أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرح البقاعي - التعددية الثقافية















المزيد.....

التعددية الثقافية


مرح البقاعي

الحوار المتمدن-العدد: 999 - 2004 / 10 / 27 - 11:23
المحور: الادب والفن
    


ابن الحدود: التعدّديّة الثقافية

كيف تُؤلَّف الهوية الثقافية في مجتمعات تأسّست على التعدّدية في الأعراق والطوائف والثقافات؟ وكم من الوهم الاعتقاد بأحادية الهوية الثقافية "الشوفينية العنصرية" في عصر العولمة بجُلّ ما استحدثه من تلاقحٍ للمعارف وتغييب للحدود؟

لعل الولايات المتحدة هي الواقع الأكثر مجاهرة وتداولا للتعددية اللغوية والثقافية وقبول الآخر المغاير، على جغرافيتها الممتدة على مساحة قارة من الائتلاف بين موجات من الهجرات البشرية التي حملت إليها ألوانها ومذاهبها ولغاتها وذاكرتها، وانصهرت في وعي جمعي موحِّد لكنه لاقط لتميّز الفرد، لأصالة كينونته، وتواتر موروثه.
وتشكّل اللغة الإبداعية في أعمال الأدباء والمفكرين وسيلة حوارية من الطراز الأرقى لتوكيد الاتصال والتواصل بين الثقافات. ولئن كانت اللغة الإنكليزية هي اللغة القومية الأولى المعتمدة إلا أنها لم تكن يوما أداة لقمع اللغات القومية التي استقدمها المهاجرون إلى هذه الأرض والتي ساهمت في نحت هيئة الوعي الأميركي الجمعي.


ابن الحدود
يكاد سيرجيو ترانكوسو، ابن المدينة الحدودية إل باسو بولاية تكساس، أن يكون النموذج البيوريتاني لثنائية الهوية الثقافية في توأمة المكان، وتلاقح الثقافتين، وإن اختلفت لغة التعبير.
نشأ ترانكوسو في هذه المدينة المتواضعة على الحدود الأميركية الجنوبية والمكسيك من أبويين يتحدّران من أصل مكسيكي كانا يدأبان على مقارعة شرط المكان الباهظ لإعالته وأخيه الصغير، فكان عليهما ـمثالا لا حصراـ جلب الماء من خزانات عامة مجاورة ونقله إلى المنزل حيث لم تكن لتتوفر المياه والكهرباء في فترة الستينات لمنازل هذه المدينة النائية.
كان ترانكوسو، منذ صغره، ميالا إلى العزلة والقراءة. وكان لا ينقطع عن استعارة الكتب كل يوم جمعة من مكتبة المدرسة حيث كان يُمضي جُلّ عطلة نهاية الأسبوع غارقا في باحات قصص المغامرات وروايات الخيال التي كان يعشقها.
في المرحلة الثانوية بدأ الكتابة في الجريدة المدرسية وكان يحرّر مقالات نقدية لاذعة وقفز بسرعة إلى منصب رئيس التحرير. وبدأت بذرة الكتابة تتفتح لديه زهر صبّار بري.
يقول ترانكوسو: "اتخذتْ كتاباتي قاعدتها من انتمائي المزدوج إلى ذاكرتين أولاهما تعود إلى المورّثات المتحدرة من المكسيك (وطن الآباء)، والأخرى من ثقافة المكان وشرطها في (الوطن المكتسب) الولايات المتحدة".
نال ترانكوسو منحة علمية أهّلته للالتحاق بواحدة من أرقى الجامعات في الولايات المتحدة وهي جامعة هارفرد Harvard University. وقد أدرك هذا الشاب القروي الذي يشعّ بساطة وذكاء بأنه سيجلس إلى مقعد واحد إلى جانب أبناء وجهاء السياسية ورجال المال في أميركا في صفوف الجامعة التي أهّلت رجالات من أمثال الرئيس الراحل جون كيندي.
يقول ترانكوسو: "لقد نلتُ منحة مكّنتني من متابعة دراستي الجامعية في العلوم السياسية، لكنني كنت دائما أتشهّى التعرّف إلى حضارة المكسيك بلغتها الأم. وحين حصلت على منحة فولبرايت الدولية Fulbright International عزمتُ الطريق إلى العاصمة مكسيكو سيتي حيث بدأتُ دراسة الأدب والفلسفة باللغة الإسبانية، ما تلاقح مع معارفي عن تلك الحضارة التي تلقيتها مسبقاً بالإنكليزية".
هكذا، لم تكن التعددية اللغوية بالنسبة لترونكوسو غرقا في الأصولية التراثية ولا شططا في الحداثيّ المكتسب بل كانت أنموذجا لتخصيب اللغتين في صوت واحد يحمل بصمة التواصل والمداولة بين الحضارات البشرية، بحيث تغدو العلاقة مع الهوية علاقة استيعاب وامتصاص لصدمات الموروث ودفق المعرفي في آن.
يقول ترانكوسو: "حين جلستُ إلى مقعد واحد إلى جانب كارولين ابنة الرئيس كيندي في جامعة هارفرد ـ التي تخرّجتُ منها بدرجة شرف ـ أدركتُ عمق الحوار المحقّق هنا في الولايات المتحدة بين الأعراق وثقافاتهم من حيث الفرص والواجبات. ولّدتْ التعددية تلك لحمة سياسية واجتماعية فريدة جمعت الأميركيين على اختلاف أصولهم في بوتقة الوطن المتاح للكل، والمفتوح على احتمالات الآتي".

الرغيف الأخير
في روايته "الرغيف الأخير" The Last Tortilla التي نشرها عام 1999 والتي علّق عليها الكاتب والأكاديمي رودولفو آنايا بقوله: "إنها حشد من الشخوص والأحداث التي تلهب إيقاع القلب"، يبدو ترانكوسو خلف سطوره واحدا من أقدر الكتّاب الشباب المعاصرين.
يقول ترانكوسو: "معظم شخوصي تتحدّر من أصول مشتركة، مكسيكية ـ أميركية، ولها تركيبة نفسانية مختلطة أيضا، فمن الوطن الأم تحتفظ بغلو العاطفة وسطوة القيمة، وفي الوطن المختار تعيش حمّى المادة وتسارع عجلة مجتمع إنتاجي لا يشفع للمبطئين".
إن الميل إلى "قبول الآخر" وليس إقرار وجوده والاحتفاء باختلافه فحسب، إنما يقف في صلب النزوع الديموقراطي للمجتمع الأميركي. وهنا تكمن عقدة الأحداث القصصية: الصدمة بين الثقافتين على اختلاف مرجعياتهما ومعطياتهما العقائدية والاجتماعية والسياسية. فالولايات المتحدة التي تأسست بتأليفٍ وتوليفٍ من مدّ المهاجرين استطاعت اجتهاد قوانينها وشرائعها الاجتماعية الخاصة التي مكّنت مواطنيها على تمايز ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم من الانخراط في لبّ المجتمع الواحد مع الحفاظ على خصوصية كل حضارة بما يصبّ في تيار المشترك القومي. فاللغة الإنكليزية هي اللغة الموحَّدة والموحِّدة في آن، ولكن حرية التعبير والكتابة والإبداع وحتى الإعلام حقٌّ عرفيٌّ للجاليات على اختلافها، وبلغاتها الأم، في شراكة للمعرفة متعددة الجنسيات.


لقد تعامل المجتمع الأميركي مع هويته القومية على أنها توليفة من بهار الثقافات العالمية مُشرَعة على ديناميكية "الإضافات" وصلاحية "التغيير".
فـ"الآخر" في العُرف الأميركي هو "الرافد" الذي يتّفق في الحقوق والواجبات ويختلف في الخصوصيات والمرجعية.
يقول ترانكوسو: "الحلم عندي يحمل هوية ثقافة آبائي القادمين من أرض حضارات الأستيك والمايا ويتلوّن بطيف حكايات أمي الحارة عن موطنها الأول المكسيك، أترجمه باللغة التي ولدتُ على مفرداتها وتمرّستُ في معادلاتها الذهنية: اللغة الإنكليزية".

سلام الثقافات
ابن الحدود في بُعده الإبداعي هو الصورة المعاصرة الأنضج للفرد في مجتمع إنتاجي متكافئ، منسجم، ومفتوح على العالم. فاعتناق ترانكوسو للرومانسية المتأصّلة في معرفته للغة الإسبانية وآدابها لم يلغِ براعته في التعبير عن هواجسه الإبداعية باللغة الإنكليزية، لغة الأرض الجديدة. وقد برهن ترانوسكو أن ابن الحدود في فترة الستينات هو اليوم ابن العالم الذي حقّق شرط استيعاب الثقافات وإنضاجها في رحم الحلم الأميركي.
هذا الأمر لم يكن ليتمّ له إلا من خلال انتهاجه لسياسة معرفية تقوم على أساس الحوار مع الآخر- العالم، والتخلّص من الأحادية الذهنية والشوفينية، وتخصيب الموروث بالمستحدث، واتخاذ التعددية نهجا لا شعارا.
هكذا يخرج الكل من خندق الأصولية ليتحوّل الخطاب الحضاري إلى وثيقة إعلان لسلام عالمي لا يتحقّق إلا في وارف التعايش الثقافي لشعوب العالم كافة.



#مرح_البقاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة.. ومحظور الفن


المزيد.....




- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرح البقاعي - التعددية الثقافية