|
لم يَفْقِدْ الشرعية وإنَّما العقل!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3455 - 2011 / 8 / 13 - 16:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إنَّ أحداً من طُلاَّب العدالة، أو المنتصرين لها، لا يَقِف ضدَّ "حقِّ الدفاع المشروع عن النفس"؛ فالشخص المعتدى عليه ظُلْماً وعدواناً يَحِقُّ له الدفاع عن نفسه ولو اقتضى الأمر أنْ يَقْتُل المعتدي عليه.
ونظام الحكم المُطْلَق الشمولي الدكتاتوري الإرهابي العائلي الفئوي في سورية، وبِحُكْم خواصِّه وطبيعته تلك، لا يتمتَّع، ولا يَحِقُّ له أنْ يتمتَّع، بهذا الحق، وإنْ ألْزَمه صراعه (ضدَّ شعبه) من أجل البقاء أنْ يُقاتِل بكل ما أُوتي من قوَّة، ووحشية، وبِقَلْبٍ كالحجر أو أشد قسوة، وحتى الرَّمق الأخير.
نظام الحكم هذا، والعاجز عجزاً مُطْلقاً عن تَعَلُّم فن الطيران، أو فن السقوط، على الأقل، سيسقط حتماً، وعمَّا قريب؛ لأنَّه (وفي هذا يكمن تناقضه البنيوي المُدمِّر له في آخر المطاف) لا يستطيع الدفاع عن نفسه إلاَّ بوسائل وطرائق وأساليب من شأنها جَعْل سقوطه (وسقوطه السريع) أمراً مقضياً محتوماً، وكأنَّه لا يُدافِع، ولا يستطيع الدفاع، عن نفسه إلاَّ بما يجعله حافِراً لقبره بيديه؛ فهل من تناقض أشد استعصاءً على الحل من هذا التناقض؟!
وإذا أردتم دليلاً قويِّاً على عجز نظام حكم بشار الأسد عن النجاة من تناقضه هذا فَلْتُفكِّروا مليَّاً في نتائج وعواقب حلٍّ افتراضيٍّ، يأتي من طريق بشار نفسه، ويتضمَّن من الإصلاح السياسي والديمقراطي.. ما يجعل سورية، ولو نظرياً، مثلاً أعلى للديمقراطية في العالم العربي.
الشعب الآن، أي بعدما أراه بشار نظام حكمه على حقيقته العارية من الأوهام والأقنعة، لن يقبل، ولن يرضى؛ ليس لأنَّه ضدَّ هذا الإصلاح؛ وإنَّما لكونه فَقَدَ البقية الباقية من ثقته بجدوى إصلاحٍ على يديِّ هذا "المُصْلِح"؛ فبشار، الذي عجز عجزاً تاماً عن إقناع شعبه بجدوى وأهمية وضرورة نظام حكمه، استطاع أنْ يُقْنِع شعبه، وبأدلَّة لا يجادِل في قوَّتها إلاَّ مَنْ يَطْلُب دليلاً على وجود النهار، بأنَّ "الإصلاح" و"الإطاحة" هما شيء واحد؛ فلا إصلاح ممكناً في "سورية الأسد"، ولـ "سورية الأسد"، إلاَّ المتأتي من طريق إطاحة نظام الحكم البعثي الأسدي.
و"انعدام الثقة" ليس من طرف واحد، فبشار أيضاً لا يثق بشعبه، ولا يحتاج إلى من يُقْنِعه بأنْ لا بقاء له، إذا ما بقي، إلاَّ بالحرب، وفي الحرب، ضدَّ شعبه، وضدَّ ثورة شعبه عليه؛ ولقد تعلَّم من تجربة مبارك (ومن تجربتي زين العابدين وصالح) أنَّ المأساة، أي مأساته، تبدأ، ولا تنتهي، مع تنحِّيه (أو تنحيته) عن الحكم؛ ذلك لأنَّ تنحِّيه ليس بالفضيلة التي يمكنها أنْ تَجْعَل الشعب السوري يَضْرِب صفحاً عمَّا ارتكبه من جرائم في حقِّه، ويتشبَّه، من ثمَّ، بالغفور الرحيم.
بقاؤه ما عاد ممكناً سياسياً، وما عاد مقبولاً شعبياً، ولو جاء إلى شعبه الآن، أي بعد كل هذه الجرائم التي ارتكبها في حقِّه، بما يجعله يضاهي، أو يفوق، صلاح الدين الأيوبي، عَظَمَةً؛ فثمَّة شرور وآثام يكفي أنْ يرتكبها الحاكم حتى تَسْوَدَّ صفحته بما يجعل الناظِر فيها، ولو بمجهرٍ، عاجزاً عن رؤية ولو نقطة بيضاء واحدة فيها.
وإنِّي لمتأكِّد تماماً أنَّ بشار الأسد لا يُقاتِل، ولا يُقتِّل، شعبه الآن من أجل أنْ يبقى رئيساً للجمهورية العربية السورية؛ فهو، ولو بقوَّة الغريزة السياسية، لا يُعلِّل نفسه بهذا الوهم.
إنَّه لا يُقاتِل، ولا يُقتِّل، شعبه إلاَّ من أجل تغييرٍ جيو ـ سياسي، يمكن أنْ يجعله أميراً على إمارة؛ وكأنَّه يرى بقاءً له في عدم بقاء سورية نفسها؛ كيف لا وهو من جِنْس وخواصِّ حُكَّامٍ لا يَحْكمون، ولا يستمرُّون في الحكم، إلاَّ إذا جعلوا بقاء الأوطان والدول من بقائهم؛ فإنْ هُمْ ذهبوا ذهبت معهم الأوطان والدول!
وهذا النوع من الحُكَّام الذي ابْتُلينا به لا رادع يردعه عن تمزيق الوطن والشعب والمجتمع، وعن جعل بلاده حَلَبَة للصراع الإقليمي والدولي، وعن مياهٍ عكرة يصطاد فيها كل صيَّاد؛ فإنَّ عداءه لشعبه الذي كفر به بعدما عاش زمناً طويلاً وهو مُكْرَه على عبادته، هو وحده ثابت التغيَّر في مصالحه.
وإنَّها لعبارة يهزأ منها بشار نفسه، ولا يمكن أنْ يكون آخر المُصدِّقين لها إلاَّ هو نفسه، تلك التي يَصِفون فيها نظام الحكم السوري الآن (وليس دائماً) بأنَّه فاقِدٌ الشرعية؛ فهو لم يملكها (ولم يتمتَّع بها) قط؛ فكيف له أنْ يَفْقِد شيئاً لا يملكه أصلاً؟!
ما فَقَدَه حقَّاً ليس الشرعية (السياسية والأخلاقية..) وإنَّما العقل والمنطق والذكاء؛ فالحاكم، ولو كان غير شرعي، يمكنه، وينبغي له، أنْ يتدبَّر أموره، وأمور مَنْ يَحْكُم، بشيء من العقل والمنطق والذكاء؛ أمَّا أنْ يغادره (ويغادر خطابه) العقل والمنطق والذكاء قبل أنْ يغادر هو الحكم فهذا إنَّما هو خير دليل على أنَّ هذا الحاكم (ونظام حكمه) لا يملك تغييراً لمساره، وكأنَّه جسماً يسقط سقوطاً حُرَّاً متسارِعاً؛ والتاريخ علَّمنا أنَّ السقوط الفكري والمثالي لأنظمة الحكم يسبق سقوطها الواقعي والمادي.
وهذا ما يَعْكِسَه قولٌ من قبيل إنَّ بشار يَخْطْب وكأنَّه يَخْطُب في قوم من الأغبياء، وإنَّ عقل طفل لا يُصدِّق الرواية الإعلامية لنظام الحكم السوري.
وليس من حال أسوأ من حال نظام حكم يَعْرِف أنَّه لن يتمكَّن أبداً من إقناع شعبه بأنَّ 1 + 1 = قرد؛ ومع ذلك لا يملك إلاَّ أنْ يظلَّ يحاوِل هذه المحاولة؛ ولكم أنْ تتصوَّروا عواقب أنْ يجتمع في نظام الحكم البعثي الأسدي "فُقْدان الشرعية (في الحكم)" و"فقدان العقل والمنطق والذكاء (في ممارسة الحكم)"!
وأحسبُ أنَّ أبا العلاء المعري قد عنا وقصد ساسة كبشار الأسد إذ قال إنَّهم يسوسون الأمور بغير عقلٍ، فَيُنْفَذ أمرهم، فيقال ساسة؛ ولقد أصبح نظام حكم بشار واجِبَ السقوط، فسقط!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعضٌ من أوجه المَسْخ الدِّيني للمادة
-
محامون عن -جريمة حماة-!
-
أزمة الإرادة الشعبية!
-
-الآن- في الكون هي الماضي!
-
الثورة المصرية إذ أشهرت إسلامها!
-
تأمَّلوا هذه -الشعوذة الكوزمولوجية- للدكتور زغلول النجار!
-
ثورات وقودها -الخوف-!
-
حاجتنا إلى الفلسفة لن تنتهي أبداً!
-
إلاَّ السعودية!
-
توضيح ضروري في شأن -ثبات سرعة الضوء-
-
-المؤمن- و-الملحد-.. و-ثالثهما-!
-
فساد ميتافيزيقي يعتري -الرياضيات الكونية-!
-
مصر تَطْلُب مزيداً من الثورة!
-
-ثورة- إبليس!
-
كان ينبغي ل -الزيدي- أنْ يَخْرُج في استقباله!
-
ردٌّ على أسئلة وتساؤلات
-
لماذا نحتاج إلى تخطِّي التناقض بين نيوتن وآينشتاين؟
-
ردود على ردود
-
معالي الوزير.. سعادة النائب!
-
في القرآن.. لا وجود لفكرة -الخلق من العدم-!
المزيد.....
-
فرنسا وألمانيا وبريطانيا تستعد لتقديم -عرض تفاوض شامل- لإيرا
...
-
تحذير سعودي من استهداف المحطات النووية السلمية في إيران.. هذ
...
-
أضرار في مناطق بإسرائيل جراء هجوم إيراني جديد.. ومراسل CNN ي
...
-
نووي إسرائيل.. ماذا نعرف عن الترسانة -الغامضة- للدولة العبري
...
-
الكرملين: الشرق الأوسط ينزلق إلى هاوية اللاستقرار والحرب
-
خل التفاح.. هل يساعد فعلا على إنقاص الوزن؟
-
التغير المناخي يدق ناقوس الخطر: سطح البحر إلى ارتفاع غير مسب
...
-
إسرائيل تنشر صورا لتدمير منصات إطلاق صواريخ إيرانية
-
إسرائيل تصادق على إقامة مستوطنة جديدة على جبل عيبال: خطوة نح
...
-
المواجهة بين إسرائيل وإيران تدخل يومها الثامن.. حرب عالية ال
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|