أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرح البقاعي - عصابات الغرافيتي.. والجداريات















المزيد.....

عصابات الغرافيتي.. والجداريات


مرح البقاعي

الحوار المتمدن-العدد: 1023 - 2004 / 11 / 20 - 11:01
المحور: الادب والفن
    


في عام 1984 قام عمدة مدينة فيلادلفيا ويلسون غوود بتأسيس شبكة لمكافحة أعمال الغرافيتي واستدعى جين غولدن من ولاية كاليفورنيا على عجل لإدارة شبكة الاتصال هذه في محاولة لإنقاذ المدينة. فما هو الخطر الذي كان يتهدد فيلادلفيا في ذلك الوقت؟ و ما هو دور جين- وهي فنانة تشكيلية- في عملية الإنقاذ هذه؟!


التقيت جين غولدن في مقر مؤسستها الاجتماعية "برنامج فن الجداريات" Mural Arts Program في مدينة فيلادلفيا. تلك المرأة ذات النظرة الحاذقة والعزيمة الجياشة كانت قد تمكنت، بدراية وتصميم لا يضاهيان، أن تحيل جدران المدينة من مساحات مستباحة للخربشات وفوضى كتابات الغرافيتي الجدارية إلى لوحات فنية تشغل زوايا المدينة وقلوب قاطنيها وزوارها في آن بالبهجة والألفة، كما استطاعت أن تعيد تأهيل مجموعات الشبان العاطلين عن العمل من هواة الشغب الذين اتخذوا في منتصف الثمانينات من جدران المدينة لوحاً مفتوحاً يدونون عليه شعاراتهم وصرخاتهم، ووسيلة للإفصاح عن رفضهم وخروجهم عن شرعة المجتمع في صيغته السائدة. كان هؤلاء يشكلون، حسب جين، شُلَلاً منظمة أطلقت على نفسها اسم "عصابات الغرافيتي "Graffiti Gangs، وهم عادة مجموعات من الأقليات العرقية والإثنية من اليافعين الذين اتخذوا من الليل ستارا ليمارسوا فوضاهم ويسجلوا سخطهم على الجدران ناشرين الرعب في كل مكان، مما أحال واجهات الأبنية ونواصي الطرق إلى وثيقة سوداء في تاريخ فيلادلفيا.

لإنقاذ سمعة المدينة والحفاظ على مقوماتها الجمالية تأسس برنامج فن الجداريات وعهدت الجهة الراعية، وهي دائرة الترفيه في مدينة بنسلفانيا، بهذا المشروع إلى الفنانة والناشطة الاجتماعية جين غولدن في مهمة كانت تبدو مستحيلة وهي إعادة تأهيل هؤلاء الشباب وجعلهم ينخرطون في حركة جماعية تهدف إلى صهر أفكارهم الناقمة والسلبية وتحويلها إلى فعل جماعي إنمائي خلاق من خلال تحويل الخربشات الحائطية إلى لوحات فنية جمالية وتزيينية معبرة.

تحدّثنا جين عن هذه التجربة الفريدة قائلة:"في البدء كان الأمر يبدو نكتة بالنسبة لسكان فيلادلفيا، وكان غير مشجع على الإطلاق. كيف يمكن استقطاب هؤلاء الشباب وترويض أفكارهم المتطرفة ومن ثم توظيفها في خدمة قضايا عامة؟ فكرت مليا في المخرج، وسرعان ما تبين لي الخيط الأبيض من الأسود. الحل يكمن في تنمية الحس الجمالي ونزعة التعبير من خلال الفن. هنا بدأ نسيج الحلم يتضح".
وأضافت:" قررت أن أحاول، بداية، تعريف هؤلاء الشباب بجدوى تحويل كتاباتهم الفوضوية، مدعاة الاستنكار من قبل الجميع، إلى رسالة جمالّية تطلق صرختهم في أرجاء المكان. كان الأمر مضنيا حتى تم لي اكتساب ثقتهم بالرغم مما كانوا يعانون من ذيول التمييز العنصري والاضطهاد الطبقي".
هكذا أضحى رفاق الشغب هؤلاء يستقدمون بعضهم بعضا لمتابعة الندوات وحلقات البحث والتدريب التي كانت تنتظم في المركز للتعريف بتاريخ الرسوم الجدارية وأدواتها ودورها التاريخي والمتجدد في خدمة المجتمع وبث الأفكار عن طريق المنظور الجمالي البصري. هكذا ولدت فكرة هذا البرنامج عام 1984، وهكذا تحولت شلل الأمس في الشغب إلى رفاق في اللون والحلم انطلقوا في نشر أفكارهم وتطلعاتهم نحو العدالة الاجتماعية لا عن طريق اللغة الساخطة من فوضى الغرافيتي هذه المرة، بل في لوحات فنية عملاقة تكاد تباغتك في كل زاوية أو ناصية وكأنها دعوة مستمرة للتآخي والفرح والتغيير.

قام البرنامج منذ تأسيسه بتنفيذ 2100 لوحة جدارية تنتشر في أنحاء المدينة، بعضها داخلي والقسم الأكبر منها في الطرق العامة على واجهات الأبنية. يشترك اليوم في تصميم وتنفيذ الجداريات أبناء المدينة على اختلاف أعمارهم وأصولهم وفئاتهم الاجتماعية.
هذا وحده كان حافزا قويا للتأسيس لحوار جاد وبناء بين أبناء المجتمع الواحد باتجاه مكافحة النزعات العنصرية والتصنيف الطبقي وتحقيق التكافل حيث ينضوي الكل تحت مظلة الفن في خدمة الحق والعدل والجمال. أما موقع المؤسسة على شبكة الإنترنت فهو www.muralarts.org

هذا الإنجاز الرائع الذي تحقق لمدينة فيلادلفيا ما زال حلما قصيا بالنسبة لمدن أميركية أخرى مثل مدينة أتلانتا عاصمة ولاية جورجيا على سبيل المثال لا الحصر. فمشكلة الغرافيتي تتفاقم في شوارع المدينة وأحيائها السكنية مما دعا بمجلس المدينة إلى تطبيق غرامات مالية وعقوبات بالسجن قد تصل إلى ستة أشهر وراء القضبان يقضيها كل من يتساهل من أصحاب العقارات في إزالة هذه الكتابات العشوائية عن جدران أبنيتهم.
هذه الصورة تنسحب على معظم المدن الأميركية بل معظم مدن العالم. وفي نظرة سريعة إلى موقع www.graffiti.org نستطيع أن نتبين عالمية هذه الظاهرة وشعبيتها في آن.

الجداريات كرؤية تشكيلية:

هل تتمكن الجداريات الطليقة من أن تحل محل اللوحة التشكيلية أسيرة جدران صالات العرض والمتاحف في إقامة حوار جاد وبناء مع أحلام وطموحات الجمهور؟ بل هل بدأ فن صياغة الجداريات في إرساء دعائمه لمزاحمة اللوحة في خلق التواصل وتبليغ الخطاب؟ وما هو موقع الفن الجداري من مسار الحركة الفنية المعاصرة التي تتزاحمها التيارات الإبداعية النافرة؟ وما هو تاريخ الجدارية ومن أين تتأتى جذورها؟

للإجابة على بعض هذه الأسئلة حاورت دوغلاس كوبر الفنان وأستاذ فن العمارة في جامعة كارنيجي ميلون Carnegie Mellon في ولاية بنسلفانيا وسألته عن رأيه في مقولة إن الجداريات هي فن العامة، يخرج من الناس ويعود إليهم فأفاد: " يبدو لي هذا القول واقعيا. فهدف الجدارية أصلا هو تحويل المرافق العامة إلى مساحات تشكيلية ولونية تحمل أحلام سكان المدينة وتعكس قضاياهم. من هذا المنطلق نستطيع القول أن هذا اللون من التعبير الفني يكون لصيقا بهموم الإنسان العادي ومجسداً لرؤاه وتطلعاته. وبذا تنطبق عليه مقولة الفن للفن والمجتمع. وبالتالي يجب أن يكون هذا الفن بسيطا ومباشرا بحيث يفهمه رجل الشارع العادي دون حاجة إلى تفسير أو تأويل.
وحين سألته عن دور الجداريات في عملية التحول الاجتماعي قال:"
لا ننسى أن مهمة الفنان الملحة هي تحفيز الذهن والمخيلة البشرية باتجاه استحضار عالم هو أكثر سموا وزهوا من العالم المعاش. وهنا يأتي دور الرسالة الفنية الخالصة التي يود الفنان أن يسجلها من خلال عمله البانورامي ألا وهو الجدارية. ولا ينفصل هنا مجددا الشأن الفني عن الاجتماعي فكلاهما وجهان لعملة واحدة، وكلاهما خطوة أخرى في اتجاه انقلاب اجتماعي أبيض".


أما الفنان تيري مارتن الأستاذ في كلية الفن في جامعة وليم ووزWillliam Woos في ولاية ميزوري فيحدثنا عن رؤيته الخاصة للفن الجداري قائلا:" يعود تاريخ التدوين الجداري إلى عصور ما قبل التاريخ حيث كان الإنسان البدائي يحاكي بيئته المحيطة ويعبر عن انفعالاته وأفكاره من خلال النقوش والرسوم على جدران الكهوف أو على الألواح والرقم الحجرية . فهذا اللون من الفنون قديم قدم البشرية ومستجد بجدة الحياة وقوة استمرارها. وأبرز مثال على ديمومة الجداريات وقدرتها على مواكبة هاجس العصر والتعبير عن لغة الشارع آلامه وآماله هي جداريات مدينة نيويورك التي تعبر في أغلبها عن جوهر الحلم الأميركي. ففي معظمها تبرز رموز هذا الحلم من تمثال الحرية إلى الجسور العملاقة وقطارات الأنفاق وكلها رموز وصفت بأنها أرّخت الربيع البهي لتطور الكتابة الجدارية وإعادة تأهيلها" .

فهل تستوي ظاهرة كتابة الغرافيتي مع ما يعارضها من جداريات تشكيلية، أم أنهما ستتناقضان دون هوادة، وتتنازعان دون رحمة، السيادة على واجهات المدينة وأفئدة المارة ؟!
سؤال أتركه مفتوحا للريح والمدينة والعابرين..


الجدارية في المساحة العربية


ترتبط الرسوم الجدارية، زمانيا، بميلاد إنسان ما قبل التاريخ الذي أعلن عن تواصله مع العالم المحيط من خلال الرسوم النقوش التي حفرها على جدران الكهوف والمغارات. وقد أكدت المكتشفات الأثرية هذه الواقعة. فالنجوم الثلاث المرسومة على جدران كهوف لاسكو في فرنسا تعود إلى ما يقارب 16500 عام خلت. كذلك الأمر بالنسبة لكهوف تاسيلي في الجزائرالتي اكتشفها الرحالة بربنان بينما كان يجتاز الحدود الجزائرية الليبية في عام 1938. وقد وجد في هذه الكهوف نقوشا ورسوما عجيبة، يعود تاريخها إلى 20000 عام مضت، لمخلوقات بشرية تطير في السماء ورجال ونساء يرتدون ثيابا حديثة كالتي نرتديها في زماننا الحالي. شكلت تلك الرسوم ما يعرف بلغز كهوف تاسيلي .
أما الجداريات كظاهرة فنية تشكيلية فقد أكدت المكتشفات الأثرية في الجغرافية العربية أن فن الجداريات ظهر لأول مرة في بلاد الرافدين و في مصر حوالي 3000 سنة ق.م قبل أن ينتقل إلى أوروبا ويجير لصالحها. فالآثار العراقية المنقولة إلى أوروبا بدءاً من بوابة عشتار والثيران المجنحة كانت قد نقلت إلى الأوروبيين تفاصيل هذا الفن وحفزت خطواتهم فيه وان اختلفت الأساليب وتعددت المعالجات واستخدام الخامات، وذلك التأثير بدا واضحا في أعمال فنانين مرموقين أمثال: جيوتو، وأوسيلو، ومايكل أنجلو المشهور بتزيينه لقبة سكستين بروما.

ظل الفن الجداري لصيقاً بالحضارة العربية واكتسب خصائص وفيرة مع تتابع فصول تلك الحضارة واحتكاكها بالحضارات الأخرى. وكان العصر الأموي هو الذي سجل لنشوء الفن الإسلامي الخالص الذي جاء كمحصلة للفنون التي كانت سائدة في بلاد الشام من فنون البيزنطيين والسوريين والحضارة الساسانية المسيحية التي كانت مزدهرة في الشرق الأدنى قبيل ظهور الإسلام وصولا إلى عناصر الثقافة العباسية ومؤثراتها، حيث تزاوج الخط العربي مع النقش مع صور الأشجار والقصور والحيوانات في نسيج فسيفسائي سجل لأروع جداريات الموزاييك التي عرفها تاريخ فن العمارة. والشواهد كثر أهمها جداريات مسجد قبة الصخرة في القدس الشريف وكذلك محراب الجامع الكبير في قرطبة و الجامع الأموي في دمشق. ومن أروع ما في المسجد الأموي اللوحة المعروفة بلوحة بردى ( اسم النهر الذي يروي دمشق وما حولها ) وهي لوحة كبيرة موجودة بالركن الجنوبي الغربي من المسجد تمثل منظر نهر بردى وهو يخترق الفوطة الغناء ويدخل دمشق. ويبلغ طول تلك اللوحة الفريدة من الفسيفساء قرابة 38 مترا وارتفاعها 7 أمتار، وهي أكبر مسطح من الفسيفساء كشف عنه حتى اليوم.
هكذا انسحبت الجداريات على مساحة الجغرافية العربية حتى شارفت حركة فنون الحداثة وما بعدها الحداثة أيضا، حيث تسجل مدينة أصيلة في المغرب ( واسمها القديم إيزيليس) لظاهرة فنية هي سابقة بين مدن الشمال الإفريقي حيث الجداريات المنتشرة في أزقتها و واجهاتها البحرية تحيل المكان إلى مهرجان دائم للون والحب.. لا يهون.



#مرح_البقاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث قصائد: رمل - بجعة - كهف
- الصَعْقة
- دانتيللا الجهات
- الكاوبوي مترجلا.. وشاعرا
- الفيديرالية الإسلامية
- شعـر: السـاجدة
- الفن الرقمي بين مطرقة الأصولية الفنية وسندان التطرف التكنولو ...
- الفن : تكنولوجيا الروح
- حوار مع رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن السفير إدوارد ووكر
- شعـر: مستجدات الوطن.. والحب
- الحليب الأسود
- مقامات التنوير في موسيقى الغرب
- شعر: نحن الذين لا ينتظرنا أحد
- كونشرتو الكلمات
- بيان الثقافة
- شعر: أنثــى الســــؤال
- هاجس البيئة في سلطة الإبداع
- الهنود الحمر بين وهم الأسطورة و فعل المعاصرة
- تهجين الثقافات
- شعر قصيدة كواليس


المزيد.....




- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرح البقاعي - عصابات الغرافيتي.. والجداريات