أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - الشيء














المزيد.....

الشيء


رياض خليل

الحوار المتمدن-العدد: 3514 - 2011 / 10 / 12 - 16:57
المحور: الادب والفن
    


الشيء
قصة قصيرة لرياض خليل
نشرت في مجلة " جيش الشعب " السورية ، في العدد ( 1267 ) تاريخ 23/11/1976 ، ص24 ---

لم يدرك ماترمي إليه تلك التصرفات ، لولا أن صديقا له يدعى ناصر كان قد أثار في نفسه الشكوك والتساؤلات حول الموضوع ، لافتا نظره إلى أن كثيرا من الأمور التافهة في نظر الناس هي على جانب كبير من الأهمية . كان غازي يصغي جيدا إلى حديث صديقه ، ربما لأنه يعبر عما يصطخب في ضميره من أحلام وأمان وأشواق . غازي كان في أواخر العقد الثالث من عمره ، ولم يكن على وفاق طيب مع الحياة من حوله ، إنه لايزال يلهث خلف الرغيف والعمل والحبيبة .
ازداد تعلقا بناصر ، على الرغم من الزمن القصير الذي مضى على صداقتهما . وناصر مجرد موظف بسيط محدود الدخل ، لكنه مثقف .
لم يكن غازي يدرك في البداية ماترمي إليه تصرفات الأصدقاء من حوله ، وبعضهم ممن تعرف عليهم بواسطة صديقه الصدوق ناصر . ونظر غازي إلى التصرفات الغريبة من حوله والصادرة عنهم نظرة مترددة ، واعتبرها سلوكيات عابرة .. بسيطة .. عادية .. نوع من اللهو والعبث . ولكن وبعد أن استمرت الحال على ماهي عليه .. بدأ يرتاب ويشك ويحس بالغرابة ، وأن أمورا غير طبيعية تقبع خلف تلك التصرفات الشاذة . وتبلورت في ذهنه أحاسيس وتصورات جديدة ، ولم يستطع أن يقاوم تطفله وفضوله لمعرفة السر الكامن وراء مايدور من حوله ، وكان كلما حدت به الرغبة لذلك ، كان يؤجلها إلى وقت أنسب ، ويكبت جموح فضوله للبحث عن الأجوبة على تساؤلاته .
ناصر كان يرصد غازي ويدقق في حركة عينيه وتحولات وجهه جيدا وهو يبتسم .
هكذا باتت تصرفات الأصدقاء مثار الدهشة والتعجب والاستغراب لدى غازي ، فأينما اجتمع بهم يراهم لايكفون عن تحريك أرجلهم وأيديهم وعيونهم بارتباك وانفعال ، وكان من الواضح أنهم يفتشون عن شيء ما ، ولكن ماهو هذا الشيء ؟ أهو مهم إلى هذا الحد ؟ لقد قرأ ذلك في وجوههم ، وأدرك أن المسألة جدية من خلال أحاديثم وحواراتهم :
- وجدته !
- سأجده ..
- يجب أن نعثر عليه
- بعضهم عثر عليه
- آخرون لايزالون يفتشون
- لابد أن نجده
- ما أحوجنا إليه
وكان غازي يدور عينيه متابعا الأمكنة التي كانت تتجه إليها عيونهم وأصابعهم بحثا عن الشيء . وكان ذهنه يعمل ويعمل بلا كلل وهو لايكف عن التساؤل :
" أيمكن أن يكون ساعة ؟ قطعة ذهب ؟ وثيقة هامة ؟ جزدان ؟ .... لم كل هذا البحث المضني ؟ إنهم يدمنون عل هذا السلوك غير الاعتيادي ! لاشك أن في الأمر شيئا لايمكن توقعه ! شيئا مختلفا ، لايمكن تخمين هويته ، كيف أفسر سلوكهم وتصرفاتهم ؟ هل يمكن أن يكونوا مجانين ؟ لا .. لا.. أنا المجنون وليس هم ، أو ربما .. لاأدري ماذا ؟ هوس حقيقي ! نوع من الجنون المعقول أو المقبول ، لا.. لايمكن أن يكونوا جميعا مجانين .. وأنا العاقل الوحيد بينهم ، وحتى لوكان الأمر كذلك فهو اللامعقول بعينه ، وهو غير مقبول واقعيا وعمليا .
إنهم يفعلون مايفعلون في الشارع ، وفي الغرف التي كنا نجتمع فيها ، وفي أمكنة أخرى كالمقهى والرصيف والحديقة العامة .... الخ كانوا يتصرفون هكذا في معظم الأوقات وفي الأمكنة الخالية والمزدحمة .. في النهار والليل .. وبدا الناس حوله كالدمى في مسرح العرائس ، ولم يعد غازي يطيق الصمت ، فتدفقت الأسئلة من فمه كالسيل العرم ، وهي تبحث وتستقصي الأجوبة بحثا عن الشيء ، وأحس بعدوى البحث تصيبه .. وهو في غمرة التساؤلات ، وصار يتصرف مثلهم تماما ، وهو يسأل ويسأل ويسأل من حوله ، ولاسيما الأصدقاء : " حيرتموني ! لم أعد أحتمل الصمت على ما تمارسونه من الجنون واللامعقول ! أرجوكم ، أخبروني ماالشيء الذي تبحثون عنه بهذا الشغف والحماس المنقطع النظير ؟ وضحكوا كثيرا ، وأحس غازي بنفسه سخيفا وغريبا وشاذا ، تساءل عن وجه الخطأ في كلامه وتساؤلاته ؟ وشكك في عقله ؟ ثم حاول التبرير : لعلها لعبة ؟ لعبة سخيفة وسمجة يمارسها الأصدقاء ضده لسبب ما ؟ ! ماالمضحك في كلامه وتساؤلاته عن الشيء ؟ أوليس من حقه أن يسأل ؟ ويبحث عن الجواب ؟ عن الشيء ؟ عن شيئه ؟ من حقه أن يعرف ويكتشف .
وعندما ألح بالسؤال أجابه صديقه : أراك تسأل سؤالا سخيفا .. واندهش ، وأكمل صديقه : " ماالغريب في الأمر مادمت تفعل كما نفعل ويفعل الجميع ، استغرب وهو يتلمس نفسه ويفكر بسلوكه وتصرفاته وأسئلته وأصدقائه وأشيائة التي لم ولن يتوقف عن البحث عنها .
في اليوم التالي استيقظ من كابوس .. أحس أن ثمة شيئا ضاع منه ، حاول أن يتذكره ، فلم يتمكن . لكنه راح منذ ئذ يبحث ويبحث عن الشيء .



#رياض_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث بين الشاطئ والبحر(الربان
- التنمية المتوازنة
- كلمة عن الشعر
- عرس الرماد
- الأفق والراية والنصر
- الدكتور أحمد جاسم الحسين ناقدا
- الشجرة البريّة : قصة قصيرة
- وردة الشمس: شعر
- ميساء عدرة في حوار مع رياض خليل
- بين الكتاب والشاشة
- الأديب خيري عبد ربه يكتب عن رياض خليل
- إشكالية العلاقة بين الأدب والشاشة الصغيرة
- هل انتهت الحرب الباردة ؟
- عن رياض خليل كتب : طلعت سقيرق
- مقابلة مع رياض خليل
- عن رياض خليل: قراءة تحليلية
- بيانكا ماضية : في دراسة عن رياض خليل
- الكاتب الأردني محمد المشايخ يكتب عن رياض خليل
- النمرود : شعر
- الفراشة: شعر


المزيد.....




- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...
- المؤسس عثمان الموسم 5.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 باللغة ...
- تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 على النايل سات وتابع أفلام ال ...
- وفاة الكاتب والمخرج الأميركي بول أوستر صاحب -ثلاثية نيويورك- ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - الشيء