أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعدون هليل - حوار مع د. عامر حسن فياض















المزيد.....



حوار مع د. عامر حسن فياض


سعدون هليل

الحوار المتمدن-العدد: 3235 - 2011 / 1 / 3 - 16:15
المحور: مقابلات و حوارات
    


اسئلة الثقافة وأجوبة السياسة
حول دور تعليم الثقافة السياسية في تعزيز الوحدة الوطنية العراقية
حوار مع د. عامر حسن فياض

سنحاول في هذا الحوار مع الدكتور عامر حسن فياض عميد كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد ان نبحث في العلاقة ما بين الثقافة والتعليم والوحدة الوطنية منطلقين من فرضية تفيد ان محدودية الدور الثقافي الديمقراطي يمثل عائقاً رئيساً من عوائق تعزيز الوحدة الوطنية العراقية.

* ما هي الثقافة؟ وما هي انواعها؟ واي نوع منها يعزز الوحدة الوطنية؟ وما الدور الذي يلعبه تدريس وتعليم هذا النوع من الخطابات الثقافية في تعزيز الوحدة الوطنية العراقية؟
د. فياض: ان الثقافة التي تعنينا هنا هي ليست الثقافة بمعناها المجتمعي العام الواسع بل الثقافة في بعدها السياسي ويمعنى أدق (الثقافة السياسية) فما هي الثقافة السياسية؟ يرى موريس ديفرجيه ان الثقافة السياسية جزء من الثقافة السائدة في مجتمع معين، غير انها بمجموع عناصرها تكون تركيبا منظماً ينطوي على طبيعة سياسية. ويتأكد كم كعنى الثقافة السياسية على مستويين: مستوى الفرد ومستوى النظام. فعندما نركز الاهتمام على الفرد فأن بؤرة الثقافة السياسية تصيح نفسية في جوهرها وينصب ذلك على كل الطرق المهمة التي يتوجه الفرد بها ذاتياً نحو العناصر الاساسية في نظامه السياسي، أي كيف يشعر الفرد وكيف يفكر بالرموز والمؤسسات والقواعد التي تكون النظام السياسي في مجتمع ما؟ وكيف يستجيب؟ ومن ناحية اخرى ما هي الروابط بينه وبين المقومات السياسية لنظامه السياسي، وكيف تؤثر هذه الروابط على سلوكه؟ وهذه المعاني للثقافة السياسية بهذا المستوى تدل على نزوح سلوكي فردي او جماعي ازاء النظام السياسي، في حين ان الثقافة السياسية تنطوي على مجموعة من القيم والمعتقدات والعواطف. وفي هذا الصدد يرى (غابريل الموند وسدني فربا) الثقافة المدنية وعلاقتها بالاتجاهات السياسية والديمقراطية في خمس امم حيث ان الثقافة السياسية تتكون من عناصر ادراكية هي المعرفة، وعناصر عاطفية هي العواطف، وعناصر تقييمية هي القيم.
والثقافة السياسية هي، في وقت واحد، كل ما نعرف وكل ما نشعر وكل ما نعتقد بشأن السياسة. بيد ان هذا التحديد عام جداً بحيث ينطوي على كل توجه يتعلق بالسياسة، ولذلك فأن هناك من يقصر الثقافة السياسية فقط على التوجهات نحو المؤسسات السياسية الوطنية، أي توجهات الناس ازاء السلطة القائمة والنظام السياسي القائم اعتماداً على قيم ومعتقدات شائعة تستمد من إطار ثقافي موروث او وافد.
وانطلاقاً من ذلك نجد أنفسنا أمام ثلاثة أنواع من الثقافات السياسية تقسم بناء على مستويات تطور المجتمعات كما عرضها عالم الاجتماع الألماني (ماكس فيبر) وهي الثقافة القديمة، وثقافة الخضوع، والثقافة المساهمة.
ان الأنواع الثلاثة المذكورة من الثقافة السياسية، تنسجم كل واحدة منها مع بنية سياسية موصوفة كما يرى (الموند وفريا) فالثقافة القديمة تنسجم مع بنى سياسية تقليدية غير ممركزة، بينما تتلائم ثقافة الخضوع مع بنية سياسية سلطوية ممركزة، وأخيرا تتلائم ثقافة المساهمة مع بنية سياسية ديمقراطية.
والجدير بالذكر ان هذه الانواع الثلاثة من الثقافات لا توجد بصورة خالصة ومستقلة عن بعضها في المجتمع بل هي متداخلة فيما بينها، ولكن قد تبدو واحدة منها مهيمنة او قد تبدو بعضها متعايشة مع البعض الآخر حسب المستويات الثقافية والحضارية للسكان في المجتمع، وتلك المستويات لا تنفصل عن مستويات التطور العام الذي يعيشه المجتمع.

الثقافة الموروثة والوحدة الوطنية:

* هل تسعفنا الثقافة التقليدية الموروثة في تعزيز ثقافة المساهمة وبالتالي في تعزيز الوحدة الوطنية؟
د. فياض: لا مرية في ان الاسلام كان قد استغرق معظم الاطار المعرفي للموروث الثقافي المعاش في الشرق المسلم وضمنه العراق. وكجزء من تحديات الهجمة الاوربية العسكرية- الثقافية كان لابد للشرق المسلم من استحضار الموروث الثقافي. غير ان عملية الاستحضار هذه تمت على عجالة. فقد انشغل المستحضرون باستحضار الاصول قبل الفروع وتشعباتها وتفاصيلها الدقيقة. وتلك الاصول كانت قد تمثلت بالمبادئ التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية وممارسات الخلفاء الراشدين، لاسيما وانها مبادئ ظلت مستقرة في الوعي الجمعي الإسلامي. أي بمعنى ادق، أنها كانت سهلة الاستحضار في التصدي للغرب.
وفي استجابتهم لتحدي الغرب لم يكن الإسلاميون على رأي واحد. فمنهم من رأى ان لا صلاح للإسلام الا بما صلح به اوله، ورأوا ان لا امل في النهضة والتقدم الا بعودة مجد الاسلام ايام الرسول والخلفاء الراشدين، ومنهم من رأى ضرورة البحث عن صيغة إسلامية جديدة للنهضة مستمدة من اصول الشريعة الاسلامية وصحيح السنة. ومنهم من تسامح وقبل باقتباس بعض "بدع" الغرب التي لا تتعارض مع الشريعة الاسلامية.
وقد رغب المصلحون في تغيير النظام الاستبدادي الذي دافع عنه المحافظون بواسطة العودة الى المنابع الاصلية للإسلام الشوروي. فهل تستجيب الشورى للديمقراطية لتشكل مصدراً من مصادرها؟
الحقيقة اذا كان حجة وجود الشورى في الخلافة الاسلامية لا تثبت الديمقراطية السياسية بالمعنى الحديث، فأن هذا في الأزمنة الحديثة، لا يعني ان الديمقراطية السياسية تتعارض تماماً مع كل مفاصل الموروث الثقافي. فعلى صعيد الفكر التحديثي الاسلامي نالت الحركة الدستورية ونظام الحكم التمثيلي او النيابي موافقة المصلحين المسلمين على اسا انما ينسجمان مع المبادئ الاسلامية في الحكم. وعلى اساس ذلك استحضر مفكروا عصر النهضة في العالم الاسلامي جزءاً من الموروث الثقافي الاسلامي ليكيفوه مع مقتضيات العصر وقيمه الحديثة فظهرت كتابات خير الدين التونسي والطهطاوي والكواكبي وعبده ومحمد رشيد رضا والآلوسي وكلها كانت تحاول ان تثبت موائمة الافكار الحديثة ومنها الديمقراطية السياسية مع روح الاسلام وتعاليمه.
وبهذا يستطيع المرجع المعرفي الموروث ان يساهم بشكل او بآخر في شق ترعة تصب في خلق ثقافة مساهمة لحل مشكلة الديمقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية في العراق بقدر ما يمثل هذا الموروث سبقاً، ثقافياً موروثاً لم يرفض الديمقراطية والفكر الديمقراطي بل يستطيع استقبالهما والترحيب بهما وتقبلهما كبنية سياسية.
اذاً، فالثقافة الموروثة في العراق ان لم تكن المسعف الأساسي في اقامة بنية سياسية ديمقراطية فانها لن تقف عائقاً في طريق تشييد مثل هذه البنية.
اما العائق فيبقى متمثلا بثقافة الخضوع التي تتعامل مع أنواع الثقافات الاخرى من موضع المهيمن.

ثقافة الخضوع والوحدة الوطنية:

*هل يعني ان ثقافة الخضوع لا تخدم الوحدة الوطنية، بل انها تمثل النعارض والمغاير للوحدة الوطنية؟
د. فياض: من الجدير بالذكر القول ان ثقافة الخضوع في العالم العربي الاسلامي هي بنت تطور تاريخي سياسي يمتد الى عهود بعيدة. فقد عملت السلطات العربية والاسلامية الحاكمة في مرحلة ما بعد نيل الاستقلال السياسي على اغراق الشرائح الاجتماعية بطوفان من الغرائز الفطرية وتوظيفها واضفاء هالات القداسة عليها. فالوطن تحول مثلا الى مفهوم مجرد تماماً، والنظام تحول الى وثن يستلب من الانسان أي قدرة على مناقشة اوضاعه، فاصبحت المطالبات السياسية من المحرمات على الجموع الشعبية. والابناء العام للمجتمع اصبح يقوم على افتراض واحدي متعسف يمثل انتكاساً للافكار التعددية لتصبح السلطات الحاكمة هي وحدها مالكة حق تفويض نفسها للتعبير عن الكل ويصبح فكرها هو ايديولوجية الكل في واحد.
في حدود ثقافة الخضوع هذه اجبر المواطن على وحدانية السلوك والامتثال. وبالنتيجة كانت العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة تنزع الى خلق جمهور يكرر ما تقوله السلطات الحاكمة، ويجهل كل مسألة علاقة بالفكر النقدي. اما الهيمنة والخضوع على صعيد الافكر فسوف تكون بالفكر الممتثل، ويقوم هذا الفكر على مبدأين: عبادة المثال وعبادة الثبات، فالسلطة هي كمال مطلق ونقدها زندقة. ويتضمن الفكر الممتثل ايضاً ضرورة الترديدي والتكرار الآليين والاعادة الببغائية التي تنكر على العقل النقد والتقويم والحذف والاضافة والتي تكرس منطق الصمت والسكوت وتثبيت واقع الحال.
وفي ظل ثقافة الخضوع تبقى السلطة هي الناطقة والمواطن هو الساكت وبهذا ينتفي كل جديد ومبتكر وابداعي، وتصبح ثقافة الخضوع منحطة لا تعرف السؤال ولا الجواب لانها ثقافة "نعم" فقط، كما انها تمدد في عمر واقع الحال المتردي وتكرس الهزيمة باشكالها المتنوعة:
• هزيمة الانسان ومبادرته وقدراته وتحويله الى آلة عاطلة صدئة او الى بنيان هروبي يبحث عن مصلحته الذاتية الانانية قبل بحثه عن الوطن.
• هزيمة الفكر وحركته وانتاجه المبدع ودوره في صياغة واعادة صياغة الحياة والمجتمع.
• هزيمة قوى الشعب وتثبيتها في واقع يائس، وجرها الى الماضي في اكثر اشكاله ظلامية وجهلاً.

ثقافة الساهمة والوحدة الوطنية
*وتأسيساً على ما تقدم فان ثقافة الخضوع لا تسعف في حل مشكلة الديمقراطية ولا في تعزيز الوحدة الوطنية في العراق بل انها ستشكل النقيض لبنية سياسية ديمقراطية. وتلك الثقافة هي الثقافة التي هيمنت على العراق الجمهوري سيما في مراحله الأخيرة قبل سقوط النظام السابق. وماذا عن دور ثقافة المساهمة في تعزيز الوحدة الوطنية؟
د. فياض: بالتداخل مع ثقافة الخضوع نتلمس ملامح ثقافة المساهمة في العراق والعالم العربي الاسلامي. وفي اساسيات ما تتطلبه وتتطلع اليه هذه الثقافة الوليدة هو ان "يكون المواطن على مستوى عال من الوعي بالامور السياسية ويقوم بدور فاعل فيها، ومن ثم يؤثر على النظام السياسي بطرق مختلفة كالمساهمة في الانتخابات او المظاهرات، او تقديم الاحتياجات، فضلا عن ممارسة نشاط سياسي من خلال عضوية في حزب سياسي او جماعة ضغط".
ويفيد مما تقدم ان الثقافة المساهمة تقوم على ركيزتين: الاولى: هي حقوق المواطنة والثانية: المشاركة في صنع القرار.
وفي الحالتين فان هاتين الركيزتين تعتمدان احترام حقوق الانسان داخل العراق. وان حاجة الثقافة المساهمة لـ"مواطن على مستوى عال من الوعي بالامور السياسية" يدفع الى ضرورة ايجاد جذور المواطنة وتعميقها في العراق. والمواطنة ليست حقوقاً فحسب، ولكنها واجبات ايضاً. والمواطنة شعور بالالتزام وشعور بالانتماء وشعور بالولاء تدعمها رغبة صادقة وعزيمة اكيدة في تجسيد ذلك الشعور عملاً وعطاءً. وليس ثمة شك في انه حينما يتحقق ذلك الشعور فأن مردوده على الانسان العراقي ينتظر ان يكون ايجابيا وسيستفيد من عطائه وعمله، بيد ان حقوق المواطنة في العراق وفي معظم بلدان المنطقة، هي حقوق مسلوبة بسبب درجة الانفراد في اتخاذ القرار من قبل السلطة.
اذ كلما زادت درجة الانفراد في اتخاذ القرار كلما تضاءل دور الانسان في صنع القرار في مجتمعه، وكلما اصبح الانسان على الهامش وافتقر الى الشعور الذي يحفظ عزته وكرامته. وهو حين يفقد ذلك قد يفقده شعوره بالانتماء والولاء في ظل هذا الوضع، وينتهي عنده الحماس والاخلاص للبذل والعطاء. وفي المجتمع العراقي عموماً لا تزال المرتكزات القبلية او الاسرية او الطائفية او الاثنية او كلها قائمة وان تفاوت ثقل مرتكز على الآخر بين قترة واخرى. ان المواطنة الحقيقية لا تتحقق في ظل الانفراد في اتخاذ القرار، بل انها تقضي ان يقوم المواطن بدور فعال في اتخاذ القرار، كما انها تقضي ان يقوم المواطن بدور فعال في الامور السياسية ومن ثم يؤثر في النظام السياسي بطرق مختلفة. اذاً الثقافة السياسية المساهمة ترتكز ايضاً على ضرورة المشاركة في صنع القرار بوصف هذه المشاركة مرتكزاً اساسياً للوصول الى القرار الافضل، اضافة الى كونها حقاً من حقوق المواطنة. وفي العراق، اذا كان هناك جدلاً حول كيفية المشاركة وانماطها فانه ليس من الضروري ان تكون تلك المشاركة جدلاً حول كيفية المشاركة وانماطها في سياق الكيفية او النمط الغربي. ولكن لابد ان تكون المشاركة فعالة غير صورية كما هو الحال في اكثر بلدان المنطقة العربية والاسلامية.
وفي هذا الشأن ستعني الثقافة السياسية المساهمة مشاركة فعالة من القاعدة المجتمعية التي تفرض ارادتها على الساحة وتنبثق منها السلطة السياسية. ولهذا فأن المرتكز الرئيس للسلطة السياسية في ظل سيادة ثقافة المساهمة سيتمثل بالقاعدة المجتمعية، وارادة السلطة ضمن هذا المعنى ستكون مرتكزة على الارادة المجتمعية وتستمد منها قوتها وشرعيتها واستمرارها.
بيد ان الثقافة المساهمة لا تتطلب بالضرورة مشاركة مباشرة من جميع المجتمع في صنع القرار، ذلك ان مثل هذا المطمح غير ممكن عملياً الا من خلال قنوات تمثيلية منظمة يتحقق فيها ومن خلالها قدر من المشاركة في اختيار من يكون لهم دور مباشر في صنع القرار.
والتجارب البرلمانية في المنطقة العربية والاسلامية بوصفها قنوات تمثيلية منظمة من هذا النوع كانت قد واكبتها عثرات وثغرات. وقد دلل اجهاض هذه التجارب اكثر من مرة على ان مرتكزات هذه التجارب كانت غير راسخة. ومن ناحية اخرى دللت ايضاً على ان السلطة السياسية ما زال باستطاعتها الغاء دور القاعدة المجتمعية. ولقد بدت هذه القاعدة بالمقابل غير قادرة على فرض ارادتها. وكل ذلك يؤكد حقيقة مهمة هي ان السلطة السياسية قد تقبل باطار مؤسسي لارادة مجتمعية، ولكنها تحاول ان تفرض سلطتها على هذا الاطار المؤسسي او تجعله يسير فوق ارادتها.
ومن ناحية اخرى فأن الثقافة المساهمة لا تعني ان جميع الافراد يحظون بالقدر نفسه من السلطة، او يحصلون على القدر نفسه من المردود، او يحظون بالمستوى الوظيفي نفسه، اذ ان هذه الامور غير عملية، وغير عادلة. فالمعروف ان الافراد يختلفون في قدراتهم ومهاراتهم. كما يختلفون في مقدار الجهد الذي يبذلونه، ومن ثم فأن المنطق يقضي ان يكون المردود على اساس المجهود، والحافز على اساس العمل.
بيد ان ذلك لا يمنع في ظل العمل على نشر ثقافة مساهمة، ان يكون لجميع الافراد على السواء حقوق مواطنة متساوية وهذه الحقوق هي الركيزة الاساسية لتحقيق وحدة وطنية عراقية. تتمثل في حدها الأدنى بـ:
أ- حرية الفرد في التعبير. ب- الحرية الشخصية. ج- الامان.
بعد تحقق كل من حقوق المواطنة والمشاركة المجتمعية في صنع القرار ستمثل الثقافة السياسية المساهمة تعبيراً عن مصالح الانسان العراقي، كمدافع عن الفرد والقيم الإنسانية والوطنية، وكراية تبشر بالعقلانية واحترام العقل. والثقافة السياسية المساهمة في طموحاتها تدافع ايضاً عن الاستقلال الوطني والتحرر الاجتماعي وتتابع في مسارها ونضالها الثقافة الوطنية المرتبطة وتاريخ نضاله في الماضي والحاضر مبشرة بمستقبل عراقي جديد.
والثقافة السياسية المساهمة في مسارها المبشر بالحرية والتقدم هي صوت العقل والتنوير الذي يتصدى لكل اشكال الثقافة الكونيالية والغيبية التي تهدف الى تدمير الوطن والشعب والانسان والثقافة، وهي بهذا المعنى تدافع عن وضع الثقافة بدلالاتها من حيث كونها اداة لخدمة الانسان. ووسيلة للتغيير والابداع وتفتح العقل وتحرر الشخصية. وهي ايضا ثقافة لا تهرب الى تاريخ توارى ولا الى مستقبل لم يأت بعد. ولا تخلع الحاضر من حاضره وتمايزه لتلقي به مكان وزمان هجينين.
لذلك ان الثقافة السياسية المساهمة هي ثقافة وطنية ديمقراطية ابداعية تدافع يومياً عن كرامة الانسان وترفع صوتها ضد اجتياحه وتهميشه. وهذه الصفة خلاصة لكل الصفات التي تتمتع بها الثقافة المساهمة فهي مستلزم مهم من المستلزمات السياسية لحل اشكالية التحول الديمقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية في عراق اليوم والغد.

*ودون سيادة وشيوع هذه الثقافة فان الخوف، كل الخوف، ان تظل التحولات الديمقراطية والوحدة الوطنية في عراق اليوم والغد كالاحجار الكريمة في مستنقع آسن بالاستبداد والتخلف أليس كذلك؟
د. فياض: نعم.. نعم.. ولكن علينا ان نتفائل ومفتاح التفائل هو التعليم، فالثقافة السياسية بالصيغة التي حددناها انفاً تستحق ان تكون مقرراً دراسياً في الجامعات والمدارس العراقية كيما يتجسد عملياً، من خلال هذا المقرر، صناعة واشاعة ثقافة لها حضور حقيقي ودور فاعل في تعزيز الوحدة الوطنية العراقية. وهذا المقرر سيكون مادة دراسية تحمل عنوان (الثقافة الوطنية) التي ينبغي ان تحتضن مفردات ابرزها ما يأتي:
• ضرورة وحدة الحركة الوطنية.
• استكمال السيادة الوطنية وانجاز الاستقلال التام.
• نشر الثقافة الدستورية.
• دور المؤسسة الدينية ورجالاتها في تعزيز الوحدة الوطنية.
• ديمقراطية المشاركة.
• المواطنة والوحدة الوطنية.
• الفيدرالية والحكومات المحلية.
• المصالحة الوطنية غير العابرة للعدالة والمسائلة.
• مكافحة الفساد.
• اصلاح الاداء البرلماني والحكومي.
• السياسة الخارجية.

ضرورة وحدة الحركة الوطنية العراقية:

*دكتور لنتحدث عن ضرورة وحدة الحركة الوطنية العراقية وعلاقتها بأسئلة الثقافة؟
د. فياض: تتحكم في المشهد السياسي العراقي منذ سقوط الحكم الشمولي في 9/4/2003 وحتى يومنا هذا، معادلة التاريخ السيء (تاريخ الشمولية الدكتاتورية) والمستقبل الصعب (مستقبل انجاز الاستقلال التام والديمقراطية التي لم تستكمل بعد). وما بين هذا التاريخ السيء وذلك المستقبل الصعب تتمدد مجموعة ازمات ومشكلات وتشوهات لا يمكن مغادرتها ايجابيا الا بائتلاف قوى وشخصيات الحركة الوطنية في العراق. فكان ينبغي ان يتضمن مقرر (الثقافة السياسية) ما يساعد على اشاعة ونشر ثقافة التنسيق والائتلاف والتحالف بين قوى وشخصيات الحركة الوطنية العراقية من اجل تجاوز التاريخ السيء وتحقيق المستقبل الصعب.
واذ تعاني الحركة الوطنية في العراق من اوجاع التشتت وامراض التناثر فلا مرية في ان تعليم الثقافة السياسية ينطلق ليمثل امتداد ومواصلة للمشاريع والجهود والمحاولات الوطنية الصادقة التي سبق وما زالت تبذل للنهوض بالفعاليات الائتلافية والتحالفية وتعميق مضامينها وصولاً الى صيغة تنظيمية تلتقي عندها جميع القوى والشخصيات الوطنية الحقة في سياق علاقات شراكة متكافئة.. صيغة تنظيمية خلاقة تعمل على دعم رؤى ومواقف خطاب وطني عراقي موحد..
ان انجاز هذه المهمة في عراق المرحلة الانتقالية المعاشة ينبغي ان يدفع قوى وشخصيات الحركة الوطنية في العراق باتجاهاتها ومدارسها الفكرية والعقائدية كافة الى التحالف في سبيل المساهمة الفاعلة في معالجة الاشكاليات الملحة التي يعاني منها الوطن والمواطن وابرزها:
ــ اشكاليات السيادة وصولاً الى الاستقلال الناجز بعد تعجيل انسحاب القوات الاجنبية من العراق واقامة الحكم الصالح والنظام السياسي المستقر والعادل. وبناء علاقات ايجابية مع دول العالم كافة مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعولمة ومكافحة الارهاب ودحره.
ــ اشكاليات الارث الاستبدادي ةالدكتاتوري القديم وبقايا العنف والارهاب والنزعات الشمولية، وحماية منجزات التحول الدستوري وصولا الى ترسيخ المسار الديمقراطي.
ان معالجة هذه الإشكاليات والازمات تجعل من قوى وشخصيات الحركة الوطنية في العراق تقترب من بعضها وتحرص على العلاقات الايجابية مع القوى السياسية الوطنية الاخرى والتعاون معها من اجل الانتقال بالعراق من كيان سياسي هش الى دولة نظام سياسي مستقر وعادل قادرة على السير صعوداً بالمرحلة الانتقالية، التي يعيشها عراق اليوم الى مرحلة التحول الديمقراطي.
ان مضمون وحدة الحركة الوطنية العراقي في مشروع تدريس وتعليم الثقافة السياسية في العراق سيكون مفتوحاً ومنفتحاً على كل المشاريع الوطنية العراقية الحقة التي تريد للعراق الجديد ان يكون عراق مستقل.. عراق دولة مؤسسات وقانون.. عراق مجتمع مدني متنوع ومتجانس.. عراق نظام سياسي مستقر وعادل.. عراق حكومة وطنية خادمة تعمل لايقاف التدهور من اجل انجاز التطور وتقدم كل ما يخدم الازدهار والتحسن المطرد لحياة المواطن والوطن.

استكمال السيادة والاستقلال:

*وماذا عن الاستقلال واستكمال السيادة؟
د. فياض: العراق وطناً لا يستحق الا ان يكون مستقلاً. ولا يليق به الا ان يكون حراً. وان وجود القوات الاجنبية على ربوعه انما هو وجود استثنائي مرفوض. ومسؤولية تعليم وتدريس الثقافة السياسية في الجامعات والمدارس تدفع الى التوعية بضرورة تعجيل انسحاب جميع القوات الأجنبية من الأراضي العراقية كافة، وبناء مؤسسات الدولة العراقية الحرة، وتعزيز روح الوطنية، وتنمية قدرات القوات العسكرية والأمنية الوطنية بما يحمي الحدود العراقية ويعزز الامن والاستقرار ويثبت السيادة ويحقق الاستقلال.

الثقافة الدستورية:

*هل تتلمس شيوعاً للثقافة الدستورية في العقل العراقي؟
د. فياض: الدستور عقد اجتماعي سياسي ينظم ادارة الشأن العام في الدولة بوصفه الوثيقة القانونية والسياسية العليا والقاسم المشترك بين جميع المواطنين.
والدستور في العراق هو من ابرز المنجزات بعد عملية التغيير، فهو نتاج الجهد المشترك لكل ابناء الشعب العراقي لضمان إزالة آثار الماضي بما فيه من ظلم واستبداد والتطلع لبناء ممستقبل مشرق.
ان تدريس الثقافة الوطنية ينبغي ان يحرص على التوعية بالالتزام بالدستور واعتماده كأساس لبناء دولة المؤسسات والقانون، واعتبار الدستور الضمان الاول لحماية الحريات العامة والخاصة، وحماية الديمقراطية كأساس للمشاركة السياسية. كذلك التوعية بضرورة الالتزام بتنفيذ وتطبيق احكام الدستور والاحتكام لها وحمايته كمنجز لا يمكن مخالفته او الاتفاق على خلافه ما دام نافذاً وتعديله بآليات دستورية بما يتناسب ومصلحة المواطن والوطن ونجاح وتطور العملية السياسية.

دور المؤسسة الدينية ورجالاتها في تعزيز الوحدة الوطنية:

*هل الدين معرقل أم مشجع وكيف يكون مشجعاً؟
د. فياض: بقدر ما ان المرجعيات الدينية ورجالاتها في العراق قائمة ومؤسسة على قيم الايمان والوطنية والعقلانية فأن درس الثقافة السياسية ينبغي ان يعتمد هذه القيم ويعدها قمم عريضة تتسع لجميع المؤمنين ولجميع الوطنيين ولجميع العقلاء من مختلف التنوعات (القومية والدينية والمذهبية) في العراق.
وعلى اسا ما تقدم فأن خطاب الثقافة الوطنية سيدعو الطلبة الى العمل على الالتزام بالتوجهات الايمانية والعقلانية والوطنية هذه، ويدعم جهودها في تعزيز الوحدة الوطنية ودرء الفتنة الطائفية وقيام الحكم الصالح في العراق.

ديمقراطية المشاركة:

*الكل يجاهر بأنه ديمقراطي. فما الديمقراطية الحقة التي تنشدها لتعزيز الثقافة الوطنية والوحدة الوطنية؟
د. فياض: ان الديمقراطية الحقة هي ديمقراطية المشاركة وليس ديمقراطية الموافقة والتأييد، فأذا كانت ديمقراطية الموافقة والتأييد تقوم فقط على أساس التأييد الشعبي للقرار السياسي السلطوي، فأن ديمقراطية المشاركة تقوم على اساس المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي.
وديمقراطية المشاركة ينبغي ان تتضمنها مفردات تدريس مادة (الثقافة السياسية) بوصفها الاساس في ممارسة السلطة السياسية من خلال حكومة اغلبية سياسية تقوم على مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص امام الجميع.
ان شروط تحقيق ديمقراطية المشاركة التي تنشدها ثقافتنا الوطنية تتمثل بالاقرار والتجسيد العملي للحقائق والمبادئ الآتية:
1- الاقرار المجتمعي والدستوري بحقيقة التنوع القومي والديني والمذهبي في العراق والانتقال به من تنوع غير متجانس الى تنوع متجانس.
2-الاقرار المجتمعي والدستوري بحق الاختلاف وليس الخلاف بين المتنوعين قومياً ودينياً ومذهبياً.
3-الاقرار المجتمعي والدستوري بحق ابناء التنوعات القومية والمذهبية في العراق بالتعبير عن مطالبهم ومطامحهم والتمتع بحقوقهم وممارسة واجباتهم بآليات تنظيمية عصرية حديثة (مؤسسات مجتمع مدني).
4-الاقرار المجتمعي الدستوري بالتداول السلمي للسلطة السياسية ضمن اطار منظومة دستورية متكاملة تعتمد آليات: التمثيل بالانتخابات، التعددية السياسي (بشقيها التعددية الحزبية وتعددية الرأي)، حرية التعبير، الفصل ما بين السلطات، استقلال القضاء، مبدأ اللامركزية بمستوياتها الادارية والسياسية وبصيغها التشريعية والتنمفيذية والقضائية وبأنواع حكوماتها (الحكم الاتحادي القوي بالدستور والحكومات المحلية القوية بالدستور).
5- الاقرار المجتمعي والدستوري ببناء مجتمع آمن ومستقر يتفق مع المبادئ الانسانية والعدالة الاجتماعية.
6-ان تأصيل وتفعيل ديمقراطية المشاركة التي ينشدها برنامج خطاب ثقافتنا الوطنية العراقية يتم على يد حكومة اغلبية سياسية وفق الاستحقاق الانتخابي (لا حكومة محاصصة) كيما تكون قادرة على:
(تعديل الدستور، تجاوز سلبيات قانون مجالس المحافظات، سن قانون تنظيم الحياة الحزبية (قانون الاحزاب) سن قانون الصحافة الحرة وحماية الصحفيين، سن قانون منظمات المجتمع المدني، حصر السلاح بيد الدولة وابعاد الاجهزة الامنية عن التأثيرات السياسية والحزبية، تنمية قدرات القوات العسكرية العراقية بما يحمي الحدود العراقية ويعزز الأمن والاستقلال، التعجيل في تشكيل المفوضية المستقلة العليا لحقوق الانسان، انجاز المصالحة الوطنية غير العابرة للعدالة والمساءلة.

المواطنة والهوية الوطنية المتكاملة:

*د. عامر هل لنا بتوضيح عن ما تعنيه الهوية الوطنية وما هي حدود وعلاقتها بمبدأ المواطنة؟
د. فياض: ان المواطنة تعني المساواة بين العراقيين امام القانون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن العراق والدين واللغة والجنس واللون.
ان احترام مبدأ المواصلة وعدم التميز بين العراقيين على اساس الجنس او الدين او المذهب او العرق ورفض كل شكل من اشكال التميز العنصري والطاتفي هي من المبادئ والاسس التي ينبغي ان يقوم درس الثقافة السياسية ويسعى لتعزيزها.
كما ان اطلاق سراح المعتقلين الابرياء من السجون، وتعجيل إرسال أوراقهم التحقيقية الى القضاء لحسم قضاياهم وفقاً للمدد المقررة بالقانون. وتشجيع عودة المهجرين الى مناطق سكناهم وتوفير مستلزمات الاستقرار والامن. والعمل على عودة الكفاءات المهاجرة من اجل المساهمة في بناء العراق الجديد هي من المبادئ والأسس التي يقوم عليها درس الثقافة السياسية ويسعى لتحقيقها بغية ترسيخ الوحدة الوطنية المتكاملة.
والمواطنة حق وواجب لمواطن تعبر اقواله وافعاله عن تجاوز ايجابي او بالاحرى خروج ايجابي من الانتماءات والولاءات الضيقة للجهات الاجتماعية الاولية (عائلية، قبلية، طائفية، مذهبية، عرقية) الى انتماء وولاء لوطن يتلمس فيه ابناء الهويات المتنوعة من مواطنيه حقيقة تفيد بأن الحماية لهويتهم وحقوقهم القومية والدينية والمذهبية تتأتى اساساً "لأمن هويتهم الفرعية بل من الهوية الوطنية العراقية.
عندها تصبح الهوية السياسية للعراق هوية وطنية متكاملة لوحدة وطنية متكاملة تحفظ حقوق المواطنين العراقيين من ابناء التنوعات القومية والدينية والمذهبية كافة بما فيها التنوعات التي تمثل الاغلبية والتنوعات التي لا تمثل الاغلبية لان الهوية الوطنية تتشكل والوحدة الوطنية تتعزز من حاصل التفاعل الايجابي والتوازن الخلاق ما بين الهويات المتنوعة من جهة وتوفر الحماية لابناء جميع الهويات المتنوعة من جهة ثانية.

الفيدرالية في درس الثقافة السياسية:

*أليس من الضروري ان تكون الفيدرالية حقيقة مفهومة لدى العقل العراقي داخل الجامعات وخارجها؟
د. فياض: ان الفيدرالية في العراق حقيقية دستورية بوصفها شكل من اشكال النظم السياسية اللامركزية تقوم على اساس توزيع وظائف السلطة توزيعاً متوازياً دون تركزها او تركيزها بيد فرد او اقلية. وان آليات تطبيقها تستلزم توافر شروط نجاحها وفي مقدمتها الاستجابة لارادة شعبنا الحرة وبما يضمن وحدة العراق أرضاً وشعباً وتماسك وتلاحم ابنائه دون انفصال او تقسيم. في اطار دولة قوية تقوم على اساس الدستور، وحكومة اتحادية قوية قادرة على انجاز مهامها وفق اختصاصاتها، وادارات او حكومات محلية قادرة على القيام بمهامها الدستورية.
ومن الضروري ان يهتم هذا الدرس بقضية كركوك بوصفها صورة مصغرة لحقيقة التنوع الثني والديني والمذهبي في العراق والتعاطي مع ملفاتها يقتضي النظر اليها بوصفها مدينة عراقية.
ومن حيث المبدأ ينبغي ان يحرص العراقي على اتخاذ مواقف متوازنة من المشكلات والقضايا العراقية ويتعامل معها دون مجابهة. ومن بين ابرز القضايا هي قضية كركوك التي ينبغي التعامل معها وفق ما يأتي:
1-الالتزام بالاليات التي حددها الدستور العراقي بهذا الشأن اساساً لحل الأزمات الوطنية بما يضمن العدالة والانصاف لجميع التنوعات القومية والمذهبية ويساهم في تعزيز الوحدة الوطنية.
2-رفض اللجوء الى القوة والتهديد بها او أي منطق آخر لا يستقيم مع روح التسامح والعيش المشترك في المدينة.
3-اعتماد الحوارات بين الفرقاء العراقيين على المستويين المحلي الكركوكلي والوطني العراقي معاً.
4- ان رفض التدخلات الخارجية والتديل السلبي لقضية كركوك لا يمنع الاسترشاد والاستفادة من الخبرة الاممية التي تقدمها الامم المتحدة.
5- ان ادارة الشأن العام في هذه المدينة لا يمكن ان تكون موضعاً او مجالاً لاستئثار او استحواذ أي طرف من الاطراف المكونة لها وانما هي للجميع.

المصالحة الوطنية غير العابرة للعدالة والمساءلة:

*هل بالامكان تحقيق المصالحة الوطنية دون العدالة الانتقالية؟
د. فياض: ان تعليم وتدريس الثقافة السياسية في العراق بصدد المصالحة الوطنية ينبغي ان يتشكل من التزامه باحكام الدستور العراقي الذي يحظر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية والارهاب والتكفير والتطهير الطائفي ، او يحرض او يمهد او يمجد او يروج او يبرر له.
وبقدر ما يحرص هذا الدرس على تجريم وتحريم الطائفية والتعصب العنصري والارهاب والتكفير فانه يحرص ايضاً على تطهير مؤسسات الدولة من عناصر البعث الصدامي وحلفائه من التكفيريين والارهابيين الذين استباحوا وما زالوا يستبيحون الدم العراقي واحالة المجرمين الى القضاء ومنع عودة حزب البعث الصدامي الى الحياة السياسية وتفعيل دور القضاء والمؤسسات المعنية بذلك.
وبقدر ما يحرص درس الثقافة الوطنية على التوعية بضرورة تطبيق العدالة الانتقالية فانه يحرص ايضاً على الاهتمام بضحايا البعث الصدامي من ذوي الشهداء والسجناء السياسيين، والمعدومين، والمعذبين، والمعوقين، وتفعيل قانون المفصولين السياسيين في دوائر الدولة، ومؤسستي الشهداء والسجناء السياسيين.

مكافحة الفساد:

*التأكيد ان الفساد هو من ابرز معطلات تعزيز الوحدة الوطنية، فما هي سبل مكافحته؟
د. فياض: الفساد بمختلف ضروبه واشكاله آفة تعبر عن اغفاءات ضمائر الفاسدين والمفسدين الغارقين في مستنقع العدمية الوطنية، وعن الاستخفاف بحقوق الوطن والمواطن، وعن استفحال الفوضى والجهل والتخلف، وعن استباحة المال العام والمرافق العامة، وعن قضاء المصالح والحوائج بالطرق الملتوية غير القانونية.
وللتخلص من آفة الفساد الاداري والمالي وضروبه واشكاله الاخرى كافة ينبغي ان ينشد درس الثقافة السياسية التوعية بضرورة تفعيل الدور الرقابي لمجلي النواب، وديوان الرقابة المالية، وهيئة النزاهة ومكاتب المفتش العام، وسن القوانين التي تضمن ذلك، ومحاسبة المسؤول الفاسد والمفسد بغض النظر عن شخصيته او انتمائه وموقعه.

الاصلاح البرلماني وتفعيل الاداء الحكومي:

*لنقترب وبشكل مباشر من السياسة وبالذات البرلمان والحكومة.. فكيف يتم اصلاحهما؟
د.فياض: وصفت المادة الاولى من الدستور العراقي لعام 2005 نظام الحكم في العراق بانه نظام حكم [نيابي (برلماني) ديمقراطي..]، والنظام البرلماني يقوم، في الاصل، على سيادة البرلمان او على الاقل على التنسيق والتعاون والانسجام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. بيد ان هذا الاصل تراجع لصالح تنامي السلطة التنفيذية على حساب السلطة الشتريعية على مستوى التجارب البرلمانية في بلدان العالم كافة التي اخذت انظمتها السياسية تنزع نحو تركز وتركيز السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية.
وكذلك في التجربة البرلمانية العراقية المعاشة والحديثة النشأة نلاحظ ترجيحاً لكفة السلطة التنفيذية (الحكومة بشكل خاص) على كافة السلطة الشتريعية 0مجلس النواب). وهذا الترجيح يتأتى من اسباب متعددة، الامر الذي يدفع الى ضرورة تضمين مقرر الثقافة الوطنية كيما يخدم الوحدة الوطنية العراقية، تضمينه بمادة تشخيص واقع اداء المجلس النيابي العراقي بغية تجاوز معوقاته وتحسين ادائه واصلاحه بالشكل الآتي:
ــ السعي الى اعادة التنسيق والانسجام والتعاون بين عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال تنامي الدور المهيمن والتأثير السلبي للسلطة التنفيذية على عمل مجلس النواب التشريعي والرقابي من قبل اعضاء السلطة التنفيذية وزعماء وامراء الكتل السياسية خارج قبة البرلمان ومن خارج سياقات عمل المجلس النيابي المقررة دستوريا وقانوياً.
ــ ضرورة اعتماد مبدأ التمثيل بآلية الانتخابات في تشكيل المجلس النيابي وفق نظام انتخابي مناسب ومستقر يضمن تمثيل جميع المواطنين العراقيين ويحسن نوعية اختيار المرشحين.
ــ ضرورة تحديث النظام الداخلي لمجلس النواب وبما يؤدي الى تحسين آليات عمله الاداري والفني، ويحسن اختيار موظفيه، ويعمل على اعتماد معايير الكفاءة والخبرة والاختصاص في اختيار اعضاء رئاسة المجلس ولجانه، كما يعمل على تحديث اجراءات اعماله، وترشيق الامتيازات، وترشيد النفقات، وعدم التباطؤ في عقد جلساته، وضبط نظام الحضور والغياب بالنسبة لجميع اعضاء مجلس النواب وضمنهم رؤساء الكتل النيابية دون الترفع عن واجب الحضور.
ــ ان الوظيفة الرئيسة لمجلس النواب تتوزع دستورياً بين الدور التشريعي والدور الرقابي. وبقدر تعلق الامر بالوظيفة التشريعية فان واقع عمل المجلس يؤشر ضعفاً في منهجية العمل التشريعي بسبب اهمال رئاسة المجلس لبرمجة اولويات سن التشريعات المقررة دستورياً وفق اولويات احتياجات المواطن والوطن.
اما على صعيد الوظيفة الرقلبية لمجلس النواب فان هذه الوظيفة تم اللجوء اليها مؤخرا وفي الاوقات الضائعة. ولا غرابة في ان يوظف هذا اللجوء، ان كان متأخر، لاغراض ومصالح تدخل في اطار التنافس السياسي المسروع لا في اطار التنابذ السياسي غير المشروع. الامر الذي جعل هذه الوظيفة النبيلة في الاصل وظيفة شبه معطلة ان لم نقل معطلة في التجربة البرلمانية العراقية بسبب من ان الوزارة تشكلت على اساس المحاصصة لا على اساس وزارة الاغلبية السياسية المنتخبة.
ــ ولما كانت هناك ضرورة دستورية لتشكيل الجنح الثاني للسلطة التشريعية في العراق والمتمثل حسب الدستور بمؤسسة (المجلس البلدي) فأن الثقافة السياسية الوطنية تحث، وضمن مبدأ برمجة اولويات سن الشريعات، الى ضرورة سن قانون المجلس الاتحادي العراقي والتعجيل بتشكيله الامر الذي سيشكل خطوة مهمة في تطوير مسار وتحسين اداء العمل البرلماني في العراق لما سيقدمه المجلس الاتحادي العراقي من اسناد وخبرة وعون لمجلس النواب.
ــ ان اعادة الاعتبار لمبدأ التنسيق والانسجام والتعاون ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لا يستقيم باصلاح وتفعيل الاداء البرلماني فحسب باصلاح وتفعيل الاداء الحكومي ايضا. وعليه والتزاماً بالدستور، يشدد مقرر تعليم الثقافة السياسية الوطنية في العراق في مضمار تفعيل الاداء الحكومي الى ما يأتي:
• تشكيل حكومة اغلبية سياسية تقوم على اساس الاستحقاق الانتخابي بعيداً عن تجربة حكومة المحاصصة المريرة.
• ضرورة ان تتمثل الوظيفة الاساسية للحكومة بوصفها (حكومة خدمة وطنية) باقتراح مشاريع القوانين في سياق برمجة الاولويات حسب احتياجات المواطن والوطن، واعطاء الاهمية لملفات الامن والاستقرار، والخدمات، توفير الموازنة اللازمة لتطوير قطاع الكهرباء والماء والصحة والتعليم والطرق وشبكة الصرف الصحي. مع متابعة التنفيذ وتوفير فرص العمل لمكافحة البطالة، ومكافحة الفساد والمفسدين بلا هوادة.
• ترشيق عدد اعضاء الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية بما يتناسب واحتياجات المواطن والوطن.
• ماسسة عمل الوزارات ودوائر الدزلة غير المرتبطة بوزارة من خلال التزام كل وزارة بالقانون الخاص بها وبالتعليمات والانظمة الصادرة بموجب هذا القانون من جهة واعتماد سياسة الوزارة لا سياسة الوزير او الجهة الحزبية التي ينتمي اليها مع منع المحسوبية والمنسوبية والتحزب داخل الوزارات ومؤسسات الدولة كافة.
• اعتماد معايير الكفاءة والخبرة والمهنية والاختصاص في ترشيح واختيار الوزراء والوكلاء والمدراء العامين وموظفي المناصب القيادية الاخرى داخل كل وزارة وفي مؤسسات الدولة كافة.
• تطبيق قانون مجلس الخدمة المدنية والتعجيل بتشكيل مجلس الخدمة المدنية لاعتماده في سياسة التوظيف في مؤسسات الدولة كافة.

السياسة الخارجية والعلاقات الدولية:

*اخيراً د. عامر.. لنتحدث عن المستوى الخارجي للسياسة.. وكيف يكون هذا المستوى معززاً للوحدة الوطنية؟
د. فياض: ان مقرر الثقافة السياسية لا يكتف، كيما يكون معززاً للوحدة الوطنية العراقية، يوضع الأسس الوطنية والمنطلقات الاساسية للسياسة الداخلية العراقية، بل ينبغي ان يحتضن ايضاً المبادئ والاسس التي ينطلق منها العراق في تعامله مع محيطه الاقليمي والدولي.
ومن حيث المبدأ فان المعادلة التي ينبغي ان تتحكم في التحرك السياسي الخارجي للعراق تقوم على –اطروحة (كسب الاصدقاء وتحييد الاعداء) واطروحة (عافية الداخل العراقي تؤدي الى جلب عافية الخارج على العراق والعكس غير صحيح) وعليه فان العراق يتطلع الى بناء علاقات ايجابية متميزة على صعيد شعوب وحكومات دول الجوار والمحيطين العربي والاسلامي اضافة الى المجتمع الدولي. كما انه ينبغي ان يتفاعل مع دور المنظمات الاقليمية والدولية القادرة على حماية استقلال البلد-ان وحماية حقوق الانسان وتنمية الشعوب وحفظ حقوقها وتحقيق السلام والاستقرار.



#سعدون_هليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهدي العامل
- فاضل ثامر
- شجاع العاني
- قراءة التراث : في منهج هادي العلوي
- عن الميثولوجيا
- حوار مع د .نبيل رشاد
- ادوارد سعيد في كتابه -المثقف والسلطة-: الوعي النقدي في مواجه ...
- رضا الظاهر في حوار مع -طريق الشعب-:


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعدون هليل - حوار مع د. عامر حسن فياض