أحمد بسمار
الحوار المتمدن-العدد: 3491 - 2011 / 9 / 19 - 23:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أو ضحايا إضافية.. من الحرب الأهلية في سوريا
في البلدة الأوروبية التي أعيش فيها من حوالي نصف قرن, جالية سورية متعددة ملونة مختلفة. أساتذة جامعات, أطباء باختصاصات مختلفة يمارسون في عشرات المستشفيات المختلفة ومئات العيادات الخاصة, موظفون في مختلف المؤسسات العامة والخاصة, عمال من مختلف المهن, ومئات الطلاب بالاختصاصات المختلفة, موفدون وغير موفدين. بالإضافة إلى عدد كبير من التجار المتوسطين والصغار في مجالات تجارية مختلفة. الجالية السورية هنا تتجاوز العشرين ألفا, حسب آخر إحصائيات 68 ـ 73 من القرن الماضي, غالبهم حاصل على جنسية هذا البلد الأمين. ومن حينها لا يوجد أي إحصاء دقيق لهم. حيث أن الإحصائيات من أصول عرقية ممنوعة حسب القوانين الجديدة. وذلك لمحاربة الأفكار والدعايات العنصرية.
بالإجمال الجالية السورية, جالية ناجحة اجتماعيا ومعيشيا. لكن غالب المحاولات لخلق روابط ثقافية لم تستمر أكثر من سنتين أو ثلاثة.. ثم تنطفئ وتختفي وتزول. دوما بسبب خلافات داخلية على الرئاسة أو إدارة هذه الروابط التي كانت تظهر فيها بعد أشهر قليلة نفس الخلافات التي تعيث في البلد. طائفية, عرقية, وأحيانا نفس الخلافات السياسية. وخلال هذه الأشهر الستة الأخيرة, كم تمزقت صداقات, كانت دائمة حية من عشرات السنين, فتفجرت لخلافات ومشاجرات بسبب الأحداث اليومية التي تجري في البلد, وحسبما تشاهد كل عائلة أو جماعة من فضائية وتعليقاتها وصورها وتلفيقاتها المختلفة. صداقات قديمة متأصلة, تفجرت وحل مكانها نفس التفرقة والعداء الموجود بين الأطراف المتنازعة في البلد.
موقفي كان وما زال حياديا. أو بالأحرى لي انتقادات عميقة فكرية ضد الطرفين المتنازعين في البلد. السلطة والمعارضة. بالإضافة أنني أرفض كليا أي تدخل عسكري أو سياسي خارجي في حل هذا النزاع الذي يتفاقم ويصل يوما عن يوم إلى ســد ملغوم مغلق سيتفجر على رأس جميع الأطراف حـارقـا الأخضر واليابس, جالبا الخراب والتمزق والهلاك والموت للبلد وشعب البلد. رأي بالطبع لا يرضي أي من الأطراف المتنازعة هنا بين أصدقائي. وحتى بين أصدقائي المقربين الذين بدأوا يتفادون لقائي أو مشاركتي بأي حديث عن البلد. لأن الحياد مع مزيد الحزن والأسى والمرارة والأسـف أصبح عداء وحربا وحقدا وخلافات فكرية وسياسية, تستحق حكم النفي والسحل. دون قبول أي حكم مخفف أو تفهم لما أبدي من ممانعة لأساليب وجهالات الأطراف المتنازعة ورفض أي حوار معقول مقبول بين أفراد الأسـرة السورية الواحدة!!!...
لست آسـفـا على ابتعاد غالب هؤلاء النصف ـ أصدقاء عني.. ما عدا واحد منهم. واحد فقط. كنا أكثر من أخوة وأكثر من أصدقاء. كنا كأخين تؤامين. تربطنا أكثر من أخوة وأكثر من صداقة. تربطنا أفكار ومشاركات وتحليلات ونظرات مشتركة متشابهة. كان هذا الإنسان جامعيا متفوقا, يعمل بمنصب رفيع في إحدى المؤسسات. نجح في حياته المهنية والاجتماعية والعائلية, من الصعب تمييزه عن أهل البلد الأصليين, متمسكا بسوريته في جميع المناسبات والأحداث والظروف.
في بداية ألأحداث السورية كان من أشد المدافعين عن السلطة. بينما كنت أنا من أشد المنتقدين لها نظرا لذكريات شبابي…ثم طالت وامتدت الأحداث وتغيرت.. فأصبح صديقي من أشـد المعادين لها.. انتقاداته كانت ترديدا حرفيا لنشرات الجزيرة والعربية
وFRANCE 24 و BBC
وسـرعان ما أصبح هذا الصديق ـ الأخ من مدة شهر تقريبا لا يتحمل لا آرائي الحيادية ولا كتاباتي ولا صداقتي ولا مشاركتي حتى بلقاء عاجل, كأننا مختلفين على ميراث أمنا وأبينا. وفي إحدى الليالي أرسلت له رسالة الكترونية مطولة أتأسـف بها على ما أصاب صداقتنا مذكرا إياه بمتانة علاقاتنا وثقافتنا وأفكارنا وتحليلاتنا السابقة المشتركة, وأنه هو بالذات الذي كان يبشر في حلقاتنا السورية أن اختلافاتنا الفكرية والسياسية يجب ألا تؤثر على الإطلاق بصداقاتنا المتنوعة وعلاقاتنا العائلية. ويجب أن نحافظ مهما تأزمت الأمور على أرض الوطن, وأن نبقى هنا في هذه المدينة الأوروبية المعروفة, عائلة واحدة متماسكة.....
فجاء جوابه الذي لا يتعدى السطر والنصف, كأنني أحد موظفيه يستجدي معونة أو زيادة راتب. رسالة جافة مقتضبة رسمية. لم تكن على الإطلاق ردا مسالما حبيا على ما أبديت في رسالتي من تذكير بالصداقة... تبعها صمت وغياب وانقطاع من هذا الصديق ـ الأخ.. وكلي قناعة أن هذه الصداقة ماتت نهائيا كمن يوموتون في شوارع اللاذقية وحمص وحماه ودرعا والرستن وإدلب وغيرها من المدن السورية اليوم, من المتظاهرين أو من رجال الأمن والجيش.. أموات أبرياء أبرياء. كان بالإمكان تجنب موتهم, لو أنهم تكلموا مع بعضهم, وتساءلوا ماذا يصيب هذا البلد, ولماذا لا يمكنهم أن يتحاوروا دون استماع الأصداء والأنباء التي يتناقلها ويبثها أناس ودول وجماعات لا تريد سوى تمزيقنا وتشتيتنا وإبعاد الأخ عن أخيه, حتى يستولوا ويسيطروا على ميراث أجدادنا وآبائنا, أو حتى يحكموننا دوما على هواهم كأننا عبيد في مزارع ورثوها...
صديقي الذي لم يعد صديقي.. وأنا.. نحن الأثنان ضحيتان إضافيتان لهذا الخلاف العائلي الذي لم نستطع تجنبه. نحن ضحايا جانبية
Victimes collatéraux
من هذه الحرب الأهلية التي أشعلت وسوف تشعل المشرق والعالم العربي بكامله وبعدهما العالم الإسلامي.. ومن يدري.. من يدري.. قد تشعل العالم, لأن شركات متعددة الجنسيات تديرها وتحركها فكرة الربح, ولا شيء سوى الربح بتفجير الحروب وتجزيء الشعوب وتفقيرها.. وخاصة تمزيق الأخوة والأصدقاء...
صديقي الذي لم يعد صديقي.. لن يقرأ هذه الكلمات.. لأنه يتفادى ويتمنع عن قراءة أية كلمة أكتبها... لهذا السبب سوف تدوم الحرب وتستمر الأزمة.. ولن نلتقي....................
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الحزينة
#أحمد_بسمار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟