أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرح البقاعي - الهنود الحمر بين وهم الأسطورة و فعل المعاصرة















المزيد.....

الهنود الحمر بين وهم الأسطورة و فعل المعاصرة


مرح البقاعي

الحوار المتمدن-العدد: 1001 - 2004 / 10 / 29 - 11:30
المحور: الادب والفن
    


في شهر أيلول/سبتمبر من العام 1492 قامت ملكة أسبانيا إيزابيلا بتمويل رحلة البحار الإيطالي كريستوفر كولومبس وأمدّته بسفن ثلاث و400 بحار شقوا عرض المحيط الأطلسي ليبرهنوا أن ثمة طريقا للتجارة لا يمر عبر الشرق ولا عبر رأس الرجاء الصالح.
حين رست السفن الثلاث على سواحل ما يدعى اليوم بالقارة الأميركية اعتقد كولومبس أنه وصل الهند فأطلق هو ورجاله على أهالي الأرض الأصليين اسم الهنود الحمر في إشارة إلى لونهم المائل إلى الحمرة، وعاد من رحلته ببعض من الأسرى منهم، وبالكثير من الذهب.

بعد أربعة قرون ونيّف، وفي أيلول/سبتمبر من العام 2003، لم تكن السماء أقرب إلى الأرض من حالها في مدينة سانتا فَيْه عاصمة ولاية نيوماكسيكو.
ولم تسدل الشمس ستار المغيب حتى صبغت المكان بكل ألوان الطيف في مشهد نادر من سيطرة اللون والجمال على عناصر الطبيعة في أرض الانتشار الأكثر كثافة للأميركيين الأصليين (الهنود الحمر) وفي عاصمتهم الثقافية سانتا فَيْه.

وفي شارع كانيون، الذي يناهز عمره 250 عاما، حيث تترادف على جهتيه المَعارض والمتاحف الفنية، وتنتصب من كل منعطف منحوتة برونزية أو حجرية ضخمة تزاحم الأشجار على احتلال أطراف الشارع، بدا أن كل هذا الإبداع الذي يزخم المكان بأسراب التاريخ وتفاصيل المعاصرة على حد سواء، لغة مشتركة استقاها الفنانون هنا من نسيج ألوان الطيف يلف إقطاعاتهم التي يطلق عليها اسم "المحميات" Reservations، محميات الشمس والخَصْب والجمال.

في المعرض الفني "غاليري ميدسين مان" Medicine Man Gallery وهو أقرب ما يكون إلى متحف لفن الأميركيين الأصليين منذ منتصف القرن 18 حتى بدايات القرن الـ21، تحدّث مارك سابليت صاحب الغاليري ومديره أيضا عن إحداثيات الحركة الفنية في المنطقة بقوله: "لقد عاصر قبائل البابلو، الذين عاشوا حول الأنهار منذ حوالي 700 عام، الحضارات القادمة من أوروبا، من أسبانية وأنغلوسكسونية، وقاموا بدمجها بأهواء طقوسهم، ومعارف قبائلهم، التي كانت تخضع في مرجعيتها إلى عناصر الطبيعة والفلك بشكل محدد".

يَرجع تاريخ بعض القطع الفنية المقتناة في الغاليري إلى عام 1850، وهي مجموعة نادرة من لوحات فنية وأوانٍ فخارية وحلي نسائية وأكسسوارات زعماء القبائل وأقنعة المناسبات والسجاد اليدوي، معظمها يحمل الرموز الطقسية للأميركيين الأصليين، وطواطم قبائلهم.

يَردف سابليت قائلا: "يعتبر وصول سكة الحديد إلى سانتا فَيْه في عام 1879 مؤشرا لبداية ما يمكننا أن ندعوه ـ مجازاـ بعصر النهضة في تاريخ الأميركيين الأصليين، والذي امتد بين عامي 1880 و1930. فقد حملت وسيلة النقل هذه السائحين من المهتمين باستطلاع معالم الغرب الأميركي وعوالمه، وأصبح الفنانون المحليون يجتهدون ليقدّموا أفضل ما لديهم. وبدأت تتطور حركة مبيع وشراء (إرهاصات عرض وطلب) ستشكل نواة لفاعلية اقتصادية غضة في تلك المحميات النائية".



أصالة

أما عن حركة الفن المعاصر عند الفنانين الأميركيين الأصليين الشباب فيقول سابليت: "بدأ الفن المعاصر يأخذ ملامح الجدية والمنافسة في أعمال الفنان توني آبييتا، وفي
فخاريات راسيل سانشيز أيضا. لقد استشرف الفنانون الشباب رموز القبيلة، الدينية منها والعقائدية والثقافية، في رؤيا فنية وإسقاط مستحدث". وفي حقيقة الأمر يعتبر إشراك عناصر التاريخ والطبيعة، وشخصيات الميثولوجيا من الموروث الثقافي، أهم ما يميز فن الأميركيين الأصليين الحداثي عن الفن الأميركي بعامة في القرن العشرين.
تنتشر قبائل الأميركيين الأصليين في ولايات أوكلاهوما وأريزونا ونيوماكسيكو وساوث داكوتا ونورث داكوتا. ومن أكبر قبائلهم قبيلة نافاهو Navajo التي ينتسب إليها الفنان آبييتا. ينتظم أسلوب آبييتا في سلسلة من اللوحات الفنية الغاية في العمق والإيحاء بواسطة مواد متغايرة. فهو يلجأ إلى استخدام الألوان الزيتية وإلى الفحم والشمع والنحاس والغرافيك ليصل إلى مستوى المنظور الأمثل.
ينفرد أسلوبه بالقوة وطغيان عنصر النحت والتضاريسية على سطح اللوحة. وهو يُرجع أسلوبه هذا إلى انعكاسات واضحة لثقافة قبيلته نافاهو التي يشعر بالفخر الشديد كونه أحد أبنائها، كما ذكر لمجلة Hi في لقاء معه. آبييتا الذي ولد في مدينة تاوس عام 1965 وتلقى علومه الفنية في معهد الفن Art Institute of Chicago في شيكاغو واستديو الفن الدولي Studio Arts Center International في فلورنسا، إيطاليا ومعهد الفنون الجميلة Ecole Des Beaux Arts في لاكوست، فرنسا، وتزخر متاحف مثل السميثسونيون في واشنطن وبالم سبيرنغز في كاليفورنيا بلوحاته ومنحوتاته، يقول: "الرسم بالنسبة لي يفتح جميع النوافذ مهيأً مَعْبَرا للشمس لا يغيب، مخاطبا في سياقه رموز الثقافة المحلية وصور الموروث. أنا أجرب على التشكيل الفني من حيث التكنيك وترويض المادة المستخدمة لخدمة المعنى، وأترجم، تاليا، اللون والخط إلى عمل فني يبرز رؤيتي على المستويين: الفردي المشخص من جهة، والجمعي الروحي من جهة أخرى".

إن نزعة الإحياء والأصالة التي تتميز بها لغة الفنانين التشكليين المعاصرين هنا هي من أهم سمات الحداثة في أعمال الأميركيين الأصليين الشباب.
يقول آبييتا في وصف العمل الفني: "الإبداع عبارة عن حلقة متصلة من فلسفة التاريخ والمكنون الروحي للحضارة، ومن عناصر الطبيعة كالنهر والشجر والطيور والغيم التي تحمل إشارات الكون وروحيات المكان وما وراء المكان أيضا، وعلاقة كل هذه العناصر فيما بينها من جهة ومع محيطها من جهة أخرى".



الفارس ومحطة الوقود

يبقى فن الأميركيين الأصليين، رغم دخوله العالمية، متفردا باستعاراته لرموز التاريخ والأسطورة التي هي جزء لا ينفصم عن تاريخهم ولا عن حاضرهم. ولعل هذا من أهم ما يميزه عن الفن المعاصر بشكل عام الذي قد يخلو من إشارات الميثولوجيا واستحضارات الماورائية الكونية. فهم يؤمنون بعلاقة الكائنات الحية مع بعضها في دورة الحياة، كعلاقة الإنسان بالشجر الذي يُنتج الأوكسجين، وعلاقة المرأة بدورة القمر الذي هو رمز للأنوثة ومصدر للضوء والطاقة.

يقول ماركوس آمرمان الفنان الذي اشتهر بلوحاته المصنوعة من الخرز عن سبب استخدامه لهذه المادة ـ حصرا ـ في لوحاته: "إن مادة الخرز تحمل أثر الماضي عندما كانت الجدات والنساء من أفراد القبيلة يجلسن القرفصاء أمام الخيمة لساعات طوال مجتهدات في صياغة الحلي والمجوهرات التقليدية. أنا اليوم أستحضر مادة التراث في لغة الحاضر حيث غالبا ما تحمل لوحاتي صورة الماضي لأميركي أصلي يمتطي فرسه المطهم، يلف رأسه بأكليل الريش، وينتصب إلى جانب ناطحة سحاب في نيويورك أو أمام محطة للوقود في القلب من صحراء أريزونا".

في سانتا فَيْه تقف أسطورة العزلة على المفترق بين الماضي كأصالة، والحاضر كاجتهاد، في سياق التطور التاريخي للأميركيين الأصليين. وتتأكد النظرية أن لا مستقبل لأمة بمعزل عن تاريخها.


سانتا فَيْه: الفن والتاريخ

في مدينة سانتا فَيْه مدينة الفن الثانية في الولايات المتحدة بعد نيويورك، بإمكانك أن تلتقط أنفاس التاريخ. فأبنيتها، القديمة منها والحديثة، ما زالت تطلى بمادة شبه طينية تجعل واجهاتها تبدو بدائية، تسمها لمسة يد بشرية، كما كانت عليه منذ مئات من السنين خلت. وتختفي طلائع الأبنية الخرسانية العالية، ولا تظهر إلا فيما ندر. كما أن أحد مطارات ولاية نيوماكسيكو، وهو مطار مدينة آلباكوركي، يزخم -بالرغم من تواضعه- بالأعمال الفنية لفنانين أميركيين أصليين عظام من أمثال سام سكوت في لوحة "أغنية الشمس" Sun Song وجون نيتو في لوحة "راقص البوفالو" Buffalo Dancer وغاري نيبليت في لوحة "شروق الشمس في غوادالوبي" Guadalupe Sunrise. وعند مخرج المطار شعار كتب عليه "أهلا بكم في أرض الفتنة" Welcome to the Land of Enchantment. ولا غرو في هذا اللقب على الإطلاق، فسلسلة جبال سانديا العملاقة على الطريق إلى سانتا فَيْه، والسحب المنحوتة في الفراغ التي تعانق هامات تلك الجبال، وألوان الطيف التي تلف الأرض وما عليها وتحيلها إلى منحوتة لا تزول، إنما هي جوقة من الجمال المنافس يباغت زائر المكان ويصيبه بطلقة الانبهار.



#مرح_البقاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهجين الثقافات
- شعر قصيدة كواليس
- التعددية الثقافية
- المرأة.. ومحظور الفن


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرح البقاعي - الهنود الحمر بين وهم الأسطورة و فعل المعاصرة