أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين سلمان - الوصية السياسية أفكار بليخانوف الأخيرة 1-2















المزيد.....



الوصية السياسية أفكار بليخانوف الأخيرة 1-2


عبد الحسين سلمان
باحث

(Abdul Hussein Salman Ati)


الحوار المتمدن-العدد: 3583 - 2011 / 12 / 21 - 19:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الوصية السياسية
أفكار بليخانوف الأخيرة
1-2
أعداد : جاسم الزيرجاوي
مهندس أستشاري


نشرت الصحيفة اليومية الروسية ( Nezavisimaya Gazeta ) بتاريخ 30-11-1999 وثيقة كتبها بليخانوف .


و ترجمها د.أ شرف الصباغ , مراسل فضائية "روسيا اليوم" وتقديم الدكتور فيصل دراج، الناقد المعروف, و عن "مكتبة مدبولي القاهرية"، صدرت في أكتوبر/ تشرين الأول من العام [2009] بعنوان الوصية السياسية أفكار بليخانوف الأخيرة

وقد أثارت نشرها جدالا واسعا بين متشكك في صحتها وبين مؤيدا لها .
ومن المؤدين لصحة الوثيقة د.فيصل دارج
جاء في المقدمة والتي كتبها د.فيصل دارج للترجمة العربية:

في نهاية العام 1999 قام الفيزيائي الروسي «نيقولاي ايفا نوفيتش » بالكشف عمّا دعاه : «شهادة القرن. الوصية السياسية : أفكار بليخانوف الأخيرة .» تنطوي الشهادة - الوصية على أهمية خاصة لأكثر من سبب: فهي صادرة عن ماركسي روسي شهير، أدى دوراً كبير في الحركة الاشتراكية التي أفضت إلى ثورة أكتوبر العام 1971 ، واعتبر ذاته الأب الروحي - سيئ الحظ - لقائد الثورة الروسية : لينين، مؤسس الدولة الاشتراكية الأولى في تاريخ البشرية، التي أدت دوراً محورياً في القرن العشرين، تحت اسم شهير هو: الاتحاد السوفييتي. يعود السبب الثاني إلى التحليل - الرؤيا، الذي تضمنته الوثيقة التي تنبأت بالسقوط الحتمي للاتحاد السوفييتي – كتبَ بليخانوف أفكاره العام 1918 – وشرحت نظرياً أسبابه والعوامل التي دفعت إليه. يتمثل السبب الثالث في المعنى الرمزي لثورة أكتوبر على المستوى الكوني، التي بدت لملايين من البشر، ذات مرة، إعلاناً عن خلاص البشرية الأخير.
يحمل السبب الثاني، من وجهة نظر «الوصية »، دلالة خاصة، تعود إلى وجهه التنبؤي، بلغة معينة أو إلى بصيرته النظرية، بلغة أخرى، ذلك أن بليخانوف أراد أن يكون ماركسياً وهو يحلل حدثاً تاريخياً يرفع راية الماركسية، ظاهرياً على الأقل، وأن يبرهن أن ماركسية لينين شوّهت ماركسية ماركس، وألحقت بها أضراراً جسيمة بعيدة المدى. سمح لنفسه، في الحالين، أن يأخذ بالمنهج الماركسي بشكل طليق، وأن ينبذ القراءة المتحزبة الفقيرة، القائمة على الاستظهار العقيم. لا غرابة أن يعدّه البلاشفة، أو بعضهم، «منحرفاً »، وأن يبدو «منحرفاً » عند «عقول ثورية » تمتد إلى اليوم.

جيورجي فالينتينوفيتش بليخانوف
ترجمة: د. أشرف الصباغ
هذا المقال عبارة عن وثيقة نشرت في ملحق "نيزافيسيمايا جازيتا"
الجريدة الروسية المستقلة - رقم 8 تاريخ 30 نوفمبر 1999.
في نهاية العام 1999 م قام أستاذ الفيزياء النظرية والرياضية نيكولاي إيفانوفيتش نيجيجورودوف الذي يعمل في جامعة بتسوانا بالكشف عن واحدة من أهم وأخطر الوثائق الخاصة بالثورة البلشفية في روسيا. وتكمن أهمية الوثيقة وخطورتها ليست فقط في الأفكار المطروحة، وإنما أيضاً في الشخصية التي طرحت هذه الأفكار في بداية العام 1918م ، أن في بداية الثورة وبداية التشكيل الجديد الذي سار عليه العالم طوال ما يقرب من قرن كامل على المستويين الإجتماعي والجيوبوليتيكي.
الوثيقة هي الوصية السياسية لأحد أهم الشخصيات البارزة في الحركة الإشتراكية العالمية، وفي الحركة الفكرية الاشتراكية في روسيا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ولعل جيورجي فالنتينوفيتش بليخانوف- صاحب الوصية- هو أحد الآباء الروحيين للأفكار الاشتراكية في روسيا، هذا طبعاً إن لم يكن على رأسهم، الأمر الذي يعطي هذه الوصية صفة الوثيقة التاريخية الخطيرة، خاصة وأنها قد تضمنت الكثير من الأفكار المهمة والمركزة بخصوص ما حدث طوال هذا القرن، وما يحدث الآن، وما سوف يحدث لسنوات طويلة مقبلة.
وإذا كان انهيار الاتحاد السوفييتي يمثل واحداً من أهم أحداث القرن العشرين، بالضبط مثل قيامه. وإذا كان قيامه ببداية الثورة البلشفية العام 1917 م قد غير وجه الخريطة السياسية والجيوبولوتيكية للعالم، فهو في المقام الأول قد غير الخريطة الاجتماعية للعالم طوال القرن. وبمجرد انهياره وسقوطه تغيرت الخريطة الاجتماعية والجيوبوليتيكية مرة أخرى وبشكل حاد تماماً مثلما حدث في بداية القرن، فهذه الوثيقة المهمة في إطار ما يطرح اليوم من أفكار حول انهيار التجربة السوفييتية والعولمة وتلاشي الأيديولوجيا وصراع الحضارات تمثل وجهة نظر مهمة للغاية.
الغريب أن مكتشف الوثيقة لم يقم حتى الآن بتسليم الجزء الأخير من الوثيقة إلى الحكومة الروسية (وذلك بناء على عبارة بليخانوف الأخيرة أو وصيته: "في النهاية أقدم بعض الأسطر التي يجب ألا تنشر، وإنما تنقل إلى السلطة الديمقراطية المقبلة في روسيا") نظراً لأنه يرى أن شرط بليخانوف لا ينطبق عليها!
الوصية السياسية
أفكار بليخانوف الأخيرة
أنا جيورجي فالنتينوفيتش بليخانوف، الذي أعطى الحركة الثورية في روسيا وأوروبا كل حياته الواعية، والذي يعتبر ليس فقط شاهداً ومشاركاً، بل وبرأي الكثيرين، مذنباً مباشراً في أضخم الأحداث مأساوية في الوطن، لا أستطيع أن أرحل من الحياة من دون أن أعلن عن علاقتي بهذه الأحداث. فبعد أن قام البلاشفة بحل المجلس التأسيسي، صوبت نحوي الكثير من الاتهامات المريرة من جميع الجهات. وعلى الرغم من أنني أرى أنه لا داعي للتبرير، ففي كل الأحوال ينبغي الإشارة إلى أن ذنبي ليس هكذا كبيراً كما يعتقد ف.بشيرنوف وأنصاره(1). كما لا يجب إدانة بروميثيوس لان الناس يسيؤون استخدام النار، لا يجب أيضاً إدانتي لأن لينين يستخدم أفكاره بشكل ذكي من أجل تأكيد استنتاجاته الخاطئة وتصرفاته السيئة.
من أجل أن أبدأ بطرح أفكاري، أرى أنه من الضروري أن أسبقها بملاحظتين:
الأولى: لقد استخدمت في مؤلفاتي، وكقاعدة، كلمة "نحن" لأنني كنت أكتب دوماً باسم رفاقي. ولكن في هذه الوثيقة يجب أن يكتب كل شيء بضمير المتكلم "أنا"، إذ إن مسؤولية أفكاري التمردية يجب أن تقع على عاتقي وحدي أمام التاريخ، وليس على عاتق أي أحد آخر.
ثانياً: لقد رفضت النضال إلى جوار البلاشفة – أسباب الرفض ستأتي لاحقاً – وبالتالي لا يجب نشر وصيتي طوال وجودهم في السلطة.
1- كلمات عدة عن نفسي
إن طريق الإنسان ونشاطاته وتصرفاته تتحدد عن طريق الأهداف الموضوعة، وتتلون بالصفات الأصيلة والمكتسبة. أما عن صفاتي المكتسبة، فلا معنى للتوقف عندها – هي واضحة من مؤلفاتي. وأما عن طابعي، فينبغي قول عدة كلمات. طابعي صعب ومتناقض، وهو الأمر الذي عانى منه في كثير من الأحيان أقربائي وأصدقائي. ورثت عن أمي الإحساس العالي بالعدل، والثقافة، وحب الطبيعة، والتواضع، والخجل. وفي الحقيقة، سرعان ما تخلصت من الصفة الأخيرة حينما كنت طالباً في السنوات الأولى في كلية فورونيج الحربية – شكراً لنيكولاي(2). وعن الأب – الصلابة وقوة الإرادة، والقدرة على العمل، والشعور بالكرامة، والواجب والمسؤولية، والحسم والتصميم. وبسبب صعوبة طابعي تحديداً كثيراً ما كنت أبدي حدة في مناقشاتي. ورغم اعترافي بذلك، أود على أية حال تكرار أنني كنت أحترم الخصم دائماً، ولم أكن أخرج عن أطر اللياقة الأدبية، ولم أكن أنحدر، مثل لينين، إلى مستوى ألفاظ وشتائم الفلاحات الإيطاليات، ولم أكن أهجو الشخص، وإنما وجهة نظره. وبالتالي، فأنا واثق من أن الذين "أغضبتهم" سوف يغفرون لي.
لقد منحت أكثر من أربعين عاماً من عمري في خدمة العمل الثوري، بادئاً الطريق من نارودنيك* مفتون بأفكار باكونين** إلى ماركسي دياليكتيكي صلب. وفي حينه شاع رأي بأنني ابتعدت عن النارودنيكيين لسبب واحد فقط ألا وهو أن العنف كأداة للنضال السياسي لم يكن مقبولاً بالنسبة لي. ولكن الأمر ليس كذلك. لقد كنت أجيز إمكانية ممارسة العنف – كإجراء استثنائي – إذا كان يخدم الظرف الاجتماعي. ولحسن الحظ أنه لم يقتل أحد من خصومنا بمشاركتي أو موافقتي. بيد أن ذلك كان ممكن الحدوث – ثلاثة أعوام لم أفارق المسدس والقبضة الحديدية(3). إنني "خنت" النارودنيكيين لسبب آخر: فأيديولوجية النارودنيتشيستيفو، المبنية على روح العصيان والتمرد الباكوني، سرعان ما خيبت أملي. وكان السير على مبادئ نيتشايف*** – الصيغة المشوهة للباكونية – أمراً كريهاً بالنسبة لي. ولم تكن ترضيني أيضاً مبادئ بلانكي**** التي كان يميل النارودنيكييون إليها تدريجياً. كل ذلك إلى جانب بعض الظروف اضطرني إلى الهجرة في بداية العام 1880 م. وليست هناك ضرورة لإثبات أنني ابتعد عن النارودنيكيين، ولكنني لم أخنهم كما فعل خصمي اللدود ليف تيخوميروف(4) "الثوري" الذي تراجع، والباكوني بوجهات نظر بيوتر تكاتشيوف***** والكارثة أيضاً. ولكن الخروج من النارودنيتشيستفو لم يتوافر لي هكذا بسهولة. فقد بقيت طوال ثلاث سنوات في تفكير مجهد، وتوتر عصبي، وفي إيجاد حلول وسط، وفي نقاشات ساخنة مع الأصدقاء في منظمة "إعادة التقسيم الأسود"****** ومع المهاجرين من منظمة "الإرادة الشعبية"، وفي محاثات ومكاتبات مع لافروف. وكان لافروف، الصديق القريب جداً من تشيرنشسيفسكي في الماضي، في تلك الفترة معروفاً جداً وله مكانته المهمة التي دعمتها جهوده الثورية النشطة وأعماله الشهيرة ومشاركته الفعالة في كومونة باريس والأممية الأولى، والصديق القريب لكارل ماركس وفردريك إنجلز. كل ذلك إلى جانب بعض الاختلافات الطفيفة في العلاقات الشخصية اضطرني إلى الإنصات إلى آرائه وتأجيل صياغة آرائي الماركسية.
في البداية حاولت العثور على الحقيقة النهائية كما فعل كل من بلينسكي وتشيرنشيفسكي في زمنها. ولكن لحسن الحظ سرعان ما أدركت أنها غير موجودة ولا يمكن أن تكون موجودة. ولكن الحقيقة هي أن تخدم في اللحظة الراهنة العمل الثوري، وهي كل ما يتفق ومصلحة الشعب. وتوصلت بشكل نهائي إلى الموقف الماركسي في منتصف العام 1883 م فقط، وذلك عندما اكتسبت فكرة عملي الماركسي الأول والأصيل "الاشتراكية والنضال السياسي" ملامحها الحقيقية. على هذا النحو كانت مدة خبرتي كثوري – ماركسي قد تجاوزت العقد الرابع منذ زمن. وأنا مدين بتكويني الماركسي، قبل كل شيء إلى، أعمال ماركس وإنجلز. بيد أن الذي لعب دوراً مهماً في هذه العملية أيضاً هو جول جيد الذي تعرفت إليه، إذا لم تكن قد خانتني الذاكرة، في نهاية العام 1880م، والذي ربطتني به في المستقبل وجهات النظر وعلاقات الصداقة(5).
إذا قام، فيما بعد، أي كاتب سيرة غير عميق التأمل بتحليل الفترة الماركسية لنشاطاتي، سوف يقسمها إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى (1880 م – 1882 م) – بليخانوف الماركسي "الذي يشك"، وذلك عندما حاول فهم بأية درجة يمكن تطبيق تعاليم ماركس في الظروف الروسية.
المرحلة الثانية (1883 م – 1905 م) – بليخانوف الماركسي "الأرثوذكسي" الذي، بناء على ذلك، ناضل ضد نقاد ماركس، ولكن ليس دائماً بنجاح (تلك حقيقة!).
المرحلة الثالثة: بداية من العام 1906 م لي أن قمت بإدانة انتفاضة موسكو المسلحة – بليخانوف الذي انحدر تدريجياً إلى صفوف "المحبطين"، وابتعد رويداً رويداً عن النضال الثوري النشيط.
يبدي البلاشفة رد فعل محدداً ومعروفاً على المرحلة الأخيرة – "خان البروليتاريا وذهب إلى معسكر البرجوازية". ولقد أوردت التعريفات الثلاثة بين أقواس لأنها جميعاً بعيدة عن الحقيقة. بالنسبة للمرحلة الأولى كل شيء واضح: لا يجوز الشك في ما لم يدرس أو يفهم بشكل كاف. وبالنسبة للمرحلتين الثانية والثالثة يمكنني أن أقول شيئاً واحداً فقط: إنها غير صحيحة. فأنا لم أكن أبداً ماركسياً أرثوذكسياً، وبالتالي لم أحبط أو يخيب أملي أبداً. وعليه، فمن أجل أن أظل ماركسياً – ديالكتيكيا منطقياً، كنت أساند في كل مرحلة زمنية محددة واحدة من تلك الجماعات الاشتراكية – الديمقراطية التي كانت أكثر قرباً من أفكار ماركس، وتتفق في الوقت ذاته مع وجهة نظر جماعة "تحرير العمل"(6). وبالطبع، فقد كانت علاقتي بماركس تتغير تدريجياً – فما المدهش هنا إذا كان حتى أصحاب هذه النظرية ذاتهم كانوا أحياناً يغيرون وجهات نظرهم مع تغير الظروف. ومع ذلك فلم يمنعني لا ارتقاء وجهات نظري ولا اختلافي مع ماركس وإنجلز في تقدير دور العنف في الحركة الثورية في روسيا ببداية الثمانينيات(7) من التأكيد على أنني كنت وسأظل دوماً حليفاً مخلصاً لأساتذتي.
أما في حياتي، فأنا مثل أي إنسان، ارتكبت عدداً غير قليل من الأخطاء. ولكن خطأي الرئيسي الذي لا يغتفر – هو لينين. فأنا لم أقدر جيداً إمكاناته، ولم أمعن النظر في أهدافه وإصراره الذي ليس له مثيل، وكنت أنظر إلى تطرفه بعين العطف والسخرية. لقد أدخلت لينين إلى دوائر الاشتراكيين الديمقراطيين الأوروبيين المؤثرين والمعروفين، ورعيته، وقدمت إليه كل ما استطعت من عون، وبذلك مكنته من الوقوف على قدميه. زد على ذلك: ففي العام 1903 م وقفت إلى جانب لينين في خلافه مع مارتوف في مؤتمر حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي وهو الأمر الذي أدى إلى ولادة البلشفية. آنئذ بدا لي أنه من الممكن أن أعمل تدريجياً على تليين موقف لينين، وأن أؤثر على الجانب المرغوب فيه لدى مارتوف ومن ثم أحافظ على وحدة الحزب. ولكن سرعان ما أدركت أن الوحدة مستحيلة لأن كل ما كان ليس على هوى لينين، لم يكن يمتلك الحق في الوجود. كان لينين مع الوحدة، ولكن تبعاً لمبادئه، وبما يتماشى مع أهدافه وتكتيكاته وشعاراته. بيد أن البلشفية الوليدة سرعان ما استجمعت قواها، أحياناً بسبب جاذبية تكتيكاتها وشعاراتها بالنسبة للبروليتاريا الروسية المتخلفة، وأحياناً أخرى بسبب التصميم غير العادي للينين وقدرته الجبارة على العمل. عندئذ كان قد مضى الرقت وأصبح إصلاح الخطأ أمراً غير ممكن. وهذا هو السبب في أن تأكيد تشيرنوف بأن البلاشفة – أولادي، وأن مزحة فيكتور أدلر بخصوص "أبوتي" للينين، كانت أموراً غير خالية من الصحة(8) إن خطأي هذا قد كلف روسيا، وسوف يكلفها ثمناً باهظاً. واتضح لي أنه كان خطا قاتلاً بالنسبة لي أنا أيضاً . وليس هناك شك في أنه في حال وصول البلاشفة الفعلي إلى السلطة، فسوف يلطخون اسمي ثم يدفعون به إلى النسيان. ولكن لحسن الحظ لن يحدث ذلك. فأنا أدرك بوضوح مكانتي في التاريخ الروسي. أنا لست بروميثيوس، ولا سبينوزا، ولا كانط، ولا هيجل، ولا ماركس. أنا لم أهب الناس النار، ولم أؤسس فلسفة جديدة، أو تعاليم اجتماعية جديدة. ولكنني مع ذلك أسهمت بقدر ما في قضية تنوير البروليتاريا الروسية، وفي قضية تطوير الفكر الاجتماعي الروسي. ولذا يمكنني أن أتجاسر على التفكير بأن التاريخ والأحفاد سوف يحاكمونني برحمة.
2- حول الماركسية والرأسمالية
إن الماركسية كنظرية متناسقة تجمع بشكل عضوي بين كل من المادية الديالكتيكية والاقتصاد السياسي والاشتراكية العلمية – هي أعظم منجزات الفكر البشري. وظهور "البيان الشيوعي" (المانيفستو) في نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر – هو ظاهرة طبيعية. فمنذ لحظة ظهور الرأسمالية على الساحة التاريخية لم يكن قد حدث إطلاقاً في السابق أن وصل استغلال الطبقة البروليتارية إلى تلك الدرجة التي وصل إليها في أوروبا في تلك الفترة. كان الفكر الاجتماعي الأوروبي يفوز، وأخذت الثورات التي كانت تتوالى واحدة بعد الأخرى تهز المجتمع البرجوازي، ولكن حركة البروليتاريا ظلت عفوية وغير مفهومة. كان الأمر في حاجة إلى ذلك الشخص الذي يمكنه أن يضع في يد البروليتاريا سلاحاً رهيباً – نظرية اجتماعية جديدة ترفع الطبقة العاملة إلى مستوى فهم دورها التاريخي وتمنحها آفاقاً مستقبلية. وبالفعل دفع التاريخ بهذاالشخص. ولعب "البيان الشيوعي" دوراً هائلاً في قضية تربية البروليتاريا وتنظيمها، وفي التقدم الاجتماعي أيضاً. وقامت البرجوازية المرعوبة من المنطق الحديدي "للبيان الشيوعي" و"شبح الشيوعية" بتقديم تنازلات من ناحية، ولكنها من ناحية أخرى حاولت بشتى الطرق التشهير بنظرية ماركس والحط من قيمتها. وبالتالي لم يكن هناك أي قصور إطلاقاً في الانتقادات التي توجهها الماركسية، خاصة وأن هذه الانتقادات قد تزايدت منذ نهاية التسعينيات. أما نقد أولئك السادة، فلم يكن شريفاً، إضافة إلى أنه لم يكن إبداعياً. ففي البداية قاموا عن وعي، أو عن سوء فهم، بتشويه ماركس على المستوى الشخصي، وبعد ذلك راحوا "يصححون" ما فعلوه بعين العطف. وتم توجيه النقد إلى جميع جوانب نظرية ماركس، ولكن الجانب الأكثر حدة من هذا النقد كان موجهاً على الدوام إلى نظرية التطور الاجتماعي، وخاصة إلى "البيان الشيوعي". وهذا ليس مصادفة، إذ إنه بمرور خمسين عاماً صار "البيان الشيوعي" مقتحماً ومجرّحاً في جوانب عديدة منه. فالتحليل الموجود في "البيان الشيوعي" والصحيح تماماً بالنسبة لعصر التصنيع البخاري، أخذ يفقد أهميته مع دخول الكهرباء. كما أن التطور الاجتماعي للمجتمع في النصف الثاني من القرن التاسع عشر قد أخذ يسير ببعض الانحرافات والانعطافات رغم أنها لم تكن مهمة جداً أو مؤثرة، عن الاستنتاجات التي وردت في "البيان الشيوعي"، وهو الأمر الذي كان على أية حال ملحوظاً في أثناء حياة مؤلفيه ومعترفاً به من قبلهما. ولكن الفكرة الأساسية التي تخللت "البيان الشيوعي" كله بقيت صحيحة إلى يومنا هذا. تلك الفكرة تتلخص في الآتي، درجة الإنتاج المادي تحدد التركيبة الطبقية للمجتمع: طريقة تفكير الناس، وإدراكهم، وأيديولوجيتهم، ونشاطهم الذهني...إلخ والصراع الطبقي الذي تعتمد حدته على درجة التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، يعتبر المحرك الرئيسي للتقدم الاجتماعي.
قام منتقدو ماركس في تعاضد يبعث على الحسد بممارسة محاولات لدحض ونفي فكرة ديكتاتورية البروليتاريا. إلا أنه من البديهي أن الطبقة العاملة التي تقود النضال ضد البرجوازية وتدافع عن مصالحها مثل أية طبقة أخرى، تمتلك أيضاً حقها في الديكتاتورية خاصة وإذا كانت هي الأكثر عدداً. إن ديكتاتورية الأغلبية على الأقلية لا يمكن أبداً أن تعد ديكتاتورية بالمعنى الكامل لهذه الكلمة. إضافة إلى أن ذلك أمر مطلوب في المرحلة الانتقالية من أجل كبح مقاومة البرجوازية. ولكي لا يثرثر السادة نقاد ماركس كثيراً، مهما كانت حججهم وذرائعهم ودلائلهم، يجب الاعتراف على أية حال بأن المجتمع إلى وقتنا هذا يتطور في الأساس طبقاً لتعاليم ماركس. إن عدد البروليتاريا يتزايد على الرغم من عدم سرعة هذا التزايد كما قال ماركس. وتزداد حدة فقر الجماهير – إن لم يكن بشكل مطلق، فبشكل نسبي. وتتنامى عملية الإفقار، والجريمة، وجميع العيوب والنقائص الأخرى للرأسمالية. وإذا كان الصراع الطبقي في حالة خمود أو كلل، فهذا لبعض الوقت فقط. ولقد بدأت أزمات عملية إعادة الإنتاج تظهر بحدة ووضوح. فهل كومونة باريس، وثورة العام 1905 في روسيا، والحرب العالمية التي مازالت مستمرة حتى الآن، لا تثبت صحة استنتاجات ماركس؟ لا، أيها السادة نقاد ماركس، من السابق لأوانه إلغاء أو استبعاد التعاليم الاجتماعية لماركس! وبالطبع فقد كان لدى السيد برنشتاين والسيد سترويف(9) والنقاد الآخرين بذور منطقية ولكنها ضاعت في قشور انتقاداتهم التي كانت ترى كل شيء على نحو سيئ. وكانت مهمتهم الرئيسية ليس تطوير الماركسية، بل دحضها ونفيها. وقد ألحق ذلك ضرراً هائلاً بالحركة الثورية لأنه قاد البروليتاريا إلى الموافقة مع البرجوازية على رفض الصراع الطبقي، وأدى إلى الانشقاق في صفوف الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية، وفي نهاية المطاف قاد إلى الحرب العالمية: حيث قامت البروليتاريا الألمانية، التي تم تضليلها، بمساندة نشطة للطموحات الاقتصادية والعسكرية للبرجوازية الألمانية والروح الحربية لها.
أنا الآن، كماركسي – ديالكتيكي، سأسمح لنفسي لبعض الوقت أن أكون "ناقداً " لماركس. ودون أن أتخلى عن أو أتبرأ من أي شيء كتبته في الماضي، سأفصح عن "حماقة" لا تغتفر من وجهة نظر البلاشفة. وأعتقد أن وجودي بين الماركسيين لسنوات طويلة يمنحني الحق في ذلك. أما لماذا قمت بوضع كلمة "ناقد" بين الأقواس، فهذا ما سيصبح واضحاً فيما بعد. خلال الأشهر الأخيرة التي أظهرت بصراحتها أن أيامي قد أصبحت معدودة(10)، أمعنت التفكير كثيراً، وفي النهاية قررت صياغة ما كان يقلقني منذ زمن بعيد بحداثته، ويحيرني لعدم وجود إثباتات. أنا أعتقد أن ديكتاتورية الطبقة العاملة بمفهوم ماركس لن تتحقق أبداً – لا الآن ولا في المستقبل، وها هو السبب. فبقدر تغلغل وترسيخ آلات الإنتاج الجديدة المعقدة المصممة على العمل بالكهرباء، وعلى ضوء إنجازات العلم التالية، سوف تتغير التركيبة الطبقية للمجتمع ليس في صالح البروليتاريا، بل وستصبح البروليتاريا نفسها طبقة أخرى. وسيبدأ تعداد البروليتاريا، تلك التي ليس لديها ما تفقده، في التقلص، ومن ثم ستحتل الإنتلجنسيا المركز الأول من حيث التعداد ومن حيث الدور في عملية الإنتاج. لم يقم أي أحد بعد بالإشارة إلى هذه الإمكانية على الرغم من أن الإحصائيات الموضوعية تتحدث عن أن صفوف الإنتلجنسيا منذ بداية القرن العشرين تتزايد في علاقة تناسبية أسرع من صفوف العمال. وعلى الرغم من أن الإنتلجنسيا تبقى، إلى وقتنا هذا ، مجرد "خادمة" للبرجوازية، إلا أنها في الوقت ذاته تبقى أيضاً تلك الطبقة المميزة والتي تمتلك مهمة تاريخية لها خصوصيتها. فالإنتلجنسيا باعتبارها أكثر طبقات المجتمع تعليماً وثقافة مكلفة بحمل مشعل التنوير والأفكار الإنسانية والتقدمية إلى الجماهير. إنها – شرف وضمير وعقل الأمة. وأنا لا أشك إطلاقاً بأنه في أقرب وقت ممكن سوف تتحول الإنتلجنسيا من "خادمة" للبرجوازية إلى طبقة لها خصوصيتها وتأثيرها بشكل خطير من حيث تعدادها الذي ينمو باطراد. ومن حيث دورها الذي سيتركز في أثناء عملية الإنتاج في توصيل قوى الإنتاج إلى حد الكمال: ابتكار آلات جديدة، وأدوات جديدة، وتكنولوجيات جديدة، وخلق عامل رفيع التعليم والثقافة.
إن تنامي دور الإنتلجنسيا في عملية الإنتاج لا بد وأن يؤدي إلى تخفيف التناقضات الطبقية، خاصة وأن تلك الحدود التاريخية الاجتماعية الفلسفية، مثل الأخلاق والعدالة والمبادئ الإنسانية والثقافة والحق، التي تنطوي على جانبين: عام وطبقي، هي حدود قريبة إلى الإنتلجنسيا بالذات. وإذا كان الجانب الثاني كوظيفة للتناقضات الطبقية يمكنه أن يتعرض إلى طفرة ثورية وتشكيل مبادئ مسيطرة، فالأول – يتحدد كلياً وبالضبط بدرجة الإنتاج المادي. وبالتالي يتطور بصورة متزايدة وارتقائية. ونظراً لأن هذا الجانب يعتبر إنسانياً عاماً من حيث الطابع – حيث الإنتلجنسيا بالذات هي المنوطة به بدرجة كبيرة – فسوف ينعكس بصورة مفيدة على جميع طبقات المجتمع، ويخفف من التناقضات الطبقية، ويلعب دوراً متنامياً باستمرار. وعلى هذا النحو ستكون إحدى النتائج الرئيسية للتقدم المادي هي تقليل دور الجانب الطبقي للحدود المذكورة وزيادة دور جانب المبادئ الإنسانية العامة. وعلى سبيل المثال، ففي المستقبل لا بد وأن تتسع أطر المبادئ الإنسانية (كحد من الحدود السابقة)، التي تفهم في أيامنا هذه كمنظومة التصورات حول قيم الإنسان ومصلحته وحقه، إلى مفهوم ضرورة الاهتمام بكل ما هو حي، وبالطبيعة المحيطة، وهذا هو تطوير وتقوية دور الجانب الإنساني العام لهذا الحد. ولعل التطور الشديد لقوى الإنتاج، وتزايد عدد الإنتلجنسيا سوف يعملان بشكل مبدئي على تغيير الظرف الاجتماعي. والعامل المطلوب منه معرفة أكثر من أجل توجيه الآلة المعقدة سوف ينتهي دوره كزائدة إضافية أو كذيل لها. وسوف يتزايد من كل بد ثمن قوة العمل، وبالتالي أجر العامل، لأنه من أجل إعادة إنتاج ذلك العامل يتطلب الأمر مصروفات أكبر. وسوف يتم الاستغناء عن استغلال جهد الأطفال نتيجة لتعقيد الآلات. وعلى ضوء التعليم ومستوى الثقافة والأفكار سوف يرتفع العامل إلى مستوى الإنتلجنسيا. وستكون ديكتاتورية البروليتاريا في هذه الحالة نوعاً من أنواع العبث. ما هذا؟ هل هو ابتعاد أو انحراف عن الماركسية؟ لا، وألف لا! أنا واثق: أن ماركس مع هذا الانعطاف للأحداث، وحدوث ذلك في أثناء حياته، كان سيرفض على الفور شعار ديكتاتورية البروليتاريا.
وبقدر التغير النوعي لقوى الإنتاج سوف تتشكل طبقات جديدة، وعلاقات إنتاج جديدة، وسيجري الصراع الطبقي بشكل جديد، وستتغلغل الأفكار الإنسانية بعمق في جميع طبقات المجتمع. وسوف يتعلم المجتمع، حتى الذي بقي منه رأسمالياً من حيث الجوهر، تجاوز أزماته. وستعمل الأفكار الإنسانية والإنتاج الضخم على تحييد عملية الإفقار. إنني أحياناً أفكر في الفترة الأخيرة أنه حتى نظرية ماركس التي ولدت في ظروف الحضارة الأوروبية، من المشكوك فيه أن تصبح نظاماً عاماً لوجهات النظر، لأن التطور الاجتماعي – الاقتصادي للعالم يمكن أن يسير على نمط المراكز المتعددة. في سياق ما ورد أعلاه ليس من المستبعد أن تكون بعض أفكار السيد توجان بارانوفسكي غير خاطئة كما كنت أعتقد. ولكني أطمئن الماركسيين الحاليين – لن يحدث ذلك في القريب العاجل. وسوف يظل اسم ماركس، الذي صنع الصراع الطبقي، منقوشاً لفترة طويلة على رايات الثوريين.
إن التقليل من قيمة إسهامات ماركس أمر غير ممكن. فإن يعيش العمال الإنجليز في الوقت الحاضر، رغم الحرب، بشكل أفضل، ويملكون حريات سياسية أكبر مما كانت عليه في منتصف القرن الماضي – فهذا إسهام ماركس! وأن عمال الزمن القادم، دون أي شك، سوف يعيشون أفضل بكثير وفي مجتمع أكثر ديمقراطية من مجتمع اليوم – فهذا إسهام ماركس! وحتى الرأسمالية، والرأسماليون أنفسهم سوف يتغيرون إلى الأفضل (البلاشفة وحدهم هم الذين لا يرون ذلك ) – هذا أيضاً إسهام ماركس!
لقد أدرك الرأسمالي المعاصر منذ زمن أن الأكثر منفعة له هو التعامل مع العامل المكتفي الراضي أكثر من الجائع الساخط(11) . ولذلك فلا أعتقد كثيراً، وكثيراً لأسباب أخرى، أن الرأسمالية ستدفن قريباً. فمتابعاتي لتطور الرأسمالية في أوروبا، والتي قمت بها منذ بداية رحيل ماركس وخاصة من بداية هذا القرن، تدل على أن الرأسمالية شكل اجتماعي مرن يبدي ردود أفعال على النضال الاجتماعي، يتغير ويتحول ويتكيف، يتأنسن ويتحرك في اتجاه فهم وإدراك وتكييف أفكار متفرقة من الاشتراكية. وإذا كان الأمر كذلك، فهي إذن ليست في حاجة إلى حفار قبور. وفي كل الأحوال فالرأسمالية لديها مستقبل يبعث على الحسد. وها هي المراحل الممكنة أو المتوقعة لتطور الرأسمالية – الرأسمالية القومية المتوحشة، الرأسمالية الدولية المتوحشة، الرأسمالية الليبرالية بعناصر ديمقراطية، الرأسمالية الليبرالية – الديمقراطية، الرأسمالية الإنسانية – الديمقراطية بمنظومة متطورة للتأمينات الاجتماعية. وأنا لا أرى ضرورة لمحاولات التنبؤ أو التكهن بملامح محددة بالضبط للمرحلة الأخيرة التي يمكن أن تسير فيها عناصر الرأسمالية والاشتراكية جنباً إلى جنب ولمدة طويلة: ستتنافس في أمور ما، وستكمل بعضها بعضاً في أمور أخرى ومن الممكن في المستقبل أن تموت الرأسمالية من تلقاء نفسها، في بطء ومن دون مرض، ولكن ذلك يحتاج إلى قرن على الأقل، وربما ليس إلى قرن واحد. فهل هذا يعني أنني تراجعت عن الطفرات الثورية؟ لا، إطلاقاً! فسوف تكون موجودة بالطبع. فأي تغير نوعي لعلاقات الإنتاج، حتى غير الملحوظ – يعتبر ثورة. وإذا سارت الأمور بالشكل الذي أفترضه، فما هو الشعار الذي يمكن أن يرفعه الثوريون الجدد؟ ديكتاتورية الإنتلجنسيا؟ بيد أن سلطة الشغيلة – هو الشعار الذي لن يفقد معناه وسيظل صحيحاً! فمن يعيش على عمله وجهده، هو الذي يجب أن يقرر ما ينبغي أن يكون عليه البناء السياسي والتشريعي. هذا الشعار كررته أكثر من مرة في العام الماضي قاصداً به تحالف جميع القوى الحية التي تهمها مصالح القوى العاملة عمالاً كانوا أم فلاحين أم إنتلجنسيا.
3- حول البلاشفة وتكتيكاتهم وأيديولوجيتهم
إن البلشفية كتيار يساري متطرف في الاشتراكية – الديمقراطية الروسية، التي ولدت العام 1903 م وصارت أقوى بكثير في سنوات ما قبل الحرب، تعتبر في الوقت الحاضر أكبر القوى التنظيمية والأيديولوجية والسياسية المؤثرة. ولقد كانت الأسباب الموضوعة لظهور وازدهار البلشفية في روسيا هو تخلف البروليتاريا الروسية، وكثرة العناصر اللاطبقية والأمية وانعدام الثقافة لدى الروس(12)[a] . أما الأسباب الذاتية فقد أوردتها سابقاً. بيد أن البلشفية ليست شيئاً ما جديداً بصورة مبدئية. فالأفكار البلشفية كثيراً ما دارت في رؤوس الثوريين منذ زمن بعيد. فاليعقوبيون[b] وبلانكي وباكونين(13) وأنصارهم، والكثيرون من المشاركين في كومونة باريس بشأن قضايا التكتيك والأيديولوجية كانوا عملياً بلاشفة. وكما أن الثورات الدموية هي دلائل الرأسمالية المتخلفة، فأفكار البلشفية كانت دوماً دلائل البروليتاريا المتخلفة، والفقر، وانعدام الثقافة، والوعي المتخلف للشغيلة. لقد كتب الكثيرون، وأنا من ضمنهم، عن البلاشفة وتكتيكاتهم وأيديولوجيتهم، ولذلك سأكون موجزاً جداً في الكلام عنهم.
البلشفية تكتيك له خصوصيته، وأيديولوجية لها خصوصيتها. وهي موجهة إلى البروليتاريا الرثة[c]. وهذا الشعار مستعار من سان سيمون والفوضويين – النقابيين، إنه علم الاصطلاح الماركسي.
تكتيك البلاشفة – هو تكتيك بلانكي مضاف إلى العنف الطبقي غير المحدود بأية أطر. وأيديولوجية البلشفية – هي أيديولوجية باكونين التي تم "إثراؤها" بأفكار الفوضويين – النقابيين، تلك الأفكار التي يعتبر دوميللا نيوينهيوس(14) الأب الروحي لها. وهي موجهة، على حد تعبير باكونين، إلى "البروليتاريا الجائعة المتوحشة"، وإلى "عامة العمال الجامحين". إن تثمين حكمة الشعب عالياً، ومبادراته، وقدرته على التنظيم الذاتي، والثقة في قدرة البروليتاريا على الإنتاج الذاتي والرقابة الذاتية – كل تلك الأمور كانت أمراض باكونين والفوضويين – النقابيين.
"السلام!"، "العمل"، "السعادة"، "المساواة"، "الأخوة!" – هي شعارات الطوباويين. "سوف نحول الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية!" (الشعار الذي أخذه القوميون – الانهزاميون من أجل التسلح)، "المعامل والمصانع – للعمال!"، "السلام – للشعوب!"، "الأرض – للفلاحين!" – هي شعارات الفوضويين النقابيين. "ديكتاتورية البروليتاريا"، "الديمقراطية البروليتارية"، "التلاشي التدريجي للدولة" – هي أفكار ماركس. على هذاالنحو، فالبلشفية – هي بلانكية ممتزجة تماماً بالفوضوية – النقابية المنضوية تحت راية الماركسية. وهي اقتران دوجمائي توليفي (أو اصطفائي) لأفكار بلانكي وباكونين والفوضويين – النقابيين وماركس. وهي ماركسية مشوهة، لأن مؤسسي الاشتراكية العلمية كانا خصمين مبدئيين ومنطقيين لبلانكي وباكونين وللفوضويين الآخرين. لقد تم طرد البلانكيين والباكونيين من الأممية الأولى، والفوضويين – النقابيين من الثانية. وهكذا فالأب الروحي للينين في مجال التكتيك هو بلانكي، أما في مجال الأيديولوجيا – باكونين ودوميللا نيوينهيوس. وأفكار الأخير التي أخذت من أجل تسليح "الانهزاميين" انعكست بشكل قاتل على روسيا. إن دوميللا نيوينهيوس وجوستاف إروي(15) وروبرت جريم(16) ولينين هم سلسلة النسب لأي أممي انهزامي هو في جوهر الأمر فوضوي نقابي.
ولكن ماهو الجديد في البلشفية؟ شيء واحد فقط – العنف الطبقي الشمولي غير المحدود. بيد أن العنف الطبقي، وخاصة غير المحدود، تم رفضه وإدانته منذ زمن بعيد من قبل الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية. إن العنف الطبقي الذي يميل إليه البلاشفة كطريقة لتحقيق ديكتاتورية البروليتاريا يخفي وراءه خطراً هائلاً، لأنه من الممكن أن يحول إلى عنف شمولي تمارسه الدولة في ظل الظروف الحالية لروسيا. وقد كنا نؤكد دائماً – ليس فقط نحن، ,وإنما أيضاً خصومنا – أن الاشتراكية هي مجتمع العدل الاجتماعي والإنسانية، ولذا لا يجوز بناؤه على أساس القوة والعنف. وكما أن الخير المبني على الشر يحمل داخله جنيناً أكثر شراً، فالمجتمع المبني على الخداع والعنف يحمل في جوانبه الشر والكراهية، وبالتالي ينطوي على شحنة فنائه الذاتي.
لا يوجد أي معنى للتوقف عنذ شعارات الطوباويين. فشعارات "السلام للشعوب!" و"المعامل والمصانع للعمال!" و"الأرض للفلاحين!" – شعارات جذابة ولكنها مضللة في جوهرها وليست على الإطلاق ماركسية. وبدلاً من السلام الداخلي يقوم البلاشفة بتعريض روسيا لحرب أهلية بالغة القسوة، ولعنف طبقي ليس له نهاية، فها هي الحرب تدق الأبواب، وسوف تراق فيها أنهار من الدماء. إن الحرب الأهلية الدموية عديمة الرحمة أمر ضروري للبلاشفة، لأنه لا يمكنهم الحفاظ على السلطة وترسيخها إلا على هذا الطريق. ومع ذلك فالبلاشفة لا يمكنهم تأمين السلام الخارجي. ففي حالة انتصار روسيا البلشفية، ستصبح وسط دائرة الدول الرأسمالية التي لن تتوانى عن محاولات القضاء على البلاشفة الذين يصيحون في جنون بحتمية الثورة العالمية.
سوف يتحول العمال في ظل الاشتراكية اللينينية من عمال يستأجرهم الرأسمالي إلى عمال تستأجرهم الدولة الإقطاعية. أما الفلاحون الذين سيتم انتزاع الأرض منهم بشكل أو بآخر، والذين سيتم حتماً إلقاء كل ثقل تصنيع البلاد على عاتقهم – سيصبحون عبيداً لدى هذه الدولة الإقطاعية. فإلى أي شيء قاد شعار لينين "سلام من دون إلحاق قسري أو تعويضات حرب!" والجميع يعرف جيداً فضيحة "سلام برست" وعاره والإلحاقات القسرية التي تمت، والتعويضات الضخمة التي دفعت. لقد فعل لينين كل ما بوسعه من أجل تفكيك الجيش الروسي ثم تسريحه بعد ذلك. والآن من أجل أن يقنعنا بضرورة "سلام برست"[d] يصيح متعجباً في حرارة: "أفهموني! ليس لدينا جيش قادر على الحرب!" ولكن إذا كان قد ظل لدى لينين ولو ذرة وطنية، فعليه أن يصلي للرب ليلاً ( أو للشيطان فلا أدري أيهما يعبد) من أجل أن يتم دحر ألمانيا – وسوف تفقد روسيا في أسوأ الأحوال استقلالها الاقتصادي، بل وربما السياسي أيضاً، وسيصبح الحاكم الأوحد الذي تم تنصيبه مجرد دمية ألمانية. ولكن كيف تم تحقيق مبدأ الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية "حق الأمة في تقرير مصيرها" في التجربة البلشفية، خاصة وأننا نعرف جيداً مرسوم استقلال فنلندا الذي منحه لينين للرجعي السفاح ب. سفينهوفود(17) دون حتى أن يسأل عن رأي العمال والفلاحين الفنلنديين في ذلك. فلماذا؟ لأن ذلك كان ضرورياً للينين ولأسباب تكتيكية. فمن أجل تحقيق بعض الأهداف السريعة يتم التضحية بكل شيء على مذبح التكتيك: الضمير والأخلاق الإنسانية العامة، ومصالح الوطن.
إن تعداد حزب البلاشفة يتزايد في الفترة الأخيرة بشكل مطرد. بيد أن ذلك لا يعني تزايد الجزء الواعي فيه، لأن الأغلبية المقهورة التي انضمت إلى الحزب لا تعرف حتى مبادئ الاشتراكية العلمية. فالجزء الذي صدق أفكار لينين ووعود البلاشفة سوف يصبح منفذاً أعمى لإرادة زعيمه، والجزء الآخر الذي انضم إلى الحزب لكي يختطف نصيبه من "الكعكة الثورية" في الوقت المناسب، سوف يكون مؤهلاً فقط للتصويت بـ"نعم"، وسيتحول هذا الجزء في المستقبل إلى بيروقراطيين حزبيين أسوأ من الموظفين القيصريين، لأن الموظف الذي يقود الحزب سيتدخل في كل شيء ولن يكون مسؤولاً إلا أمام "الرفاق الحزبيين".
إن تصرفات البلاشفة أصحاب الكلام المعسول تبرهن على أن شقاء صاحب العقل – ليس شقاءهم. فشقاؤهم بسبب الجهل، وبسبب الإيمان الأعمى بلينين وبـ "اكتشافاته النظرية العبقرية" التي يصدرها في مراسيم وقرارات دون حتى أن يرى ضرورة لدعمها ولو حتى بأبسط البراهين. ولكنهم من دون حتى أن يعرفوا أي شيء عن الاشتراكية العلمية، سوف يرتكبون الجريمة وراء الأخرى دون أن يشكوا في أن العنف الثوري هو أمر غير شرعي.
إن عملية نزع الملكية التي يمارسونها، على سبيل المثال، ماهي إلا دليل صارخ على عدم الشرعية، وعلى التخريبية واللصوصية (مثلما يحدث مع البنوك الخاصة). إن عملية نزع الملكية هذه سوف تقود حتماً إلى فوضى اقتصادية شاملة، وستخلق طبقة واسعة من الناس الذين بدلاً من أن يعملوا، سوف يقومون "بسلخ الرقاب"، وسيلجأون إلى البنادق والشعارات الثورية ويبدأون في انتزاع آخر دجاجة لدى الفلاحين.
بعد أن قام لينين بانقلابه معلناً أنه ثورة اشتراكية، سوف يبدأ في توجيه التاريخ الروسي إلى طريق خاطئ ومسدود. ونتيجة لذلك سوف تتخلف روسيا في تطورها لسنوات طويلة، بل وربما لعشرات السنين. وعموماً فليس هناك لا وقت ولا قوة لإثبات ذلك بشكل دقيق وصارم. إلا أنه إذا أخذنا في الاعتبار أهمية هذه الحقيقة ودراية الروس المتدنية جداً وخاصة في قضايا الاشتراكية العلمية، ينبغي لي على أية حال أن أقوم بصياغة بعض المقدمات المنطقية. لقد قمت أكثر من مرة بتحذير البلاشفة، وكل من يميل إلى مصطلحاتهم وتعبيراتهم وشعاراتهم المضللة، من العجلة وروح المخاطرة في العمليات الثورية. ولقد أكدت ومازلت أؤكد: روسيا ليست جاهزة للثورة الاشتراكية، لا بمستوى تطور قوى الإنتاج، ولا بتعداد البروليتاريا، ثقافة الجماهير ووعيها. ولذلك فالتجربة الاشتراكية التي اخترعها لينين لن يكون مصيرها إلا الفشل. "يسألني أحد اللينيين" أو "أنصاف اللينينيين"(18) : "ألا يجوز، في ظروف سلطة البروليتاريا. القضاء على الأمية، ورفع مستوى ثقافة التشغيلة، وزيادة عدد العمال بسرعة، وتطور قوى الإنتاج؟"(19) وأجيب: لا، لا يجوز! أولاً، لا يجوز تخطي القوانين الموضوعية للتطور الاجتماعي لأن ذلك لن يبقى بلا عواقب. ثانياً، ثقافة الجماهير ووعيها – عنصر اجتماعي يعتمد كلياً على درجة تطور قوى الإنتاج، على الرغم طبعاً من وجود علاقة عكسية(20) ، ثالثاً، على الرغم من أن لينين قد أقر علاقات الإنتاج الاشتراكية، فقد أبقى على قوى الإنتاج في المؤخرة، وبذلك صنع وضعاً ثورياً عكسياً. في المجتمع لا توجد تناقضات متعادية إلا في تلك الحالة التي تكون فيها علاقات الإنتاج الموجودة متوافقة مع مستوى تطور قوى الإنتاج. بيد أن عدم توافق مثل هذه العلاقة ينتج تناقضات جديدة غير معروفة إلى وقتنا هذا، وهي تناقضات ليست أقل، وإنما بالأحرى أكثر مأساوية مما هو موجود في الرأسمالية الموجودة في الوقت الحاضر. رابعاً، السلطة في تلك المرحلة من تاريخ روسيا لا يمكن أن تكون ولن تكون في يد البروليتاريا. ففي أكتوبر العام 1917م لم يساند لينين بشكل نشط سوى 1% من الروس. وبالتالي فكل من ولو حتى على دراية بتكتيك بلانكي، سيوافق على أن ثورة أكتوبر هي ذلك الانقلاب البلانكي الذي، على حد تأكيد إنجلز، يقر بحتمية ديكتاتورية منفذيه. بيد أن أية ديكتاتورية لا يمكن أن تتوافق مع الحريات المدنية والسياسية. أنا لا أريد أن أكون أعلى من ألكسندرا[e]، ولكنني على أية حال أؤكد بأن مراحل تطور سلطة البلاشفة ستكون على النحو التالي: سرعان ما ستتحول ديكتاتورية البروليتاريا على الطريقة اللينينية إلى ديكتاتورية الحزب الواحد، وديكتاتورية الحزب الواحد إلى ديكتاتورية قائده الذي سيدعم سلطته في البداية بالعنف الطبقي ثم بعد ذلك بالعنف الشامل للدولة. فالبلاشفة لا يمكنهم إعطاء الشعب لا الديمقراطية ولا الحرية، لأنهم إذا فعلوا ذلك سيفقدون السلطة. لينين يدرك ذلك جيداً. ولكن إذا كان الأمر على هذا النحو، فالبلاشفة ليس لديهم طريق آخر سوى طريق العنف، والخداع. والترويع، والإكراه. ولكن هل من الممكن تطوير قوى الإنتاج بسرعة وبناء مجتمع عادل عن طريق العنف والخداع والترويع والإكراه؟ لا، طبعاً! هذا ممكن فقط في ظروف الديمقراطية وعلى أساس العمل الواعي والحر والذي يتوخى المصلحة. ولكن عن أية ديمقراطية يمكن أن يدور الحديث إذا كان البلاشفة في أقل من ستة أشهر قد أغلقوا قدراً من الصحف والمجلات أكبر مما أغلقته السلطة القيصرية طوال حكم أسرة رامانوف كله. وعن أي حرية وعمل يتوخى المصلحة يمكن الحديث إذا كان قد تم إقرار "احتكار الخبز"، ووضع قضية السخرة وجيوش العمل للمناقشة(21) .
إن البلاشفة بسعيهم إلى التغييرات الجذرية والتعجيل غير المسؤول للأحداث يتطرفون بشكل جامح إلى اليسار، ولكنهم بسيرهم في دائرة سياسية مغلقة سوف ينعطفون حتماً إلى أقصى اليمين وسيتحولون إلى قوة رجعية سلبية(22). من النادر أن يقدر الناس تصرفاتهم على ضوء كل الآثار الممكنة المترتبة عليها، ولينين بأعماله هذه قد قام بإلحاق ضرر هائل بروسيا، وأخشى أن يصل حجم هذا الضرر خلال بعض مراحل حكم البلاشفة إلى نقطة حرجة. وإذا كان لينين والسائرون على دربه سوف يرسخون سلطتهم لفترة طويلة، فسوف يكون مستقبل روسيا محزناً – ينتظرها مصير إمبراطورية الإنكيين(23) . إن "المفوضين الشعبيين" الذين استبدلوا أنفسهم بـ "مخربي قرطاجنة القساة" يخربون ليس العالم القديم، بل وطنهم. وسوف يتضح أن "أدوية موريسون"(24) الشافية التي يعدون بها ما هي إلا مجرد عقاقير سامة، وأن "مدخلهم الإبداعي" إلى الاشتراكية ما هو إلا نزع الثقة منها والتشهير بها وتشويهها. إن تأكيد لينين بإمكانية انتصار الثورة الاشتراكية في بلد واحد – بلد مثل روسيا – لا يمكن أبداً أن يكون مدخلاً إبداعياً إلى الماركسية، وإنما هو انحراف عنها. وقد توصل لينين إلى هذا الاستنتاج ليس بمحض المصادفة: فقد كان بحاجة ماسة إليه من أجل أن يلهم البلاشفة.
إن حسبة لينين بأن البروليتاريا الغربية سوف تقوم باستلهام الثورة في روسيا مجرد حسبة خاطئة، فلا يمكن أن يحدث أي شيء جدي في أوروبا، لأن البروليتاريا الغربية تقريباً بعيدة اليوم أيضاً عن الثورة الاشتراكية كما كانت في زمن ماركس.
إن طريق البلاشفة، مهما طال أو قصر، سوف يوصم بتزوير التاريخ، والجرائم، والتضليل، والديماجوجية، والتصرفات غير الشريفة. والآن يمكن للشخص المطلع أن يميز كمية اللحظات المثيرة للشك في الفترة القصيرة لوجودهم في السلطة. فعلى سبيل المثال، لماذا جاء أصدقاء لينين إلى بطرسبورج في واحدة من أحرج اللحظات حينما كانت سلطة البلاشفة معلقة بشعرة – فريتس بلاتين و "ك"؟ لماذا كان لينين في حاجة ماسة إلى "تأميم" البنوك الخاصة؟ هل من المعقول من أجل أن يختلف مع حلفائه الوحيدين – حزب الاشتراكيين الثوريين – قبل انعقاد المجلس التأسيسي بقليل؟ لماذا قام لينين بشكل سريع ومثير للدهشة بمنح فنلندا الاستقلال وسحب الجيش منها؟ من الذي كان من مصلحته اغتيال لينين قبل انعقاد المجلس التأسيسي بعدة أيام(25) . يمكنني مواصلة طرح مثل هذه الأسئلة، ولكن بما أنني لا أملك إمكانية في حالتي هذه لإعطاء إجابات مقنعة. فسوف أكف عن ذلك. فكل ما قيل عن البلاشفة وتكتيكاتهم وأيديولوجيتهم ومدخلهم إلى عملية نزع الملكية وعنفهم غير المحدود – يجعلني أؤكد بثقة على: الفشل الحتمي للبلاشفة! فالعنف الذي يعتمد عليه البلاشفة هو – قوة الحراب. ولكن الجلوس على الحراب كما هو معروف أمر غير مريح أيضاً. القرن العشرون – قرن الاكتشافات العظيمة، قرن التنوير، والأنسنة، سوف يرفض البلشفية ويدينها. وثمة فكرة يمكنني التصريح بها هنا، ألا وهي أن لينين باعتماده على العنف الشامل، سوف يخرج منتصراً من الحرب الأهلية التي كان يسعى إليها بتصميم شديد، في هذه الحالة سوف تصبح روسيا البلشفية في عزلة سياسية – اقتصادية، وستتحول حتماً إلى معسكر حربي حيث سيروعون المواطنين بالإمبريالية ويطعمونهم الوعود. ولكن، إن عاجلاً أو آجلاً، سيأتي الزمن الذي تصبح فيه أفكار لينين الخاطئة واضحة للجميع – عندئذ ستنهار الاشتراكية البلشفية مثل بيت من الكارتون. إنني أبكي مصير الروس، ولكني مثل تشيرنشيفسكي، أقول: "ليحدث ما يحدث، ولكن شارعنا سيكون فيه عيد!"(26) .
4- لماذا تخليت عن النضال إلى جانب البلاشفة؟
إن رفضي النضال إلى جانب البلاشفة بعد أحداث أكتوبر أثار حيرة الكثيرين. فالبعض، من الذين لا يعرفونني جيداً، يعتقدون أن قراري هذا نتيجة لعملية التفتيش الخشنة التي تعرض لها منزلي، والتي قام بها البلاشفة بعد أيام عدة من انقلاب أكتوبر. هذا خطأ. فالتفتيش الذي قاده، على حد ظني، البحار س.كوكوتو(27) لم يرهبني، زد على ذلك أنه لم يكن سبباً في تدهور صحتي كما كتبت بعض الصحف. والبعض الآخر، من الذين يعرفونني بشكل أفضل، يرون أن ذلك نتيجة التفاقم الحاد لمرضي. ولكن هم أيضاً ليسوا على صواب. على الرغم من أن صحتي فعلاً سرعان ما ساءت مع حلول الخريف حتى أنني أصبحت في شهر يناير 1918م غير قادر على الإمساك بالقلم. ومع ذلك فلم يكن مرضي ليمنعني لو كنت قد رأيت هناك معنى للنضال فإذا لم تكن هناك قوة على الكتابة، فمن الممكن الإملاء. ولكنني رفضت النضال لعدة أسباب موضوعية.
1-وجهة نظري المبدئية بالنسبة للحرب، وانتقاد البلاشفة وأنصاف اللينينيين، وعدم الرغبة في اللعب مع البروليتاريا الرثة أو حثالة البروليتاريا، ورفض تعميق الثورة، والعلاقة المخلصة للحكومة المؤقتة – كل ذلك قد فعل فعله ضدي. فقد كنت أرى كل ذلك، ولكنني لم أكن أريد أن أكون مثل، على سبيل المثال، تسيرتيل وتشيخيدزه وأفكسينتيوف(28) ، وآخرون ضحوا بمبادئهم وتنازلوا للينين من أجل الحفاظ على شهرتهم. وبعد أحداث يوليو أخذت تقوى، وبشكل يومي، حدة الحقد الطبقي والشراسة التي ضخها البلاشفة إلى جانب الصمم السياسي والعمى. وقد ظهر كل ذلك على وجه الخصوص في اجتماع موسكو(29) ، فعندما كنت أتوجه إلى اليمين، إلى طبقة التجار والتصنيعيين، كان الجانب الأيمن يصفق والأيسر يصمت. وعندما كنت أتوجه إلى اليسار، إلى الاشتراكيين الديمقراطيين الروس، كان الجانب الأيسر يصفق والأيمن يصمت. وكانت النتيجة أنه لم يفهمني لا أولئك ولا هؤلاء. أما الحل الوسط، الذي كان هو الطريق الوحيد لإنقاذ روسيا. فقد تمت التضحية به بسبب الغطرسة السياسية. وكان البلاشفة قبل أي أحد آخر السبب في ذلك. ولكن كانت هناك أسباب موضوعية لذلك: عدم نضج البروليتاريا (والبرجوازية أيضاً!) وأمية الجماهير، والفقر الحاد والإجهاد المضني لدى الشعب، والحرب القائمة، وانقسام الاشتراكيين الديمقراطيين الأوروبيين والروس، وخمول الحكومة المؤقتة وعدم منطقيتها كانا التربة الخصبة التي نمت فيها سريعاً البذور الفوضوية اللينينية والعداء الطبقي. في مثل هذا الوضع الاجتماعي الذي تشكل بصورة موضوعية، كانت مواصلة النضال إلى جانب البلاشفة أمراً ليس له أي معنى.
2-لقد وهبت حياتي كلها من أجل النضال في سبيل تحرير العاملة. والآن، عندما وصلت السلطة إلى أيدي أعضاء السوفييتيات من العمال والفلاحين، لا أستطيع النضال إلى جانب من اعتبرتهم، ومازلت أعتبرهم إخواني على الرغم من أنهم، أولئك الذين يخدعهم قادتهم الملتوون، يرتكبون خطأ قاتلاً، ونتائج هذا الخطأ سوف تكون مأساوية للغاية بالنسبة للبروليتاريا الروسية قبل أي أحد آخر. ولكن دع البروليتاريا الروسية – مهما كان ذلك مؤلماً – تقطع هذا الطريق الشاق الذي رسمه لها التاريخ، وتنضج وترتفع إلى مستوى إدراك مهمتها.
3-هناك أيضاً أفكار أخرى منعتني من النضال. فإذا فشل البلاشفة الآن، فسوف ينشأ رد فعل عميق وطويل المدى، ستكون نتيجة خسارة الاشتراكية الديمقراطية الروسية والغربية على حد سواء. أما انتصار البروليتاريا، فسوف يضيع هباء. ولكن إذا حافظ البلاشفة على السلطة ولو حتى في السنوات القليلة المقبلة، فسوف تخسر روسيا ومواطنيها، ولكن الاشتراكية الديمقراطية الدولية لن تحقق سوى المكاسب: سوف تقوم البرجوازية الغربية المرعوبة من الأحداث في روسيا بتقديم تنازلات جدية للطبقة العاملة. إنني أتألم من أجل روسيا، ولكن إذا كنت سأختار بين ذلك وبين كوني أممياً منطقياً، فسوف أختار الثانية.
5- كيف يصمد البلاشفة طويلاً في السلطة؟
هذا السؤال يثير في الوقت الحاضر قلق الكثيرين. يطرحه خصوم البلاشفة، والبلاشفة أنفسهم. إنه سؤال يهم كل روسي مهتم بمصير الوطن. والإجابة عن هذا السؤال لا يمكن أن تكون أبداً فورية أو بسيطة أو ذات مدلول واحد لأنها تتوقف على الكثير من العوامل الموضوعية والذاتية، بل وحتى الصدفوية. التنبؤ – أمر غير لائق. ولذا فسوف أؤسس تنبؤاتي في إطار تلك الحدود التي لا يمكن أن يكون فيها ذلك الأمر ممكناً. بالإضافة إلى أنني مضطر إلى عمل ذلك على اعتبار أني كنت ومازلت أرى: أن المستقبل، وفي أبعد الأحوال المستقبل القريب، لا يمكن أن يكون غير واضح أو محدد. زد على ذلك أنني تحدثت أكثر من مرة بأن الشخص الذي فهم الماضي وأحسن التصرف مع الحاضر. والذي يرى العلاقة الجدلية بين تعاقب الأحداث التاريخية وسببيتها، قادر ببعض الثقة على استشراف المستقبل. فالظروف التاريخية الموضوعية التي تراكمت في روسيا إلى هذه اللحظة الراهنة، ومنطق تطور الأحداث، وتصرفات البلاشفة التي تمليها تكتيكاتهم وأيديولوجيتهم – كل ذلك يسمح لي بالتأكيد على أنهم سوف يصطدمون بأربع أزمات على طريق إرساء سلطتهم، وهذه الأزمات مرتبة ترتيباً تصاعدياً من حيث الصعوبة. وستكون فترة وجودهم في السلطة مرهونة بأي واحدة منها سيتعثرون.
الأزمة الأولى، القريبة عديمة الرحمة، القادمة – هي أزمة المجاعة. إذا لم يتخلص لينين من التحالف مع الاشتراكيين الثوريين الذين يلتزمون بالعنف الطبقي (على سبيل المثال، مع السيد بوريشكيفيتش(30) ويقفون بشراسة ضد فرق التموين والأغذية، فسوف يفقد البلاشفة السلطة في خريف هذا العام (العام 1918م – أ.ص) حينما يبدأ الفلاحون بدفن القمح في الأرض بينما تتهدد البلاد مجاعة لم تحدث من قبل. وسيأتي إلى السلطة الاشتراكيون الثوريون والكاديت والمناشفة. ولكن إذا أزاح البلاشفة الاشتراكيين الثوريين اليساريين من المؤسسات الحاكمة من أجل أن تتحرر بذلك أياديهم، سيمكنهم اجتياز الأزمة القادمة. إلا أن لينين بفهمه ذلك جيداً وإدراكه له، سوف ينتهز أول فرصة لانتزاع الثقة من حلفاء الأمس وسحقهم مع كل التناقضات التي نشأت وتطورت منذ لحظة حل المجلس التأسيسي. إن حتمية ذلك لا تتطلب براهين وإثباتات. فرفض الاشتراكيين الثوريين اليساريين منذ فترة غير بعيدة التوقيع على معاهدة العار "سلام برست"، وخروجهم من مجلس المفوضين الشعبيين، وعدم رضاهم عن "احتكار الخبز" الذي أعلنه لينين – كل ذلك يفصح عن أن أزمة العلاقات بينهم وبين البلاشفة قد وصلت إلى ذلك الحد الذي سيعقبه انفجار كامل، وهذا الأمر مرهون بالأشهر المقبلة. إن قيام البلاشفة بتأليب العمال المتخلفين، وأولئك الذين – على حد تعبير البحار أ.ألكسندروفسكي(31) الدقيق – كتبوا على راياتهم "انتزاع*"، ضد الفلاحين الميسورين ومتوسطي الحال، سوف يصدمون عاماً أو اثنين إلى أن تصبح عدم قدرتهم على إعادة الإنتاج أمراً واضحاً تماماً، وبالذات للعمال أنفسهم.
ومع ذلك فهم يستطيعون اجتياز تلك الأزمة أيضاً – أزمة الانهيار – في حالة إذا ما قاموا بإشعال حرب أهلية طويلة الأمد، ثم باستخدام العنف الطبقي غير المحدود وقوانين زمن الحرب، يبدؤون في إبادة كل من لا يتفق معهم بشكل فعلي. وسوف تسمح لهم الحرب الأهلية بفرض حالة الحرب على جميع أنحاء روسيا وإلقاء تهمة الانهيار علىالأعداء الخارجيين والطبقيين. وبالمناسبة، فبمجرد أن تبدأ الحرب الأهلية سوف يحارب جزء كبير من الفلاحين في صفوف البلاشفة. فالرجل الروسي، مهما كان أمياً، يدرك جيداً أنه: إذا خسر لينين فسوف يكونون مضطرين إلى إعادة الأرض إلى أصحابها السابقين. ولكن بعد كسب الحرب الأهلية، ثم إعادة عملية الإنتاج بأي شكل، ولو حتى بتدابير إجبارية، على سبيل المثال تشكيل كتائب السخرة، سوف يصمد البلاشفة في السلطة خمس وعشر سنوات أيضاً طالما لم تتفاقم التناقضات بين الطابع الاشتراكي لإنتاج المعامل والمصانع وبين الطابع الرأسمالي الخاص للإنتاج الزراعي. فروسيا منذ زمن بعيد، وإلى وقت قريب أيضاً، ستظل دولة متخلفة في العلاقات الصناعية حيث تشكل المنتجات الزراعية الجزء الأكبر من الدخل القومي. ولكن بعدم إمكانية التحكم في هذا الجزء وتوزيعه والتصرف فيه، سيفقد البلاشفة السلطة إن عاجلاً أو آجلاً.
إن اتحاد الطبقة العاملة مع الفلاحين، والذي يتحدث عنه دائماً لينين، أمر غير ممكن. فالفلاح في حاجة إلى الأرض، وليست له مصلحة في الاشتراكية، إذ إن العملية الزراعية بطبيعتها تجعل الفلاح أقرب إلى الرأسمالية منه إلى الاشتراكية. ومن حيث المبدأ، فهذا الاتحاد كان من المقدر له أن يكون ممكناً في ظروف الديمقراطية والمساواة السياسية والتبادل العادي للسلع، ولكن ليس أبداً في ظل زعامة البروليتاريا. فزعامة البروليتاريا تهين الفلاحين عن عمد، وترى أن دورهم مجرد دور تابع. تلك النظرة إلى الفلاحين من جانب البلاشفة تعطي الأزمة الاقتصادية المشار إليها ظلالاً سياسية.
حينما قام البلاشفة العام 1917م بتقديم تنازلات إلى الاشتراكيين الثوريين اليساريين وضعوا بذلك تحت أنفسهم قنبلة موقوتة: جعلوا الأرض مشاعاً على الرغم من أن برنامجهم منذ البداية كان يتضمن تأميمها. ومن أجل اجتياز هذه الأزمة الأخطر – أزمة الطابع السياسي الاقتصادي – فالبلاشفة مضطرون إلى إعلان حرب شاملة على الفلاحين وإبادة الجزء الأفضل منهم – أولئك الذين يستطيعون ويريدون العمل. وسوف يملي الموقف الدولي والداخلي، وكذلك درجة فصل طبقات الفلاحين عن بعضها بعضاً والتي ستظهر في تلك الفترة، على البلاشفة الشكل الذي يمكن أن يتم فيه عمل ذلك.
باجتياز الأزمة الثالثة يمكن للبلاشفة أن يصمدوا سنوات كثيرة إلى أن تحل الأزمة الرابعة – الأزمة الأيديولوجية، حينما تبدأ السلطة البلشفية في التحلل من داخلها. ولكن عملية التحلل يمكن أن تمتد لعشرات السنين. ولأن روسيا لم تعرف أبداً الديمقراطية، فسوف يستوعب الروس السلطة المطلقة التالية – سلطة البلاشفة – في صب روإذعان. هذه السلطة يمكن أن تكون مدعومة بديماجوجية ذكية وحاذقة وبجهاز متطور للقمع والترصد.
تنبؤاتي هذه بطبيعة الحال معرضة للتصحيح من قبل كافة المواقف المحتملة والممكنة في المستقبل، تلك المواقف التي لا يمكن استباقها أو التنبؤ بها، والتي تتعلق بصاحب الجلالة – الظرف، وعلى سبيل المثال، عندما يتم دحر ألمانيا – وأنا لا أشك إطلاقاً في أنها ستندحر – فعلى أية صورة ستكون أوروبا ما بعد الحرب؟ ومن سيخلف لينين في حالة وفاته...إلخ، أنا لا أستثني أيضاً إمكانية أن لينين كشخص مرن بشكل تكتيكي وعارف جيد بالماركسية، يمكنه في مراحل معينة إجراء تعديلات مهمة في اتجاه الابتعاد عن التحولات الاشتراكية المقررة، وهو ما سوف يستدعي عدم رضاء حثالة البروليتاريا. بيد أن البلاشفة بأيديولوجيتهم الموجهة إلى العناصر المنفصلة عن طبقاتها سوف يفشلون في نهاية الأمر – وهذا ما لا شك فيه. ذلك مسألة وقت لا أكثر. فلا أحد يمكنه أن يغير مسار تطور التاريخ والشخصية البارزة لا يمكنها إلا أن تعجل أو تبطئ من هذا المسار. ولينين سوف يبطئ من حركة التاريخ الروسي، ومن ثم فسوف يدخله بالعلامة نفسها التي دخله بها لجيديمتري(32)
يتبع.................



#عبد_الحسين_سلمان (هاشتاغ)       Abdul_Hussein_Salman_Ati#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جولة سياحية مع العدد 12
- وصية صديق قبل الاخيرة-1-∞
- الحوار مع السيد النمري-3
- الحوار مع الزميل فؤاد النمري-2
- الثورة من منظور ماركسي
- الحوار مع الزميل فؤاد النمري-1
- الزميل حسقيل قوجمان...الصراع الطبقي و قضايا أخرى 3
- الزميل حسقيل قوجمان الصراع الطبقي و قضايا أخرى - 2
- الزميل حسقيل قوجمان..الصراع الطبقي و قضايا أخرى.
- ديكتاتورية (البروليتارية) و ديكتاتورية فؤاد النمري.
- فؤاد النمري....و... إسحق دويتشر
- عزيز الدفاعي : يستغيث بالكاظم
- خرافة التعريفات-3
- خرافة الماركسية–اللينينية
- الأمريكان والماركسيه....مرة ثانية
- علمانية ...نوري المالكي و قبلات عبد الخالق حسين
- بين وفاة الشاذلي العضوية وهزيمة مبارك التاريخية.
- الخامس و العشرين من يناير 2011 ( مصر)
- جاسم الحلفي بين بندقية -تشي غيفارا- وصفحة الفيسبوك
- الزيارة الملونية بين اهل العلم ( كاظم حبيب) وبين اهل الخرافة ...


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين سلمان - الوصية السياسية أفكار بليخانوف الأخيرة 1-2