|
-الربيع العربي- في محاذيره الثلاثة!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3466 - 2011 / 8 / 24 - 14:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"الربيع العربي" غزير المعاني، ومتناقضها أيضاً؛ فأنتَ يمكنكَ أنْ ترى فيه معنى "النهوض (والظهور والاستيقاظ)" لشعوبنا العربية التي طالما ضُرِبَ بها المثل في طول وعمق سباتها السياسي والتاريخي، وفي سلبيتها، وخنوعها، واستسلامها، وفي استبداد العدوِّ الأوَّل للشعوب بها، ألا وهو الخوف (من الغول، ومن أشباهه كباب العزيزية).
ويمكنكَ أيضاً أنْ ترى فيه اللون الأخضر، أو ما يشبه "الغاندية" في صراع شعوبنا ضدَّ الدكتاتورية التي، وعلى ما أثبتته وأكَّدته تجربة صراع شعوبنا ضد الطغاة المستبدِّين في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية..، لا نرى منها إلاَّ نوعين اثنين، الأوَّل هو "الدكتاتورية العربية"، والثاني هو "سائر الدكتاتوريات" في العالم، وفي التاريخ أيضاً.
وفي "الغاندية العربية"، والتي شعارها "سِلْمِية، سِلْمِية، سِلْمِية"، تحاوِل شعوبنا أنْ تَجْعَل المستحيل (عربياً) ممكناً (عربياً). إنَّها تحاول أنْ تُثْبِت أنَّ "الدَّم"، أي دماؤها التي تسيل أنهاراً، يمكنه، وينبغي له، أنْ يَغْلِب السَّيف، وأيُّ سيف؛ ولقد أصبح "الربيع العربي" أصفر اللون إذ امتزج فيه اللونان الأخضر والأحمر.
وإنَّ استثنائية الثورات الشعبية الديمقراطية العربية لا تكمن في سِلْمِيتها؛ وإنَّما في كونها سِلْمِية، وإصرارها على أنْ تبقى سِلْمِية، على الرغم من أنَّ عدوِّها، أي الدكتاتورية العربية، ليس كمثله عدو لجهة بطشه، وعنفه، وقسوته، ووحشيته؛ فلو أنَّ نزراً من الدَّم الذي سُفِحَ وأُريق في ليبيا وسورية قد سُفِح وأُريق في صراع شعبٍ آخر، غير عربي، ضدَّ حكومته الدكتاتورية، لانتصرت ثورته سريعاً، ولكان انتصارها تاريخياً بكل المعاني، ولَمَا بقي من بنيان نظام الحكم هناك حجرٌ على حجرٍ، ولسَقَطَ نظام الحكم كله، وليس رأسه فحسب؛ فـ "الدولة" عندنا، وعندنا فحسب، وفي هذا الزمن الثوري الفريد، تَظْهَر على حقيقتها العارية تماماً من الأوهام، فهي ليست "دولة"؛ وإنَّما عصابة من القتلة والمجرمين واللصوص الذين لا رادع يردعهم عن فعل أيِّ شيء، وكل شيء، في سبيل البقاء حُكَّاماً؛ وهذه العصابة ليس فيها ولو نزراً ضئيلاً من معاني "الدولة"، ولو كانت من معانيها التي شرحها وبسطها لينين في كتابه "الدولة والثورة".
ونحن يكفي أنْ نرى كيف صارع القذافي، وكيف يُصارِع بشار، من أجل البقاء، حتى نتأكَّد أنَّ الثورات الشعبية العربية ليس كمثلها ثورات لجهة جرأتها وبسالتها وإقدامها، وأنَّ شعوبنا، في ربيعها الثوري، تَصْلُح لاتِّخاذها مثلاً أعلى في إصرار وتصميم الشعوب على جَعْل المستحيل ممكناً.
إنَّها ثورات شعوب (وأُمَّة) من أجل الحرِّية التي لا تحتاج شعوبنا إلى من يشرح لها، ويُعلِّمها، معانيها، إلاَّ إذا احتاج السَّمك إلى من يُعَلِّمه السِّباحة، ويُدرِّبه عليها.
لكنَّ هذا لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، إبقاء الحراك الشعبي الثوري بلا أُفْقٍ سياسي، أو بقاء كفَّة "العفوي" منه راجحةً على كفَّة "المُنظَّم"؛ فالثورات، ومهما عَظُم ثقلها الشعبي، وطال زمانها، واحْمَرَّ لونها من كثرة ما سُفِح وأُريق فيها من دمٍ، لن تأتي أبداً إلاَّ بما يقيم الدليل على أنْ "لا حركة ثورية بلا نظرية ثورية (وبلا تنظيم للعفوية الثورية الشعبية)".
وأحسب أنْ لا سبيل إلى الانتصار النهائي والحاسم لـ "الربيع العربي"، في غياب الأحزاب السياسية التي يمكنها أنْ تقود، إلاَّ بقاء الشعب (وشبابه الثائر في المقام الأوَّل) في الشوارع والميادين قوَّة ضاغطة إلى أنْ تَدُب الحياة في "الحياة الحزبية"، ويُسْتَكْمَل البناء من طريق مزيدٍ من الهدم لبنيان نظام الحكم القديم، بأوجهه كافة، ويصبح لدى الشعب من قوَّة وصدقية التمثيل السياسي (وفي السلطتين التشريعية والتنفيذية على وجه الخصوص) ما يُضْعِف الحاجة لديه إلى النزول إلى الشارع، والاحتشاد فيه، وممارسة الضغوط انطلاقاً منه.
إنَّ احتفاظ الشباب الثوري، الديمقراطي، التوَّاق إلى الحرِّية، وإلى مزيدٍ من الحرِّية، بقوَّة الدافع والحافز، وبأدواته، أو أسلحته، الإعلامية الجديدة، والتي ثَبُتت وتأكَّدت أهميتها الثورية، لهو خير ضامِن لبقاء الشعب على المسرح السياسي قوَّة ضغط دائمٍ ومستمرٍ ومتعاظِمٍ من أجل تغيير كل ما يمكن ويجب تغييره من نظام الحكم القديم، والمجتمع القديم، ومن أجل حَمْل المثقفين من كل الألوان على إنشاء وتطوير حياة حزبية حقيقية؛ فلا ديمقراطية، ولا نظام حكم ديمقراطي، بلا أحزاب ومؤسِّسات تمثِّل حقَّاً الشعب بكل ميوله واتِّجاهاته ونزعاته.
وثمَّة ثلاثة أشياء ينبغي لشعوبنا، في ربيعها الديمقراطي الثوري، وللشعب السوري الشقيق على وجه الخصوص، نبذها، واجتنابها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ لأنَّ نظام الحكم الدكتاتوري لا يُمارِس كل هذا الذي يمارِسه من بطش وقمع وإرهاب وتقتيل إلاَّ توصُّلاً إلى إيقاع الحراك الشعبي في أفخاخها.
وهذه الأشياء، أو المحاذير، الثلاثة إنَّما هي: مقارعة السلاح بالسلاح، أو مبادلة عنف الدكتاتور بعنفٍ شعبي، وترجمة الصراع (الذي هو صراعٌ سياسي واجتماعي، ومن أجل الحرِّية والديمقراطية) بلغة دينية، أو بما يشوِّهه ويمسخه من طريق هذه العصبية التافهة، أو تلك، والتصالح مع الدعوات إلى الاستنجاد والاستغاثة بقوى دولية وإقليمية (وعربية) هي موضوعياً، على الأقل، ضدَّ المعاني الحقيقية لـ "الربيع العربي".
وإنِّي لأرى هذه الأشياء، أو المحاذير، الثلاثة على هيئة أهداف كامنة في أُسلوب، أو أساليب، الصراع الذي يخوضه نظام الحكم السوري ضدَّ ثورة شعبه عليه؛ فهو لا يُمارِس كل هذا البطش والعنف والقمع والإرهاب إلاَّ ليُكْرِه الثائرين عليه على حَمْل السلاح، والتسلُّح بعصبية دينية أو طائفية أو عرقية، والتحالف ولو مع الشيطان الرجيم من أجل الخلاص منه.
الثورة السورية يجب أنْ تنتصر على نظام الحكم البعثي الأسدي، وبما يجعلها منتصرة لكل المعاني الحقيقية لـ "الربيع العربي"، والتي تَسْتَكْرِهها المصالح والأهداف الحقيقية للقوى الدولية والإقليمية (والعربية) التي هي النفاق بعينه في ما تبديه من تعاطف مع الشعب السوري وثورته؛ وإنَّ ثورية وديمقراطية أي حراك شعبي عربي لَتُمْسَخ وتُشوَّه ويتضاءل منسوبها إذا لم يُرِنا في "الثورة ضدَّ الجزء" معاني "الثورة ضدَّ الكل"؛ فإنَّهم جميعاً من اللون نفسه، وإنْ اختلفوا فيه درجةً وكثافةً.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العبوس.. أردنياً!
-
اليوم سقط ثالثهم.. وغداً رابعهم!
-
نارٌ سوريَّة تُنْضِج -الطبخة الليبية-!
-
-ارْحَلْ- إذ وصلت إلى -السفير- و-السفارة-!
-
ما هو -الفضاء-؟
-
إنَّه عدوٌّ للسوريين والفلسطينيين معاً!
-
لم يَفْقِدْ الشرعية وإنَّما العقل!
-
بعضٌ من أوجه المَسْخ الدِّيني للمادة
-
محامون عن -جريمة حماة-!
-
أزمة الإرادة الشعبية!
-
-الآن- في الكون هي الماضي!
-
الثورة المصرية إذ أشهرت إسلامها!
-
تأمَّلوا هذه -الشعوذة الكوزمولوجية- للدكتور زغلول النجار!
-
ثورات وقودها -الخوف-!
-
حاجتنا إلى الفلسفة لن تنتهي أبداً!
-
إلاَّ السعودية!
-
توضيح ضروري في شأن -ثبات سرعة الضوء-
-
-المؤمن- و-الملحد-.. و-ثالثهما-!
-
فساد ميتافيزيقي يعتري -الرياضيات الكونية-!
-
مصر تَطْلُب مزيداً من الثورة!
المزيد.....
-
مصر: جدل بعد تعديل صفقة استيراد الغاز الإسرائيلي.. وخبراء يع
...
-
نتنياهو يدافع عن خطة السيطرة على مدينة غزة.. وينفي وجود مجاع
...
-
فرنسا: رئيس الحكومة يحدد موعدا نهائيا لختم المفاوضات بشأن إل
...
-
لوموند: في تعامله المأساوي مع غزة نتنياهو هارب إلى الأمام فأ
...
-
بالصور.. رحلة مساعدات غزة من الإعداد إلى الإسقاط الجوي وما ب
...
-
الأردن يستضيف اجتماعا سوريا أميركيا لدعم دمشق
-
مجلة بريطانية: لماذا ينقلب اليمين الأميركي على إسرائيل؟
-
-الحظر- الألماني يصيب الصناعة العسكرية الإسرائيلية في مقتل
-
فيديو عن اعتداء مسلمين على فتاة هندوسية بالهند.. ما حقيقته؟
...
-
هل أدى ترامب رقصته الشهيرة بحضور الصحفيين في البيت الأبيض؟
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|