ماذا يحدث في بريطانيا !؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)

الحوار المتمدن-العدد: 3451 - 2011 / 8 / 9 - 20:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

ليست هذه أول أعمال شغب وسلب ونهب تجتاح بريطانيا فقد حدث هذا الأمر إبان الحرب العالمية الثانية على يد الحزب النازي البريطاني المعجب بالفوهرر هتلر (!!!) .. كما حدثت أعمال شغب مماثلة منذ ثلاثين عام في هذا الحي "الفقير" نفسه الذي إنطلقت منها شرارة الشغب العام الحالي في لندن !.

وللحقيقة أننا عندما نصف بعض البريطانيين بأنهم فقراء فليس هو الفقر الذي قد يتخيله البعض فالفقر مسألة نسبية .. فالفقير وفق المعايير البريطانية قد يُنظر إليه بأنه من الأغنياء المرفهين في بعض الدول الإفريقية أو الآسيوية!!.. فهنا في بريطانيا الدولة تتكفل بإعالة العاطلين عن العمل وبمساعدة العائلات محدودة الدخل .. .. وللحقيقة أيضا ً فإن هذه المنح والمساعدات المالية الراتبة التي تقدمها الدولة للعاطلين سواء كانوا أفرادا أو أرباب أسر هي من وجهة نظري ومن واقع أعيشه بنفسي تعتبر كافية لتحقيق الحد اللائق من المعيشة أي أ، هذه الرواتب تكفي لتلبية (الحاجات الأساسية + بعض الكماليات) .. هذا في حالة أن هذا الفرد أو رب الأسرة لا يتعاطى الخمر ولا المخدرات ولا الحشيش بل ولا حتى الدخان "السجائر" !.. أما إذا كان ممن يتعاطون الخمر والمخدرات والتدخين فلا شك أن هذا "الراتب الضماني" الذي يتقاضاه لن يكفيه ولن يكفي أفراد عائلته !!.. وهذا هو ما يحصل بالفعل عند أغلب العاطلين عن العمل!!.. فمتعاطي الخمر أو المخدرات + التدخين يمكن أن ينفق الراتب الضماني إذا كان عاطلا ً عن العمل أو أجرة عمله البسيط إذا كان عاملا ً بسيطا ً المخصص لأسبوع في يوم واحد فقط !!.. فيبدده على شرب الخمر وتعاطي المخدرات ثم يصبح مفلسا ً بقية الأسبوع !!!!.. وهؤلاء "المفلسون" سيشعرون بالحقد والغضب على المجتمع والأوضاع العامة مع أن فقرهم في الحقيقة هو نتيجة سوء تدبيرهم للمال ونتيجة إدمانهم على الخمر أو المخدرات !!.. وقد لاحظت ذلك بنفسي على بعض جيراني الشباب من البريطانيين عندما كنت أعزب وأسكن في مسكن مشترك معهم .. فراتبي الذي كنت أتقاضاه كأجرة على العمل في البناء والتشييد كان يكفيني لآخر الأسبوع بكل راحة ويسر بينما جاري في السكن وزميلي في العمل "الإيرلندي" كان ينفق راتبه الأسبوعي في يوم واحد فقط !!!!.. حيث كان ينفقه في تناول الخمرة طوال الليل ثم يطرق بابي صباح اليوم التالي ليطلب مني إقراضه بعض المال لشراء الطعام !!!.. فهذا فقير إفتقر بسبب سوء تدبيره ونتيجة لتصرفاته الفردية غير العقلانية فما ذنب الدولة والمجتمع !!؟؟.

وللحقيقة كذلك فإن أغلبية المنخرطين في أعمال الشغب والسلب والنهب الحالية في بريطانيا هم معظمهم من الغوغاء والمراهقين ومتعاطي المخدرات وليسوا من الشباب المتعلم والمثقف والمسيس.. وقد بدأت هذه الأحداث من حادثة قتل شرطي لمواطن بريطاني أسود مسلح .. فخرجت مظاهرة سلمية من 30 شخص للإحتجاج أمام مركز الشرطة في الحي الذي حدثت فيه الحادثة ولكن مجموعات من الشبان والمراهقين الغاضبين - وربما جهات سياسية أخرى سأتحدث عنها لاحقا ؟- إستغلت هذه الحادثة كفرصة مواتية لإطلاق الغضب المكبوت وأعمال السلب والنهب من عقالها !!.. فعمت الفوضى وأعمال الشغب والسلب والنهب عدة مناطق في لندن ثم إنتقلت لمدن أخرى!!.

لاشك أن هذه الحادثة هي القشة التي قصمت ظهر البعير فهناك عدة عوامل مجتمعة ساهمت في حدوثها وإتساع رقعتها وأهمها ما يلي :

فأولا ً : الشرطة البريطانية تمر بأسوء حالتها من حيث السمعة السيئة في الشارع البريطاني فمن التورط في بعض الممارسات العنصرية التي كشفتها وسائل الإعلام إلى التورط في بعض أعمال الفساد مؤخرا ً .. فهناك - إذن - نقمة عامة في الشارع البريطاني على تردي مستوى أداء جهاز الشرطة أصلا ً!.

ثانيا ً : الطبقات محدودة الدخل لها عداء خاص مع "حزب المحافظين" الذي إستثمر هبوط شعبية "حزب العمال" بسبب ورطة العراق ليحقق نجاحا ً في الإنتخابات الأخيرة وليحاول فرض نوعا ً من التقشف في الإنفاق العام بسبب الأزمة المالية العالمية وكان هذا بالطبع على حساب الطبقات محدودة الدخل .

ثالثا ً : لا شك أن ثورات الشارع العربي التي كان لقطاع الشباب الدور الأساسي فيها وإعتمادها على مواقع التواصل الإجتماعي ألهمت شباب العالم وهيجت لديهم فكرة التطلع للثورة ضد الأوضاع القائمة والتمرد على السلطات الحاكمة بالقوة وعن طريق تهييج الشارع!!.. فالرغبة في الثورة والتمرد على السلطات هو جزء من طبيعة مرحلة المراهقة والشباب !!.. ومن يدري فقد يكون الوضع العالمي الحالي يمر بحالة عامة من التمرد الشبابي العام كالتي إجتاحت العالم مطلع الستينيات من القرن الماضي وإستمرت لعقدين من الزمان قبل أن تهدأ !!؟؟.

رابعا : لا أستبعد أن تكون القوى السياسية المعارضة لحزب المحافظين كحزب العمال مثلا ً وكالمجموعات الشيوعية والفوضوية الآخذة في الإنتشار في بريطانيا قد إلتقطت خيط هذه الحادثة لتصب الزيت على النار لأغراض سياسية!.. أي للنيل من سمعة المحافظين وتأليب الرأي العام ضدهم !.

فكل هذا وارد .. ولكن الشئ المؤكد أن ما يجري الآن في بريطانيا ليست مظاهرات شعبية كالتي تحدث في الشارع العربي ولا حتى إنتفاضة سياسية بل هي أعمال شغب وسلب ونهب واسعة النطاق يحاول من خلالها بعض الشباب والعاطلين عن العمل والفاشلين في الحياة التنفيس عن الغضب والإحباط بينما يحاول آخرون - من تجار الكوارث وقناصي الفرص - تجميع أكبر قدر ممكن من الغنائم المنهوبة ومحاولة الإثراء السريع عن طريق السرقة والنهب بطريقة (أضرب وإهرب) !!.. ولا أستبعد أن يكون بعض "الشيوعيين الثوريين" وراء توسيع نطاق ورقعة هذه الأعمال لزعزعة الوضع القائم .. فمن خلال نقاشي مع بعضهم ذكروا أن مثل هذه الأعمال العنيفة والتخريبية جائزة لديهم وواردة عندهم بما فيها إستعمال السلاح من أجل إسقاط النظام الرأسمالي برمته!!.. فالغاية عندهم تبرر الوسيلة !!.. والغاية هي إسقاط النظام الرأسمالي وإقامة النظام الشيوعي محله !!!!.

وأخيرا ً أتوقع هنا في "شفيلد" حيث أقيم يوم السبت القادم حصول أعمال شغب وسلب ونهب بتحريض من بعض الجهات السياسية حيث إعتاد أنصار الحزب الشيوعي الثوري الذي يطلق على نفسه "حزب العدالة الإجتماعية" الخروج في مظاهرات شبابية كل سبت تقريبا ً حيث يحاول بعض أفرادهم إقتحام بعض البنوك للإعتصام فيها ولكن إستعدادات الشرطة قد تفوت عليهم هذه الفرصة!!.. من يدري !!؟؟.

سليم الرقعي

#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)       Salim_Ragi#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل