أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - كيف قرأ الراحل هادي العلوي التصوف الإسلامي -القطباني- وتجربة يسوع الفلسطيني















المزيد.....

كيف قرأ الراحل هادي العلوي التصوف الإسلامي -القطباني- وتجربة يسوع الفلسطيني


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 3480 - 2011 / 9 / 8 - 10:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كيف قرأ الراحل هادي العلوي التصوف الإسلامي "القطباني" وتجربة يسوع الفلسطيني
لذكراه في ذكرى رحيله..
علاء اللامي*
يكاد التصوف القطباني - نسبة إلى أقطاب الصوفية – يشكل المَعْلَم الأهم والمكوِّن الأفعل في التركيبة المعرفية التي يقترحها الراحل العلوي في جميع مؤلفاته وفي سيرته الحياتية. تلك التركيبة القائمة على مزاوجة التراث المشاعي القديم ممثلا بالتصوف الإسلامي "القطباني" وتجربة يسوع المسيح الفلسطيني ، ونقول الفلسطيني تمييزا له عن المسيح اليوناني كما تكرس لاحقا، والثورات وتجارب بناء الدول المساواتية كما في تجربة قرامطة السوادية والتاوية الصينية، مزاوجة كل هذا التراث الذي ما يزال بعضه حيا ينبض بين تلافيف مجتمعاتنا ويحكم وعينا وأخلاقياتنا بشكل ما مع الشيوعية الاجتماعية الحديثة ممثلة بماركسية الرواد الأوائل.
إن التصوف بحسب العلوي نوعان: التصوف المعرفي "الفلسفي" ونجد مثاله الأنضج في تجربة وكتابات ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض ، وتصوف اجتماعي مثاله الأبرز الحلاج و "الكيلاني". وثمة ما هو مزيج من هذا وذاك ومثاله الأبرز البسطامي فهو أول من مَثَّلَ هذا الضرب من التصوف مع أنه لم يصبح مدرسة متميزة إلا مع ابن عربي في القرن السادس الهجري. وفلسفة البسطامي تتضمنها وتستبطنها شطحاته التي يقول عنها العلوي ( .. وقد صدم البسطامي بشطحاته العقل الإسلامي فأخرجه من جمجمته ليخرق في فضاء واسع يسبح فيه بحرية شبه مطلقة ووجه ضربة إلى التفكير من خلال المقدس ... على أنه لم يحذفه – يقصد المطلق اليهمسلامي الله - من الوجود لأنه يبقى بحاجة إلى روح كونية يتخذها "بُراقا" يعرج به في عالم الملكوت الأعلى متحررا من رِقِّ الحسية الأرضية. ولم يعطله عن الفعل إنما حركه من خلال إنسانه هو. والحقُ يتحركُ بالإنسانِ ولكن لا أي إنسان فلابد له من إنسان يخرق ضرورات الطبيعية ويعيد صياغتها بعقله فيضاهي به سيرورة الخلق التي أنتجت الطبيعة / ص 312 مدارات) ثمة نوع ثالث يسميه التصوف الاهتيامي "الرومانسي" وعنوانه ومثاله المتألق رابعة العدوية البصرية وأيضا ابن عربي. ومع أن الأقطاب جميعهم محبون ، من حيث المبتدأ والمنتهى، ولكن العلوي يُبقي " الاهتيامي" خطا ثالثا يمشي الهوينى بين التصوف الفلسفي والآخر الاجتماعي. نتيقن من ذلك حين نعدم شعرا من باب الحب الصوفي "الاهتيامي" لقطب معرفاني فلسفي أو آخر مناضل اجتماعي، الأمر الذي يجعل مهمة الدراسات المقارِنة الحديثة لتراث الصوفية أصعب كثيرا من غيرها فهم لا يستجيبون للتقسيم والتصنيف بل يتواشجون ويتمازجون كالأنساغ المقدسة في الشجرة الإلهية المؤنسنة. مصداق ذلك نجده مثلا في شعر يمكن تصنيفه ضمن التصوف الاهتيامي مع أنه منسوب للحلاج الذي يعتبره العلوي أشعر من بن عربي ولكنه - بخلاف حبيب الحسناء "نظام" الفارسية- ليس لديه حبيبة من الأنس كما هو معلوم سيريا مع أن العلوي يرجح أنه كانت له واحدة إنسيّة ولكنه لم يبحْ باسمها. ولم يذكر العلوي حجته أو دليله على ذلك.. ومع ذلك لنستمع لأبيات الحلاج التالية والتي ستضيعنا يقينا بين بحرَيْ تصديقه و العكس:
أريدكَ لا أريدكَ للثوابِ ..... ولكني أريدكَ للعقابِِ
وكلُّ مآربي قد نلتُ منها .... سوى ملذوذِ وجدي بالعذابِ.
بالعودة إلى نوعي التصوف الأولين نجد أن التصوف بدأ اجتماعيا لا فلسفيا. ويمكن اعتبار إبراهيم بن أدهم، أول قطب صوفي متكامل الملامح والصفات القطبانية وقد اتخذ التصوف في طوره الأول شكل ( حركة اجتماعية قوامها الزهد ومعارضة نمط الحياة الإقطاعي لأرباب الدولة وأبناء الطبقات المالكة. ولم يبدأ كحركة فكرية وإنما دخل الفكر لاحقا ... وقد انتهى التصوف بنوعيه الاجتماعي والفلسفي بعبد الكريم الجيلي- و هو سبط عبد القادر الجيلي "الكيلاني" الأشهر ع ل- المتوفى سنة 832 هـ .. مدارات ص 211) ويؤكد العلوي عدم إمكانية بعث التصوف القطباني من جديد ومثلما كان في الماضي بسبب غياب المُسَلِّكين، فلا يجوز لأحد أن يدعي الانتساب إلى السلك بغيابهم ولكنه يستدرك ( إنما عدنا إليه ضمن العودة إلى التراث ونحاول بعثه وتطويره بالدمج بينه وبين الماركسية الاجتماعية وإثراءه بالتصوف الصيني المسمى بالتاوية. و وفّرَ تصوفنا الاجتماعي وتاويتنا معا الأساس بناء شيوعية القواعد أي شيوعية جذور العشب على أنقاض شيوعية البرجوازيين المتمركسين / م س)
إن موقف العلوي من التصوف بأنواعه، هو في صميمه وفحواه، موقفه ذاته من الشأن الروحي العام. أما موقفه من التدين فقد وضحه في مطارح شتى من كتاباته مُفَرِّقا دون أدنى لبس بين الروحاني والمتدين. معتبرا الأخير أقرب إلى المادي على اعتبار إيمانه بالمُطْلَق المتَُشَخِّص أي بالإله الذي على هيئة رجل يجلس على عرش وحوله حشد من الملائكة يأمرهم فينفذون وينهاهم فينتهون. ولكن هل يمكن التفريق فعلا بين ما هو روحي وما هو ديني؟ أوَ ليس الشأنان واحدا من حيث النوع والمعنى والتكوين ؟
قبل الإجابة على هذا السؤال نسجل الملاحظة التمهيدية التالية ذات الصلة بما يليها: يعتقد العلوي أن الثقافة السائدة والمهيمنة في عصرنا هذا، في العراق والعالم العربي وأجزاء واسعة من العالم هي الثقافة الغربية. هذه الثقافة تقوم على ما قامت عليها المدنيةُ الغربيةُ ككل، قبل وبعد اكتشاف "العالم الجديد"، ومن ثم حروب الفتح والاستعمار وتفريغ أفريقيا من سكانها بتجارة البشر "العبيد"، فهي إذن ثقافة تقوم على العنصرية، والحروب الشاملة والإبادة الجماعية والتطهير الرِّسي "العرقي" ضد الأمم الهندية الحمراء، والقائمة أيضا على الحسية واللذائذية والحياة الاقتصادية القائمة على الربح والاحتكار وتمجيد المال والقوة المسلحة القصوى واستعمال العلوم التجريبية و الدين بعد تفريغه من محتواه الروحي. ولكنَّ العلوي لا يهمل الجزء المنشق والمتمرد الموجود في ثنايا هذه الثقافة والمتبقي من عصر التنوير وإنجازات البرجوازية في طورها التقدمي. هذا لا يعني انعدام ثيمات ومنتجات ذات مضامين إنسانية "منشقة" تنتمي جغرافيا للثقافة الغربية فالنقيض يوجِد نقيضه. في مواجهة ما هو سائد ثقافيا و سياسيا يطرح العلوي مفهومه البديل الذي تقدمت بعض ملامحه الأساسية العامة ولكنه يسميه هنا "بالثقافة المروّضة" فماذا كان يقصد بذلك ؟ وما علاقة هذه الثقافة المروَّضة بالثيمات الروحية وبالروح عموما في ضوء جدلية تشخيص الذات الإلهية أو عدم تشخيصها" تجريدها" وفي ضوء تلمس الفوارق المهمة بين الدين والشأن الروحي عموما؟
لنتأمل كلمات العلوي التالية ( الروح نتاج مرحلة متقدمة في المعرفة. وقبل الوصول إلى هذه المرحلة لا يمكن الحديث عن الروح والروحانيات ، إنما يوجد الغيب والغيبيات، التي تشكل جانبا من البنى الدينية عند الوثنيين والوطميين ثم السماويين..وعندما نتحدث عن الروح في هذه المرحلة المتقدمة من المعرفة يمكننا استخلاص عناصرها المكونة بالاستناد إلى سيرة الحكماء والمفكرين الذين سلكوا هذا الدرب. الروح أولا تلغي تشخيص الذات الإلهية، فلا يكون الإله تمثالا مرئيا أو طوطميا نباتيا أو حيوانيا ولا نورا جالسا على عرش، يأمر وينهى وحوله أعوان ينفذون أوامره! وبإلغاء هذا التشخيص يصبح الإله قوة داخلية، وهو لكي يكون كذلك يجب أن يكون جاهزا وبسيطا ،لأن المُشَخْصَنَ لا يسري في الموجودات. ويأتي من هنا إسباغ صفة الروح على الوجود الحق أو التاو بوصفه ساريا في الموجودات. عند هذه المرحلة ينتهي الدين"التشخيصي" أي تنتهي التصورات الحسية للألوهية مما يترتب عليه إنكار الإمكان الذي ينتج النبوة، لأن النبوة تأتي من الذات المشخصَنة و لسوء الحظ لم تكن هذه الكلمة " المشخصنة" مضبوطة بالشكل( مفتوحة الصاد أم مسكورتها ) في النص الأصلي مما يصعب فهم المراد منها إن كانت " ذات مشخصَنة " على المفعولية كما أرجح أو أنها على الفاعلية أي إن الذات هي التي تقوم بفعل الشخصنة وتنتج النبوات وهذا تفسير أبعد من سابقه. أما القوة السارية في الموجودات فهي مصدر فاعلية للوجود، غير واعية وغير عاقلة. وهذا التصور يمهد للمفهوم الفيزيائي عن الوجود لكن التاويين و "الوحد- وجوديين" في الإسلام وهم المؤمنون بوحدة الوجود، حافظوا على سمة الألوهية للتاو أو للوجود الحق لكي يتجنبوا الوقوع في المادية الصرفة بعد أن هربوا منها بهروبهم من الدين. وهذا ما يميز الإلحاد الشرقي عن الإلحاد الغربي. لأن الملحد الشرقي بإلغائه فكرة الإلوهية الدينية – المشخصَنة ع ل- يعيد إنتاج العلاقة بمصدر الكون. وتكون هذه العلاقة هنا علاقة روحية، لأنها علاقة مع مجرد، بخلاف العلاقة الدينية وهي علاقة مادية لأنها تكون مع متشخص.ص 130 حوار) هذا المقتبس المركز والمهم من حيث مضمونه الريادي يؤكد الفرق بين غرارين : الديني والروحي. وهو، بفصله بين ما هو ديني بالمعنى السائد للدين التشخيصي وبين ما هو روحي بالمعنى غير السائد للروحي " التجريدي"، يُمَكِّنُ القائلين برأيه بسهولة التغلب على ابتزازات السلفيين وتكفيراتهم والرد في الوقت نفسه على ألاعيب وعدوانية الماديين اللادينيين والهاربين من الديني التشخيصي إلى الإلحاد المادي غير الروحي. ثمة مثال تأريخي يوضح إلى درجة مهمة هذه الوشائج بين المادي والديني والروحي وتتمثل بالانتباهة العبقرية التي توصل إليها أبو العلاء المعري، فهو أول من ميَّز بوضوح جم تلك المواجهة التي كانت قائمة في عصره ومازالت قائمة حتى في عصرنا بين حسية أهل الدين التشخيصي وبين روحانية الملحد. يسجل العلوي هذه الانتباهة ويعلق بالقول ( هذه المعادلة لا توجد في الفلسفة الغربية، ربما باستثناء أبيقور / م س) و في موضع آخر يقول ( يترتب على الثقافة الروحية بهذا المعنى ما سميته "التكوين المثقفي"وهو حالة لأزمة المثقف الشرقي المتحرر من الدين – التشخيصي – وعناصرها الأرس هي : الزهد، رفض اللذائذية، وتطبيق معادلة "يجوع الحكيم لكي يشبع الناس"، لأن المثقف الشرقي بهذا الوصف هو أيضا مناضل اجتماعي يستمد قدرته على خوض النضال من قوته الروحية، أي من تجرده من مطالب الجسد ومطالب النفس. م س )
بهذا المعنى تكون روحانية الحكيم نقيض تدين المتديِّن التشخيصي، مخالفةً له وليست مختلفةً عنه اختلاف النوع فقط ( فالدين علاقة حسية بإله مجسم كأن يكون صنم مرئي وملموس عند الوثنيين، ورجل جالس على عرش عند السماويين. من هنا الجوهر الحسي البدني للشخصية الدينية. إنَّ رجل الدين يحمل عقيدة دنيوية في مجمل تفاصيلها التي تشمل العالم الآخر، لأن الآخرة نعيم مادي حسي يتمتع به الجسد ويكون مكملا لنعيم الدنيا أو معوضا عنه. وليس للروح ما تفعله في هذه العلاقة الروحية. وقد انتبه المعري إلى المنحى اللذائذي للشخصية الدينية بينما رسم بتجربته الخاصة صورة النقيض الروحي للملحد. فالروحانية وصف حاصر للحكيم واللذائذية الحسية أمر مشترك لرجل الدين ورجل الدولة. وبين الدين والدولة اتفاق حولها، لكنَّ الدين يتميز عن الدولة بسعادة الدارين، التي تجتمع لرجل الدين دون صاحب الدولة الذي يقتصر نصيبه على الدنيا. ص28 مدارات) وعلى أساس هذا التفريق بين الروحاني والديني يمكننا الكلام الآن عن روحاني ملحد كالمعري، و عن متدين مادي لاروحاني ونماذجه أكثر من أن تحصى في الماضي والحاضر وخصوصا في الحركات الدينية المحافظة والتكفيرية المعاصرة.
و مادمنا في مدار التصوف بأنواعه، وكيف كان يراه ويفهمه هادي العلوي، لا بد لنا من المرور على جزء عضوي منه ومن تجربة التصوف. نقصد هنا التجربة اليسوعية الفلسطينية والتي انتهت كثورة مشاعية بإعدام قائدها من قبل التحالف الروماني اليهودي في فلسطين وتحولت فيما بعد إلى دين وكنيسة كسائر الأديان وقد ترك الرسول بولص عليه بصماته اللامشاعية الواضحة ولكنه لم يستطع أن يطمس الجمر الثوري ليسوع والذي كتبه تلامذته بعده في الأناجيل الأربعة.
الاسم الحقيقي ليسوع المسيح – بحسب العلوي - هو عمانوئيل بن مريم، من زوجها الشرعي يوسف بن داود. ويسوع لقبه وحُرِّفَ في العربية على طريقة القلب إلى عيسى، ويختلط السين بالشين هنا فتلفظ يشوع و عشو. ميلاده الحقيقي قبل ميلاده المعروف بست سنين، أي أنه ولد في العام السادس قبل الميلاد! وقد أعدمه الرومان بالتواطؤ مع عملاء لهم من اليهود كما سلف، وعمره ستة وثلاثون عاما.
ينظر العلوي إلى نبوة يسوع المسيح على أنها خلاصة خاصة جدا بيسوع ذاته تمازجت فيها( روح الحكمة والحُلُم والتصوف الاجتماعي ولها مذاق مخصوص حاصر يدل عليه ولا يدل على سواه) أما لناحية سيرة الحركة المشاعية التي دشنها وقادها يسوع، وانتهت بإعدامه من قبل المحتلين الرومان وأعوانهم فقد كانت حركة تحمل الكثير من سمات ومضامين مستذهَنة من حركات ثورية سابقة ذات ملامح مشاعية قوية كحركة سبارتاكوس أو من حركات مشاعية صِرفة كحركتي الحلاج و علي بن محمد "صاحب الزنج" في جنوب العراق. غير أن حركة يسوع اختلفت من الناحية التكتيكية والبرنامجية عن تلك الحركات الثلاث. ويرد العلوي هذا الاختلاف إلى تقدير يسوع ( لموازين القوى واتعاظه من فشل سبارتاكوس) وفي قراءته لصفات يسوع كقائد ونبي مشاعي تتمظهر تلك الصفات للصوفي والتاوي ( في نبوة متحركة قائدة تحرض وتنظم من غير أن تخضع لاعتبارات السياسة اليومية ) ويضيف موضحا أن المسيح يتخذ في أحلامه وأشواقه كما في مسلكه الشخصي صورة المتصوف القطباني اللاحق و التاوي الصيني عبر وحدة الاستذهان الشرقي ( في حركته صورة الحلاج لا صورة تشوانغ تسه أو البسطامي لأنه نزل إلى ميدان النضال المباشر ويصعب في الحقيقة إيجاد نظير للمسيح لا كنبي ولا كمتصوف ولا في صفة التاوي فهو شيء خاص اسمه المسيح ) بالعودة لرصد ملامح حركة المسيح في فلسطين نجد انه تحرك، هو وتلامذته "حواريوه"، وسط الناس والجماهير ذات المصلحة بالنظام المشاعي وهم غالبية الشعب آنذاك ممثلين بالعبيد والفقراء. ولهذا يلاحظ العلوي مقارنا أن صلته بهؤلاء الناس (كانت كما تقرر في مسالك التاو والتصوف. وصدر عن نفس المسالك في قطعه مع الأغنياء وإخراجهم من ملكوته وحرم كنز الأموال مستعملا نفس اللغة التي استعملها التاويون ) و كان المسيح قد طرد الأغنياء والتجار والمرابين والصيارفة من ملكوته المشاعي حين أطاح بسلالهم وبضائعهم ورماهم خارج الهيكل كما يقول إنجيل متي متهما إياهم بأنهم حولوا بيت الله إلى "مغارة لصوص.. متي 21/13" وحرم يسوع اكتناز المال والذهب والفضة (حيث يكون كنزك هناك قلبك / متي 6/21 ).. وعلى هذا سيكون العلوي محقا في حكمه حين يعتبر يسوع الفلسطيني ( الأميز والأبرز بين أنبياء المشاعية ) أما لماذا أعطى المسيح لحركته الثورية صفة الحركة الدينية المحايدة والتي ليس لها من طموحات سياسية في السلطان، فالواضح هو أنه كان يقرأ جيدا موازين القوى على الأرض، و يعرف صلابة الواقع وقسوة الرد الروماني واليهودي المتوقع على أي تحد سياسي من هذا النوع. و رجح العلوي أن يكون ( معشره المنشود يشبه معشر القرامطة الذي أقامه حمدان بن الأشعث في سواد العراق. وقد سعى حواريوه لمواصلة الرسالة من بعده لكنهم لم يجرأوا على المجاهرة بأفكارهم بعد الذي حل بنبيهم فكانت حركتهم شبه مجمدة إلى أن تلقفها بولص وسيرها في الطريق الذي انتهت إيه دينا رسميا يسمى المسيحية والمسيح لا علم له به) لقد فهم الغربيون رسائل بولص التي كانت تؤسس لدين رسمي جديد أكثر من فهمهم للأناجيل الأربعة التي كانت تحكي قصة حركة يسوع المشاعية في فلسطين. وبهذا المعنى يصح قول العلوي بأن ( المسيحية – السائدة في أوروبا -كما قننها بولص يونانية لا فلسطينية) ولكنَّ وجود الأناجيل وأعمال الرسل بمحتواها المشاعي وأشواقها وأحلامها المساواتية ضمن العهد الجديد أوقع بعض التأثيرات في قلوب أوروبية متقلبة فكان أن اندلعت بعض الحركات الاجتماعية ذات التوجه المشاعي في أنحاء من أوروبا وفي أزمان شتى. وأعظمها شأنا ثورة الفلاحين في ألمانيا في القرن السادس عشر الميلادي وكانت حركة مسيحية كتب عنها فردريك إنجلز كتابه المهم "حرب الفلاحين"*.
* الاستشهادات في الفقرات الأخيرة من ص 119 وما بعدها / من كتاب "مدارات صوفية .. تراث الثورة المشاعية في الشرق" لهادي العلوي .



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقود المشاركة في إنتاج النفط العراقي: سرقات وفق القانون/ج3
- مشروع قانون النفط -المالكي- في مواجهة المشروع - الكردوعلاوي- ...
- نفط العراق المحتلّ: قصّة سرقة أقرب إلى الخيال
- التضامن النقدي مع -الربيع العربي-: قراءة في مثال نظري وعملي ...
- رمضانيات عراقية: أزمة دينية أم سياسية؟
- الحضور المندائي في اللهجة العراقية و العربية الفصحى
- نماذج طريفة من الكلمات الأكدية والآرامية في اللهجة العراقية
- قراءة جديدة في-محاكمة- كافكا: تشريح شعري ساخر لعبث الوجود
- العراق: الصراع الطائفي بلغ المراقد المقدسة!
- المزيد من الكلمات الآرامية والأكدية في اللهجة العراقية /ج3
- كلمات أكدية وآرامية أخرى في اللهجة العراقية
- إيران في العراق: من التدخل إلى الهيمنة إلى الافتراس
- الحضور الأكدي والآرامي في اللهجة العراقية المعاصرة
- إشكالات التصنيف المنهجي والسِيَّري: هادي العلوي نموذجا!
- تصريحات النجيفي : الانفصال الطائفي وخلفياته
- النضال الأيديولوجي والعلاقة المباشرة مع الناس
- العراق ومجازر من الأرشيف .. مجزرة -زفاف التاجي- نموذجا!
- مرة أخرى عن القديس فالنتاين.. وهل هو مالطي أو روماني أو خراف ...
- مَن هذا الفالنتاين الذي يعلم سمنون البغدادي الحب؟
- كمين أميركي اسمه الجنرال-عمر سليمان-


المزيد.....




- جريمة غامضة والشرطة تبحث عن الجناة.. العثور على سيارة محترقة ...
- صواريخ إيران تتحدى.. قوة جيش إسرائيل تهتز
- الدنمارك تعلن إغلاق سفارتها في العراق
- وكالة الطاقة الذرية تعرب عن قلقها من احتمال استهداف إسرائيل ...
- معلومات سرية وحساسة.. مواقع إسرائيلية رسمية تتعرض للقرصنة
- الفيضانات في تنزانيا تخلف 58 قتيلا وسط تحذيرات من استمرار هط ...
- بطائرة مسيرة.. الجيش الإسرائيلي يزعم اغتيال قيادي في حزب ال ...
- هجمات جديدة متبادلة بين إسرائيل وحزب الله ومقتل قيادي في الح ...
- مؤتمر باريس .. بصيص أمل في دوامة الأزمة السودانية؟
- إعلام: السعودية والإمارات رفضتا فتح مجالهما الجوي للطيران ال ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - كيف قرأ الراحل هادي العلوي التصوف الإسلامي -القطباني- وتجربة يسوع الفلسطيني