وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3440 - 2011 / 7 / 28 - 19:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يسعى مثقفونا للتأصيل لثقافة العلم والعقل بدلاً من ثقافة الغيبيات والخرافات والأساطير . والديانات في جانب كبير منها قائم على الأسطورة والخرافة يستلهمون النموذج الغربي في الخروج من عهد الظلمات إلى النور محاولين استنساخ هذه التجربة .
العلمانية رغم التباين في فهمها و التعريف بها إلا أنها تبقى في الأخير تعني جعل الدين و اللادين , الإيمان و الإلحاد حق شخصي يكفله الدستور , و تعني العلمانية كذلك عدم تدخل الدين في السياسة و الحكم . المشكلة في الكتاب و في المفكرين و في المثقفين عندنا إنهم يستسهلون الفكرة و يركضون خلف استنساخها و هذه هو الخطأ القاتل . إن تطور التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية في الغرب يختلف عن نظيرها في الشرق . فالإقطاع في الغرب تشكل على هيئة إمارات و مدن للإقطاع كل أمير له إقطاعية و عندما بدأت الرأسمالية بالظهور احتاجت إلى طرق مواصلات لتصدير بضاعتها للمستهلكين , كما احتاجت إلى الأيدي العاملة لتشغيل المصانع و هكذا توحدت المدن و تحول الفلاحون إلى طبقة البروليتاريا و توحدت الإمارات الإقطاعية إلى ( دولة / امة ) واحدة . و لقد انتهى الصراع بين الكنيسة و بين العلم إلى دخول الغرب إلى عصر التنوير فغذته الفلسفة بأشكالها المثالية و المادية حيث تم فصل العلم عن الدين و هيمنة الكنيسة غذت هذا النهج الاكتشافات الاثارية و الدراسات النقدية للكتاب المقدس . أما في الشرق فتطورت التشكيلة الاقتصادية - الاجتماعية بشكل مغاير فهي تطورات حسب المفهوم الماركسي وفق ( نمط الإنتاج الآسيوي ) حيث كانت كل ارض المملكة ملك للإله و عندما آراد الملك سرجون الاكدي التصرف بملكية الأرض أعلن إلوهيته و قصة ميلاده الأسطوري التي أخذت التوراة منها قصة ميلاد موسى . و بذلك أصبح سرجون الاكدي من حقه توزيع الأراضي و إهدائها لكبار القادة العسكريين و الموظفين .و بالتالي بلاد الشرق و خصوصا الشرق الأوسط و البلاد العربية لم تظهر و تهيمن عليها الفلسفة بل هيمن عليها الدين . و لم تتطور مجتمعات هذه المنطقة باتجاه بناء مجتمع صناعي رأسمالي متطور بل بقي الرأسمال الصناعي متخلفا و الرأسمالية لدينا هي رأسمالية طفيلية تعتاش على المضاربات في سوق العقارات و البورصة و في الزواج غير الشرعي بين سلطة مال التاجر و الرجل الحزبي و رجل الدولة و هو ما أدى إلى فساد و إفساد جهاز الدولة و المجتمع . كما تقوم هذه البرجوازية بأعمال القومسيون و اخذ المقاولات من الدولة . و هكذا لم تظهر رأسمالية صناعية كبيرة كما في الغرب مندمجة بسلطة راس المال المصرفي و التي اندمجت فيما بينها في احتكارات كبرى عابرة للقارات . لقد أدى سقوط المنظومة الاشتراكية إلى قيام نظام القطب الواحد الذي زاد من دول الجنوب فقرا و للشعوب تهميشا و دفعت الطبقة الوسطى من البرجوازية الصغيرة ثمن كل ذلك و هي الطبقة التي تملك التأثير الفكري و الثقافي و العلمي و السياسي في مجتمعاتنا إن سياسة النيوليبرالية المتوحشة قد زادت بلداننا فقرا و زادت من الفئات التي هبطت إلى الدرجات الاقتصادية الدنيا . و الكثير من أفراد البرجوازية الصغيرة تحولوا إلى صفوف الطبقة العاملة و إلى القيام بأعمال حرفية بسيطة أو أعمال هامشية ضمن البطالة المقنعة .إن الصراع الطبقي على المستوى العالمي التي تمارسه الدول الكبرى و الشركات العابرة للقارات قد تم تغليفه بصراعات سياسية داخلية و نزاعات طائفية – أثنية . بحيث لا يظهر هذا الصراع الطبقي للواجهة . و بالتالي كان للقبيلة و العشيرة دورها في مجتمعاتنا كما إن للدين دوره المهيمن . و بالتالي لا نتوقع أن تمر مجتمعاتنا بنفس الأطوار التي تشكلت فيها الرأسمالية في الغرب . من اجل إضعاف تأثير العامل الديني و الطائفي و القبلي نحتاج إلى بناء قيم المواطنة من الصغر و إشاعة ثقافة العلم و العقل و العقل النقدي . لا يمكننا القفز على واقع شعوبنا و استنساخ تجربة الغرب . إن الاتجاه نحو علمنة المجتمع يتطلب أن يوضع ( المقدس ) تحت مجهر النقد و القران حسب المسلمين كلام الله المنزل لا يمكن دراسته نقديا .إن البدء بالدراسات النقدية للديانات و كتبها و عدم نقضها و إنما إخضاعها للنقد و ذلك باستخدام العقل والمنهج النقدي . ان هذا المنهج سيحرر العقل من الخرافة و الأسطورة و بالتالي يبقى الإيمان لا يتعارض مع العقل و العلم عند رفع و حذف الأسطورة و الخرافة . إن الدعوة إلى عقلنة المجتمع و الفكر تبدأ بعقلنة الدين و دراسته كمنتج بشري يحتمل النقد و يحتمل الصح و الخطأ . إن استخدام العقل النقدي سوف يبعد الإنسان المؤمن عن التعصب و الغضب و سيعمل على قبول التعددية الفكرية و الدينية و حق الاختلاف و بالتالي يتيح هذا المنهج ولوج الإنسان الى عصر الحداثة وما بعدها . أما محاولة هدم الكعبة على من فيها و محاولة الطعن بالأديان و هدمها فهو كمن يحاول إفراغ البحر بقدح صغير !!! هناك الكثير من العلماء و الباحثين درسوا التوراة و الأنبياء و هناك نظريات حول موسى قسم منهم قالوا بانه قائد عسكري من أتباع اخناتون و من أصحاب ديانة آتون التوحيدية .و لكن هذا يبقى مجرد افتراض . فموسى شخصية أسطورية غير تاريخية .فموسى الذي قتل المصري و هرب هو غير موسى الذي قاد شعب إسرائيل نحو عبور البحر الأحمر و الدخول في صحراء سيناء . إن الاتجاه الحديث في الاكتشافات الاثارية يشير إلى أن عصر الآباء عصر , إبراهيم , اسحق , يعقوب ... الخ هو عصر أسطوري لا علاقة له بالواقع . و لكن رأينا كيف إن بعض الكتاب في الحوار المتمدن اخذوا هذه الفرضية وتم اعتبارها تاريخا و واقعا حقيقيا . رغم إن فرضية كون موسى قائد عسكري هي محاولة لتحويل أساطير التوراة إلى واقع . و كثير من العلماء نقض هذه الفرضية و منهم المفكر و الباحث فراس السواح . ينقل فراس السواح في كتابه ( تاريخ أورشليم و البحث عن مملكة اليهود عن عالم الآثار الإسرائيلي زائيف هيرتزرغ و هو الأستاذ في جامعة تل أبيب في مقالة نشرتها صحيفة هاارتس بتاريخ 28 / 11 / 1999 و هو ابن المدرسة التوراتية قائلا : ( نحن لم نعثر على شيء يتفق و الرواية التوراتية . إن قصص الآباء في سفر التكوين هي مجرد أساطير . و نحن لم نهبط إلى مصر و لم نخرج منها . و لم ندخل إلى فلسطين بحملة عسكرية . و أصعب الأمور إن المملكة الموحدة لداود و سليمان , كانت في أفضل الأحوال مملكة قبلية صغيرة . إن القلق سينتاب كل من سيضطر إلى التعايش مع فكرة إن يهوه اله إسرائيل كان لديه زوجة ( هي الآلهة الكنعانية الكبرى عشيرة ) و إن إسرائيل لم تتبنى عقيدة التوحيد على جبل سيناء و إنما في أواخر عهد ملوك يهوذا . إنني أدرك باعتباري واحدا من أبناء الشعب اليهودي , و تلميذا للمدرسة التوراتية مدى الإحباط الناجم عن الهوة بين آمالنا في إثبات تاريخية التوراة و بين الحقائق التي تتكشف على ارض الواقع ) . انتهى الاقتباس . إن كاتبا يقبل بان يأخذ باطروحات الدكتور كمال الصليبي و هي قائمة على التلاعب بالألفاظ ، حيث تكرس الأسطورة بدلا من الواقع و القبول بفرضية موسى قائد عسكري تكرس الأسطورة لتبرير نزوح شعب إسرائيل نحو البحر الأحمر و دخوله صحراء سيناء وهذه الرواية تنفيها الاكتشافات الاثارية . أقول أن كثير من الكتاب العلمانيين يقبلون بتكريس الأسطورة نقيضا للعلم و يستندون إلى كتاب طائفي حد النخاع و هو كتاب
( مسيحية بولس و قسطنطين ) لابن قرناس حيث يبدأ الكتاب بآية تكفير . ثم يحاول ابن قرناس الكذب و التدليس على المسيح بما يخالف القران الذي يستند إليه . لا يمكن لكاتب علماني يحاول نقض الدين أن يستند إلى الأسطورة . كما إن السيد شامل عبد العزيز فيما كتبه عن الرسول بولس لا يكتب استنادا إلى بحث و دراسة تستند إلى مصادر ليصل إلى استنتاجاته . إنما هو يستند إلى مصدر أحادي و غالبا ما يكون على النت . كتبت الرد عنه في المواضيع المهمة . و هو يحاول دحض الدين في نفس الوقت الذي يعمل على تثبيت أساطير التوراة بتبني اطروحات كمال الصليبي و غيره . انه لا يكتب بروح البحث العلمي كما يفعل فراس السواح الذي عندما تقرا له لا تعرف إن كان مسلما أم مسيحيا ؟ و هذا ينعكس سلبا على جميع الكتاب العلمانيين . إن التواضع صفة من صفات المفكر و الكاتب . إن السيد شامل عبد العزيز بحاجة إلى وقفة مع نفسه و تأمل ما كتبه و دراسته . لتفادي الأخطاء التي وقع فيها و للبدء بمنهج جديد يحترم القارئ و لا يسيء إلى الرموز الدينية . إن البحث العلمي منهج محايد لا احد ينفر منه .
ختاما تحية مني إلى السيد شامل عبد العزيز و هي كلمة تنبع من المحبة و من الحرص على شخص السيد شامل عبد العزيز و ما يكتبه و لأنصاره و مؤيديه ولجميع القراء .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟