أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - العراق: الصراع الطائفي بلغ المراقد المقدسة!















المزيد.....

العراق: الصراع الطائفي بلغ المراقد المقدسة!


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 3444 - 2011 / 8 / 1 - 09:47
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تتحرك الطائفية السياسية عبر نشاط منظوماتها وآلياتها الداخلية في الدولة والمجتمع حركتين متداخلتين تبدوان على تناقض كبير وهما ليسا كذلك: الأولى، أنها تتحرك كالمدحلة الفالتة فلا تكتفي بتدمير ما هو قابل للتدمير وفي متناولها بل تطاول كل العلامات والرموز والبُنْيات المادية والمعنوية المناقضة في العمق لطبيعتها الرجعية تاريخيا والهدامة مجتمعيا. الحركة الثانية، هي أنها تدور وتناور على شتى الجبهات من أجل تصفيح صبوات وأوهام أنصارها وتحويلها إلى أهداف وشعارات مغلفة باللفظ الوطني بل والديموقراطي أحيانا، ولكنها تدافع بكل استماتة عما تسلبه من حقوق ومحوزات الطوائف الأخرى وتعتبره استرجاعا لمسلوبات حدثت في الماضي. لعل أخطر ما في هاتين الحركتين هو استهدافهما لرموز وبُنْيات مادية ومعنوية ذوات مضامين توحيدية مضادة للتفريق والاستقطاب الطائفي ضمن دائرة ما يسميه بعض علماء الإناسة والاجتماع "رأس المال الرمزي". هنا قراءة تحليلية في مثال طازج من العراق:
بعد أسابيع على تسيير مظاهرات حاشدة في قضاء سامراء ذي الأغلبية العربية السنية رفضاً لمحاولة استيلاء الوقف الشيعي العراقي على ضريح ومرقد الإمامين العسكريين هناك وهما تحت إشراف وإدارة الوقف السني منذ سنين طويلة، وبعد ما قيل عن قيام متنفذين من الشيعة بعمليات شراء "غير طبيعية" لأراضٍ واسعة محيطة بالمرقد، أقدمت القوات الحكومية التابعة لـ "قيادة عمليات بغداد" على القيام بعملية اقتحام وسيطرة على مرقد الإمام - أو السيد- إبراهيم بن علي المبني في ناحية الكرمة التابعة لمحافظة الأنبار ومنعت الأهالي من العرب السنة من زيارة الضريح ودفن مواتهم أو زيارة قبورهم فيه كما اعتادوا أنْ يفعلوا منذ مئات السنين جنبا إلى جنب مع مواطنيهم الشيعة.
السيد إبراهيم هو أحد أبناء الإمام علي الهادي، عاشر أئمة المسلمين الشيعة الاثني عشرية، وكان مرقده على الدوام رمزا من رموز التواصل "الضد طائفي" والتوحيد المجتمعي بين أكبر طائفتين دينيتين في العراق. فكان يوحد الأهالي بغض النظر عن انحدارهم الطائفي في المناسبات الحزينة كالوفيات والجوائح و السعيدة كالأعياد وحفلات الزفاف والختان. كان مرقد السيد إبراهيم يقوم بذات الدور البناء والإيجابي الذي قام به طوال قرون مرقدا أبيه وأخيه في سامراء حتى حلت كارثة الاحتلال الأجنبي والإفرازات السياسية والاجتماعية والسياسية التي جاء بها ومنها ظاهرة الطائفية السياسية والإرهاب التكفيري والطائفي الذي فجر المرقد في نهاية المطاف لتندلع موجة مرعبة من الاقتتال الطائفي.
في نهاية عام 2004 أقدم مسلحون من تنظيم القاعدة على تفجير مرقد السيد إبراهيم، فبكاه العرب السنة قبل الشيعة، ولكنهم توقفوا جميعا عن زيارة أطلاله أو دفن موتاهم في المقبرة القريبة منه لأن تنظيم القاعدة لم يكتفِ بتفجير المرقد بل أهدر دماء كل من يقوم بتلك الطقوس والممارسات التي عدوها "جاهلية لا يقوم بها إلا مشركٌ أو كافر". ثم حلت نهاية نفوذ تنظيم القاعدة العسكري والمجتمعي في تلك الأرجاء و تم تحرير مرقد السيد إبراهيم والمناطق المحيطة به، وعادت الأسر العراقية من الطائفتين إلى القيام بطقوسها وممارساتها كسابق عهدها حول أطلال المرقد. غير أنّ تطورات أخرى كانت على وشك الحدوث لتقطع تلك السيرورة الاجتماعية الطبيعية والمتساوقة مع التراث العلائقي العميق بين مكونات المجتمع العراقي المتنوع.
لجأت سلطات بغداد إلى تكليف قوات عسكرية تابعة لقيادة "عمليات بغداد" للقيام بتلك المهمة ولم تُنَطْها بالقوات المحلية التابعة لمحافظة الأنبار، وهذا بحد ذاته انتهاك سافر للدستور – كما قال مسؤولون محليون في المحافظة - ولشكل العلاقات بين المركز والمحافظات والأقاليم الاتحادية. السلطات المركزية لم تقرر بعد ضم المرقد إلى الوقف الشيعي، ولكنها في طريقها إلى فعل ذلك. وبعض وجهاء الأنبار قالوا لوسائل الإعلام إن لديهم معلومات تؤكد أنّ السلطات المركزية تريد ما هو أكثر من ذلك بأنْ تقتطع تلك المنطقة من ناحية الكرمة شرق الفلوجة وتضمها لمنطقة الشعلة "ذات الأغلبية العربية الشيعية" والتابعة لمحافظ بغداد الكبرى.
من الواضح أن المهيمنين سياسيا وأمنيا وهم من الأحزاب الإسلامية الشيعية ذات التوجهات والخلفيات الطائفية المتباينة الشدة والوضوح، سعوا ويسعون الآن إلى انتزاع كل ما يمكن انتزاعه من مراقد وأضرحة ومؤسسات دينية مصنَّفة شيعية، ولكنها كانت تدار من قبل الوقف السني، وقد نجحوا في ذلك في أماكن عديدة. لكنَّ هؤلاء، وهم يستعيدون ما يظنونه حقوقا لطائفتهم، يقومون في الوقت نفسه بتدمير وهدم آخر الرموز والعلامات الدالة والمؤسِّسة للتعددية المجتمعية الدينية والقومية العريقة، واستكمال مشروع التطهير الطائفي والعرقي "الهادئ" لدفن تلك التعددية وجعلها شيئا من الماضي. من الطبيعي أنَّ الفعل التدميري على الأرض لا توقفه أو تُقَنِّعَه الخطابات والمسميات الوطنية الرنانة التي يتسلح بها الطائفيون الشيعية أو غيرهم، إنما قد تعطيه شيئا من "المشروعية المنطقية الزائفة" والتي تلخصها عبارة ( هذه بضاعتنا رُدَّت إلينا) ولكنّ أحدا لم يتساءل حتى الآن عن ثمن هذا الاسترداد، وهل هو ثمن طبيعي أم أنه مستقطع من "لحم" الوطن الواقعي والتاريخي وتراثه الذي مازال حيا يناهض مشاريع التطييف والشرذَمة.
لم تخرج ردود الأفعال على هذه الممارسات عن دائرة التشنج والسطحية المختلطة بالأسباب المادية المتعلقة بالعوائد والإيرادات القادمة من إدارة هذه المراقد.
إنّ عملية التطهير والفرز الطائفي التي تنشط الأحزاب الإسلامية الشيعية لإنجازها، تختلف نوعيا عن عملية التطهير والفرز القومي التي أنجزتها أو كادت الأحزاب القومية الكردية بهدوء ودون ضجيج في المناطق التي تخضع لسيطرتها المباشرة أو غير المباشرة كخانقين وكركوك. هاتان السيرورتان للتطهير والفرز هما أخطر ظاهرتان سلبيتان أفرزهما واقع الاحتلال الأجنبي ومشروعه السياسي المعبَّر عنه بنظام حكم المحاصصة الطائفية والعرقية على أرضية ما يسمونه "العملية السياسية". ولكن هل يطعن وجود السبب المادي والمالي في مشروعية الدفاع عن هذه الرموز التوحيدية المجتمعية في وجه المدحلة الطائفية المقابلة؟ طبعا لا، إنما سيكون من المفيد تزويد هذا الدفاع بعمقه الوطني والديموقراطي المفتوح على شبكة الأهداف العامة للحركة الوطنية الديموقراطية العراقية التي طال انتظار ظهور قطبها الحقيقي. ولعل طول الانتظار يرتبط بالنوعية المرتجاة لهذا القطب بأنْ يكون متمايزا ومنفصلا ومختلفا عن الكيانات والأحزاب السائرة في سياقات العملية السياسية الاحتلالية والتي ارتكبت بحق شعبها أكبر الخطايا والآثام السياسية عبر تبنيها عمليا لخيار الحرب والاحتلال لإسقاط الدكتاتورية البعثية الصدامية أولا، وباصطفافها مع المشروع الاحتلالي منذ بداياته في "مجلس الحكم" سيء الصيت وما جاء بعده.
إنّ مطلب وضع كافة المرافق والأوقاف والنشاطات المالية للمرجعيات الدينية تحت الإشراف المباشر والعلني لمؤسسات الدولة سيبقى مطلبا صحيحا ولكنه ليس آنيا وعاجلا، فهو لا يتقاطع أو يتناقض مع ضرورة الدفاع عن وجود رموز التواصل والتوحيد المجتمعي ومثالهما في مراقد أئمة المسلمين الشيعة سالفي التي يجب ان تبقى كما كانت في عهدة الأوقاف السنية مثلما يجب أن تبقى مثليتها السنية في عهدة الوقف الشيعي إنْ وجدت.
ليس لدينا أية أوهام في هذا الصدد، فمن المنتظر والمتوقع أنْ تقيم الأطراف والمرجعيات الدينية الدنيا ولا تقعدها لمجرد التلويح بوضع ثرواتها ومواردها المالية الضخمة تحت إشراف الدولة وسلطات الضرائب، و لا جديد في هذا الصدد فقبل أكثر من قرن كتب ماركس ما معناه ( إنّ الكنسية يمكن أنْ تكون مستعدة لمناقشة مبادئ الإيمان الكنسي الثلاثة وعشرين كلها ولكنها غير مستعدة أبدا لمناقشة إمكانية حجب أو استقطاع 1% من ثرواتها ومواردها المالية من قبل أيٍّ كان!)
إن الوقوف في وجه المدحلة الطائفية السياسية اليوم بهدف إنقاذ رموز التوحيد والتواصل الوطني والمجتمعي له الأولوية في عراق اليوم على ما عداه، أما تنفيذ سياسة ديموقراطية حيادية فعالة في التعامل مع الكيانات والمؤسسات والمرجعيات الدينية والطائفية فيمكن أنْ يكون أحد أهم أهداف وشعارات مرحلة ما بعد جلاء الاحتلال واستعادة الاستقلال الوطني الحقيقي وكنس حكم المحاصصة الطائفية واستبداله بنظام ديموقراطي علماني متين.



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المزيد من الكلمات الآرامية والأكدية في اللهجة العراقية /ج3
- كلمات أكدية وآرامية أخرى في اللهجة العراقية
- إيران في العراق: من التدخل إلى الهيمنة إلى الافتراس
- الحضور الأكدي والآرامي في اللهجة العراقية المعاصرة
- إشكالات التصنيف المنهجي والسِيَّري: هادي العلوي نموذجا!
- تصريحات النجيفي : الانفصال الطائفي وخلفياته
- النضال الأيديولوجي والعلاقة المباشرة مع الناس
- العراق ومجازر من الأرشيف .. مجزرة -زفاف التاجي- نموذجا!
- مرة أخرى عن القديس فالنتاين.. وهل هو مالطي أو روماني أو خراف ...
- مَن هذا الفالنتاين الذي يعلم سمنون البغدادي الحب؟
- كمين أميركي اسمه الجنرال-عمر سليمان-
- خطر التصارع الحزبي على الانتفاضة العراقية ومقترحات لتفاديه / ...
- خطر الاستقطاب الطائفي والعرقي على الانتفاضة العراقية ومقترحا ...
- رفض الاجتثاث وتجريم تمجيد الجلادين
- ثلاثة أخطار تحدق بالانتفاضة العراقية ومقترحات لتفاديها
- تطبيقات من تجربة المصالحة في جنوب أفريقيا:الضحايا كشهود
- المعادلة المغاربية الجديدة: القلب التونسي و جناحاه
- جلادون يعترفون وضحايا ومحققون يضجون بالبكاء
- من البعث إلى الانبعاث
- تجربة المصالحة الوطنية في جنوب أفريقيا بعيون عراقية:العفو مق ...


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - العراق: الصراع الطائفي بلغ المراقد المقدسة!