وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3435 - 2011 / 7 / 23 - 13:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رد على كتاب ابن قرناس
في موضوعه المعنون ( يسوع وعيسى والقرآن ) يستعرض السيد شامل عبد العزيز كتاب ابن قرناس ( مسيحية بولس وقسطنطين ) المنشور في الحوار المتمدن بتاريخ 27/3/2011 .
وفي بحثي السابق المعنون ( الرسول بولس ليس جاسوسا أيها السادة ) تطرقت إلى كتاب ابن قرناس ( مسيحية بولس و قسطنطين ) . لذلك سأقوم بتحليل و نقد بعض النصوص في هذا الكتاب استكمالا للفائدة . من المصادر الرئيسة التي يستند إليها ابن قرناس في كتابه هي أبحاث الدكتور كمال الصليبي و خصوصا كتابه ( البحث عن يسوع ) – دار الشروق للنشر و التوزيع . عمان . و قد قام المفكر و الباحث فراس السواح بالرد على الصليبي و أبحاثه في مؤلفه القيم ( الحدث التوراتي و الشرق الأدنى القديم ) – ط 4 – الناشر / دار علاء الدين / دمشق .
يكتب فراس السواح في كتابه ما نصه ( ... إن المعلومات التاريخية و الاركيولوجية التي توفرت لدى الباحثين خلال النصف الثاني من القرن العشرين , قد أظهرت بجلاء الطابع غير التاريخي لهذه المرويات , و عدم اتساقها مع تاريخ فلسطين و بقية مناطق الشرق الأدنى القديم خلال معظم الفترة التي تغطيها الأسفار التوراتية ) .
و يكتب السواح في موضع آخر من كتابه : ( لقد أدرك الدكتور الصليبي إن الدفاع عن تاريخية التوراة وفق المعطيات العلمية الراهنة هو مسالة خاسرة . فقام بالتفاتة بارعة على المشكلة برمتها و نقل مسرح الحدث التوراتي في فلسطين إلى منطقة غرب شبه الجزيرة العربية . و بذلك تمت حماية المرويات التوراتية من أية مقاربة جدية مع وقائع علم الآثار و علم التاريخ , لان المنطقة الجديدة للتوراة مجهولة تماما من الناحية التاريخية و الاركيولوجية . و لم يضرب فيها المنقبون معولا واحدا ) .. انتهى كلام السواح . إن الدكتور كمال الصليبي يتجاهل تماما كل الوثائق و المدونات المسمارية الآشورية و البابلية و الحملات العسكرية التي قاموا بها و يتجاهل تماما وثائق البرديات المصرية القديمة . بل يشكك في صحة ترجمتها . مقابل التلاعب بالألفاظ . حيث يقرا الدكتور الصليبي التوراة العبرية بخلاف القراءة التقليدية الماسورية التي يقرءاها العلماء اليهود و هو يعتمد على اجتهاده الشخصي . يكتب الباحث فراس السواح في مكان آخر من كتابه : ( إن أول تحريك للنص العبري الساكن قد اكتمل على يد الماسوريين بين القرن التاسع و العاشر الميلاديين , بعد مضي أكثر من ألف عام على خروج اللغة العبرية من الاستعمال العام .غير إن النص العبري الساكن قد تم تحريكه بصورة غير مباشرة في وقت مبكر , و ذلك عن طريق الترجمة إلى لغة مصوتة , كاليونانية التي ترجم التوراة إليها أواسط القرن الثالث قبل الميلاد . و كلمة مسوري و مسوريون هي النسبة إلى ( ماسوراه ) أي التقليد , لان علماء الكتاب في ذلك الوقت , قد قرروا وضع الصيغة التقليدية النهائية لقراءة التوراة , من اجل غلق باب الاجتهاد في هذا المجال , في زمن صارت فيه اللغة العبرية في عداد اللغات الميتة فعلا . غير إن النص الساكن الذي عمل المسورين على تحريكه , يرجع في عهده إلى مجمع جمينا في أواخر القرن الأول الميلادي بين عامي 90 و 100 م حيث قام علماء الكتاب باختيار النص العبري المعتمد من بين نصوص عديدة كانت متداولة حينها ) . انتهى كلام السواح . يتضح من الاقتباسات أنفة الذكر إن الدكتور الصليبي يلغي كل الاكتشافات الاثارية في فلسطين و كل الوثائق التاريخية في بابل و آشور و مصر القديمة لصالح تثبيت أساطير التوراة استنادا إلى قراءة خاصة به للنص العبري لم يقل بها احد من قبله. من هنا جاء كتاب الصليبي ( البحث عن يسوع ) ليصور لنا يسوع ابن الجزيرة العربية و ليس ابن الجليل و المجتمع الكنعاني . و يقدم سردية قصصية غير تاريخية ليقوم يسوع بسفرة من شبه الجزيرة العربية إلى فلسطين . كل هذا الكلام لا يستند إلى اكتشافات اثارية و لا إلى وثائق تاريخية و لا إلى دراسة تحليلية و نقدية للأناجيل .انه باطل الأباطيل . للبحث عن الجليل يرجى مراجعة كتاب ( الوجه الآخر للمسيح ) لفراس السواح , موقف يسوع من اليهود و اليهودية و اله العهد القديم و مقدمة في المسيحية الغنوصية , منشورات دار علاء الدين للنشر و التوزيع و الترجمة ط 1 , 2004 , دمشق , سوريا و كذلك الرجوع إلى كتاب الأب الدكتور يوسف يمين ( المسيح ولد في لبنان لا في اليهودية ) . و يتكلم ابن قرناس عن ولادة يسوع و يقول إن مكان و تاريخ مولد يسوع غير معروف , و هذا ما قد يعني انه ولد خارج فلسطين . في الرد على ذلك يمكن الرجوع إلى مصادر كثيرة تثبت أن يسوع نطق ببعض الكلمات الآرامية و إن الأمثال التي نطق بها باليونانية لها جذر آرامي . و بالنسبة لميلاد يسوع أنا كتبت بحثا كاملا عن الموضوع ( المسيح ولد في الجليل لا في اليهودية ) , يرجى العودة إليه . و الاكتشافات الاثارية كما وردت في كتاب ( المسيح ولد في لبنان لا في اليهودية ) للأب الدكتور يسوف يمين تثبت إن الجليل هي مولد يسوع و انه قضى حياته فيها .و تثبت العثور على كنيسة كانت مغلفة بالسيراميك الملون في بيت لحم افراثة ( الجليل ) أحرقت و دمرت عام 100 م . في حين إن أول كنيسة بنيت في بيت لحم اليهودية كانت في القرن الرابع الميلادي . في نقطة أخرى يتحدث ابن قرناس عن إخوة يسوع : يعقوب , سمعان , يوسي و يهوذا و يسميهم الإنجيل إخوة الرب . و إخوة الرب مختلف عليه لدى علماء الكتاب المقدس . فاليهود كانوا يدعون أولاد العم و أولاد الخال بالإخوة . و قد يكون إخوة يسوع أولاد يوسف النجار من زوجة سابقة . و لا يمكن البت به في هذا الأمر . الأمر الآخر يذكر ابن قرناس إن الناصرة في فلسطين لم يكن لها وجود قبل القرن الثالث الميلادي . و هذا صحيح و أنا كتبت في هذا الأمر في تعليقاتي . و الباحث فراس السواح في كتابه ( الوجه الآخر للمسيح ) يبين إن ناصري تعني إحدى طوائف ديانات الأسرار المستقلة مثل الناصريين و النذيريين و غيرهم .و يؤكد الأب الدكتور يوسف توما إن ناصري تعني معمداني و هذا يتطابق مع ما كتبه فراس السواح . أي إن يكون يسوع أسينيا أو من الناصريين أو من النذريين و هم طوائف متشابهة . ثم ينتقل ابن قرناس لنقطة أخرى و هي تحليله لأناجيل مكتبة نجع حمادي الغنوصية . إن ابن قرناس و هو يقوم بتحليل الأناجيل الغنوصية يخالف القران كمسلم . إنها أناجيل باطنية معانيها رمزية و باطنية و لا علاقة لها بالواقع . في إنجيل توما الغنوصي من مكتبة نجع حمادي نقرا هذا النص في كتاب ( الوجه الآخر للمسيح ) لفراس السواح : ( قال لهم سمعان بطرس : على مريم ( المجدلية ) أن تنفصل عنا , لان النساء لسن أهلا للحياة ( الروحية ) . فقال يسوع : انظروا فاني سوف أرشدها لأجعل منها ذكرا , فتصير هي الأخرى روحا حية تشبهكم انتم الذكور فان كل امرأة تجعل نفسها ذكرا تدخل ملكوت السماوات ) . انتهى النص . يشرح المفكر الباحث فراس السواح هذا النص بما نصه : ( تمثل الأنوثة هنا شهوات الجسد و رغباته , بينما تمثل الذكورة نقاء الحياة الروحية التنسكية . هذه الرمزية المعروفة في الحكمة القديمة شرقا و غربا , لا تعني بأي حال من الأحوال أن الرجال وحدهم هم المؤهلون للحياة الروحية. فكثير من الرجال يعيشون حياة ( أنثوية ) و كثير من النساء يعشن حياة ( ذكرية ) .و فق هذا المفهوم الرمزي للأنوثة و الذكورة . لهذا قال يسوع بأنه سوف يرشد مريم إلى طريق الحياة الروحية لتغدو ذكرا . ) انتهى تعليق السواح . النقطة الأخرى التي يتطرق إليها ابن قرناس هي معجزة تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل . و يؤكدا ابن قرناس في تحليله أن يسوع هو العريس . أقول نعم النص لدى يوحنا في الإنجيل يقول إن يسوع هو العريس و لكن ابن قرناس لا يفهم النص تماما : فيوحنا المعمدان يوضح لنا أن يسوع هو العريس . نقرا في يوحنا ( 3 / 29 و 30 ) : ( من له العروس , فهو العريس . و أما صديق العريس , فيقف إلى جانبه يصغي فرحا لهتاف العريس . و مثل هذا الفرح فرحي , و هو الآن كامل . له أن يزيد , و لي أن انقص ) .
لفهم الموضوع , أقول بداية إن عرس قانا الجليل و أعجوبة تحويل الماء إلى خمر , هي قصة باطنية رمزية في جانب كبير منها . مشبعة بالمعاني و الصور و الرموز . و هي مثقلة باللاهوت و ليس لها علاقة بالواقع إلا اقله . و ربما اكتب فيها بحثا مفصلا في المستقبل لإساءة بعض الأشخاص لهذا النص . هؤلاء اسميهم أصحاب الفكر المترجم و المستورد و اخذوا من العلمانية قشورها و لم يأخذوا الجوهر و المنهج و تحس في كلامهم رائحة الاستهزاء و الخمور . لا يمكن فهم النص إلا بفهم ما تعنيه الخمر في الميثولوجيا اليونانية . وهي تعني تجدد الحياة و الروح . راجع ( تقي الدباغ , الفكر الديني القديم , وزارة الثقافة و الإعلام , دار الشؤون الثقافية ط 1 , 1992 , بغداد ) . فالمعنى و الدلالة الرمزية لتحول الماء إلى خمر تعني أن يسوع جالس في وسط كنيسته , هو العريس , و الكنيسة هي العروس . و هذه نجدها في سفر نشيد الإنشاد في العهد القديم ( التوراة ) و كذلك في رسائل بولس و عندما قدم يسوع لهم الخمر الجديدة فقد أعطاهم حياة جديدة و روحا جديدة . و الخمر تستعمل عند الصوفية بمعنى تبادليا مع الدم . فالخمر بهذا المعنى تشير إلى الحياة و الروح . و الخمر من جهة أخرى مادة مطهرة . لقد أنجز يسوع تطهير شعبه روحيا من الداخل بالخمر الجديدة الفاخرة التي عجزت عن تطهيره اجاجين الديانة و الشريعة اليهودية الستة المملؤة بالماء . حيث التطهير الخارجي لا يوصل إلى الله . و حيث العدد ستة يشير إلى النقصان بينما العدد سبعة يشير إلى الكمال . في عرس قانا الإنجيل في الإصحاح الثاني من إنجيل يوحنا يتوج يسوع نفسه كعريس لكنيسته و يشهد لنفسه بعد أن شهد الآخرون لصالحه : يوحنا المعمدان : ( ها هو حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم ) يوحنا 1 / 29 . و شهد اندراوس و قال لأخيه سمعان : ( وجدنا المسيا ) , أي المسيح يوحنا 1 / 41 . و شهد فيليب ليسوع : ( وجدنا الذي ذكره موسى في الشريعة , و الأنبياء في الكتب , و هو يسوع ابن يوسف من الناصرة ) يوحنا 1 /45 . و شهد نثنائيل ليسوع : ( أنت يا معلم ابن الله . أنت ملك إسرائيل ! ) يوحنا 1 / 49 . و ختاما شهد يسوع لنفسه : ( الحق أقول لكم : سترون السماء مفتوحة و ملائكة الله صاعدين نازلين على ابن الإنسان ) يوحنا 1 / 51 . فالمغزى من عرس قانا الجليل يظهر بوضوح إن يسوع جاء إلى وسط كنيسته باعتباره العريس و المدعوون هم العروس . فمعجزة تحويله الماء إلى خمر و عرس قانا الجليل هي تتويج و خاتمة لشهادات الشهود . يكتب الرسول بولس إلى كنيسة افسس ( 5 / 25 – 32 ) : ( أيها الرجال , أحبوا نسائكم مثلما أحب المسيح الكنيسة و ضحى بنفسه من اجلها , ليقدسها و يطهرها بماء الاغتسال و الكلمة , (( حتى يزفها إلى نفسه )) كنيسة مجيدة لا عيب فيها ) . و كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نسائهم مثلما يحبون أجسادهم . من أحب امراءته أحب نفسه . فما من احد يبغض جسده , بل يغذيه و يعتني به اعتناء المسيح بالكنيسة . و نحن أعضاء جسد المسيح . و لذلك يترك الرجل أباه و أمه و يتحد امراءته فيصير الاثنان جسدا واحدا . هذا السر عظيم , و اعني به سر المسيح و الكنيسة . فليحب كل واحد منكم امراءته مثلما يحب نفسه . و لتحترم المرأة زوجها . ) . للبحث في عرس قانا الجليل راجع ( قراءات في إنجيل يوحنا ) الأب دوناسيان ملا اليسوعي . نقلها إلى العربية الأب حليم عبد الله ط 4 دار المشرق , بيروت , سلسلة دراسات في الكتاب المقدس .
ختاماً نرى ان يسوع لم يتزوج مريم المجدلية ولم يقبلها ولم يكن هناك عرساً اصلاً ولا خمور توزع على المدعوين . في موضوعه المعنون ( تحريم الخمر ) المنشور في الحوار المتمدن بتاريخ 6/7/2011 . يكتب السيد شامل عبد العزيز مايلي :
( المسيح في اليوم الاخير من حياته اخذ كأس الخمر وقدمها لتلاميذه قائلاً – هذا هو دمي – وهذا هو اساس القداس الالهي ( في صحتكم )) انتهى الاقباس . اترك التعليق لفطنة القارئ الكريم ... للحديث بقية
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟