عبد الله صقر
الحوار المتمدن-العدد: 3476 - 2011 / 9 / 3 - 19:03
المحور:
الادب والفن
العقاب هو أشد أنواع الآنتقام , وأكثرها قسوة على الآنسان الذى أرتكب جرما فى حق أنسان أخر , أو حيون , إن الظلم والآعتداء على الغير هو أستهانة بإنسانية الغير, وأيضا العقاب لا يأتى إلا للذين يتجبرون على خلق الله , وعلى الذين يفسدون فى الآرض , وعندما يقع العقاب على الآنسان المعتدى , إنما يعتبر بمثابة إنزارا قويا كى يصلح هذا الآنسان من سلوكياته وتصرفاته الخاطئة والمشينة فى حق الغير , وكم نزل العقاب على إناس متجبرين فتراجعوا فى غيهم وأفسادهم , وأنصلح حالهم , وأيضا هناك إناس لا يعرفون الرحمة , فقلوبهم غليظة القساوة , لا يعتبرون من ظلمهم للناس , وكأن الحياة دائمة لهم , ولكن يكون مصيرهم أسوأ ما يكون , والقصة التى سوف أسردها إنما هى حقيقية وقد قابلتنى وشاهدتها بأم عينى , فأنا ما تعودت الكذب .
فمن ضمن هؤلاء الآشخاص الذين لا يعتبرون من جراء قسوتهم هذا الشخص الذى سوف أسرد قصته نظرا لسوء معاملته مع حيوان ضعيف , فذات يوم ذهبت لآشترى أسماكا لآسرتى من محل أعتدت أن أشترى منه منذ أكثر من عشرين عاما , وكنت أعرف صاحب المحل بحكم مداومتى على الذهاب للمحل , وأصبحت تربطنى صداقة ومعرفة قوية به , فى ذلك اليوم طلبت من كريم الذى يعمل بالمحل كمية من السمك وينظفه , وكان المحل مزدحم بالزبائن , ووقفت أنتظر دورى , وكان كريم البائع منهمكا فى التنظيف , وجاء دورى , وإذا بسمكة تسقط من يد كريم على الآرض , وظهرت قطة بلمح البصر وخطفت هذه السمكة وركضت بها وألتهمتها مسرعة , وأظهر كريم ضيقه لسلوك القطة , ولكنى خففت عنه وقلت أن القطة لها نصيب من السمك وهذا حقها فى أن تأكل وهذا نصيبها , وعاد مرة أخرى لتنظيف الآسماك , وإذا بسمكة أخرى نسقط من يد كريم , وكادت القطة تقترب من السمكة كى تخطفها , وإذا بكريم يهوى بالساطور على القطة وشطرها بالساطور الذى بيده اليمنى , وأنشطرت القطة الى نصفين ... يا ألهى ما أبشع هذا المنظر الذى أراه بعينى ! لم أتمالك نفسى أنا وكل من كان بالمحل من زبائن , وهويت على وجهه وصفعته بيدى على وجهه , وأنا الذى لم أعتدى على أحد طيلة حياتى , أجدنى منفعلا متهورا لم أستطع أن أسيطر على تصرفاتى وكانى وحش من الوحوش الضارية .. يا ألهى كم كنت فظا غليظ القلب حين تصرفت هذا النصرف الاحمق , لكن يا ألهى غصب عنى , وبصراحة شديدة وجدت كل الناس تنفعل عليه , فهو أخذ شتائم وأعتداءات ودعوات من الذين كانوا بالمحل , من شدة غضبى تركت الاسماك والمحل ورحلت الى منزلى , مرت الايام وعدت الى نفس المحل لآشترى أسماكا , لكن الذى أدهشنى كثيرا أنى وجدت كريم البائع وسلمت عليه وإذا بى ألاحظ بأن يده اليمنى التى سلم على بها ناقصة أصبعين , بصراحة فى البداية تجاهلت الموقف وعاتبته عتاب رقيق وقدمت له أعتزارى عما بدر منى فى المرة الاولى بسبب القطة , فماذا رد على كريم البائع ! قال يا أستاذ ...
عبدالله أنا لو حكيت لك قصتى التى حدثت لى فى نفس الليلة التى قتلت فيها القطة , فسوف لم تصدقنى , لكن أنا صاحبها , ولم أرويها عن غيرى , إنه يا أستاذ العقاب , وليس كأى عقاب , إنه كان عقابا شديد ا , وكان سريعا , لم أكن أتوقعه أو أنتظره بهذه السرعة , وفى نفس الليلة المشؤمة ... قلت له ماذا حدث لك يا كريم أحكى لى , قال فى نفس الليلة , كلفنى المعلم صاحب المحل بالذهاب الى بعض الزبائن لأحصل منهم نقودا , وأعطى أخرين نقودا نظير حسابات بيننا للتجار , وعندما طلبت المصعد ودخلت فيه , مددت يدى وإذا بيدى تحشر فى المصعد , وصرخت بأعلى صوتى وكان المصعد فى طريقه لآعلى , الى أن أنقذنى بعض السكان فى العمارة , وكادت يدى كلها تقطع , ذهبوا بى الى المستشفى , واستدعوا أهلى , ودخلت غرفة العمليات , وخرج الطبيب ليعلن لآهلى بأن هناك أصبعين
يجب بترهما , السبابة والوسطى من البد اليمنى , يا الله , هى نفس اليد التى قتلت بها القطة الليلة , ما هذا الذى يحدث , إنه كريم يحدث نفسه , نظرت ليد كريم فعلا إنها ناقصة أصبعين , ياه , ما أبشع هذا المنظر , ما هذا الذى حدث ليد هذا الانسان وبهذه الطريقة وبهذه السرعة , حقا يده اليمنى ناقصة ! وتملكتنى الحيرة الشديدة والقلق , ألهذا الحد يكون العقاب وبهذه السرعة , وفى نفس الليلة , أقسم لى كريم بأن الحادث حصل له فى نفس الليلة التى شطر فيها القطة , قال كنت نائما على سرير العمليات كى يقطع لى أصيعين من يدى التى أعتدت على حيوان ضعيف , كان يريد أن يحصل على طعامه مثلنا فحرمته من الآكل والحياة وقتلته أشر قتله , قلت له يا كريم , ألم تأخذ درسا من هذا الحادث ؟ قال نعم سيدى , إنى تغيرت تماما , وأصبحت إنسانا أخر غير كريم المتوحش الذى كان يأخذ الحياة بصدره , أنا الآن أقل قسوة , أخاف من أى شيئ , أعمل حساب لكل الحيوانات , أعطف على كل القطط , أطعمها وأسقيها , أشترى طعاما لها على حسابى , فهناك مجموعة من القطط على درج بيتنا , أعمل لهم ميزانية من جيبى كى أشترى لهم طعاما , فأنا الان كريم الآنسان الذى يقدر قيمة الاشياء والمخلوقات , لا أحتقر أحدا من خلق الله , قلت له أننا لا نقدر قيمة الاشياء إلا عندما نفقدها , أنك يا كريم أصبحت إنسانا أكثر وعيا من خلال كلامك وتعبيراتك التى تدل على أنك تغبرت فعلا وأصبحت الان تقدر الحياة التى تعيشها وتعلمت درسا يفيدك فى الحياة , قال نعم أنا إنسان أخر .
#عبد_الله_صقر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟