أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - إشكالات التصنيف المنهجي والسِيَّري: هادي العلوي نموذجا!















المزيد.....

إشكالات التصنيف المنهجي والسِيَّري: هادي العلوي نموذجا!


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 3416 - 2011 / 7 / 4 - 07:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إشكالات التصنيف المنهجي والسِيَّري: هادي العلوي نموذجا!
علاء اللامي
نادرا ما تتطابق حياة وأفكار مثقف ومفكر حدَّ التماهي، تماهي الذات والموضوع وصولا إلى تماهي الذات والمعنى. من قلب هذا التماهي النادر، يطلُّ علينا المفكر العراقي الراحل هادي العلوي بكل بهائه الإنساني وحزنه وشجاعته ورقته وأصالة منجزه الفكري والسلوكي. غير ان هذا التطابق الذي لم يخفَ على كلِّ مَن عاشر أو تعرف على هادي عن كثب، لا يُسَهِّل على الباحث أو المقارِب لتراثه المكتوب تصنيفَهُ بحثيا. ولا يجيب إجابة قاطعة على ما يمكن أن يثار من أسئلة وتساؤلات في هذا المضمار ومنها: هل يمكن الركون إلى وضعه ضمن قائمة الباحثين أم المفكرين أم المثقفين أم المناضلين الاجتماعيين؟ وهل يمكن تصنيف أبحاثه ومؤلفاته ضمن باب التاريخ أم السياسة أم اللغة أم المجتمع ؟ هو ذاته، لا يسهل علينا هذه المهمة، دون قصد منه طبعا، لا عبر سيرته الحياتية الملأى بالمعنى، ولا بما تركه من منجز مكتوب. فهو مثلا، وإنْ كان خصما عنيدا للأصوليين، فهو خصم لا يقل عنادا للعلمانيين المتغربنين. يجيب العلوي على سؤال لخالد سليمان في كتابه "حوار الحاضر والمستقبل ص55" والذي نشر بعد وفاته فيقول: في ما يخص العلمانيين، بجملة اعتراضية أقول لك: لا يمكنك إدراجي بينهم..فأنا لست علمانيا ولا أصوليا. ولي منهجي الذي يبعدني عن الفريقين. كما بينتُ أني أفرِّق بين الدين والحضارة الإسلامية) و يسأله خالد في مطرح آخر من الكتاب ص 63 : أفهم من هذا أنك لست علمانيا ولست أصوليا؟ فماذا أنت؟ فيجيب : هذا هو ما أعلنُهُ عن نفسي فعلا وما قصدته بهذه المعادلة الصعبة الحرجة هو الخروج على الثوابت والتحرك في فضاء أوسع)
وهو وإنْ كان "مشاعيا" صارما في الدفاع عما يسميه "مشاعية القواعد" كحركة اجتماعية غير سياسية، ومُبَشِّرا بالمنظومة الآيديولوجية التي يدعو إليها وساهم بتأصيلها وتأثيل أقانيمها الثلاث: ماركسية الرواد، الصوفية الإسلامية القطبانية و الحكمة الصينية متجوهرة في التاوية، فهو أيضا خصم لا يلين للشيوعية التقليدية التي يسميها "الشيوعية المُتَرْجَمة" والتي يصفها بأنها شيوعية لا قلب لها. إنه باختصار يلخص لنا بسلوكه وتفكيره المتناقضين تناقضا بناء ومنتِجا، ما كان المفكر الشيوعي الهنغاري جورج لوكاش قد قاله ذات يوم مخاطبا رفاقه: فضيحة حياتي الكبرى هي إنني معكم وضدكم في الوقت نفسه!
ومع أن العلوي يَنْشَدُّ إلى ماركس وجيل الرواد الماركسيين الأوائل، لكنه لم يكن ماركسيا عاديا، أو منسجما أيديولوجيا، ولذلك عدة أسباب منها: إنه يخلع مشروعَه من ربقة الآيديولوجيا تماما، ويعطي الأولوية للانحدار الطبقي والممارسة العملية، إضافة إلى المواصفات العاطفية والروحية والحالة النفسية والمعنوية للشخص بما يجعله أقرب إلى القلبية الإنسانية، ولا يعطي الأولوية للولاء الطبقي الفكري أو السياسي الحزبي.
ليس في "الشيوعية" التي يدعو إليها العلوي "سياسة" بالمعنى السائد، بل إنَّ فيها، أو لنقل إنها برمتها عملية بناء اجتماعي اقتصادي تراكمي يلغي الفوارق الطبقية مباشرة وعمليا، ويعيد الحقوق المسلوبة لأصحابها الفقراء والمنتجين المحرومين من ثمار إنتاجهم، مع مواصلة النشاط لتجسيد المساواة الطبقية سلميا إن أمكن ذلك. وثانيا، لأنه أخذ ينحاز- خصوصا في كتاباته المتأخرة – إلى نوع من "اليسار" الخاص والمتمايز عن الشيوعية التقليدية أو المترجمة والأحادية المصدر كما يسميها، وكان قد كرر أنه يفضل استعمال كلمة "مشاعية" ومرادفاتها بدلا من "الشيوعية" ومرادفاتها لأن هذه الأخيرة ابتُذِلَت -كما يعتقد- من قبل الشيوعيين التقليديين المتغربنين. وقد وردت شذرة مكتوبة له تشير إلى هذا المفهوم لليسار الجديد في معرض كلامه عن الأصولية الدينية حيث قال ( جماهيرنا لا تتحرك بالدين المجرد. وهذه حقائق ميدانية عشناها ونعيشها. وجماهيرنا لا تتحرك بالفكر المترجَم الذي يُطرح عليها بالتعارض مع وعيها التأريخي المتبلور. يمكن لليسار أن يعود إلى الساحة ويسحب البساط من تحت الأصولية إذا استلهم تجربة الشيوعيين الصينيين واستفاد من طروحات غرامشي - استيحاءً لا استنساخا- ويعني ذلك إنشاء شيوعية محلية تبدأ من التراث المشاعي والتقاليد المشاعية الشاخصة وتدمجها في الماركسية بعد نزع القداسة عن الطرفين بحيث يكون اليساري حرا في التعامل مع تراثه وماركسيته في آن واحد. حوار ص 59 )
ربما يتحفظ البعض، على إطلاق صفة "المفكر" على العلوي، خصوصا وأن هذه الكلمة ابتذلت كثيرا فصار يَدَّعِيها حتى دكتاتور جاهل ومتحذلق كالعقيد القذافي، ولكن التحفظ له ما يبرره لناحية النظرة التصنيفية العلمية البيوغرافية التي تعنى بالـ"سيرة الذاتية" والببليوغرافية و تعنى بـ" فهرست مؤلفات" الكاتب. والواقع، فصفة "المفكر" لا يمكن أن تطلق على أي مثقف أو كاتب ألَّفَ كتابا أو عدة كتب في مجال عملي ما، وربما كانت صفة "الباحث" أكثر انطباقا عليه في هذه الحالة. فإذا قَصَرْناها على المثقف الذي أنتج نظريات متكاملة في ميدان من ميادين العلوم الإنسانية أو التجريبية البحتة، فالعلوي لم ينتج شيئا من هذا القبيل – ربما باستثناء دراسته الفريدة والأكاديمية عن الحركة الجوهرية لدى الفيلسوف الشيرازي- لدرجة أن تسجل تلك النظريات باسمه. ولكنَّ صاحبنا من الناحية الواقعية باحث في التاريخ والتراث والفلسفة ومؤرخ محترف. ويمكن أنْ نقرر أنَّ أهم كتبه في ميدان التأرخة البحتة هو كتاب " فصول من تاريخ الإسلام السياسي" ويقع في 480 صفحة. وبعده يأتي كتاب "محطات في التاريخ والتراث" وكتاب "شخصيات غير قلقة في الإسلام" وأخيرا كتاب" من قاموس التراث ".
أما في ميدان الفلسفة، فله كتاب لا يقل أهمية عن كتب التاريخ إنْ لم يكن قد فاقها مع انه من بواكير أعماله ويحمل عنوان ذكرناه قبل هنيهة وهو " نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي/ بغداد 1971". ويمكن أيضا احتساب الدراستين المهمتين اللتين كتبهما حول الفلسفة الصينية كمقدمة لترجمته لكتابي التاو الأول أي كتاب " تاوتي تشينغ / لاوتسه ،و الثاني لتشوانغ تسه. ضمن هذا الغرار، ويمكن اعتبار هاتين الدراستين لضخامتهما ودقتهما الأكاديمية كتابا مستقلا. أما في ميدان الدراسات والكتابات السياسية والاجتماعية والتراثية فكتبه بلغت 18 كتابا إضافة إلى مئات المقالات المبعثرة في الصحافة العربية والعراقية.
ينضاف إلى ما سبق، أنه لغوي ومعجمي ذو مشروع مهم. ألَّفَ سلسلة من القواميس تحت اسم "المعجم العربي المعاصر" ولم يمهله الأجل إتمامه، فاكتفت منه المكتبة العربية بثلاثة قواميس من سبعة كان يشتغل عليها في وقت واحد. وحتى في هذا المضمار كان مُنْتَجُ العلوي جديدا ورياديا، فلأول مرة يدمج ويوائم لغوي عربي معاصر في مشروعه المعجمي بين العربية الفصحى واللهجات العربية المعاصرة ضمن ما أطلق عليه "تفصيح العامي" و "تبسيط الفصيح" بهدف ردم الهوة بين اللغة العربية المنطوقة "اللهجات" والمكتوبة " الفصحى".
إن العلوي من حيث أصالة وجِدة انجازاته الفكرية، ومن حيث سجاياه الممارساتية الحياتية، أكبر بما لا يقاس من بعض مَن يصح أن تطلق عليهم صفة مفكر، مع أن هذا البعض قد لا يستأهل إلا بالكاد صفة الباحث العادي. غير أن هذا القول يبقى في إطار العصبية الذاتية والانحياز المسبق إنْ ظل في حدود الوصف العام، ولم ينتقل إلى استعمال المنهجيات التحليلية التي تستهدف بالحساب والتفكيك العميق والدقيق كل ما قدم من أفكار وتجارب فكرية وحياتية متميزة و تلك مهمة كبرى موضوعا و وسائلَ، ليس لنا إلا أن نقاربها مقاربة خاصة ومتواضعة تسمح بها المناسبة والإمكانيات.
وإذا كان المستشرق الفرنسي ومترجم القرآن إلى الفرنسية "جاك بيرك" قد وصف العلوي بأنه واحد من أهم عشرة مفكرين في القرن العشرين، كما وثق ذلك عدد ممن رثوه بعد وفاته أو حاوروه في حياته، ومنهم مثلا نجلاء بكري"الخليج الثقافي عدد 7113/ 1998"، فهو لا شك كذلك بالمعنى العام والسائد للكلمة، مع إنني لا أميل إلى هذا النوع من التقييمات المبتسرة والتي تختزل الشخصيات بمأثور الأقوال ومنها مقولة "بيرك" ذاته وتحجبها عن الناظر والباحث أكثر مما تكشف عنها كما هي في حقيقتها الفعلية والتاريخية.



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تصريحات النجيفي : الانفصال الطائفي وخلفياته
- النضال الأيديولوجي والعلاقة المباشرة مع الناس
- العراق ومجازر من الأرشيف .. مجزرة -زفاف التاجي- نموذجا!
- مرة أخرى عن القديس فالنتاين.. وهل هو مالطي أو روماني أو خراف ...
- مَن هذا الفالنتاين الذي يعلم سمنون البغدادي الحب؟
- كمين أميركي اسمه الجنرال-عمر سليمان-
- خطر التصارع الحزبي على الانتفاضة العراقية ومقترحات لتفاديه / ...
- خطر الاستقطاب الطائفي والعرقي على الانتفاضة العراقية ومقترحا ...
- رفض الاجتثاث وتجريم تمجيد الجلادين
- ثلاثة أخطار تحدق بالانتفاضة العراقية ومقترحات لتفاديها
- تطبيقات من تجربة المصالحة في جنوب أفريقيا:الضحايا كشهود
- المعادلة المغاربية الجديدة: القلب التونسي و جناحاه
- جلادون يعترفون وضحايا ومحققون يضجون بالبكاء
- من البعث إلى الانبعاث
- تجربة المصالحة الوطنية في جنوب أفريقيا بعيون عراقية:العفو مق ...
- أنصفوا قناة -البغدادية- ..فهي صوت وطني لا يدعي الكمال والعصم ...
- الركابي في -أرضوتوبيا العراق.. من الإبراهيمية إلى ظهور المهد ...
- حزب- الدعوة- والانتحار السياسي بزجاجة -عرق-!
- هادي العلوي وإشكاليات محمد أركون: تفكيك المصادرات الأورومركز ...
- لماذا لا يغلق اتحاد الأدباء ووزراة الثقافة ويترك النادي مفتو ...


المزيد.....




- لمعالجة قضية -الصور الإباحية المزيفة-.. مجلس رقابة -ميتا- يُ ...
- رابطة مكافحة التشهير: الحوادث المعادية للسامية بأمريكا وصلت ...
- كاد يستقر في رأسه.. شاهد كيف أنقذ رجل غريب طفلًا من قرص طائر ...
- باتروشيف: التحقيق كشف أن منفذي اعتداء -كروكوس- كانوا على ارت ...
- إيران أغلقت منشآتها النووية يوم الهجوم على إسرائيل
- الجيش الروسي يعلن عن خسائر بشرية كبيرة في صفوف القوات الأوكر ...
- دونالد ترامب في مواجهة قضية جنائية غير مسبوقة لرئيس أمريكي س ...
- إيران... إسرائيل تهاجم -دبلوماسياً- وواشنطن تستعد لفرض عقوبا ...
- -لا علاقة لها بتطورات المنطقة-.. تركيا تجري مناورات جوية مع ...
- رئيسة لجنة الانتخابات المركزية الروسية تمنح بوتين بطاقة -الر ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - إشكالات التصنيف المنهجي والسِيَّري: هادي العلوي نموذجا!