هل القذافي مجنون بالفعل؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)

الحوار المتمدن-العدد: 3314 - 2011 / 3 / 23 - 07:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

هل القذافي مجنون بالفعل؟ وماهية نوعية جنون القذافي؟.. وإذا كان مجنونا ً فكيف تسنى له أن يحكم شعبا ً بأسره كل هذه العقود!؟؟.. الجواب كالتالي : قد كنت قد ناقشت هذا الموضوع منذ عدة سنوات في مقالة بعنوان (هل القذافي مجنون؟) ذهبت فيها إلى أنه إذا كان المقصود بالجنون هنا "الجنون الإعتيادي المعروف الشائع بعلاماته وأدلته المعروفة لدى الناس" أي فقدان القوى الذهنية والذكاء البشري الطبيعي وفقدان القدرة بالكامل في التحكم الإرادي بالتصرفات البدنية والعمليات الذهنية!.. إذا كان هذا هو الجنون المقصود فليس القذافي وفق هذا المعيار والتعريف بالمجنون!.. فالقذافي داهية ولولا هذا المكر والدهاء الذي يتمتع به لما تمكن من البقاء في السلطة كل هذه المدة إلا أن ليس الدهاء وحده هو سبب بقاء القذافي في السلطة كل هذه الفترة فهناك "النفط الليبي" الذي وفر له الغطاء والحصن المادي الكبير والحصين كما وفر له أصدقاء وحماة دوليين ومكنه من شراء رضا الدول الكبرى بل وشراء عفوهم عن مغامراته وماضيه الأسود! .. هناك أيضا قدرة القذافي على الإنبطاح بشكل غريب يثير الدهشة في الوقت المناسب أمام من هم أقوى منه عند شعوره بالخطر والتهديد تحت شعار (إنحن ِ إلى أن تمر العاصفة!) .. كما أن هناك من الظروف الدولية والإقليمية التي خدمت القذافي منها وفاة وزوال كل خصومه في محيط ليبيا (بورقيبه/السادات/نميري/هبري) فزوال حكم هؤلاء خدم القذافي بلا شك وكذلك فشل أمريكا وبريطانيا في العراق فضلا ً عن أن المجتمع الليبي ضعيف سياسيا ً أصلا ً حيث ساهم النظام الملكي السابق في هذا الضعف بإلغاء الأحزاب والتنظيمات السياسية مما جعل الليبيين بلا تنظيمات سياسية وأي شعب بلا تنظيمات يكون حاله كحال الجسم بلا العضلات!.. أما أكثر شئ ساهم في بقاء القذافي بعد "البرنت" فهو أن "معمر القذافي" شخصية لا أخلاق لها .. سياسي بلا أخلاق ولا مبدأ له!.. فالأخلاق تشكل كابح للذكاء الطبيعي للبشر ويوم يزول هذا الكابح الأخلاقي من النفس فيمكن لأي إنسان أن يفعل الأفاعيل وتصبح الغاية عنده تبرر الوسيلة بشكل مطلق لذا فلا قيمة ولا حرمة عند القذافي للدم والملكية وحقوق البشر لذا فهو لا يبالي حتى بسفك الدماء من أجل البقاء مادام لا يجد من هو أقوى منه ليوقفه عند حده!.. وإنعدام الخلق الإنساني الشريف يجعل ذكاء المرء طليقا ً من كل قيد وهذا أمر خطير!.. فكل منا لو تحرر وتحلل من قيود الأخلاق لفعل بذكائه الطبيعي أو فوق الطبيعي الأفاعيل وعندها يصبح كل ماهو متاح مباح!.. لذا فجنون القذافي - والجنون فنون - ليس في فقدان الذكاء والدهاء فهو جنون نفسي يتمثل في نرجسيته وجنون العظمة وشعوره بضخامة الذات والأنا وأن ذاته هي مركز الكون وأنه بطل من أبطال التاريخ غير المسبوقين وإعتقاده بأنه نبي من أنبياء الجماهير وأنه منقطع النظير!.. فهذا لون من ألوان الجنون بإعتبار أن الوضع الطبيعي السوي هو في أن ينظر الإنسان إلى ذاته بشكل معتدل متوازن دون إفراط ولا تفريط في تقدير ذاته وقدراته!.. وجنون القذافي هو من هذا النوع أي جنون يتعلق بإختلال عقلي في تقدير الذات والقدرات!.. وهذا النوع من المخبولين المختلين لا يتفطن لهم إلا من يعرف أنواع الجنون وأن الجنون فنون وأن تعظيم الإنسان لذاته وتمجيدها وجعلها في مقام التقديس هو لون من ألوان الإختلال النفسي والعقلي الخفي الذي ربما لا يدركه معظم الناس لأن صاحبه في معظم الحالات يبدو لنا وكأنه طبيعي وسوي وذكي!!! .. ولو تأملت تاريخ البشر السياسي قديما ً وحديثا ً بما فيه تاريخ أوروبا أيام الملكيات المطلقة لوجدت نماذج من الحكام والملوك المختلين نفسيا ً وفق هذا المعيار للجنون الذي قررناه وذكرناه سابقا ً.. فالجنون فنون كما أن الجنون نوعان جلي وخفي!.. وكم من مجنون يدب على رجليه دون أن يتفطن له من حوله من الناس بل ومن الأقرباء!!.. وكم من مجنون يمشي بين الناس دون أن يحصل على إعتراف من المجتمع والسلطات القانونية في الدولة بأنه "مجنون رسمي"!!.
والحقيقة أن حصول الإنسان على سلطات هائلة ومطلقة أو ثروات طائلة بشكل فجائي وغير متوقع قد يشكل صدمة كبيرة تؤثر في إتزان هذا الإنسان وتدفع به في إتجاه تضخم الذات ووقوعه في شبكة من الإنحرافات النفسية والسلوكية الجنونية والطغيانية ومن هنا قيل أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة وأن الجنون فنون!.

#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)       Salim_Ragi#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل