أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة رستناوي - قراءة في مجموعة - ماء و أعشاش ضوء- للشاعر عباس حيروقة















المزيد.....

قراءة في مجموعة - ماء و أعشاش ضوء- للشاعر عباس حيروقة


حمزة رستناوي

الحوار المتمدن-العدد: 3394 - 2011 / 6 / 12 - 22:34
المحور: الادب والفن
    



(1)

ما المشترك بين الشاعر و الكاهن ؟

ثمة جذر تاريخي مشترك , يبرر الالتباس بين الكاهن و الشاعر , فكلاهما يُنتجان خطاباً يخرج عن سياق اللغة المعتادة في حياة الناس , و كلاهما يتوسّلان لغة مجازية تحتفي بالمُثل و الرؤيا و الشطح و التمجيد , و كلاهما ينتميان إلى كائنات أكثر طقوسية من المعتاد في مألوف المجتمع , كل على طريقته.

و إذا كان الكاهن يحتفي بالغيب و يقدّس رموزه و كائناته العلوية.

فإن الشاعر يحتفي أيضا ًبالحضور الجميل و يقدّس كائناته الأرضية .

*

(2)

ربما يكون الجسد من الموضوعات الأكثر حضورا في حركة الحداثة الشعرية , حضور ينزّه الجسد , يتغنى بجماله و يهتمّ بحيواته و شؤونه و مشاغله , و هذا الاهتمام هو جزء من نسق ثقافي متمرِّد على الميراث الاجتماعي التاريخي الذي يقرن الجسد- جسد المرأة - بالخطيئة و العيب و العار..الخ , هذا النسق متشابك إلى حد كبير مع فهم للجسد من منظور كهنوتي .

و تتراوح معالجات موضوعة الجسد بين:الشهوانية الدنيوية من جهة ,الصوفية التعويضية من جهة أخرى , بين التمركز حول الذات أو الإحالة إلى آخر, بين الجسد المغامرة و بين الجسد الجاهز النمطي ..الخ

*

(3)

ماء و أعشاش ضوء هي المجموعة الشعرية الرابعة في تجربة الشاعر عباس حيروقة , مجموعة صادرة عن اتحاد الكتاب العرب 2010, من بعد مجموعاته : تراتيل الماء- قيامات الفرات- سغب الضفاف.

و هي و إن كانت تختلف عن سابقاتها و على عكس عادة الشعراء - من ناحية الشكل - حيث أنها كُتبت على طريقة التفعيلة و العمود بخلاف سابقاتها اللواتي كتبن على طريقة قصيدة النثر , إلا أنها تكرّس – من ناحية المضمون- استمرارا لموضوعاته السابقة , و يأتي على رأس القائمة موضوعة الجسد الأنثوي من منظور تعبّدي صوفي ذكوري مُبْهِج.

- أي النهود لها / بكفي مربط / و فمي المحطة و السفر. ص102

- " سأصومعُ الجسد الحرير/ و ككاهن أجثو قبالته طويلا / ثم أبدأ بالتراتيل التي جاءت بأنكيدوا المدجج بالمناسك. ص 118

- " سأصومعُ الجسد الحرير / و سأغرس الريحان في أمدائه / أدعو بأوقات الأذان/ فهل أقمت صلاتنا.. ص 120

و يُسجّل للشاعر هذا النحت اللغوي و الاستخدام لمادة " ص و م ع" كفعل , حيث أنها تستخدم عادة بصيغة اسم لمكان العبادة المنعزل الذي يختص بالكهّان .

و فالشاعر يحوِّل جسد المرأة لصومعة و موضوع عبادة.

نلاحظ – في هذه المجموعة- حضورا ً أقل بالمقارنة مع مجموعاته الشعرية السابقة لموضوعة العراق و مشتقّاتها كأرض للحزن و ككارثة قومية و إنسانية , و هو ما نجده حاضرا في المجموعتين الأولى و الثانية.

و نلاحظ استمرار موضوعة الفقر و الجوع كهاجس في عموم التجربة

حيث يُعنون مجموعة قصائد في مجموعته ب:" قصائد لا تشبه سوى الجوع"

ما أجفل الغربان/ هذا الذل/ هذا العار/ هذا الجوع/ في عين العباد ص50

و يُعنون إحدى قصائد مجموعته ب: نداء : يا أبا ذر

" من يا أبا ذر / سيشهر سيفه/ فالجوع في/ كل البيوت/ أطفالنا جوعا تموت" ص111

*

(4)

و ما سأقف عنده في تناولي الآن هو موضوعة الخمر في مجموعة

"ماء و أعشاش ضوء" لأسباب:

الأول : لكونها حاضرة بقوة حيث لا نكاد نعثر على قصيدة ليس ثمة فيها إشارة أو تعالق بذالك , بل إن بعض القصائد تشكّل طقوسية الخمر العمود الفقري للقصيدة

و قد نسج الشاعر هنا قصائده مستلهما و متأثرا بخمريات أبو نواس و صوفيات الحلاج كما في قصيدة " و أنّي ..لأنّي" المهداة للحلاج

الثاني : تتشابك في قصائد المجموعة موضوعة الخمر مع موضوعة الجسد كونهما ينميان لحقلين دلاليين متعالقين : فالخمر يستحضر الأنثى سواء في صورة الحضور أو الغياب , و كلاهما يصنّفان في حقل المُبهجات و الممنوعات و السرّانيات على نطاق واسع.

الثالث : الجسد في قصائد المجموعة و الخمر كذلك ,هما أدوات عبادة و كشف عرفاني و معرفي , و الخمر هنا رافعة للحس الأخلاقي ,و هي جديرة على طريقة أبو نواس فقط بمن يستحقها من كرام الناس.

لا تسق المدام فتىً لئيماً
فلستُ أُحلُّ هذي للئيم
لأن الكرمَ من كرمٍ وجودٍ
وماءُ الكرم للرجل الكريم

*

(5)

بترصد التشكيلات الدلالية في السياق الشعري لموضوعة الخمر

نتبيّن ملامح لخمس دلالات :

أولا ً: استحضار الأصدقاء و النديم الغائب المُفتقَد وتداعيات الوحدة.

- و بقيتَ وحدكَ تشتهي الخمرَ المعتّقَ و الصديقْ ص22

- أنتَ الذي أعطوكَ كأسكَ فارغا و رضيتَ , أطفأت الحرائق كلها ووقعت في دنٍّ أسيرْ, و شربت َ نخب الحاضرين بحسرةٍ فمضيت وحدك ..ص23-24

- و أخادعُ الزمن المخيفَ بضحكةٍ فأرى وراء غمامتي دنّا و صاحْ ص42

- ناعورةُ في القلب ترفعُ/ دنّها بحثا ًعن القدحِ / المناسبِ/ و النديمْ ص109

ثانيا ً: الشارب الحزين مرهف الحس الشفيف

- تفور الكؤوس بأحزاننا و نشف كماء الفرات ص16

- ينعبُ البين فوق كؤوس الندامى/ فنغشى الكروم و نغشى/ إلى أن يجيء السلاف / شفيفاً يذكرنا أننا ننهض الآن ماء فراتا ص39

ثالثا :الخمر كحالة تجلّي صوفي و كشف عرفاني

- في وقت سكر/ جاءني صوت/ يذكرني بنفسي ص72

- سبحان من نفخ/ الكروم بروحه/ لتعيد لي روحي ص73



- تعتق الدن فانطق بالوصال كما / حال الشهود بعيد الكشف ما نطقا ص129

- دناني ...إليها أجيء / رأيت أنا ما رأيتُ ص148



رابعا ً: تفريج الهم و استحضار الأمل

- و شربت في كنف الكروم مُدامةً تهدي الأحبة رعشة تنئي الجراح ص42

- و نأى بكأس يقتفي/ وهج الشراب/ مازال يكرهني السراب ص82

- أسرجُ الخمر فوق / الدّنان التي بات / يحبو إليها الربابْ. ص150

- دنا النبيذ/ يعلق الأسماء/ و الأشباح/ و الأرواح قنديلا ص165

- عنوان قصيدة: زفرات لشارب الكأس ص102

خامساً : خمر الجنة و الشهوة المتجددة

- عين و غلمان آخرة/كي تطوف علينا/ بأكوابها/ نتنازع كأسا/ فلا نرتوي ص80



باستقراء التشكيلات الدلالية لموضوعة الخمر نجدها ذات دلالات ايجابية مشحونة إنسانيا و عاطفيا ,كعزاء أو متعة أو كحالة شجن.

و هي نقيض دلالات موضوعة الخمر في سياق اجتماعي و ثقافي يحطُّ من شأنها , لتصبح معادلة للنقيصة و العار.

التشكيلات الدلالية عند حيروقة مُلفتة من حيث كونها جاءت في صور و حالات شعرية أصيلة تنبثق في عميق النفس و الهم الإنساني.

*

(6)

و في نهاية عرضنا للمجموعة الشعرية نبدي ملاحظة تتعلق بالنواحي التقنية و اللغوية لقصائدها ,حيث تتسم المجموعة بالتفاوت في هذا الجانب , فيحالف الشاعر النجاح أكثر في القصائد القصيرة أو القصائد المقطعية ذات القافية المتناوبة أو اللازمة كما في : قصائد لا تشبه سوى الجوع- قصيدتان- يا أبا ذر - سأصومع الجسد الحرير

و ثمة هنّات عروضية مثلا في :

وحدي أصلّي إلى الرحمنِ في ولهٍ = في بئرِ روحكِ إنْ ألقانيَ جَحَرَ

" بحر بسيط"

و كذلك ضرورة إطلاق القافية في قصيدة " إنّي أشفُّ" .

و لكن أيا ً كانت ملاحظاتنا و اختلافنا حول مجموعة "ماء و أعشاش ضوء "تبقى مجموعة جديرة بالقراءة, فيها اشتغال جميل على الصورة الشعرية المتحركة في فضاء عاطفي مشحون.

&&

الكتاب: ماء و أعشاش ضوء

الكاتب: عباس حيروقة

إصدار اتحاد الكتاب العرب – دمشق - سلسلة الشعر "11" عام 2010



#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الشيخ الخليلي و حوران و حديث الطائفيّة
- في سوريّا: عن الإسلام السنّي و حديث التطرُّف؟
- العلاج النفسي و العلاج بالقرآن
- قصائد عن :الخائفين و الخسائر و سلالة المانشو
- في سوريا الآن : جدليّة الدين و العلمنة , المسجد و الساحة الع ...
- قصائد عن: هواجس الجندي و الهجاء و الرجل الشجاع
- هل السوريون متخلّفون؟! محاولة للإجابة؟
- إعادة إنتاج الطائفية – فتوى ابن تيمية نموذجا
- في بلادي ثمةَ قبرٌ لبلادي
- قصائد :عن المستوطنين و الموطن و النادب
- البيان الخشبي لاتحاد الكتّاب العرب
- قصائد عن الجريدة و جوقة الهاتفين و كابوس
- خطابٌ في حضرةِ الحلزون
- بانوراما الإعجاز العددي ج3/3 : شرق غرب, سنة شيعة, أحداث 11 أ ...
- بانو راما الإعجاز العددي ج2/3: من الرفاعي ...إلى الشفرة القر ...
- الإعجاز العددي في سقوط الطاغية العربي
- لعنة الدنيا : الانتحار تفجيرا أم الانتحار حرقا؟!
- بانو راما الإعجاز العددي :من النورسي إلى رشاد خليفة و إعجازي ...
- سياقات ظاهرة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
- المعادلة البائسة : الاستبداد أم الفوضى؟


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة رستناوي - قراءة في مجموعة - ماء و أعشاش ضوء- للشاعر عباس حيروقة