أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - والمطر ينهمر: قصة قصيرة














المزيد.....

والمطر ينهمر: قصة قصيرة


رياض خليل

الحوار المتمدن-العدد: 3516 - 2011 / 10 / 14 - 09:22
المحور: الادب والفن
    


والمطر ينهمر: قصة قصيرة لرياض خليل
القصة منشورة في مجلة " جيش الشعب " السورية ، في العدد ( 1263 ) تاريخ 26/10/1976 ، الصفحة ( 25 – 26)

... غريب وجه السماء . إنه يتمخض عن شيء غير عادي .
كانت الغيوم تتحرك رشيقة ، أحس لها موسيقا عذبة . إنه يحب الشتاء : " أتذكرين ياأم فارس .. كم مشينا تحت رزاز المطر ؟ وكيف كنا نصغي إلى صوته الأليف ؟ الذي يشبه التراتيل القداسية في دير قديم ؟ " .
كانت لرائحة الأرض المبتلة بعد ظمأ طويل مكانة خاصة في نفس أبي فارس ، حيث كان يشرد مع أنفاسها العطرة .. في رحلة آسرة .
هاهي الآن أرض أبي فارس ترنو متلهفة إلى تلك القطعان البيضاء من الغيوم ، والتي تعبر السماء متراكضة كالأطفال في ساحة المدرسة .. تهفو إلى البلل ، تعانق بعض القطرات المتفلتة من أفواه الغيوم بشوق وشراهة .. يتأملها أبو فارس ، ويتصورها وهي تستيقظ ، وتنشر رائحتها المسكية ، فتغزو خياشيمه الظمأى ، فيستسلم لها ، ولما تفجره من ذكريات وآمال وصور ، تتشابك في لوحة تزدحم بالألوان .
****************
- فارس .. هل أنت عاشق ؟
ابتسم فارس . أدار رأسه خجلا .
- لاتخجل يافارس .
- ...........
- مااسمها ؟
- ............
- سأكون سعيدا لو عرفتها
مازالت السماء تفيض بقطعان الغيوم ، وعينا أبي فارس تلتمعان بشيء يشبه الولادة . تعلقت عيناه بغيمة صغيرة تمضي وحيدة ! ألفاها تبتسم له . تحركت شفتاه .. وهمس :
- مالذي حملك إلي ؟
- ..............
- الريح ؟
- ..............
- ليتها تحمل إلي فارس !
ضحكت الغيمة ، وتناثرت ضحكاتها قطرات ناعمة ، بلت وجه أبي فارس .
**************
كان فارس يقاتل بحماس ، وكانت الأرض تنطوي تحت قدميه طيعة . لم تكن تداهم ذهنه آنذاك سوى صورة الفتاة التي حدثه أبوه عنها : " بنت من ؟ سأكون سعيدا لو عرفتها " ......
هاهي أمامه الآن ، برائحتها الزكية ، ولونها الجميل المستبشر ، تفتح له ذراعيها ، تواسي جروح قلبه ، وكان يناجيها فرحا : " بحثت عنك طويلا ياحبيبتي ، كانت غربتك قاسية ، أمضيت خلالها زمنا أسود . كان فراقك مرّا "
تحول فارس إلى نهر عظيم ، يندفع كالعاصفة ، تتقدمه أحلامه الذهبية .
*****************
اللحظة تتسع . تتورد باتجاه المرح . تتحول إلى موكب يرفل بالجدة والروعة والجمال والجلال . تتوضح ملامح الموكب . تتناهى منه زمر الألحان الأرجوانية .. ذات الإيقاعات الغريبة . قرع الطبول يتعالى . تتجلى العروس كزنبقة بيضاء .. أنيقة .. خجولة كطفلة يحف بها الموكب كسوار من اللآلئ . يقترب . زغاريد . موسيقى . أغان . ابتسامات . فارس يتأبط ذراع عروسه . يبتسم . يضع أطراف أنامله على خد العروس برفق ومودة . إنه ينظر الآن ولأول مرة في خضم عينيها ، ويود أن يغرق فيهما : " أبي .. هذه هي حبيبتي " .
تتلاحق الغيوم فوق أبي فارس . ترشقه بزخات ناعمة . تداعبه . تلوح له بمناديل شفافة ملونة . تدندن ألحانها العابثة ، حاملة له رائحة ابنه فارس ، وهو يبتسم ابتسامته البريئة العاشقة والخجولة .
" متى ستعود يافارس ؟ طال غيابك على غير عادتك ! ألا تريد أن أخطب لك الصبية التي تحبها ؟ أنكون قد أزعجناك بشيء ؟ "
قطع سلسلة أفكاره وتصوراته صوت بوق سيارة تناهى إلى أذنيه . فرح أبو فارس . الليلة سيسهرون مع فارس في حفلة سامرة حتى الصباح ، وسيذبح من أجل عودة فارس خروفا ، سيأكلون على شرفه ، ويتبادلون النكات والطرائف ، سيحكي لهم عن رفاقه الذين يعيش وإياهم في الجبهة ، عن الأسلاك الشائكة والخنادق والأسلحة والعدو ، ستكون سهرة لذيذة ورائعة ، وسيذكره أبو فارس بالبنت التي يحبها ، وسيتفق مع أهلها على المهر والعرس الذي ستقرع فيه ثلاثة طبول ، وسيغني خلاله أبو فارس وأم فارس وسرقصون ويرقصون من أجل ابنهم ....
****************
صوت بوق السيارة يقترب . يشتد . والمطر ينهمر ملتهبا .
شيء ما تحمله تلك السيارة الغريبة ، التي تسير ببطء ، حولها أناس كثيرون . أصغى أبو فارس باهتمام وهو يركز بصره بخوف وقلق وتوجس : " في مقدمة الموكب مجموعة متناسقة من الجنود . تمشي برتابة على وقع موسيقى حزينة .. جنائزية . طلقات . رصاص . المطر رصاص . المطر أحمر . جنازة . شهيد !!!؟؟؟
- من؟
- فارس ... فارس بن أبي فارس
****************
صارت الريح فرسا مجنونة ، حملت أبا فارس . وصارت السحب سيفا هائلا في كفه ، مالبث أن تكشفت شفرته عن بروق غمرت الكون بالضياء والحب والغضب .



#رياض_خليل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الإله الرحيل في :
- قصائد قصيرة جدا : شعر
- النظام السوري يطلق النار على نفسه
- الشيء
- حدث بين الشاطئ والبحر(الربان
- التنمية المتوازنة
- كلمة عن الشعر
- عرس الرماد
- الأفق والراية والنصر
- الدكتور أحمد جاسم الحسين ناقدا
- الشجرة البريّة : قصة قصيرة
- وردة الشمس: شعر
- ميساء عدرة في حوار مع رياض خليل
- بين الكتاب والشاشة
- الأديب خيري عبد ربه يكتب عن رياض خليل
- إشكالية العلاقة بين الأدب والشاشة الصغيرة
- هل انتهت الحرب الباردة ؟
- عن رياض خليل كتب : طلعت سقيرق
- مقابلة مع رياض خليل
- عن رياض خليل: قراءة تحليلية


المزيد.....




- فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون ...
- لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
- مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة
- جمعية التشكيليين العراقيين تستعد لاقامة معرض للنحت العراقي ا ...
- من الدلتا إلى العالمية.. أحمد نوار يحكي بقلب فنان وروح مناضل ...
- الأدب، أداة سياسية وعنصرية في -اسرائيل-
- إصدار كتاب جديد – إيطاليا، أغسطس 2025
- قصة احتكارات وتسويق.. كيف ابتُكر خاتم الخطوبة الماسي وبِيع ح ...
- باريس تودّع كلوديا كاردينال... تكريم مهيب لنجمة السينما الإي ...
- آخر -ضارب للكتّان- يحافظ في أيرلندا على تقليد نسيجي يعود إلى ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - والمطر ينهمر: قصة قصيرة