أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صائب خليل - الحملات الانتخابية والاعلام 2- حلزون الصمت















المزيد.....

الحملات الانتخابية والاعلام 2- حلزون الصمت


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1063 - 2004 / 12 / 30 - 11:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الصفات الاجتماعية للفرد, الميل الى البقاء ضمن "الجماعة", حيث يشعر بالامان. صحيح ان كل مجموعة بشرية لابد ان تحتوي على بضعة افراد تتحلى بشجاعة وفضول ودوافع اخرى تدفعها الى التمشي خارج المخيم ابعد من الاخرين, لكن الغالبية الساحقة ستبقى دائما قرب بعضها.

كانت السنة الاولى من انتفاضة الشعب الفلسطيني, سنة قتال على الارض الفلسطينية وسنة حرب اعلامية عالمية بين المدافعين عن الفلسطينيين من جهة, والمدافعين عن اسرائيل من جهة اخرى. حرب تتمثل على شاشة التلفزيون, من خلال ما ينقل من الصور, واكثر من ذلك من خلال ما لاينقل. ومن خلال اختيار التعليقات والكلمات من جهات اعلامية مركزية (على الاقل من ناحية اسرائيل). في الصحافة كانت الحرب تجري على تغطية اكبر مساحة لصالح هذا الطرف او ذاك, اضافة الى اختيار "مناسب" لعناوين الاخبار, وصولا الى الحيل الصحفية التي تصل حد الكذب والخداع.
وكانت هناك ايضا حرب اعلامية على الانترنيت شارك بها عدد لايحصى من مؤيدي الطرفين بشكل يومي مكثف ومرهق.

في البداية كان هناك تغطية صحفية معقولة نسبيا, ثم, وبالتدريج صارت الصحف تنشر مقابل كل مقالة مؤيدة لحق الفلسطينيين كما نراه, عشرة مقالات مؤيدة لاسرائيل, والتلفزيون صار لايتحدث الا عن قتلى الاسرائيليين المدنيين, والسياسيين لايتحدثون الا عن الانتحاريين الفلسطينيين كأسوأ انواع الارهابيين.

اخيرا جاء اعتراف من جهة مسؤولة فلسطينية ان "اسرائيل كسبت الحرب الاعلامية". والحقيقة ان ذلك لم يكن مفاجئا, لكنني لم اجد اثر لتلك الهزيمة على الانترنيت, بل على العكس, كان المدافعين عن اسرائيل يحاصرون بالحقائق والبعض منهم كان يتراجع بشكل او باخر, وكان عدد من يدافع عن الحق الفلسطيني في تزايد مستمر, حتى كاد النقاش يكون احادي الجانب. ولم يكن الامر مقتصرا على ذوي الاسماء العربية, بل ان الهولنديين كانوا افضل من يدير النقاش للجانب الفلسطيني معززا بالحقائق التأريخية والتحليل المتأني.
تحدثت مع صديقي الناشط الفلسطيني فاتح الخطيب في الموضوع, وابلغته اعتقادي ان تلك "الهزيمة" مشكوك فيها. فيبدوا لي ان الجانب الفلسطيني قد كسب عددا اكبر من الناس, حتى هنا في اوروبا من الجانب الاخر, معبرا عنه بنتيجة الانترنيت. صحيح ان الانترنيت محدود التداول, لكن النقاش فيه يعبر عن رأي الناس, اما الصحافة والتلفزيون فيسيطر عليها عدد محدود جدا.

اعود مرة اخرى الى ميل الانسان "للبقاء ضمن الجماعة". هذا الميل لا يتمثل في الميل للبقاء قريبا من الاخرين مكانيا فحسب, ولكن فكريا ايضا. ومثلما يخشى افراد القبيلة ان ينعزلوا ان ابتعدوا عن خيامها كثيرا, يخشى الناس في المجتمع من الانعزال ان ابتعدت اراءهم عن الاخرين اكثر من حد معين.

لذلك, يلجأ الى الصمت معظم من يرى رأيا مخالفا بشكل حاد لرأي المجموع, وبذلك يترك الميدان للمعبرين عن ذلك الرأي وحده. فاذا بدا ان الاغلبية تعتنق الرأي "أ", تردد من يرى ان الصحيح هو "ب" وصمت. وحينما يرى اخرون ذلك, يقتنعون هم ايضا بان الرأي "ب" مرفوض من قبل المجموعة فيصمتون هم ايضا, ويتحدث من يعتنق "أ" بثقة اكبر. وهكذا تتسع الدائرة مع الوقت مكونة ما اطلق عليه "نويل نيومان" اسم "حلزون الصمت" تشبها بالحلزون الذي يبدا بدائرة صغيرة في الوسط ويكبر الى الخارج.
صحيح ان هناك بضعة افراد سيظهرون ليقولوا رأيهم المخالف بغض النظر عن رأي الاخرين, الا ان الغالبية الساحقة ستتبع قاعدة "حلزون الصمت" هذه.

ان ظاهرة حلزون الصمت تسبب في المبالغة في ما يبدو عليه الناس من ميل لرأي معين. فاذا كان 70% من الناس تعتنق "أ" مقابل 30% تعتنق "ب", بدا الامر للمراقب في النهاية, وبتأثير من "حلزون الصمت", بدا كأن 95% يعتنق "أ".


هل يعني هذا ان تأثير "حلزون الصمت" مقصور على اعطاء صورة "مبالغة" لصالح الاغلبية؟ ان قصة الصراع الاعلامي على الانترنيت بين مؤيدي الفلسطينيين مقابل مؤيدي اسرائيل تنبهنا الى حقيقة خطيرة اخرى, وهي ان "حلزون الصمت" قد يعطي صورة "معكوسة", فيصور رأي الاقلية على انه المقبول من الغالبية الساحقة, فكيف يحدث ذلك؟

في مجموعة صغيرة, يستشف الافراد الرأي الغالب بالاستماع مباشرة الى بعضهم, لذلك فمن المتوقع ان نتعرف بشكل صحيح على توزيع "رأي المجموعة", مع التأثير الذي اشرنا اليه ل"حلزون الصمت", المبالغة في تباين النسبة في نفس اتجاهها.
لكننا نعيش اليوم في مجتمعات كبيرة متناثرة, ولا نسمع رأي بعضنا الا من خلال قنوات الاعلام, ولا نستنتج الرأي العام الا من خلال ما ينقله لنا هذا الاعلام. فنحن اذن تحت رحمة موضوعية الاعلام في نقل حقيقة تلك النسبة. فاذا اعطى التلفزيون مثلا, وقتا اطول للرأي "ب", وافسح مجالا لمقابلة عدد اكبر من ممثلي هذا الرأي, تصور مشاهديه بان الغالبية مع الرأي "ب".

نستنتج من هذا ان الاعلام يمكنه الى درجة بعيدة ان يكبت رأي الاغلبية (الساحقة) وذلك بالايحاء لها بان الرأي السائد هو الرأي المعاكس, ثم سيقوم الخوف من الانعزال بتحريك "حلزون الصمت" لتثبيت الخطأ وتكبيره, وفرض السكوت على ممثلي الرأي الاخر.

بنفس الطريقة يمكن للدكتاتور ان ينشر التردد والخوف في معارضي رأيه, حتى دون استخدام العنف, بأن يوحي لهم بانهم اقلية تافهة ضعيفة. ويمكن ان يكون ذلك على مستوى الدولة من خلال الاعلام, الى مستوى الاجتماع الحزبي مثلا (حيث يمثل امتلاك الميكرفون, السيطرة على الاعلام), كما نستطيع ان نتخيل بسهولة, نفس التأثير على المستوى الدولي.

لكن سجن الحقيقة في فقاعة "حلزون الصمت" ليس مضمون الاستمرار. فالفقاعة قد تنفجر بسهولة اذا توفر عدد بسيط نسبيا ممن يتجرأون على التصريح برأيهم الاخر, وعندها تحدث المفاجأة. حدثت تلك المفاجأة فعلا عنما تجرأ ابو جاجا ومجموعته (الرابطة العربية الاوربية) في بلجيكا على طرح فكرة محاكمة شارون قبل ثلاث سنوات. فلم يكن احد يتوقع ان تتجرأ جهة ما على مثل هذا التحدي لاسرائيل في اوروبا الغربية! لكن الامر سار في طريقه, وكاد يصل الى نتيجته المرجوة. فما ان طرحت فكرة المحاكمة, حتى تجرأ الكثيرون, وتبين ان فكرة البلجيكيين العامة عن شارون لا تختلف كثيرا عن فكرة العرب عنه, وان تلك الحقيقة كانت مغطاة بفقاعة من فقاعات "حلزون الصمت".

فقاعة "حلزون الصمت" قد تنفجر لعامل خارجي بالصدفة ايضا. فقبل فترة جرى بالصدفة استبيان لشعوب اوروبا الغربية عن الدولة التي يعتبرونها اكثر خطر على السلام العالمي. اقول بالصدفة, لان نتائج الاستبيان كانت بعيدة عن ما كان يتوقعه او يرغب به من اجرى الاستبيان, وبالفعل جرت محاولات لاخفاء نتائجه لكنها فشلت. فقد كان من المتوقع ان يتنافس العراق (تحت حكم صدام) مع افغانستان وايران وكوريا الشمالية على المراكز الاولى في الاستبيان. الا ان النتائج كانت: اجماع جميع شعوب دول اوروبا الغربية, بلا استثناء, على ان اسرائيل هي اكبر خطر يهدد السلام العالمي!

لكن ل"حلزون الصمت" من الحيوية ما ليس لذاكرة الناس, لذا فهو يستطيع, ان اعطي الوقت الكافي, ان يستعيد عافيته وسلطته عليهم, وان يعيد ممارسة تأثيره المكون من خليط من الخوف والكسل لكي يتصرفوا وكأنهم اقلية ضعيفة, حتى وان كانوا اغلبية.
"حلزون صمت" الاستبيان اعلاه استعاد عافيته, لان الجانب المؤيد للفلسطينيين لم يتحرك لتثبيت الحقائق الجديدة المكتشفة واحراج الحكومات الاوربية المنتخبة على تحوير سياستها بما يتناسب مع رأي الشعوب التي تمثلها, فعاد الحلزون يلف الحقيقة ويخنقها, فلم يضطر ساسة اوروبا ان يستجيبوا لاراء شعبهم, واستمروا في معاملة اسرائيل كشريك ذو افضليات تجارية خاصة ومعاملة سياسية خاصة, لا بل ان العديد منهم, مثل بعض اعضاء الحكومة الهولندية, اصدروا تصريحات تؤكد ان لاتغيير في السياسة على اساس ذلك الاستبيان, بل انهم "اعتذروا" من اسرائيل على جهل شعوبهم.
هكذا عاد تأثير "حلزون الصمت" وعادت الاغلبية تتصرف بخوف كأنها اقلية ضعيفة, وتتجنب الافصاح عن رأيها خوفا من العزلة.



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحملات الانتخابية والاعلام-1- الرسالة الاعلامية والمتلقي
- من هم الملوك؟
- ملاحظات عاجلة حول الحملات الانتخابية
- الامانة الموضوعية.. والشجرة: مراجعة لمقال صبحي الحديدي
- لم الحماس للقوائم الموحدة؟
- خدمتين جديدتين مهمتين لمستعملي الحاسبات
- هولندا: شعب طيب وصحافة عاهرة – 2- منع التكامل الاجتماعي –
- مقالق جلالة الملك
- الانتخابات: سنذكرها كحلم جميل, ام كابوس مرعب؟
- هولندا: شعب طيب, وصحافة عاهرة: 1- -كفار وسرقتهم حلال-
- عقدة الخوف من صدام تعود الى قلوب العراقيين
- نحن وحوارنا المتمدن
- درس كلاسيكي في التظليل الاعلامي
- رسالة الى ضفتي بلادي الثانية :هولندا
- صفحة من تأريخ الديمقراطية الهولندية وتساؤلات مقلقة حولها
- صور صغيرة لمشكلة كبيرة كبيرة
- لماذا لم احتضن كل الحق؟
- جوائز مظللة في هولندا والدنمارك
- داغستان في ذاكرتي : بمناسبة ذكرى وفاة رسول حمزتوف
- المسامير التي لم تتحمل كلمة -لكن-


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صائب خليل - الحملات الانتخابية والاعلام 2- حلزون الصمت