباط البوليس الحربى إلى مكان آخر, ولما سأل عن المكان كان الجواب ركلا وبصقا وإهانة..!! بعد أيام نقل إلى منزل محامى بمدينة طما وبقى فى غرفة رطبة لمدة 51 يوما تحت حراسة مشددة، ثم أعادوه مرة أخرى إلى المرج حيث ظل حبيسا بهذا المنزل حتى وفاته فى 28 أغسطس 1984.
تذكرت أول لقاء لى بهذا الرجل العظيم بعد قيام حركة الجيش المباركة بشهور، كنت طالبا بالسنة الثانية الثانوية, وكنت أحد أفراد الحرس الوطنى بالمدرسة، أُنيط بنا عمل كوردون على رصيف محطة طهطا لمنع تكأكؤ الجماهير على قطار الرحمة الذى يقل رجال الحركة وعلى رأسهم نجيب. وعند توقف القطار كانت عربة نجيب فى مواجهتى تماما، ابتسم لى برقة وحنان وحيانى رابتا على رأسى. وبعد اندلاع الخلاف بينه وبين ناصر وعزله من السلطة وتولى ناصر السلطة قمنا بتظاهرة كبيرة مطالبين بعودة نجيب وتنحية عبد الناصر مما أدى إلى ملاحقتنا بخيالة البوليس ضاربين إيانا بالكرابيج السودانى، وما زال إحساسى بعلامة الكرباج على ظهرى حتى اليوم.



#فاروق_عطية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا لست إمبرياليا ولكن
- حكايتى مع النظام:1 (الملكى)
- جاليتنا المصرية إلى أين؟
- ملكى أكثر من الملك
- أنا كافر ولى الفخر
- سلفى بدون لحية منكوشة وجلابية
- رسالة تنوير للسيد المشير
- حمارى وانا حرّ فيه
- الأخوان بين هتك العرض وتبويس اللحى
- القطط كمان وكمان
- محاكمة العصر
- حكايتى مع القطط
- فرُقع لوز الأراجوز
- تعبيرات خاطئة نعيش عليها
- الذين يسوقون مصر للفاشية
- حكايتى مع الكلاب
- حكايتى مع الحمير
- عيّل والعيالُ كثيرُ
- الخمر ولله الأمر
- رئيس جمهورية بعمة وجلابية


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاروق عطية - حكايتى مع النظام 2-( محمد نجيب)