|
إنطباعات 1
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3600 - 2012 / 1 / 7 - 11:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إسبوعٌ حافل قضيتهُ في كردستان تركيا ، أي في جنوب شرق تركيا ، خلال الأيام الماضية .. صحيحٌ انني كنتُ ذاهب أصلاً لأخذ جرعة من الدواء الذي من المُفتَرَض ان يمنع إنتشار السرطان في الجسم " حصلت على الجرعة الاولى قبل ثلاثة أشهر خلال سفرتي الاولى الى ديار بكر ، وهي عبارة عن إبرة صغيرة محفوظة في وعاءٍ مُجّمَد .. وهي كما الأشياء الأخرى الضرورية ، غير متوفرة عندنا في اقليم كردستان " . إلا انني ومن خلال صديقي الذي رافقته ، والذي له علاقات قديمة واسعة ، مع السياسيين والمثقفين ، من مُختلف الإتجاهات ، في تلك المناطق ... إستمتعتُ باللقاءات والنقاشات وتبادل الأفكار والإكتشافات .. والتي سأحاول ان اُلخِصها أدناه مع ملاحظات عامة اُخرى : - لن أستطيع الإبتعاد عن ( المُقارنة ) ، فما ان تخرج من " سلوبي " المدينة الحدودية الصغيرة ، وتسير بإتجاه قضاء " الجزيرة " ، ستجد الغالبية العُظمى من الأراضي على جانبَي الطريق ، محروثة ومزروعة بالقمح والشعير .. وكذلك من الجزيرة الى " نصيبين " ، فعلى إمتداد البصر ، ترى الأراضي السهلة الشاسعة مزروعة ، ويبدو انهم لايكتفون بالأمطار الغير منتظمة ، بل ان هنالك مرشات متوزعة على مسافات متساوية ، كذلك رأينا الكثير من أماكن الزراعة المُغطاة ، وحقول الدواجن والمواشي .. الأمر ينطبق على الكثير من الأراضي على جانبَي الطريق الممتد من نصيبين الى دياربكر ، أو من " ميديات " الى دياربكر .. عموماً ان المسافة الممتدة من سلوبي الى ديار بكر والتي تتجاوز ال 250 كيلومتر ، جعلَتْني أغبط أهالي تلك المناطق ، الذين يعملون بِجِد في أراضيهم ويزرعون كُل شئ .. ناهيك عن المصانع والورش الصغيرة والمتوسطة .. فإذا علمنا ، ان المناطق الكردية هذه في جنوب شرق تركيا ، هي الأقل تطوراً وان الحكومات التركية ولا سيما في العقود الماضية ، كانتْ تتعمد إهمالها وتركها عرضة للتخلف .. نكتشف ، السبب في النمو السريع والمتصاعد للإقتصاد التركي على مُختلف الأصعدة .. فكُلما تتوغل أكثر في تركيا غرباً وشمالاً ، تجد الصناعة والزراعة والسياحة أكثر تقدماً ... ما يحز في النفس ، هو ان ، حتى المناطق الكردية في كردستان تركيا .. أكثر تطوراً بمراحل ، من اقليم كردستان العراق .. وان البطالة نادرة هناك ، وعندهم إكتفاء ذاتي في معظم المحاصيل الزراعية ، ويستغلون أراضيهم ومياههم بصورةٍ جيدة ، وان الحكومة تدعم الفلاحين وتشجعهم . في حين عندنا القطاع الزراعي في تدهورٍ منقطع النظير ، وإعتمادنا شبه كلي على الإستيراد من دول الجوار .. وفي الواقع نفتقر كُليةً الى " الأمن الغذائي " من ناحية ، ومن ناحيةٍ اُخرى ، تعودنا على البطالة والبطر ، نتيجة السياسات الخاطئة للإدارة في الأقليم . - كعادتي ، كنتُ أنهضُ مٌبكراً وأتمشى قليلاً في شوارع دياربكر .. وأرى عُمال التنظيف يكنسون الأرصفة وأطراف الشوارع .. تحدثت مع بعضهم وسألتهم عدة أسئلة ، عن عملهم وأجورهم ومِنْ أين هُم ؟ لايوجد في المدينة التي نفوسها يربو على المليون نسمة ، " والتي تُعادل مرتين ونصف نفوس مدينة مثل دهوك " .. لايوجد فيها عامل تنظيف واحد أجنبي .. فالجميع من أهالي المدينة واطرافها ، سواء العائدين الى البلدية او العاملين في شركات التنظيف الخاصة . - من اللافت انه لم يكن هنالك " إزدحام " في مركز المدينة التجاري والسياحي والطبي .. حيث ان حركة السيارات فيها إنسيابية الى حدٍ كبير ، حتى في ساعات الذروة .. علماً انك نادراً ما تجد سيارة فخمة او حديثة .. وفي حين ان مركز مدينة دهوك على سبيل المثال ، يُعاني من إختناقات مرورية في أغلب الفترات ، وان عدد السيارات فيها يتجاوز عشرات الآلاف ، أكاد اُجزم ان مدينة دياربكر ذات المليون نسمة ، ليسَ فيها نصف عدد سيارات دهوك !. فإذا أضفنا الى ذلك ، نسبة المساحات الخضراء والحدائق والأشجار المنتشرة في ديار بكر ، نجد بسهولة ، ان هواءها أنظف من دهوك . - في المستشفى الأهلي المتكون من ثمانية طوابق ، الذي كنتُ اٌراجعه .. كان المرضى يتوافدون في كُل الأوقات وبزخمٍ كبير ، وحيث ان أجور الفحص والتحاليل والسونرات .. لم تكن زهيدة .. فلقد إستغربتُ من الرواج الكبير وعدد المراجعين ، وكيف يستطيعون تحَمُل النفقات ؟ وعند سؤالي عن ذلك ، إكتشفتُ بأن أمثالي من " الأجانب " هُم فقط الذين يدفعون مثل هذه المبالغ ، بينما المواطنون يحملون بطاقات " تامين صحي " ، وتقوم الدولة بدفع أكثر من نصف التكاليف !. حقاً انه نظامٌ ينصف المواطنين ويخفف الضغط عن المستشفيات الحكومية ... في حين ان نظامنا الحالي في الأقليم ، والذي هو" شكلاً " ،يُوفر الرعاية الصحية والطبية ، إلا انه في الحقيقة ، لايُقدم سوى خدمات غير متكاملة لجزء بسيط من المجتمع ليسَ إلا .. بحيث تضطر الى اللجوء الى العيادات الخاصة والصيدليات الأهلية ، وحتى الى دول الجوار . - مدينة ديار بكر ، ليست مثل اسطنبول او انقرة ، لكنها أكثر تقدماً من سلوبي او الجزيرة او نصيبين ، من الناحية الإجتماعية .. وللنساء فيها دورٌ متميز في كافة مجالات الحياة ، فهي تعمل في المستشفيات والمكاتب والشركات والمحلات التجارية والفنادق .. بل وتكون في مقدمة المظاهرات والإحتجاجات الشعبية أيضاً .. من الطبيعي ، تماماً ، ان تجد في ديار بكر ، فتاة وشاب في المقهى او الساحات او حتى في المشارب ، يتجاذبان اطراف حديثٍ حميم ، او يُدخنان .. ولا أحد يلتفت اليهما " عدانا نحن القادمين من الأقليم ! " ، حيث يثيرون فضولنا وتساؤلاتنا وريبتنا ! . ......................... في الجزء القادم ، سأحاول ان أغوص في العمق أكثر.
#امين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرأي السديد
-
العصائبُ والتَيار
-
إصلاحات جذرية .. دهوك نموذجاً
-
هل تحبون المسيحيين ؟
-
مُجّرَد دعايات كُردستانية
-
طارق الهاشمي ، المُطارَدْ
-
الأمور عال العالْ !
-
جاك شيراك المُدانْ
-
المالكي في واشنطن
-
أ ل ع ر ا ق
-
إنتخابات مجالس محافظات الأقليم / 4
-
بعض تداعيات حرق مقر الاتحاد الاسلامي في دهوك
-
تجاوزات اُسامة النُجيفي
-
القوات الامنية قليلة في الأقليم !
-
مُهاترات المالكي / النُجيفي
-
الله فوق الجميع
-
إنتكاسة خطيرة في دهوك
-
أيهما تُفّضِل : الأمان او الحقوق ؟
-
وَعي الجماهير العراقية
-
مصر .. فصلٌ جديد من الثورة
المزيد.....
-
وزير الدفاع الأمريكي: ترامب هيأ الظروف لإنهاء الحرب الإسرائي
...
-
مرشح ليكون أول مسلم يُصبح عمدة نيويورك.. من هو زهران ممداني
...
-
مبابي يتهم باريس سان جيرمان بـ-الاعتداء الأخلاقي- في شكوى جن
...
-
هل تناول تفاحة في اليوم مفيد حقّاً لصحتك؟
-
بين جنون الارتياب والقمع الجماعي... ما تداعيات -حرب الاثني ع
...
-
لماذا شددت إسرائيل حصار غزة بعد الحرب مع إيران؟ مغردون يتفاع
...
-
سائل ذهبي بلا فوائد.. إليك أشهر طرق غش العسل في المصانع غير
...
-
شاهد أحدث الابتكارات الصينية.. مسيّرة تجسس بحجم بعوضة
-
هل دفع العدوان الإسرائيلي المعارضة الإيرانية إلى -حضن- النظا
...
-
لماذا تركز المقاومة بغزة عملياتها ضد ناقلات الجند والفرق اله
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|