أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعدون هليل - حوار مع د .نبيل رشاد















المزيد.....


حوار مع د .نبيل رشاد


سعدون هليل

الحوار المتمدن-العدد: 3215 - 2010 / 12 / 14 - 14:23
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار مع الدكتور نبيل رشاد سعيد
حاوره: سعدون هليل



تعريف: الدكتور نبيل رشاد سعيد، غادر العراق منذ اواسط
السبعينيات الى جامعة عين شمس في مصر لدراسة الفلسفة وكانت رسالته للماجستير (فلسفة الطبيعة عند ليبتز) وأطروحته للدكتوراه (الفلسفة الوجودية عند نيقولا برديائيف).
الدكتور نبيل من المفكرين المهمين في الجانب الفلسفي وعلم المستقبليات ومن المثقفين المتنورين، ذهب الى جامعة (سبها) في الجماهيرية الليبية لمدة 12 سنة حيث شغل رئيس قسم علم المستقبليات وكذلك في جامعة (مصراته) لمدة 5 سنوات وعاد الى بغداد بعد السقوط ليدرس في كلية الاداب/ جامعة بغداد.
الدكتور نبيل مثقف ، تمثل الفكر العلمي منذ شبابه في الفلسفة والعلوم الانسانية، ونحن في حوارنا سوف نتناول دور الثقافة وعلاقتها بالفلسفة، وعن عصر العولمة وتاثيراتها على شعوب العالم في الدول الفقيرة والموقف من مصطلح الهوية والمحافظة عليها، وكيفية الوعي النهضوي في العالم العربي وطروحات مفهوم نهاية التاريخ ، جملة تساؤلات وضعناها أمام الدكتور نبيل، وكان سؤالنا الاول:



من موقعك كإستاذ فلسفة معاصرة .. ما هو دور المثقف العراقي في المرحلة الرّاهنة ؟
- تعتمد الثقافة أساسا على ما يسمّى "الحريّةالفكريّة"، وإن تطوّر ورقي الفكر عموما ينهض في ظل الدّيمقراطيّة، أما في ظل الأنظمة الدّكتاتوريّة فإن المفكرين أنفسهم يعيشون في سبات عقلي . لدينا عدد كبير من المثقفين والمفكرين والعلماء ، إلا أنهم منطوون على أنفسهم ينتظرون الزمن الذي تتاح فيه الحريّة ولا يتعرّضون للقمع . إن انطواء المثقفين أو الباحثين وانشغالهم بالأبحاث الأكاديميّة الخاصّة هو نكسة للفكر في العراق في المرحلة الرّاهنة. وهذا الكلام لا يبرر تخلّي المثقفين عن واجبهم ، بل يجب الانحياز إلى مجتمعهم والتضحية من أجل المبادىء التي يؤمنون بها. أننا في حاجة إلى " ثورة ثقافيّة " ، وإلى التخلص من " الجمود الفكري " ، والابتعاد بقدر ما عن " الأبحاث الأكاديميّة " التي، في أغلبها ، ليست في صالح المجتمع وفائدته ، فلا بد أن يكون هناك قدر من " البراجماتيّة " فيما نفعله وإلا تذهب أغلب طاقات المثقفين هدرا . وعلى العموم إن الثقافة ليست ترفا يتمتع بها فرد أو جماعة، إنما هو ضرورة أساسيّة حياتيّة لكل عصر، ويعد العلم أساسا لها، وروح الثقافة هو العلم.

نستطيع أن نسمّي الثقافة المعاصرة الرّاهنة " ثقافة ما بعد القرن العشرين أو " ما بعد الثقافة المعاصرة "، ونقصد هنا ثقافة القرن الواحد والعشرون، وهذه التسمية تشمل الثقافة الغربيّة.ان الثقافة العربيّة المعاصرة ليست التي تكتب باللغة العربيّة فقط ، فهناك كتاب عرب، وبالأخص في المغرب العربي يكتبون بالفرنسيّة، وإن أكثر آراؤهم تنصب حول الوطن العربي، وكلها تترجم إلى العربيّة.

وعموما فإن الثقافة هي مجموع الأفكار والآراء سواء منها العلميّة والتقنيّة، والدّراسات الإنسانيّة المختلفة التي تأسست في البلاد العربيّة.

أما العلاقة بين الثقافة العربيّة المعاصرة والثقافات الأجنبيّة : الأوربيّة والأمريكيّة والصّينيّة واليابانيّة فهنا نشير إلى تأثر ثقافتنا بالثقافة الأوربيّة ، ومن المعروف أن ثقافة الأقوى حضاريّا تؤثر في ثقافة الأضعف . ولا سيّما أن وسائل الاتصال المختلفة لها دور مباشر ، فضلا عن ترجمة الكتب والصّحف ، وأن كل ما يصدر في الغرب أو أمريكا يجد صداه في البلاد العربيّة .. فعندما صدر كتاب " صدام الحضارات " لصموئيل هنتجتن وجدنا رد الفعل في المحاضرات وتأليف الكتب وكتابة المقالات .... .




• ما هو دور العقل في الفلسفة المعاصرة ؟ وما هي الاتجاهات الفلسفيّة المعاصرة ؟

في الحقيقة إن الفلسفة المعاصرة لم تهتم كثيرا بالعقل في نظرية المعرفة ، وبكلمة أخرى إنها فلسفات لم تعط القيمة الكبرى للعقل ، كما فعلت الفلسفة الحديثة ، فالوجوديّة عبّرت عن نفسها بفكرة " اللامعقول " عند سارتر ، بل أن الفلسفة المعاصرة عموما جاءت معارضة لفلسفة هيجل العقليّة ، وأيضا الفلسفة " الظاهرتيّة " لم تعوّل على العقل بل " الحدس " أداة للمعرفة ، والبراجماتيّة لم تهتم بالعقل إلا كوسيلة عمليّة ولا قيمة للعقل بذاته .... . وفي هذا المقام لا بد أن نشير إلى أن ما يعرف بالفلسفة العقليّة كانت معروفة في الفلسفة الحديثة التي يمكن القول أنها امتدّت من سنة 1500 إلى 1800 .. ومن أبرزها فلسفة ديكارت الذي اعتمد العقل وسيلة لمعرفة الله والنفس والعالم . والعقليّون يرون أن العقل هو عماد المعرفة ويفضلونه على الحواس ، ووصل الاعتداد بالعقل ذروته عند الفيلسوف الألماني هيجل . أما الفلسفة المعاصرة فقد رفضت هذه الطريقة في التفكير واتجهت نحو التبسيط في صياغة المفاهيم الفلسفيّة التي تخلت عن المفاهيم العقليّة ذات التركيبات العقليّة الضخمة كما فعل كانط وهيجل مثلا .



• ما هو تصوّركم للدراسات المستقبليّة ؟ وما جدواها في بلداننا كالعراق مثلا ؟ ألم تكن المستقبليّة من خصوصيّات المجتمعات الأوربيّة المتقدّمة علميّا وتكنولوجيّا ؟

- في البداية، يمكن أن أشرح لكم باختصار ما معنى المستقبليّة؟ وما هو تعريفها ؟ إن الدّراسة المستقبليّة تعني التوقع أو التنبؤ بما سوف يحدث في الغد، فالمجتمعات الأوربيّة تمر بمرحلة متقدّمة من التطوّرات العلميّة والتكنولوجيّة وفي المجالات الالكترونيّة ... الخ. إن التقدم الحاصل في العلوم المختلفة ينعكس على المجالات السّلوكيّة والقيم الأخلاقيّة للمجتمعات الغربيّة .. مما يتطلب أن يتدارك المجتمع التغيرات التي تحدثها تلك التطوّرات العلميّة، وعكس ذلك سوف يصاب المجتمع وأفراده بـ "صدمة المستقبل "، لذا يجب توقع الاحتمالات المدروسة لمواجهة ما سوف تحدثه العلوم من تغيّرات .

ومن أشهر المفكرين المستقبليين هو الأمريكي " ألفن توفلر " ، الذي يرى أن المستقبل مجهول بالنسبة للإنسان ، ولكنه ليس مجهولا تماما ، فمن الأفضل - في رأيه - أن يكون شىء في أيدينا أفضل من أن لا يكون شيئا .

أما سؤلك عن جدوى الدّراسة المستقبليّة، فيمكن القول أن ذلك يجعلنا نتكيّف مع المتغيرات التي سوف تحدث، والتي تواجه الفرد والمجتمع. ومن أجل تفادي صدمة المستقبل، لابد أن تكون هناك قدرة على التكيّف مع المستجدّات التي تظهر، والتي تحدثها التطورات العلميّة - كما أشرنا - وانعكاساتها على رأس المال الاجتماعي أو " الأخلاق والقيم السّلوكيّة ". إن الأوربيين يمرّون الآن في مرحلة متقدّمة جدا " مجتمع ما بعد الحداثة " أو ما بعد المجتمع الصّناعي ، فلا بد من الاستعداد لما سوف يحدث في المستقبل من تأثيرات قد تكون مدمّرة للمجتمع بما تورثه من جرائم أو تمزق اجتماعي يشمل العائلة والمجتمع ككل . وعلى هذا فدراسة المستقبل لها فوائد عظيمة لتفادي مساوىء ما سوف يحدث في المستقبل . والذي يقوم بهذه الدّراسات الأفراد أو مراكز الدّراسات المستقبليّة أو الاستراتيجيّة .


• أما سؤالك حول تأثير الدّراسات المستقبلية على بلدان العالم الثالث كالعراق؟

إن الدول النامية ومنها العراق تعد من الدول المستوردة لمنتجات الحضارة الغربية كأجهزة الاتصالات والحاسبات... الخ، إلا أن استخدام الأجهزة وأدوات الحضارة ينعكس على سلوك الأفراد والمجتمع... وان كان تأثير منتجات الثورة العلمية على الأوربيين أقوى بكثير، لأنهم يعيشون التطورات العلمية بأقصى حد ، وهو الذي يؤثر على سلوك وأخلاق مجتمعاتهم . وفي كل مرحلة من مراحل التقدم تولد سلوكيات وقيم جديدة يجب التكيف معها وألا يصاب المجتمع بالتصدع في قيمه الأخلاقية. أن دراسة المستقبل تهدف إلى التقليل من تأثير صدمة المستقبل ‘ والمجتمعات النامية ومنها العراق يعاني من صدمة المستقبل ولو بصورة أقل مما يعاني منه الأوربيون ، وذلك لأننا نستخدم التطورات التقنية والالكترونية ووسائل الاتصال أيضا لكن ليس بالمستوى نفسه ،إن ذلك يؤثر أيضا على سلوكيات الأفراد والمجتمع ويعرضنا إلى كثير من المآسي الاجتماعية .. لذا يتطلب منا إعادة وضع "قيم جديدة" بدلا من تلك القيم التي سادت من قبل ، وأصبحت لا تلاءم المرحلة الجديدة .

• يقال لكل عصر وثنه. ووثن عصرنا العولمة . ما هي مكانة القومية في كل ذلك؟

لا أظن أن العولمة ـ كما تصفها ـ وثناً فالعولمة هي جملة ظروف معينة فرضتها قوى اقتصادية وسياسية واجتماعية ، وبالأخص التطورات التي تحدث في التكنولوجيا والالكترونات الكومبيوتر وغيرها ، كل ذلك جعل العالم " قرية صغيرة " أدّت إلى تقارب الدول والشعوب فيما بينها .
لا يوجد تعريف جامع مانع للعولمة، فالعولمة أصلا لم تكتمل بنيتها ، وهي عموما تعني تحرير ألاقتصاد والثقافة ... الخ . وللعولمة جذور تاريخية في الفلسفة اليونانية وفي الدّين الإسلامي - والعولمة فلسفة عامة تهدف إلى جعل العالم عالما واحدا لا حدود ولا موانع بين البشر .وهذه النظرة مستقبلية ، فليس من المعقول الآن فتح الحدود بين الدول لتنقل الأفراد والبضائع في زمننا الراهن .. بسب الخوف على الهوية من الذوبان في الآخر ، ومشكلة الإرهاب وغير ذلك .

وتوجد نظرتان للعولمة : الأولى ، ترى أن العولمة هي نوع من الاستعمار الجديد الذي يهدف الاستيلاء على ثروات الأمم الضعيفة حضاريّا . الثانيّة ، ترى أن العولمة أمر محتوم لا خيار لنا فيه، فالعالم كله يسير نحو العولمة ويشهد على ذلك نظام الشركات المتعددة الجنسيّات ، وفي رأي المؤيدين للعولمة أن العالم أصبح " قرية صغيرة " - كما يسميها مارشال ماكلوهان - لا بد لأصحاب هذه القريّة أن يعيشوا سويّة بوئام .

بقي من السؤال ، دور القوميّة في مجال العولمة .

في الوقت الذي نحن فيه مشغولون في تكريس الرّوح القومي والطائفي .. تجد المجتمعات الأوربيّة تعيش عصر ما بعد الصناعة أو عصر الموجة الثالثة " عصر المعلومات".. فأخذت تودّع حياة التكنولوجيا " عصر الصّناعة " التقليديّة .. إنها في المرحلة الرّاهنة تقوم ببيع مصانعها للدول الفقيرة التي ما تزال تعيش طور الزراعة الاولى... . إن بعض مثقفينا ما يزالون إلى الآن يعيشون مرحلة " الوعي القومي " . قد يكون للوعي القومي أثراً إيجابياً في مرحلة تاريخيّة معيّنة، إنها مرحلة انتهت ، وأصبح الفكر القومي الآن لا يمثل إلا التعصب وكراهيّة الآخر. إن الشعور القومي شعور حساس يخلق هاجس الخوف من الآخر ، وبالتالي الرّوح العدوانيّة كما هو عند النازيّة والفاشيّة ، فضلا عن " فوبيا " ضياع الهويّة أو ذوبانها في الآخر . وبالرغم مما يدّعيه حتى بعض المفكرين الأوربيين بالقوميّة والحفاظ على الهويّة ( هنتجتن ) ،إلا أنه من الواضح أن الدول المتقدّمة حضاريّا قد " نعت القوميّة " واعتبرتها مرحلة كانت وانتهت .

إن المستقبل لا يرحب بالمجتمعات القوميّة ، لأن ذلك يعني أنها تمر في طور من أطوار التخلف. علينا أن نبني مجتمعا جديدا ونعيش في كنف إنسانيّة الإنسان وليس في قوميّة الإنسان..

• ما المفهوم الذي تعطيه لمصطلح " الهويّة " ؟ وكيف يمكن للمثقف أن ينصهر داخل مختلف الثقافات مع الحفاظ على هويّته ؟

إن مفهوم الهويّة هو الصّفات الجوهريّة التي تفرّق بين إنسان وآخر، أي الصّفات التي تميّز شخص عن غيره، ونحن نسميها بالمصطلح الفلسفي بـ " الذاتيّة ". وبالمعنى نفسه هي الصّفات التي تتصف بها طائفة من الطوائف أو شعب من الشعوب .. ويمكن تسميتها " بالهويّة الوطنيّة " أو " الهويّة القوميّة " . والهويّة تتشكل من العرق، والدّين، والقيم، والسياسة أو الثقافة عموما وأبرزها " اللغة ". ولا بد أن يكون هناك إحساس أو وعي بهذه الصّفات.

أما وأنت تسألني عن الهويّة بصورة عامّة ورأيي الخاص بها، فأجيبك بأنني في غاية الاستغراب من تلك الآراء التي تصدر من مفكرين أوربيين وأمريكان في تأكيدهم على " الهويّة الوطنيّة " في بلدانهم. نجد ذلك، على سبيل المثال، في كتاب " من نحن " ؟ لصموئيل هنتجتون، الذي يدعو إلى تمسّك الأمريكان كشعب من المهاجرين بهويّة واحدة ، ورفع العلم الأمريكي .. هذا يجعلني أصفه كأنه أحد المثقفين القوميين في بلد من البلدان الأفريقيّة التي هي في طور الاستقلال والنهوض ، وفي الوقت نفسه يروّج كثير من مفكريهم " للعولمة " ونبذ الرّوح القوميّة والطائفيّة .. ويطالبون بفتح أسواق العالم للجميع .. على أساس أن العالم في طريقه لكي يصبح عالما واحداً،" قرية صغيرة واحدة " كما أشرت . والمفروض في عصر العولمة وحقوق الإنسان أن يملك سكان الأرض كلهم هويّة واحدة هي هويّة " الإنسان " .

أما الجزء الآخر من سؤالك وهو: كيف ينصهر المثقف داخل مختلف الثقافات مع الحفاظ على هويته ؟ استنادا لما قلته لك، إنني أشعر بأنني أعرف ذاتي أو هويتي من خلال الآخر ، وليس بمعنى أن الآخر هو عدو لي ، ولا خوف من الذوبان في الآخرين . وأرجو أن لا أكون " طوباويا "إذا قلت لا يوجد عرق من الأعراق نقي وصافي ، فالأعراق متداخلة والإنسان هو الإنسان في كل مكان . فهناك ملايين العرب هاجروا إلى أوربا إلى الأبد ، لذا يجب أن تسود فكرة " الإنسان العالمي " ، وليس الإنسان القومي محدود الأفق لا يقبل بالآخر الذي من شأنه أن يؤدّي إلى أن يسود الكره المتبادل بين البشر .

إن التأكيد على " الهويّة القوميّة " ينتهي إلى تمجيد الذات والتعصب للقوميّة والطائفيّة .. وهذا ما انتهت إليه الفاشيّة في إيطاليا والنازيّة في ألمانيا . واستنادا على ما تقدّم ، أنني أرى أنه لا خوف على المثقف من الانصهار في الثقافات الأخرى ، إنما الصحيح هو الاغتناء من تلك الثقافات والارتقاء حضاريا بما أنجزه الآخر الأوربي أو الصّيني أو الياباني .. الذي سبقنا بعلمه وفلسفته وفنه ... .

لو أخذنا أية فلسفة من الفلسفات المعاصرة لوجدناها لا تقتصر على إنسان بعينه كالإنسان الأوربي مثلا، إنما الإنسان في كل مكان.. فالفلسفة الوجوديّة التي يدور بحثها حول الإنسان ومعاناته، وهو الذي يتميّز عن سائر الكائنات الأخرى.. والفلسفة الماركسيّة والبراجماتيّة ... الخ كلها تهدف إلى الدفاع عن الإنسان.

ومن الواضح أننا نمر بمرحلة متخلفة ومتطفلة على الحضارة الغربيّة ... فنحن نستورد الفلسفة والمعلبات والسيّارات ... الخ ، أي أننا نعتاش على الفكر الأوربي وصناعاتهم . وإذا كنا نبحث عن كيان خاص أو هويّة ، فيجب أن نكون ضمن هذا العالم دون انطواء أو انكماش على الذات ، وإلا بقينا جامدين والعالم يسير إلى الأمام ، وأن العالم والزمن لا ينتظران أحد .

• كيف ترى أطروحات فرانسيس فوكوياما في " نهاية التاريخ " ؟ ما يزال هناك من يطرح مفاهيم " نهاية التاريخ "، فما هو هذا التاريخ الذي أعلن عن نهايته ؟

ظهرت أفكار فوكوياما حول فكرة أساسيّة طرحها كتابه " نهاية التاريخ وخاتم البشر " ، وفيه أعلن عن انتصار الليبراليّة الديمقراطيّة على الأنظمة الملكيّة والجمهوريّة والشيوعيّة ...، والذي شجعه على ذلك هو انقسام الإتحاد السوفياتي إلى عدّة دول، وتغيير نظامه من الاشتراكي إلى الرأسمالي أو اقتصاد السوق .

لقد ذكرنا أن الليبراليّة الديمقراطيّة - حسب فوكوياما- هي النظام الوحيد الذي يمكن أن يستمر ويتلاءم مع الظروف وبالتالي يعد نهاية التاريخ ، ولا بد من التوضيح أن فوكوياما لا يقصد بنهاية التاريخ بتوقف التاريخ عند النظام الليبرالي .. إنه يرى أن هذا النظام أفضل الأنظمة .

وإن فوكوياما يعنى بنهاية التاريخ بموجب تفسير " فلسفة التاريخ " ولا سيّما أنه متأثر بفلسفة هيجل، الذي جعل للتاريخ نهاية في قيام المجتمعات الحرّة في عالم الواقع . وفوكوياما لا يعني بنهاية التاريخ توقف إصدار الصّحف ، ولا يعني انتهاء المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة ، بل أن هذا النظام هو أفضل الأنظمة الممكنة ، إنه يقول بعدم وجود أيديولوجيا أخرى تصلح للعالم غير الليبراليّة الديمقراطيّة ،من هنا جاء قوله في نهاية التاريخ .

• أين نهضتنا نحن العرب من النهضة الغربية ؟

بعد سقوط الحضارة العربية الإسلامية والخروج من الأندلس سنة 1492م ،سادت مرحلة التخلف، في الوقت الذي فيه نهضت أوربا من سباتها واتجهت للعلم والتكنولوجيا والتنظير لحضارة جديدة. أما بالنسبة لنا فقد بدأت معالم تحديث جديد للفكر العربي الاسلامي . لقد مرت مجتمعاتنا بثلاث مراحل لتأسيس المشروع النهضوي، الأولى امتدت في القرن التاسع عشر، وفشلت بسب الاستعمار الغربي والتخلف لدى الشعوب الإسلامية و أشهر أعلامها الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي ،أما المرحلة الثانية وهي انتعاش الفكر القومي وتشمل هذه المرحلة منتصف القرن العشرين، وفي تلك المرحلة تشكلت تنظيمات سياسية قومية تدعو إلى القومية والوحدة العربية ، ولكن هذا المشروع القومي فشل بسبب عدم الوضوح في الأهداف ومرحلة اتصفت بالجهل العام وان أصحاب المشروع النهضوي طرحوا أفكارا شوفينيّة عقائدية ودكتاتورية سياسيا - أما المرحلة الثالثة وهي المرحلة الراهنة فهي مرحلة تتصف بالوهن والضعف وعدم الوضوح لطرح أي مشروع نهضوي باستثناء بعض الآراء الفردية من بعض المفكرين الذين يحاولون السير على نهج الغرب الأوربي التحديثي ، وإذا أردنا فعلا حالة نهوض حضاري لابد من أن تتوفر الشروط الملائمة لظهور النهضة والحداثة . وهذه تتطلب الأخذ بالعلم، بما سبقنا به الآخرون ، مع نبذ الدكتاتورية بأنواعها والأخذ بالديمقراطية والشفافية، وأنظمة اقتصادية تلائم المرحلة التي تمر بها الأمم في عصر العولمة، أي أنماط جديدة في الاقتصاد، و حقوق الإنسان العربي والمسلم...الخ .

إن أوربا ومنذ القرن الخامس عشر استطاعت أن تنطلق بحضارة ما زالت في تقدّم مستمر من الانجازات المذهلة ، وهي الآن في عصر الالكترونات، والكومبيوتر ، وكل ذلك جاء نتيجة تراكم ثقافي لثلاثة قرون .

أمّا نحن فنعيش في مرحلة بطيئة وضعيفة الخطى، وبالأخص إذا قارناها مع سرعة سير الحضارة الأوربيّة ومنجزاتها الاقتصاديّة والعلميّة والاجتماعيّة. ولقد أشرنا بأن للحضارة والنهوض شروط. ونلاحظ أن العراق بدأ يسير على الطريق الديمقراطي ولو بصورة بطيئة وبأخطاء كثيرة.. وهذا أمر طبيعي .. إلا أن هذا عمل تاريخي لا بد أن يدفع شعبنا ثمنه غاليا ، واقصد ثمن نهج الدّيمقراطيّة ، لأن هناك فئات متزمتةٌ وعقول متحجّرة ترفض التحضر باسم الحفاظ على قيمنا وتقاليدنا .. وهناك آيات قرآنيّة وأحاديث كثيرة للرسول الكريم محمد (ص) تخص هذا الموضوع، تدعو إلى نبذ التخلف وعدم التمسك بأساطير الأولين.

أما ما تقوله عن : أين نهضتنا نحن العرب من نهضة الغرب ؟

فأقول لك هناك اختلاف كبير بينهم وبيننا، ويمكن القول أن طرق النهوض هي:
أولا: الأخذ بالديمقراطيّة ، إن الأوربيين مارسوا الدّيمقراطيّة ودفعوا ثمنا غاليا في صراعات داخليّة وحروب عالميّة .. وعن طريق الدّيمقراطيّة استطاعوا أن يفجّروا الطاقات الإبداعيّة لبناء حضارة لهم. علينا أن نستفيد من تجاربهم ونقطع مراحل كثيرة، ونتجاوز الأخطاء التي وقعوا فيها.. وقبل كل شيء أن نوطن أنفسنا على الدّيمقراطيّة حتى تصبح جزءاً طبيعياً في حياتنا. والديمقراطيّة تعني إيجاد نظام سياسي راسخ مع قبول الآخر المخالف .

ثانيا: مشكلتنا أيضا في غياب الوعي بالحرّيّة، الحرّيّة السياسيّة، والاجتماعيّة، وهذا الأمر يتصل بالدّيمقراطيّة كذلك.

ثالثا: غربلة التراث وقراءته قراءة ملائمة لروح العصر .. مع احترامنا لتراثنا الذي يدفع للإيمان ويكرّس حب العلم، ويساعد على التخلص من الاستبداد والضعف.







*المادية التاريخية من القضايا الأساسية في الفلسفة فما رأي أنطونيو غرامشي بها –وهل له رأي مميز فيها؟

-في رأيي ان الفكرة الأساسية في فلسفة انطونيو غرامشي هي، فعلا تفسيره للمادية التاريخية لأنها مسألة حاسمة بالنسبة للفلسفة الماركسية عموماً.. وأقصد فكرة "حتمية التاريخ" التي يؤمن بها كثير من المفكرين بأنها أشبه بالقوانين العلمية للظواهر الطبيعية، فظاهرة تعاقب الليل والنهار متكررة وحتمية، على الأقل، من خلال تكرارها منذ آلاف السنين، أنها تحدث بدون تدخل أنساني. وهكذا يرى بعضهم ان الصراع الطبقي بين بين طبقات المجتمع تسير دون تدخل أنساني بصورة موضوعية وعلمية.. وهذه المراحل هي التي تبدأ بالمشاعية البدائية وظهور الإقطاع وبعدها ظهرت البرجوازية ثم الرأسمالية والاشتراكية وبعدها سوف تظهر الشيوعية العلمية كل ذلك يجري بصورة علمية موضوعية حسب اعتقاد بعض الماركسيين.
يرفض غرامشي (1891- 1937) هذه الطريقة في التفسير "تفسير التاريخ" ويرى بأنه لا يوجد شيء في التاريخ يمكن التنبؤ به كما تفعل العلوم الطبيعية، أننا أمام ظاهرة اجتماعية يكون الإنسان فيها الدور الفعال، ومرة أخرى أننا لسنا أمام ظاهرة طبيعبة لكي نستطيع التنبؤ بما سوف يحدث في المستقبل. وأن غرامشي يسمي الذين يقولون بأن المادية التاريخية تسير بدون تدخل إنساني يسميهم بأصحاب "المادية المبتذلة".
وهكذا كان غرامشي حاسماً في نقده للمادية التاريخية بالمعنى الحتمي.. ومن ابرز ما نذكره انه رفض رأي نيقولا بوخارين 1938 واعتبره مادي ومزيف.
- اعتقد ان سارتر اصدر كتاباً بعنوان "نقد العقل الجدلي" حاول فيه ان يقترب من الماركسية، في موضوع المادية التاريخية بالذات، فهل اصبح سارتر ماركسياً فعلا؟ نرجو تسليط الضوء باختصار على هذه القضية؟
-لقد ألف سارتر كتاباً عنوانه "نقد العقل الجدلي" وفيه اقترب من الماركسية، ولكن لن يصبح ماركسياً، إلا انه كان معجباً بالتفسير الماركسي للتاريخ في كتابه المذكور، ولكننا نستطيع القوا انه اقترب كثيراً من رأي غرامشي في مسألة المادية التاريخية.
رفض سارتر اعتبار المادية التاريخية علماً يعمل كما تعمل ظواهر الطبيعة التي تمكن الإنسان من استنباط القوانين منها، وهناك نقطة هامة في تفسير سارتر للمادية التاريخية وترتكز على فكرة التصريح.
* وماذا يقصد سارتر بفكرة التصدع في تفسيره للتاريخ؟
-لما كانت الماركسية تغير سير أحداث التاريخ على أساس التناقض والصراع بين الطبقات لأسباب اقتصادية، فأن سارتر يرى بأن الصراع ليس مهما في التطور التاريخي بل يحدث ما يسميه "التصدع" أي يحدث خلل يغير في سير المجتمع يؤدي الى التناقض وبالتالي يجعل المجتمع يسعى الى التغيير او التصحيح الذي بدوره يدفع التاريخ خطوة للامام وهكذا.. وهذا يعتمد على البشر (الانسان) فهم الذين يغيرون الواقع وهم الذين يخلقوا (مركبا) جديدا من القضية ونقيضها بموجب الطرح الهيجلي.
لقد كان سارتر يأمل في التوافق بين الماركسية والوجودية واكن هناك فرق بينهما وهو ان الماركسية فلسفة "مجتمهية" في حين ان وجودية سارتر تؤكد على الإنسان الفرد.



أ- الكتب والبحوث المنشورة للدكتور نبيل رشاد سعيد:
1-فلسفة الطبيعة عند بيتز
2-مدخل الى علم الجمال/ طبعة بيروت
3الفلسفة الوجودية عند نيقولا برديائيف/ بيروت

أهم الدراسات الفلسفية المنشورة:
1-فلسفة التاريخ عند كلود ليفي شتراوس
2-النزعة الانثربولوجية عند دستويفسكي
3-الفلسفة وضرورتها وجدواها
4-التفكيكية –المعنى- المصطلحات- الاستراتيجية
6-حضارة الموجة الثالثة والوعي الكوني
7-ادعاء العلمية في الفلسفة الوضعية المنطقية
8-الغاء العمل عند هربرت ماركيوز
9-اثر الرياضيات في العلوم الطبيعية
10-حضارة الموجة الثالثة والوعي الكوني
11-سارتر والمادية التاريخية.



#سعدون_هليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ادوارد سعيد في كتابه -المثقف والسلطة-: الوعي النقدي في مواجه ...
- رضا الظاهر في حوار مع -طريق الشعب-:


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعدون هليل - حوار مع د .نبيل رشاد