أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حسين يونس - الريف ينتقم و المدينة عاجزة















المزيد.....

الريف ينتقم و المدينة عاجزة


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 3568 - 2011 / 12 / 6 - 19:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الانتخابات النيابية الجارية كشفت أن المهمشين من سكان القرى والكفور والنجوع ، والمنتقلين من الريف لعشوائيات مدن ( القاهرة ، الاسكندرية ، القناة ) كانت لهم الكلمة العليا في اختيار نواب الشعب ، وأن سكان الحضر وقفوا عاجزين عن دعم الدولة المدنية وغير قادرين علي اختيار الاكثر وعيا بما يتناسب مع طموح التغيير.
الفلاحون والعشوائيون إختاروا أن يحكم مصر أكثر عناصر المو زاييك السياسي تخلفا، رجعية، بعدا عن العصر وقصر نظر ، في تحد واضح لكل محاولات القوى الليبرالية لجذبهم تجاه اختيار الاقدر علي العمل النيابي ، حتي أن بورسعيد رفضت جورج اسحاق مؤسس حركة كفاية التي فجرت المقاومة ضد المبارك ونظامه واختارت من التيار الاسلامي من هو رجعي ومتشدد .
الريف المصرى الذى عاني سكانه من قهر وارهاب وتهميش واهمال ونقص الخدمات منذ زمن فقد الهوية عندما حول الاستعمار الروماني مصر الي مزرعة القيصر تورد القمح والعنب والزيتون والنبيذ لشونة الامبراطورية بواسطة اساطيل لا تتوقف عابرة للمتوسط، ثم مزرعة ابن الخطاب ((الذى حبس درها وصرها أن يخرج منه شيئا نظرا للاسلام وعهوده)) فكانت القوافل الحاملة للغلال ومنتجات الريف المصرى ، لا تهدأ اولها في المدينة وآخرها في الفسطاط ، ثم دمشق، بغداد ، فتمول سفه الفاطميين ثم حروب صلاح الدين ، فشراء العبيد والمماليك يسعون في الارض فسادا وسرقة ، تدفعهم أطماعهم وشهواتهم لظلم اهل الريف واستعبادهم حتي تخلص منهم محمد علي ، الريف المصرى الذى اهتم الوالي الجديد بتوفير الترع والقناطر والسدود له ، لم يكن من اجل الفلاح بل من اجل الذهب الابيض الذى يزرعة الفلاح القن المسخر في مشاريع الدولة وفي زراعة ما تطلبه مصانع يوركشير ولانكشير .
الفلاح المصرى كان في الأغلب الأعم بعد قرون من الاضطهاد والعبودية جاهل متخلف أو كما وصفه ابو الصلت (( اهل مصر الغالب عليهم اتباع الشهوات والانهماك في اللذات والاشتغال بالترهات والتصديق بالمحالات وعندهم مكر وخداع ولهم كيد وحيل)) اما المسعودى فكتب (( نساؤها شر نساء الارض وعندهم خبث ودهاء ومكر ورياء وهي بلد مكسب لا مسكن اهلها شر فكن منهم علي حذر)) ، في القرن التاسع عشر لم يتغير الموقف لقد اقطع ابناء محمد علي مساحات واسعة من الارض لارستقراطية جديدة مقابل سداد ديونهم وإنفاقهم لجعل مصر بلدا اوروبيا ، وما ان جاء إنقلاب 52 حتي كانت ارض مصر يجثم علي أغلبها إقطاع يستغل الفلاح أبشع استغلال، يعمل طول اليوم من أجل كسرة خبز وبيت من الطين حياة أقرب لحياة السائمة والبهائم يعاني من الجهل وقلة الحيلة والبلهارسيا والانكلستوما وغيرهما من الأمراض المستوطنة ، وضعف مستوى الخدمات ، لا ماء نظيف ولا صرف صحى ، ولا رعاية صحية ولا حتى أمن، والفقر الغير انسانى الذى لم ينج منها الا من إلتحق بالكتاب وحفظ القرآن وذهب للأزهر ليعود يعمل كواعظ بدون أجر، رجل الدين الفقير كان مثار سخرية فى القرية ومع ذلك كان التعليم الدينى للفلاح وسيلته الوحيدة للتقدم .
مع إنقلاب 23 يوليو م تتحسن الأوضاع فلقد حلت الجمعيات التعاونية الزراعية مكان الاقطاعى وظلت حياة الفلاح دون تغيير.. التهميش والفقر الشديد وخيانة البرجوازية لأهلها بالريف أدت الى نتيجتين واضحتين ، إحداهما هى هجرة كل من يستطيع ترك قريته الى المدن ، والثانية تشكيل عشوائيات وأحياء فقيرة نقل اليها أهل الريف أسلوبهم فى الحياة لتتغير بمرور الزمن هوية الاسكندرية والقاهرة وبورسعيد .
هجرة الفلاحين فى البداية صاحبت انتشار المدارس وقدرة بعض الطلاب على إجتياز الحاجز الطبقى وتغيير صفتهم من فلاح الى فئات ، الموظفون الذين احتلوا الجهاز الادارى للدولة قادمين من الريف ، خلعوا الجلباب وارتدوا الملابس المدنية ، ولكنهم لم يخلعوا المنظومة الاخلاقية والقيمية لأرض البلاد ، حتى عندما أصبح أحدهم رئيسا للجمهورية ، إعتبر نفسه كبيرا للعائلة وطالبها بالالتزام بأخلاق القرية وقوانين العيب ، فالفلاح المصرى بطول الاهمال حدث له تكلسا فى درجة تطوره القيمية جعلته لا يتجاوز ما تعلمه فى طفولته ( إلا فى حالات محدودة قابلة للارتداد مع زوال المؤثر ) ، الفلاح الذى حصل على قسط من التعليم أهّله لأن يصبح أحد أفراد الجيش البيروقراطى الذى يدير مصر ، يعمل ويجتهد ويتقدم ويجمع النقود ليعود بتحويشة العمر لقريته يشترى قيراطا من الأرض يبنى عليه منزل بالطوب وحديقة يزرع فيها خضروات وفاكهة لاستخدامه اليومى ، وزريبة يربى فيها عجلين وبعض الدواجن مستردا الفلاح الذى ورثه عن الآباء والأجداد لا يخرج عن منظومته السائدة.
الانفتاح الاقتصادى والتغييرات المتسارعة للسوق أدت الى زيادة الفقراء فقرا وهجرة واسعة لطبقات أخرى من الفلاحين غير المتعلمين ، يسعون الى المدينة من أجل النجاة من الحالة المتردية فى الريف ، العناصر الجديدة عاشت فيما يسمى بمدن الصفيح على حدود المدن ، يدخلونها نهارا من أجل الرزق ويعودون منها مساءً الى مدن غير صحية وغير مريحة .. بمرور الوقت ورخاوة الحكومة وجهازها الادارى أصبحت مدن الصفيح عشوائيات ، وضمت كل المهمشين والمطاردين ومنهم الجماعات الدينية السلفية الملاحقة من أمن الدولة وعناصر من الاخوان التى لم تتح لهم الفرصة للوصول الى مصادر التمويل الخليجية .
الحياة فى العشوائيات رغم أنها تطورت لتضم بعض من الفلاحين المتحولين الى حرفيين وخدم المنازل والمدارس والمستشفيات ، إلا أنها حياة غير مستقرة ، مبنية على ما تجود به الظروف وما يتاح للباعة السّريحة وفتوات المناسبات وصبيان تجار المخدرات من رزق غير معلوم ، إقتصاد العشوائيات والتسول والمعونة كان المدخل الذى سيطر به رجال الدين والدجالين والنصابين على الجموع التى تعانى من الأمية والأمراض وسوء الخدمات ونقص المياه والكهرباء والصرف الصحى ، وظلم وجبروت الأمن والبوليس ، وهكذا ظهرت المستوصفات الخيرية وفصول التقوية والاعانات التى توزع فى المواسم والمناسبات ، والأتعاب التى يدفعها أصحابها فى أيام الانتخابات والاقتراع نظير الأعمال المشروعة وغير المشروعة ، فهل من الغريب أنه فى حالة الاستنفار تجدهم أمام مقرات الاقتراع وفى المظاهرات الاستعراضية لقوة الجماعة والسلفيين .
الفلاح المصرى الذى راكم كما هائلا من الخوف والتوجس والمداهنة عبر آلاف السنين ، لا يتنازل أبدا عن تراثه الفكرى والحضارى سواء كان متعلما وحاصلا على أعلى الدرجات أو بائسا متجولا يعيش اليوم بيومه ، بعد الانفتاح وبداية تغلغل النفوذ الوهابى تسلل رجال الدين العاطلين فى قرى مصر الى السعودية ، ثم عادوا بتحويشة العمر وأموال الوهابية ليشتروا بها أراض ويبنوا الجوامع فى القرى، ليتحولوا الى أغنياء القرية الذين يلتف حولهم المتنطعون ، وعندما يذهب الشيخ الى الاذاعة والتليفزيون ويصبح نجم دينى ، ويتزوج من بنات القرية يصبح ما يقول هو الحقيقة .. إن سقوط نفوذ الاقطاع وملاك الأراضى حل محله نفوذ رجال الجمعية التعاونية والأمن ، ثم استبدلوا بالمشايخ القادمين من بلاد الجاز ، خلال هذا الوقت كان هناك من أبناء الفلاحين من تعلم وتثقف وأصبح من اليسار أو العلمانيين ولكنه أما الجهل ورعب الفلاح من النار ، فشلوا فى تكوين جبهة يسارية داخل الريف ، فالفلاح المصرى لم يتطور أخلاقيا عن مرحلتين الأولى الخوف من العقاب والثانية رجاء الثواب .. نار وجنة ، وهو فى هذا لا يهتم الا بمن بيده القرار ، من سيصرف له المكافآت والحوافز والعلاوات ( اللى يتجوز أمى أقوله يا عمى ) ومن سيوقع عليه الجزاء والخصم والحرمان ، لذلك فهو لا يعنيه مصلحة الأمة أو الجماعة ( عيشنى النهاردة وموتنى بكرة ) ولا يهتم بمستقبل أولاده أو أحفاده ( إن جالك الطوفان حط ابنك تحت رجلك ودوس عليه ) ولا يجد مبررا للتخطيط حتى فى الانجاب ( ربنا بيرزق وكل مولود قادم ورزقه معاه ) ، توقف نضج الفلاحين الذين يمثلون أكثر من 80% من أصول الشعب المصرى أدى الى سيادة فكر إخبط واهرب ، وسقوط الانتماء للوطن والمجموع وتغلب الانانية مهما نتج عنها من أضرار.
وهكذا عاقب الفلاحون أهل المدن الذين لم يهتموا بتطوير منظومتهم الانسانية ، بأن انتخبوا لهم من كان على شاكلتهم فى الانانية والتسطح والنقوص الفكرى والاجتماعى .



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبدا ..لن تسرقوا احلامنا
- تغيير جلد النظام .. ثم الكمون.
- انتخابات اليوم ..تقديم طلب الانضمام للعصابة
- النوح ، و البوح أمام مقابر الشهداء .
- لكي لا تحرثوا في البحر.
- و.. جعلوا أعزة أهلها أذلة.
- هل ضاع كفاح قرن في عشرة شهور!!.
- انا مضاد للسلفية..حتي النهاية.
- البكاء أمام محراب نيتنياهو
- النهضة الاسلامية سراب و وهم للغافلين
- الاسلام السياسي (ايدز) المجتمعات.
- كوميديا السلفيين و تراجيديا الاخوان المسلمين
- الدولة الدينية كابوس لا يتحقق.
- آسف .. مصرلن يحكمها السلفيون.
- الخلف الطالح و البروتاليتي.
- النداء الاخير قبل الاظلام الوهابى
- هل منطقتنا أصبحت خارج اطار الزمن
- الآن فهمتكم .. يا أهلا بفلول النظام .
- عقل انثوى ناقص و كمون المجتمع
- كلمات علي شاهد قبرها( 1919 – 2011).


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حسين يونس - الريف ينتقم و المدينة عاجزة