أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدون هليل - حوار مع ناجح المعموري















المزيد.....


حوار مع ناجح المعموري


سعدون هليل

الحوار المتمدن-العدد: 3377 - 2011 / 5 / 26 - 00:33
المحور: الادب والفن
    


.. بالتخيّل الخلاق ينفتح أمامنا الممكن وينكشف المحتمل ..

الباحث ناجح المعموري يسلط الضوء على الجنوسة ( الذكورية والأنثوية ) تاريخياً
حاوره : سعدون هليل


العلوم المعرفية متطورة عبر مراحل التاريخ، ومرافقة لتطور الإنسان، إذ ان وعي الإنسان انعكاس لظروفه، وشهدت المعرفة العلمية والإنسانية تدفقاً في مختلف مساراتها كالتدقيق والتدوين والتبحر في بطون أمهات الكتب، وان النخب الثقافية ساهمت في مد الجسور وتقديم الأفضل خدمة للإنسان في تنوير مصادر ثقافته، ولهذا يعد ناجح المعموري احد الباحثين العراقيين القلائل الذين قدموا مساهمات نظرية جديدة ولامعة في تاريخ حضارة بلاد الرافدين والميثيولوجيا العراقية وتاريخ الأسطورة وملحمة جلجامش التي نعتقد انها اشهر الملاحم في تاريخ الادب العالمي. والأستاذ ناجح المعموري من مواليد 1944، وله مساهمات ودراسات تاريخية مميزة، خصوصاً فيما يتعلق بمعالجته الجادة لحضارة وادي الرافدين، متفرغ للعمل الثقافي، أصدر خمسة كتب في القصة والرواية، وصدر له بين بغداد وبيروت ودمشق وعمان ستة عشر كتاباً في الأسطورة والتوراة والبحث في أساطير الآلهة لبلاد الرافدين.
أقنعة التوراة – تزوير الرموز واستبداد العقائد والأساطير.التقاه ملحق الطريق الثقافي فكان معه هذا الحوار .



* انصب اهتمامك مؤخراً ، وفي عدد من الدراسات عن الأساطير وخاصة وادي الرافدين ، على ثيمة الذكورة والأنوثة ، وهي ثيمة ليست أسطورية بقدر ما تمثلها الأسطورة واستلتها من الواقع والإنسان لتعيدها شكلاً أو إطار لما يبحث . ماذا هو بحثك في هذا المجال؟
- سؤالك حول الذكورة والأنوثة مهم ومعك الحق في العودة لسيادة المصطلح في الدراسات الانثربولوجية وعلم الاجتماع والاستشراق ومتفرعاته المعرفية ، علم اجتماع الثقافة والحركات النسوية وعلم اجتماع التواصل / واستفادتي من المفاهيم الإجرائية للمصطلح واضحة وهذا أمر ممكن وينفتح على الميثولوجيا وله مساحة واضحة للغاية ، لكني أود القول بأنني لا أعني بالثنائية ، الجنوسة ، التي تعني أيضاً الذكورة ، والأنوثة ولهما هنا صفة المجاز ، لكنهما لا يمتلكان ما يميزهما فسلجياً ، قضيب ، أو رحم . واشتغالي يقترب كثيرا من الجنسانية التي تعني الجندر / النوع المتميز بجنس معين ، كما أنها إفضاء للناحية الجنسية / اللّذية . وفي دراساتي اهتمام بالجنسانية / النوع المتميز فسلجيا ولن أدخل للدراسات النسوية والاستشراق وعلم الاجتماع لتبيان الفوارق التي أشارت لها الدراسات الثقافية ودور الحركة النسوية في النشاط الاجتماعي والثقافي والسياسي وتأكيدات دراسات الآخر بالجنوسة على الفوارق المؤسساتية التي جعلت اختلافاً بين الاثنين ، والعزل بينهما هو ثقافي والنوع لا يعتمد عليه كمعيار للقيم الثقافية . والجنوسة ليست بنية طبيعية وليست حتمية بيولوجية ، وإنما هي تركيبة اجتماعية / ثقافية ، لا علاقة لها بالتكوين الجنسي البشري ، والفرق هو ايديولوجي / ثقافي / اجتماعي دافع عنه المجتمع والثقافات المختلفة بقوة القانون والسلاح كما أن الضغط الاجتماعي يؤسس " بنية الجنوسة كما قال د. ميجان الروبلي و د. سعد البازعي "
اهتمامي ـ كما ذكرت ـ معني بالجنسانية وملاحقة الثنائية في الأساطير . والدراسات الانثربولوجية / الميثولوجيا التقليدية لم تشر لذلك . وحيازتي للمصطلح مشروعة ، لكن آلية الاشتغال مغايرة لأنها تعتمد على النوع بوصفه تراكماً ثقافياً وشبكة رمزية معروفة في الميثولوجيا كثيراً ، حيث كانت الإلوهة المؤنثة هي المنتجة الثقافية والدينية ، من هنا ابتكرت حشداً كبيراً من الرموز الدالة عليها ولكن وظائفها تغيرت بعد انهيار سلطة الإلوهة المؤنثة ووجدت البطرياركية نفسها غير قادرة على إلغاء الرموز الأنثوية ، فحازتها وابتكرت لها دلالات ذكورية ، مثل الأفعى ـ على سبيل المثال ـ الرمز الأنثوي في كل الحضارات وتحولت لاحقا الى رمز قضيبي ـ فالوس ـ والمفهوم الإجرائي للمصطلح يوفر مرونة للتعامل عليه وتطبيقه على نطاق واسع ، يستوعب المجالات الاجتماعية / الدينية / السياسية والاقتصادية ، هذا بالإضافة لإمكانات الأسطورة المساعدة على ذلك .
استثمرت كثيراً من المصطلحات السوسيولوجية مثل الكارزما والعنف الرمزي والمجال والحشد وتحولات النظام والمسكوت عنه والنفي ، وظفتها في دراساتي وأنا منفتح على كل ما هو جديد في العلوم الإنسانية المجاورة للميثولوجيا .
تمثل ثنائية الذكورة / الأنوثة مركزاً مهماً في مشروعي الثقافي الخاص بقراءة الأسطورة والتوراة . وكان هذا الاهتمام مبكراً منذ درست ملحمة جلجامش وبحثت عن البياضات النصية ، أو الفراغات وما أسميته أنا بالمسكوت عنه في ملحمة جلجامش ومعروف بأن عائدية المصطلح بنيوي ، ظهر لأول مرة في دراسات محمد أركون وميشيل فوكو وتكونت لي ملاحظة ما زالت صحيحة ودقيقة حتى هذه اللحظة وهو إن هذا المصطلح أكثر حضوراً وتلمساً في التاريخ . وتكرس انشغالي حوله في عديد من المؤلفات . ووجدت بأن الملحمة لم تكن نصاً سردياً مهتماً بثنائية الحياة والموت والسعي من أجل الخلود ، لأن كثيراً من الأساطير والملاحم في العالم كله قد اهتمت بهذا الجانب ، لأن الإنسان يتعرف في أول مواجهة بالصراع والمقاومة سؤال الموت باعتباره قضية انطولوجية انشغل بها الإنسان منذ لحظة الفهم والإدراك . والمشكلة كما أعتقد متأتية من تبعية البحث العراقي والعربي بما قال به علماء الغرب . صحيح إن الموت والحياة إحدى الإشكالات الكبرى التي ظل الإنسان حائراً أمامها لذا أعتقد بأن جوهر الإشكال الإنساني في الملحمة هو ثنائية الذكورة / والأنوثة وهذا الإشكال ظل مهمشاً في القراءات والدراسات الجديدة التي اقتفت آثار الغير باستثناء دراسات رائدة وقليلة مثل قراءة الأستاذ فراس السوّاح و د. قاسم المقداد .
ولا بد من الإشارة للعلاقة الواضحة لهذه الثنائية في الدرس السوسيولوجي الخاص بالثقافة وأيضاً في البحث الانثربولوجي والدراسات الثقافية بعد البنيوية ، ولكنني أثق بأن نسق الذكورة نسق ثقافي وديني .
والأنوثة نسق مماثل وبالتالي يشكلان مع أنظمة أخرى مثل الطقوس والعقائد والشعائر بالإضافة للأساطير النسق الأكبر وأعني به الدين الذي تعامل معه غيرتس باعتباره نسقاً ثقافياً ، بمعنى توفر الفرص الواسعة جداً للتعامل مع تلك العناصر المركزية في الدين . ودعني أقول لك بأن ملحمة جلجامش تكشف عن وجود هذين النسقين فيها وظل الصراع السردي الطويل متمحوراً بين هذين النظامين وعلينا التذكير بأن ابتداء الصراع كان لحظة تكليف الإله آنو للأم الكبرى / أرورو بضرورة تخليق ندّ شجاع قادر على ترويض الملك جلجامش ودعني أؤكد بأن الأنوثة هي التي فتحت المجال واسعاً منذ البداية أمام تطورات السرد لاحتواء الثنائية هذه والدفع بالصراع بينهما للأمام . ولا نستطيع قراءة الكثير من الأساطير والملاحم ونصوص الزواج الإلهي المقدس بعيداً عن هذه الثنائية وقد طورت النظريات الثقافية الحديثة وعلم الاجتماع والانثربولوجيا على ابتكار آليات مساعدة في فضاء البحث والغور وراء عمق الأسطورة للتوصل لهذه الثنائية وأنا أعتقد بأن صراع النسقين في الملحمة هو المهيمن والمتحكم بالتطورات السردية وتعميق البناء الفني ، وبالعودة للملحمة سيجد القارئ أن تطور هذه الثنائية واتضاح ملامحها إتبدأ في اللحظة التي تم فيها تخليق أنكيدو ، حيث تمركز سلطة الألوهة المؤنثة في الإنتاج الثقافي / والديني هذه السلطة وحدها امتلكت حضورها الطاغي في الملحمة والأسطورة لأنها امتلكت ما لم يكن موجوداً لدى الذكورة المكتفية بتبعيتها للأنوثة المتسيدة منذ عشرة آلاف سنة قبل الميلاد ولأهم وأرقى المعارف الثقافية .
وأعني به الجسد الأنثوي ، الوسيط المهم في علاقتها مع الآخر / الذكورة وكلنا نعرف جيداً الدور الأنثوي الموكول لكاهنة الرغبات ( شمخت) الموفدة من قبل عشتار الآلهة المعروفة بهذه الوظائف واستطاعت سلطة الجسد ترويض أنكيدو من خلال الجنس وممارسة اللذائذ لفترة ستة أيام وسبع ليال ، توفر لها بعد ذلك تحقق التحول في شخصية أنكيدو الحائز على إنسانيته بعد ممارسة اكتشافات الجسد الاقتراب منه بواسطة الاتصال الإدخالي الذي وفر لهما تبادلاً ثقافياً ودينياً أو حصل تحقق هائل في المكونات الثقافية لآنكيدو وبسبب قوة الجسد الأنثوي وطاقته الخلاقة ، بمعنى للجنس وظائف تخليقية وابتكارية وهي التي جعلت الحيوان أنكيدو إنساناً واعياً وعارفاً استلم عناصر الحضارة في مدينة أوروك وأهمها أكل الخبز وتناول الخمر وهما علامتان على وعي الإنسان في تعامله مع تمظهرات الحضارة ومن تلك التمظهرات الخبز والخمر ، لأنهما يعنيان الزراعة وهي أرقى مراتب التقدم وهما ينطويان على معرفة علمية بالكيمياء وخصوصاً تصنيع الخمور ، أنكيدو المتجاور مع ذلك لم يعد مثلما كان لحظة تخليقه من قبل الأم الأكدية الكبرى / أرورو ، ولم يخضع هذا الإنسان لعتبات التطور التقليدي والمعروف بتعدد مراحل العبور الديني من حالة إلى أخرى ، وإنما اختزل الكثير من تلك المراحل وانتقل من الطفولة الحيوانية إلى الاكتمال الرجولي الذي أهله للقبول بدعوة كاهنة الرغبات بالتوجه إلى المدينة والقناعة بطاقة الجذب ، وهذه الطاقة هي عبارة عن مكون ثقافي أو مجموعات ثقافية وحتماً إن هذه المكونات عبارة عن تصورات رمزية ، لكنها موضوعية في آن لأنها – الرموز – مغذاة بالجسم دون أن تكون بالضبط مماثلة لإدراك هذا الأخير بفضل حواسنا وذاتية تلك الصورة تعبر عن تفاعل الإنسان مع كل العناصر القابلة للوعي من جنس الثقافة والمعرفة اللاواعية التي توجد متحدة ضمن المادة الرمزية . فكل رمز هو مركز أو بالأحرى ( مجمّع) تنعكس فيه الذات الإنسانية جمعاء ، هذا ما قاله الباحث ميشال سلان المتخصص بتاريخ علم الأديان ويوضح هذا الرأي بأن النتائج الثقافية وتبدّياتها في الأسطورة هي رمزيات وما حصل في الملحمة من تكون ثنائية الذكورة والأنوثة وتبلور صراعاتهما اللاحقة ، الذهاب إلى غابة الأرز والعودة منها والجدل بين جلجامش وعشتار والمراقبة الأمومية للفنون كلها تصعيدات لسلطة الألوهة المؤنثة التي واجهت صراعاً عنيفاً هو في الحقيقة الفكرية تمثيل لمرحلة حساسة وجديدة في الفكر العراقي القديم الذي أفضى لاحقاً لانهيار ثقافة الأم الكبرى وصعود الرجولة نظاماً ثقافياً ودينياً عاماً وكلياً في مرحلة من أهم المراحل الحضارية التي عبرت عنها الملحمة وأيضاً أسطورة الخليقة البابلية . إنهما – ملحمة جلجامش / والخليقة البابلية – من أهم النصوص الأدبية القديمة التي تمركزت حول ثنائية الذكورة والأنوثة وقد تحولا مرآة واضحة عن الجدل الثقافي والفكري الذي صاغته تطورات المجالات المتنوعة بمعنى نستطيع الإشارة إلى النظرية الماركسية والوضعية إلى إن الدين عبارة عن تصورات عيانيّة للعناصر الاجتماعية والاقتصادية مما يساعد على تشكيل تحليلات للخصائص الدينية ، لأن خاصية الدين لم تكن سوى وظيفة للشرط الاجتماعي للفرد والجماعات ، وما يشير للأهمية الاجتماعية للدين هم الجدل المحتدم في البنى الثقافية والاجتماعية واللاهوتية والسياسية ، هذه كلها معرضة للجدل والصدام العنيف في أحيان كثيرة وهذا أكثر وضوحاً في أساطير الدمار والموت الجمعي والمراثي الشهيرة . والانعكاسات المباشرة في البنى الفاعلة بالحياة الاجتماعية أشار له العالم الانثربولوجي الفرنس موس ودوركهايم بأن المقولات العقلية تكمن في الحياة الاجتماعية . والمقولات هي تخيلات رمزية ذات نشاط فاعل ، ونحن نفعل مخيالنا ونحرك التصورات كذلك تنشط الذاكرة باستعادة الماضي . وفي التخيل كما قال علي حرب – تخيل الجسد – على سبيل المثال – أول صور الوعي كما قال لاكان وبالتخيل الخلاق ينفتح أمامنا الممكن وينكشف المحتمل ، ونتمكن بذلك من أن نعيد تركيب الأشياء وتدبير الأفعال من جديد . وهذا الجديد ، هو البطرياركية المتخيلة والأنوثة المزاحة .

* ما هي الدراسات المعنية ثقافياً ومعرفياً بمشروعك ثنائية الرجولة / والأنوثة .

- هذا سؤال يعيدني ثانية إلى الملحمة لأنه يستوعبها ، لكني سأحاول التركيز على واحد من ثلاثة كتب ، صدر عن دار المدى / بدمشق وهو / تأويل النص التوراتي / أسطورة نبات اللفّاح وعقائد الانبعاث الكنعاني .
سؤال متوقع ، لأن ثنائية الذكورة / الأنوثة ما زالت غائمة وهي تعني لدى الكثير مفهوماً اجتماعياً وانثربولوجياً مثلما هي ذات مركز في الدراسات الثقافية وكتابي – أسطورة نبات اللفّاح – واحد من ثلاثة كتب عن شخصية يوسف التوراتي وهو مشروع معرفي أعاد قراءة هذه الشخصية واتسع في بحث التشكلات الرمزية في التوراة وحصراً في سفر التكوين وهو السفر الأول والمعني بالتكوين والخلق ولأن أسطورة يوسف الموجزة جداً من ضمن هذا المجال الرمزي ، ولم تقرأ هذه الأسطورة قراءة تحليلية كاشفة ، قراءة قادرة على إنتاج المعنى ومضاعفة الدلالة والسعي البحثي الدؤوب من أجل ميتا – لغة وهذا بالضرورة يعني انبثاق شبكة من الرموز المتخيلة التي تمركزت حولها أسطورة نبات اللفّاح التي تعاملت معها ضمن نظام رمزي واسع جداً ، ابتدأ بسومر وأكد وكنعان وكانت الثنائية محوراً في هذه الدراسة وقدمت تأويلات عن الجدل الثقافي والمعرفي حول نسق الخصوبة والانبعاث وتجدد الحياة وبروز النسق الأنثوي في هذه الأسطورة هو الصاعد أنه النسق الرمزي وشبكته العلاماتية . وراحيل زوجة يعقوب لم تحقق خصباً رحمياً مثل نساء يعقوب فاضطرت للحصول على نبات اللفّاح الذي جاء به راؤبين واستعارته راحيل مقابل أن يذهب البطريك يعقوب وينام ليلاً مع لثية ، تناولت راحيل هذا النبات وتم تخصيبها من خلال اتصال رمزي وولدت يوسف ، هذه الأسطورة شكل من أشكال التبادل التمثيلي مع الذكورة الرمزية وليست البيولوجية وفي هذه الأسطورة عودة لسلطة الألوهة المؤنثة المستعينة بقدراتها من أجل الخصب ولتحقق وظيفتها الأمومية ، وهنا معاودة للأنوثة وتهميش للسلطة البطرياركية ، كل هذا عبر وسائط رمزية ومجازية ، لأن الأسطورة لا يمكن حيازة صفتها بمعزل عن الشعرية / الرمز والمجاز والاستعارة ، لأن الإنسان منذ البداية رمز ويعيش في محيط رمزي يحفز للتخيلات وكما قال يونغ ، التاريخ أسطورة والوعي توهم والذاكرة رموز ، إننا كائنات واقعة في الرمز ، ونحيا بالصور وفي الصور ، لأن الأشياء ليست بذواتها بل بدلالاتها بعضها على بعض ، والوقائع ليست بأعيانها بل برموزها كما قال المفكر علي حرب . وبالإمكان اقتراح إضافة بسيطة تطويراً لما هو سابق وإنه العلاقة بين التاريخ والأسطورة ، والوقائع الحيوية التي هي بحاجة إلى ذاكرة مستقبلية لا بد لها من التجاور مع الأسطورة وتتخندق فيها ، لأن الأسطورة هي التي تضفي اليوتوبيا عليه وتجعله حلماً ، فالتاريخ حي من خلال سردياته الأسطورية كذلك قال ستراوس بأن التاريخ يتضح لنا بوصفه الحلقة الأخيرة من مرحلة الأساطير . ويعني هذا بأن التاريخ متخندق في سرديات عجائبية / لا معقولة وأسطورية ، بحيث تعتبره نوعاً من هوية متخيلة .
* وفي أية بيئة تتضح ثنائية الذكورة / الأنوثة ؟
- سؤال يحافظ على وحدة الحوار وانسجامه معاً . تتضح أكثر في البيئات الزراعية والرعوية ، لأنها معاً أكثر إمكانية على التمظهر ووضوح الخصوبة ، والأساطير الخاصة بالخصب كثيرة . وأسطورة اللفّاح ما كان لها مثل ذلك الظهور ، لولا بيئة كنعان الرعوية / الزراعية بحيث كانت تلك البيئة تمثيلاً للفراديس ومن هنا جاءت التصورات العبرية وشبكات التوراة الرمزية . وأسطورة اللفّاح القصيرة جداً ، والمركزة للغاية ، هي بيئة خصب وشبكات رموز ابتدأت في سومر وسجلته النصوص المسمارية كذلك في النصوص الكنعانية ووجد هذا اللفّاح في الشرق قرب الفردوس وكما قال الأستاذ حكمت بشير الأسود / عندما قدمت الأنثى الفاكهة إلى الذكر عن طريق الإغواء والإغراء تزاوجا .
* البحث في الأساطير والميثولوجيا يعيد تصورنا عن العالم من جديد .. ولكن العالم يتحرك بفعل قوانين أخرى ، هل ثمة تصادم حضاري فكري بين مقولات أصبحت ثابتة ، حراك اجتماعي / مادي بفرض مقولات جديدة ؟ وأين نضع مشروعك الفكري من هذا الصراع ؟
- قراءة الأسطورة والعناصر الدينية المعروفة كالعقائد والطقوس تقدم تصوراً عن تجربة فريدة ، حصلت في البدء ، لكنها لا تتغافل إشاراتها لما يحصل واقعياً ، وقلنا بأن الأسطورة رمزيات / ومجازات والآلية البحثية تسحبها نحو المجال المرغوب فيه ، كاشفة عن تسيّد علاقات إنسانية ، وأخرى قمعية ، وتضيء هيمنة السلطة.
تومئ مغامرات الأبطال في الأساطير والملاحم الى نزوع إنساني للإفلات من السلطة الدينية / السياسية والسعي نحو فضاء مفتوح ، من هنا تشكل دور البطل الأسطوري في مزاولته للعنف ، مدفوعاً بسلطة المقدس ، كذلك يحاول إنقاذ نفسه من الذنب ، هذا بالإضافة الى أن الأسطورة تساعد الإنسان على تكوين رؤية أو موقف أكثر تبدّياً من المقدس وعنفه المستمر . والأسطورة ثابتة كمدونة ، إلا المتحرك فيها هي الكشوف والقراءات ودائماً ما تتنوع وهي قادرة على استيعاب الوقائع والتحولات اليومية عبر رموزها وارتحالاتها ، وهي أيضاً ذاكرة الجماعات القديمة ومشاكلها وأحلامها وطموحاتها ، وهي لا تكف عن التحول والتغير بسبب مقاصد مستحدثة ، إذ تغمر تلك المقاصد بدورها الأحداث التي ترويها كما قال المفكر كايوا .
دعني أقول لك بان القوانين الاجتماعية المتحكمة بالتحولات لا تختفي في الأساطير ، بل هي صاعدة ويعود ذلك للآلية الفاعلة فيها وكما قال ميرسيا الياد ، بأن الرموز والأساطير تعطي الإنسان فكرة أكثر وضوحاً عن المقدس بصفتها المنافذ البسيطة في مجاله . وأعتقد بأن فهم العالم أصعب إذا واجهناه بمعزل عن الأسطورة التي هي محكومة أيضاً بالتغيرات الحاصلة في العالم ويتم هذا عبر تنوع الدلالات المبتكرة لرموزها .
أما الشطر الثاني من السؤال الخاص بمشروعي وأين أضعه في هذا الصراع ؟ هذه مشكلة بالنسبة لي ، يفترض بالآخر أن يقول بهذا ، وأشعر دائماً بأن الآخر متخوف من الدخول لهذا المشروع ، لا أملك محاوراً ومعترضاً ودائماً أنا الوحيد الذي يتحدث طويلاً ولا أجد مختلفا بل تساؤلات كثيرة وهي تعني شيئاً بالنسبة للمثقفين . لكني مضطر للقول بان إعادة قراءة الآداب القديمة وما يتصل بها أمر في غاية الأهمية لأنه يضيء جذوراً مبكرة ويكشف عن ينابيع صعدت وبآليات الانتقال التدريجي ، خضوعاً لنسق تحولات المنظومة المعنية واستقرارها في دين لاحق وأعني بها الديانات الأرضية ومن بعدها الديانات اليهودية / المسيحية / الإسلام ، كذلك يمثل مشروعي الثقافي [ الأسطورة والتوراة ] استكمالاً لمشاريع عديدة في الوطن العربي مثل شفيق فقار / زياد متي / كمال صليبي / فراس السوّاح ... الخ وهذه المنجزات تنطوي على كشوف مهمة للغاية ، قدمت لنا هيمنة الأصول العراقية والسورية / الكنعانية / المصرية في الأسفار التوراتية ، وهذا أمر في غاية الأهمية للدلالة على أن الحضارات الكبرى قابلة بالحوار ومستجيبة له وكان تأثيرها كبيراً للغاية . وهذه التوصلات تزعزع المركزية الغربية التي تعاملت مع التوراة باعتبارها مأثرة وحيدة للإنسان الآخر وهي على العكس من ذلك . أنا أواجه دائماً صعوبات كبيرة لأن فحص الأسفار التوراتية عملية معقدة ، ويتعطل عملي لفترة طويلة ، حتى تحين لي فرصة التوصل الى مفتاح مركزي يفضي بي لاستكمال الدراسة . أهمية هذا المشروع فاعليته التنويرية التي تضع الأسئلة أمام المتلقي الذي يظل باحثاً عن الإجابة حتى يجدها هو ، ودائماً ما تكون الأجوبة سهلة ويسيرة . ولابد من توسع مجال قراءات الآخرين حتى تتكون في الحياة العامة استفهامات كلية عن آلية تكون الديانات وآلية صعود الأساطير والطقوس والشعائر مع تغيرات طفيفة كما قلنا ويحوز عليها الدين السماوي وتصير من ثقافته ، وعودة للعقائد والطقوس الإسلامية ، سنجدها وثنية وهي غفيرة ، لكن الإسلام كيفها ، أضاف عليها قليلاً أو حذف منها ودخلت ضمن عقائد وطقوس جديدة وتناست الذاكرة الفردية والجمعية الينابيع الأولى لها . عملنا معني بالعودة الى زمن سحيق وتقديم إضاءة جوهرية . وفي هذا الجواب تضمين لسؤال حول مشروعي الثقافي وأين أضعه ضمن مشاريع فكرية مماثلة . أما ما أدخر من كتب ؟ أتوقع صدور ثلاثة كتب لي عن دار المدى / دمشق وظل لي لديها سبعة كتب في الأسطورة والتوراة وملاحقة الأسطورة في الأدب . أعمل لاستكمال الجنس في أسطورة وأديان العالم وكتاب سليمان الذي سرق أناشيد دموزي / بحث في نشيد الإنشاد ، كذلك بحث قصير له تاريخ طويل عن المثلية بين جلجامش وأنكيدو وأعمل منذ سنتين على كتاب نقدي عن سركون بولص قاصاً ، وأرجو أن لا يستغرب من هذا الانجاز لأني متفرغ تماما لعملي الثقافي ومنذ أكثر من عشرين عاما ومنعزل كلياً وأوظف فراغي بطاقة قصوى .
* هل ثمة أمل في أن نجد نصوصاً عراقية جديدة وقد استفادت أو فتحت بيتها الفني على الميثولوجيا دون أن تفقد معاصرتها ؟
-الانفتاح على فكر النهضة والسعي لاستثمار توجهات التحديث في الشعر على يد جماعة الديوان وأبولو كان له انعكاس واضح ، تبدّى في الشكل والتشكيل ، لكنها ـ الأسطورة ـ في السرد غائبة ، وبرز اهتمام بالخرافة في محاولات جعفر الخليلي . لكني أعتقد بأن الظروف الموضوعية خلال الثمانينات أوجدت فضاء واسعاً للأسطورة وتميزت تجارب كل الذين استثمروها وإن تباينت الواحدة عن الأخرى ولم تفقد النصوص المستثمرة للميثولوجيا معاصرتها ، بل أشرقت بهية بقوة التحديث كما في الحكماء الثلاثة لمحمد خضير وقصص لطفية الدليمي وجهاد مجيد وأحمد خلف وجاسم عاصي ومحسن الخفاجي وحامد فاضل وفهد الأسدي ومحمود جنداري وجليل القيسي وناجح المعموري ومحمد خضير سلطان .
بودي الاشارة الى ان المسرح أعاد كثيراً عرض ملحمة جلجامش على وفق تصورات فنية جديدة وتخندقت الحركة التشكيلية في الأسطورة منذ الستينات كذلك النحت . الأسطورة رافد لا يقاوم وهي حاضرة دائماً وللأبد اعتماداً على لغتها .
• ثمة استجابة غير مدروسة من قبل المثقفين والكتاب العراقيين للإرث الثقافي القديم ، ترى ما هي السبل الناجعة لجعل ذلك الموروث شعبياً ومن ضمن مناهج الدراسة ؟
- تراجع الاهتمام بالموروث منذ بداية الثمانينات والإهمال أكثر وضوحاً بعد سقوط النظام السابق ؟ لأن الأحزاب الدينية تفهم الاهتمام بالتراث إحياءاً للوثنية والتراجع يتعمق بالتدريج ولا أتوقع تغيراً في موقف الوزارات المعنية ولا أجد ضرورة للحديث عن تفاصيل لمشروع إحيائي ، ومازال صعباً الاعتراف بالموروثات كدرس أكاديمي ، والتوجه نحو الحضارة العراقية وما أنتجت يحتاج وعياً عالياً وقناعة بما كان سائداً .. أنا متشائم .




.



#سعدون_هليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التفكير في العلمانية
- عن مظفر النواب
- حوار مع سامي كمال
- قصة
- مسؤولية المثقف في المجتمع
- حوار مع الفيلسوف العراقي د.حسام الآلوسي
- فينومينولوجيا الخطاب البصري
- حوار مع د. عامر حسن فياض
- مهدي العامل
- فاضل ثامر
- شجاع العاني
- قراءة التراث : في منهج هادي العلوي
- عن الميثولوجيا
- حوار مع د .نبيل رشاد
- ادوارد سعيد في كتابه -المثقف والسلطة-: الوعي النقدي في مواجه ...
- رضا الظاهر في حوار مع -طريق الشعب-:


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدون هليل - حوار مع ناجح المعموري