محمود فنون
الحوار المتمدن-العدد: 3515 - 2011 / 10 / 13 - 20:53
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
صفقة تبادل الاسرى في وقتها
كل وقت هو مناسب للافراج عن الاسرى
محمود فنون 12|10|2011
قد يكون من المهم ما يقوله المعلقون عن صفقة تبادل الاسرى ,ولكن الاهم هو ما يقوله ذوي الاسرى المحررين ,فهم اهل العروس واهل العريس ,اما التعليقات السياسية وهي مشروعة لمن اراد فانها تأتي ارتباطا بفهم المحللين للواقع السياسي والعلاقات السائدة في وقت من الاوقات ,كما تاتي ارتباطا بظروف النضال الوطني الفلسطيني .
ان المهم في الامر اولا هو ما يراه ويقوله ذوي الاسرى واخص دائما بالذكر امهاتهم وزوجات المتزوجين منهم وعائلتهم الاقرب :هؤلاء مسرورين ,هؤلاء فرحين بالصفقة ,وهم بكل تاكيد ومن واقع احساسهم بجماعية القضية يتمنون الافراج العاجل لجميع المعتقلين الذين جمعتهم الحياة وظروف الكفاح الفلسطيني مع ابنائهم وبناتهم وذويهم .
فاتقدم بالتهاني الحارة للذين سيفرج عنهم واخص بعد ذلك امهاتهم وزوجات المتزوجين منهم وكل ذويهم واتمنى لهم حياة سعيدة على امل ان يتحرر الوطن الذي كافحوا من اجل تحريره .والتهاني والشكر لكل من ساهم في اتمام هذه الصفقة ,ولكن التهاني قبل الجميع لمن تمكنوا من الاحتفاظ بشاليط في هذه الظروف العصيبة
بعد ذلك اسجل ملاحظاتي الاولية على اتفاق التبادل الذي تم ولو ولم تصل الاجراءات الى المرحلة الاولى من تنفيذه:
اولا:ان المعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية هم معتقلي حركة التحرر الوطني الفلسطيني وهم بهذه الصفة ,كاسرى الحروب وفقا للاعراف والقوانين الدولية .
ثانيا:ان اسرائيل التي تعلمت في مدرسة الاستعمار الانجليزي والمدعومة بكل اشكال التاييد الاوروبي والامريكي تعامل اسرانا معاملة المجرمين وتصفهم بالارهابيين .وهي تعتقل بالاضافة الى الفدائيين ,تعتقل اصحاب الرأي والموقف وذوي الميول السياسية ,بل انها تطحن هؤلاء بالاحكام الادارية والتوقيف الطويل وتكرار الاعتقال بين فترة واخرى وان بعضهم لا يقضي اكثر من شهر او بضعة شهورخارج السجن لتتم اعادة اعتقاله اداريا وبشكل لا يعرف متى ينتهي.
ثالثا:ان السلطات الاسرائيلية المختصة تنفذ ازاء المعتقلين سياسة قمعية رسمية, مرسومة ومبررة من قبل الحكومة والكنيست والراي العام ,وان التنكيل الذي يقع بالمعتقلين سواء من جهة قسوة الاحكام وقرارات التوقيف الاداري التي لا تفسير لها او ممارسات ادارة السجون والحرمانات والاهانات التي تقع على المعتقلين ,هي ليست نتاج شذوذ هذا الموظف او ذاك ,هي ليست تجاوزات وانما هي سياسة رسمية,بعد ذلك نضيف فيضا من التجاوزات التي تنم عن الحقد العنصري والتعبئة الحاقدة وشذوذ الافراد.
ثالثا :ان هذا يفسر المحاولات المتكررة من جانب الفلسطينيين لاسر جنود ورهنهم للمبادلة كتوجه مشروع ولا تجد الحركة الفلسطينية خيارات اخرى للافراج عن المعتقلين غير هذا الخيار .ان تجارب التبادل السابقة هي التجارب الناجعة التي مكنت الفلسطينيين من تحرير جزء من اسراهم .
يتوجب علينا ان نفهم اخلاقية الموقف من خلال طبيعة الصراع وهو صراع وجود, والصهاينة يتبعون ضدنا منهجا احتلاليا حلوليا واقتلاعيا ,ولا يعترفوا باحقية الوجود الفلسطيني في فلسطين ولا يحترموا هذا الوجود ولا يعترفوا باحقيته في النضال ضد احتلالهم الاول 1948 والثاني 1967 و بالتالي يستحقوا ان يعامل اسراهم معاملة المثل,ويعتبر تطبيق سياسة التبادل جزءا من الحالة النضالية الفلسطينية وجزءمن مكافحة الاحتلال وارغامه على التعامل مع حقوقنا .
رابعا:على هذه الاسس نفهم الصفقة ,ان التفاوض عليها وعلى تفاصيلها هو جزء من الحالة الصراعية الموصوفة اعلاه. وبلا شك كان الطرف الاسرائيلي ينطلق من موقع الاقوى والمتعالي والذي يتمتع بقدرة كبيرة على المناورة ,كما انه الاكثر اقناعا لاصدقائه بانه هو الطرف المحق, حيث انه يتحرك في بيئة مناصرة من حيث المبدأ لمواقفه . بينما لا يجد الطرف الفلسطيني في هذه البيئة من يناصره بل يجد من يضغط عليه لاتمام اية صفقة وكيفما اتفق ,وليس بيد الطرف الفلسطيني من عناصر القوة سوى قدرته على الاحتفاظ بالاسير في وجه كل سبل الضغط وكل محاولات البحث عنه التي تمت والتي صرح رئيس الشاباك السابق اثر الصفقة" ان المستوى الامني لم يقدم المعلومات الضرورية التي تمكن من استعادة شاليط بطرق اخرى"
ان الصفقة نتاج تفاعل الطرفين وقدرة كل منهما على الاصرار بشرط ان يظل الطرف الفلسطيني محتفظا بالاسير حتى اجراء الصفقة .
لقد تاجل اتمامها عدة مرات على احتمال ان يجدوه ويستعيدوه بالقوة. ثم وصل الامر الى الحد الذي اصبحت فيه اسرائيل بحاجة لاتمام الصفقة وكذلك وصل المفاوض الفلسطيني الى القبول بها علها افضل ما يمكن تحصيله .
لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمنا كبيرا لاسر شاليط والاحتفاظ به, وبمعزل عن الحسابات الكمية التي قد يلجأ لها بعض المراقبين :اننا كفلسطينيين ندفع الاثمان دائما كجزء من الصراع القائم,وقد دفعنا اثمانا باهظة دائما ,ودفعنا في غزة ثمنا كبيرا تحت اسم محاولات البحث عن شاليط(الجندي الاسرائيلئ الذي اسر وجرت الصفقة للتبادل عليه),ولكن التسبيبات اليومية لا تكفي لتفسير السلوك الاسرائيلي, فلا يمكن ان تكون حرب تموز 2006 م على لبنان فقط ردا على اسر حزب الله للجنود الاسرائيليين, انما هذا تسبيب لضرب حزب الله وسواء لهذا السبب او غيره .وفكرة ضرب المقاومة اللبنانية فكرة قائمة دائما. وكذلك فان دوافع ضرب القطاع وحماس وكل قوى المقاومة موجودة دائما لدى اسرائيل, وهي القادرة على الاستفادة من الهدنة ومن الحرب في حالنا الفلسطيني حتى الآن.
بعد ذلك يمكن تسجيل اية ملاحظات على تفاصيل الصفقة :
1- مهما كان شكل التفاوض فان اسرائيل هي التي تحكمت بالربطة الرقابية في النهاية .اي من المفهوم ان المفاوض الفلسطيني لم يمل كل شروطه .
2- هذا يفسر قبول الفلسطيني ببعض الشروط المجحفة مثل الابعادات(وهي النقيصة الاكبر في الصفقة)وقبل بها دون ان تكون بها الاسماء القيادية التي طرقت مرات كثيرة,وربما هناك نقائص اخرى.
3- ان وجود مثل هذه النقائص لم يكن حكما غائبا عن بال المفاوض الفلسطيني .ولنقل انه استخم الورقة الاهم بيده وهي القدرة على الاحتفاظ بشاليط في مأمن عن ايديهم. ولا اعتقد انه كانت هناك اوراق اخرى قوية بيد الفلسطيني. وربما تم تدعيم الصفقة بتنازلات عربية املتها اسرائيل وادخلتها في الصفقة .ولكن حذار ان يقبل احد بمثل هذه التنازلات وكأنها تدعيم للموقف الفلسطيني فهي ان صحت وانا لا اعلم الحقيقة هي تنازلات حسن نية تجاه اسرائيل لا غير.
4- من الناحية الكمية لا يوجد ربح في الصفقة فقد سقط منا الكثير من الشهداء وتم اعتقال اكثر من الف من وقتها حتى الآن ولكن من الناحية السياسية كانت مرة اخرى اجبر فيها العدو على ما هو نقيض سياساته تجاهنا
وايرا اننا دائما بحاجة الى وقفات مراجعة نقدية لحالنا الوطني ,ولكن يتوجب احيانا ولو بأقل القليل تثمين ما يجب تثمينه.
#محمود_فنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟